والمقصود من هذا الکتاب بیان المحلّل والمحرّم من الحیوان وغیر الحیوان .
القول فی الحیوان
(مسألة 1) : لایؤکل من حیوان البحر إلاّ السمک ، فیحرم غیره من أنواع حیوانه ، حتّیٰ ما یؤکل مثله فی البرّ کبقره علی الأقویٰ .
(مسألة 2) : لا یؤکل من السمک إلاّ ما کان له فلس وقشور بالأصل وإن لم تبق وزالت بالعارض کالکنعت ؛ فإنّه علیٰ ما ورد فیه حوت سیّئة الخلق تحتکّ بکلّ شیء فیذهب فلسها ، ولذا لو نظرتَ إلیٰ أصل اُذنها وجدته فیه . ولا فرق بین أقسام السمک ذی القشور فیحلّ جمیعها ؛ صغیرها وکبیرها من البزّ والبنّی والشبّوط والقطّان والطیرامی والإبلامی وغیرها ، ولا یؤکل منه ما لیس له فلس فی الأصل کالجرّی والزمّار والزهو والمارماهی .
(مسألة 3) : الإربیان - المسمّیٰ فی لسان أهل هذا الزمان بـ «الروبیان» - من جنس السمک الذی له فلس ، فیجوز أکله .
(مسألة 4) : بیض السمک تتبع السمک ، فبیض المحلّل حلال وإن کان أملس ، وبیض المحرّم حرام وإن کان خشناً . وإذا اشتبه أنّه من المحلّل أو من المحرّم حلّ أکله والأحوط فی حال الاشتباه عدم أکل ما کان أملس .
(مسألة 5) : البهائم البرّیّة من الحیوان صنفان : إنسیّة ووحشیّة ، أمّا الإنسیّة : فیحلّ منها جمیع أصناف الغنم والبقر والإبل ، ویکره الخیل والبغال والحمیر ، وأخفّها کراهة الأوّل ،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 614 واختلف فی الأخیرین فقیل بأخفّیّة الثانی وقیل بأخفّیّة الأوّل . وتحرم منها غیر ذلک کالکلب والسنّور وغیرهما . وأمّا الوحشیّة : فتحلّ منها الظبی والغزلان والبقر والکباش الجبلیّة والیحمور والحمیر الوحشیّة . وتحرم منها السباع ؛ وهی ما کان مفترساً وله ظفر وناب ؛ قویّاً کان کالأسد والنمر والفهد والذئب ، أو ضعیفاً کالثعلب والضبع وابن آویٰ ، وکذا یحرم الأرنب وإن لم یکن من السباع ، وکذا تحرم الحشرات کلّها کالحیّة والفأرة والضبّ والیربوع والقنفذ والصراصر والجُعل والبراغیث والقمّل وغیرها ممّا لاتحصیٰ .
(مسألة 6) : یحلّ من الطیر : الحمام بجمیع أصنافه کالقماری - وهو الأزرق - والدباسی ـ وهو الأحمر - والورشان - وهو الأبیض - والدرّاج والقبج والقطا والطیهوج والبطّ والکروان والحباریٰ والکرکی والدجاج بجمیع أقسامه والعصفور بجمیع أنواعه ومنه البلبل والزرزور والقبّرة ؛ وهی التی علیٰ رأسها القزعة ، وقد ورد أنّها من مسحة سلیمان علیه السلام . ویکره منه الهدهد والخطّاف - وهو الذی یأوی البیوت وآنس الطیور بالناس ، والصرد وهو طائر ضخم الرأس والمنقار یصید العصافیر أبقع - نصفه أسود ونصفه أبیض - والصوام وهو طائر أغبر اللون طویل الرقبة أکثر ما یبیت فی النخل والشقرّاق وهو طائر أخضر ملیح بقدر الحمام خضرته حسنة مشبعة فی أجنحته سواد ویکون مخطّطاً بحمرة وخضرة وسواد ولا یحرم شیء منها حتّی الخطّاف علی الأقویٰ . ویحرم منه الخفّاش والطاووس وکلّ ذی مخلب ؛ سواء کان قویّاً یقویٰ به علی افتراس الطیر ، کالبازی والصقر والعقاب والشاهین والباشق ، أو ضعیفاً لایقویٰ به علیٰ ذلک کالنسر والبغاث .
