مطلع 4
قد حان حین أداء ما فرض علینا بحکم الجامعة العلمیّة و العرفانیّة و الأخوّة الإیمانیّة بإلقاء الحجاب عن وجه مطلوبهم بحیث یرتفع الخلاف من البین و یقع إصلاح ذات البین. فإنّ طور العرفاء و إن کان طوراً وراء العقل، إلا أنّه لا یخالف العقل الصریح و البرهان الفصیح، حاشا المشاهدات الذوقیّة أن تخالف البرهان؛ و البراهین العقلیّة أن تقام علی خلاف شهود أصحاب العرفان.
فنقول: إعلم، أیّها الأخ الأعزّ، أنّ الحکماء الشامخین و الفلاسفة المعظّمین لمّا کان نظر هم إلی الکثرة و حفظ مراتب الوجود من عوالم الغیب و الشهود و ترتیب الأسباب و المسببات و العوالم الصاعدات و النازلات، لاجرم یحقّ لهم أن یقولوا بصدور العقل المجرد أوّلاً؛ ثمّ النفس؛ إلی أخیرة مراتب الکثرات. فإنّ مقام المشیئة المطلقة لا کثرة فیه؛ و إنّما هی تتحقّق فی المرتبة التالیة منه، و هی تعیّناته. فالمشیئة لاندکاکها فی الذات الأحدیّة و استهلاکها فی الکبریاء السرمدیّة، لمن یکن
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 65 لها حکم حتّی یقال فی حقّها إنّها صادرة أو غیر صادرة.
و أمّا العرفاء الشامخون و الأولیاء المهاجرون لمّا کان نظر هم إلی الوحدة و عدم شهود الکثرة، لم ینظروا الی تعیّنات العوالم، ملکها أو ملکوتها، ناسوتها أو جبروتها. و یروا أنّ تعیّنات الوجود المطلق، المعبّر عنها ب »الماهیات» و «العوالم» أیّة عوالم کانت، إعتبار و خیال؛ و لذا قیل: العالم عند الأحرار خیال فی خیال. و قال الشیخ الکبیر، محیی الدین: العالم غیب ما ظهر قطّ؛ و الحقّ ظاهر ما غاب قطّ. إنتهی. فما کان فی دار التحقّق و الوجود و محفل الغیب و الشهود إلا الحقّ، ظاهراً و باطناً، أوّلاً و آخراً. و ماوراءه من تلبیسات الوهم و اختراعات الخیال.
کتابمصباح الهدایة الی الخلافة والولایةصفحه 66