ومیض 6
و بالحری أن نذکر مالخّصه الشیخ العارف الکامل، قاضی سعید الشریف القمی، رضی الله عنه، ممّا فصّله بعض أهل المعرفة. قال فی البوارق الملکوتیة:
قال: إنّ الحقائق الخارجیة فی حال غیبتها تحت أستار الأسماء الّتی وسائط مشهودها. سألت تلک الأسماء سؤال افتقار و قالت: إنّّ العدم قد أعمانا من إدراک بعضنا بعضاً، و عن معرفة ما یجب لکم من الحقّ علینا. فلو أنّکم أظهرتم أعیاننا، لکنتم أنعمتم علینا، و أمکن لنا أن نقوم بحقوقکم. و لکانت سلطنتکم متحققّة؛ و الیوم أنتم سلاطین علینا بالقوّة، من دون جنود ولا عدّة. فهذا الّذی نطلبه منکم أکثر نفعاً لکم ممّا فی حقّنا.
فلمّا سمعت الأسماء الإلهیّة مقالة الحقائق الغیبیّة، نظرت فی ذوات أنفسها، و صدقت الممکنات؛ و طلبت ظهور أحکامها حتّی یتمیّز أعیانها بآثارها. فإنّ «الخلّاق» و «المدبّر» و غیرهما نظروا فی ذواتهم، فلم یروا خلّاقاً و لا مدبّراً، و لا غیر ذلک. فجاءت تلک الأسماء إلی حضرة الإسم «الباریٔ»، فقالوا له: عسی أن توجد أنت هذه الأحکام الّتی اقتضت حقائقها. فقال «البارئ»: ذلک راجع إلی الإسم «القادر»؛ فإنّی تحت حیطته؛ فالتجأوا إلیه. فقال «القادر»: أنا
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 84 تحت حکم «المرید»؛ فلا أوجد عیناً منکم إلّا باختصاص؛ و لیس ذلک إلّا بتخصٌصه و أن یأتیه أمر من ربّه، فحینئذ أتعلّق أنا بالإیجاد. ففزعوا إلی «المرید»، و ذکروا له مقالة «القادر». فقال «المرید»: صدق «القادر»؛ و لکنّی أنظر إلی أنّه هل سبق العلم من الإسم «العلیم» بظهور آثارکم، فأخصّص أنا ماشاء الله من أحکامکم؛ فإنّی تحت حکمه. فصاروا إلی الإسم «العلیم». فقال «العالم»: قد سبق العلم بإیجادکم، ولکنّ الأدب أولی؛ و لیس الأمر هنا بمحض الإفتقار، بل لابدّ من الإذن مرّة بعد أخری. و إنّ لنا کلّنا حضرة مهیمنة علینا. و هی الإسم «الله».
فاجتمعت الأسماء إلی الحضرة الإلهیّة، فذکروا له قصّتهم، و أظهروا له ما اقتضت حقائقهم. فقال: حقّاً أقول أنا اسم جامع لحقائقکم، مشتمل علی مراتبکم، و إنّی دلیل علی ذات المقدّسة و حضرة الأحدیّة. فمکانکم أنتم و رفقائکم حتّی أعرض علیه مقاصدکم فقال: یا من هو، یا من لا هو إلّا هو، قد اختصم الملأ الأعلی و قالت الأعیان هکذا. فنودی من سرّه أن: أخرج علیهم، و قل لکلّ واحد من الأسماء ما یتعلّق بما یقتضیه حقائقها. فخرج الإسم «الله»، و معه الإسم «المتکلّم» یترجم عنه الممکنات و الأسماء الإلهیّة، و ذکر لهم ما أمره المسمّی. فتعلّق «العالم» بظهور الممکن الأوّل؛ و «القادر» بظهور الممکن الثانی؛ و «المرید» بسائر الأعیان. فظهرت الأدبار و الأکوان.
و أدّی الأمر إلی المنازعة و المخالفة؛ کما هو مقتضی الأسماء الجمالیّة و الجلالیّة. فقالت الأعیان: إنّا نخاف أن یفسد نظامنا، أو یطغی بعضنا علی بعضنا، و نلحق بالعدم الّذی کنّا فیه. فالتجأوا، تارة أخری، إلی الأسماء بتعلیم الأسم «العلیم» و «المدبّر»، قالوا: أیّها الأسماء التی لکم السلطنة علینا، إن کان أمرکم علی میزان معلوم و
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 85 حدّ مرسوم بأن یکون فیکم إمام یخفضنا و یخفض تأثیراتکم فینا، لکان أصلح لنا و لکم. فسمعوا ذلک و التجأوا إلی الإسم «المدبّر». فدخل «المدبّر» إلی المسمّی، و خرج بأمر الحقّ إلی الإسم «الربّ» فقال له: صدر الأمر بأن تفعل أنت ما یقتضیه المصلحة فی بقاء الممکنات. فقال: سمعاً و طاعة. و أخذ وزیرین یعینانه علی مصالحه. و هما «المدبّر» و «المفصّل». قال الله تعالی: «یُدَبِّرُ الأمرَ وَ یُفَصِّلُ الآیاتِ لَعَلَّکُم بِلِقآءِ رَبِّکُم تُوقِنونَ. » أی، ربّکم الّذی هو الإمام. فانظر ما أحکم کلام الله و أتقن صنع الله. إنتهی.
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 86