(مسألة 7) : الأحوط التنزّه والاجتناب عن الغراب بجمیع أنواعه حتّی الزاغ - وهو غراب الزرع - والغداف - الذی هو أصغر منه أغبر اللون کالرماد - ویتأکّد الاحتیاط فی الأبقع - الذی فیه سواد وبیاض ویقال له العقعق - والأسود الکبیر - الذی یسکن الجبال ـ وهما یأکلان الجیف ، ویحتمل قویّاً کونهما من سباع الطیر فیقویٰ فیهما الحرمة .
(مسألة 8) : یمیّز محلّل الطیر عن محرّمه بأمرین ، جعل کلّ منهما فی الشرع علامة للحلّ والحرمة فیما لم ینصّ علیٰ حلّیّته ولا علیٰ حرمته دون ما نصّ فیه علیٰ حکمه من
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 615 حیث الحلّ أو الحرمة کالأنواع المتقدّمة : أحدهما : الصفیف والدفیف ، فکلّ ما کان صفیفه ـ وهو بسط جناحیه عند الطیران - أکثر من دفیفه - وهو تحریکهما عنده - فهو حرام وما کان بالعکس بأن کان دفیفه أکثر من صفیفه فهو حلال . ثانیهما : الحوصلة والقانصة والصیصیة ، فما کان فیه أحد هذه الثلاثة فهو حلال ، وما لم یکن فیه شیء منها فهو حرام . والحوصلة : ما یجتمع فیه الحبّ وغیره من المأکول عند الحلق ، والقانصة : فی الطیر بمنزلة الکرش لغیره ، أو هی قطعة صلبة تجتمع فیها الحصاة الدقاق التی یأکلها الطیر ، والصیصیة : هی الشوکة التی فی رجل الطیر موضع العقب . ویتساویٰ طیر الماء مع غیره فی العلامتین المزبورتین فما کان دفیفه أکثر من صفیفه ، أو کان فیه أحد الثلاثة ـ الحوصلة والقانصة والصیصیة - فهو حلال وإن کان یأکل السمک ، وما کان صفیفه أکثر من دفیفه ، أو لم یوجد فیه شیء من الثلاثة فهو حرام .
(مسألة 9) : لو تعارضت العلامتان کما إذا کان ما صفیفه أکثر من دفیفه ذا حوصلة أو قانصة أو صیصیة ، أو کان ما دفیفه أکثر من صفیفه فاقداً للثلاثة ، فالظاهر أنّ الاعتبار بالصفیف والدفیف ، فیحرم الأوّل ویحلّ الثانی ، علیٰ إشکال فی الثانی فلایترک الاحتیاط . لکن ربّما قیل بالتلازم بین العلامتین وعدم وقوع التعارض بینهما فلا إشکال .
(مسألة 10) : لو رأیٰ طیراً یطیر وله صفیف ودفیف ولم یتبیّن أیّهما أکثر تعیّن له الرجوع إلی العلامة الثانیة ؛ وهی وجود أحد الثلاثة وعدمها فیه ، وکذا إذا وجد طیراً مذبوحاً لم یعرف حاله .
(مسألة 11) : لو فرض تساوی الصفیف والدفیف فیه فالمشهور علیٰ حلّیّته ، لکن لایخلو من إشکال ، فالأحوط أن یرجع فیه إلی العلامة الثانیة .
(مسألة 12) : بیض الطیور تابعة لها فی الحلّ والحرمة ، فبیض المحلّل حلال وبیض
المحرّم حرام . وما اشتبه أنّه من المحلّل أو المحرّم یؤکل ما اختلف طرفاها وتمیّز رأسها من تحتها مثل بیض الدجاج دون ما اتّفق وتساویٰ طرفاه .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 616 (مسألة 13) : النعامة من الطیور ؛ وهی حلال لحماً وبیضاً علی الأقویٰ .
(مسألة 14) : اللقلق لم ینصّ علیٰ حرمته ولا علیٰ حلّیته فلیرجع فی حکمه إلیٰ علامات الحلّ والحرمة ؛ أمّا من جهة الدفیف والصفیف فقد اختلف فی ذلک أنظار من تفقّده ؛ فبعض ادّعیٰ أنّ دفیفه أکثر من صفیفه ، وبعض ادّعی العکس ، ولعلّ طیرانه غیر منتظم . وکیف کان إذا تبیّن حاله من جهة الدفیف والصفیف فهو ، وإلاّ فلیرجع إلی العلامة الثانیة ؛ وهی وجود إحدی الثلاث وعدمها .
(مسألة 15) : تعرض الحرمة علی الحیوان المحلّل بالأصل من اُمور :
فمنها : الجلل ، وهو أن یتغذّی الحیوان عذرة الإنسان بحیث یصدق عرفاً أنّها غذاؤه . ولا یلحق بعذرة الإنسان عذرة غیره ولا سائر النجاسات . ویتحقّق الصدق المزبور بانحصار غذائه بها ، فلو کان یتغذّیٰ بها مع غیرها لم یتحقّق الصدق فلم یحرم ، إلاّ أن یکون تغذّیه بغیرها نادراً جدّاً بحیث یکون بأنظار العرف بحکم العدم ، وبأن یکون تغذّیه بها مدّة معتدّاً بها . والظاهر عدم کفایة یوم ولیلة بل یشکّ صدقه بأقلّ من یومین بل ثلاثة .
(مسألة 16) : یعمّ حکم الجلل کلّ حیوان محلّل حتّی الطیر والسمک .
(مسألة 17) : وکما یحرم لحم الحیوان بالجلل ، یحرم لبنه وبیضه ، ویحلاّن بما یحلّ به لحمه . وبالجملة : هذا الحیوان المحرّم بالعارض کالحیوان المحرّم بالأصل فی جمیع الأحکام قبل أن یستبرأ ویزول حکمه .
(مسألة 18) : الظاهر أنّ الجلل لیس مانعاً عن وقوع التذکیة ، فیذکّی الجلاّل بما یذکّیٰ به غیره ، ویترتّب علیها طهارة لحمه وجلده کسائر الحیوان المحرّم بالأصل القابل للتذکیة .
(مسألة 19) : تزول حرمة الجلاّل بالاستبراء بترک التغذّی بالعذرة والتغذّی بغیرها مدّة ، وهی فی الإبل أربعون یوماً ، وفی البقر عشرون یوماً والأحوط ثلاثون یوماً ، وفی الشاة عشرة أیّام ، وفی البطّة خمسة أیّام ، وفی الدجاجة ثلاثة أیّام ، وفی السمک یوم ولیلة . وفی غیر ما ذکر فالمدار علیٰ زوال اسم الجلل بحیث لم یصدق علیه أنّه یتغذّیٰ بالعذرة ، بل صدق أنّ غذاءه غیرها .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 617 (مسألة 20) : کیفیّة الاستبراء أن یمنع الحیوان بربط أو حبس عن التغذّی بالعذرة فی المدّة المقرّرة ویعلف فی تلک المدّة علفاً طاهراً علی الأحوط ، وإن کان الاکتفاء بالتغذّی بغیر ما أوجب الجلل مطلقاً وإن کان متنجّساً أو نجساً لایخلو من قوّة ، خصوصاً فی المتنجّس .
(مسألة 21) : یستحبّ ربط الدجاجة التی یراد أکلها أیّاماً ، ثمّ ذبحها وإن لم یعلم جللها .
(مسألة 22) : وممّا یوجب حرمة الحیوان المحلّل بالأصل أن یطأه الإنسان قبلاً أو دبراً وان لم ینزل ؛ صغیراً کان الواطئ أو کبیراً ، عالماً کان أو جاهلاً ، مختاراً کان أو مکرهاً ، فحلاً کان الموطوء أو اُنثیٰ ، فیحرم بذلک لحمه ولحم نسله المتجدّد بعد الوط ء ولبنهما .
(مسألة 23) : الحیوان الموطوء إن کان ممّا یراد أکله کالشاة والبقرة والناقة یجب أن یذبح ، ثمّ یحرق ، ویغرم الواطئ قیمته لمالکه إذا کان غیر المالک . وإن کان ممّا یراد ظهره ـ حملاً أو رکوباً - ولیس یعتاد أکله کالحمار والبغل والفرس اُخرج من المحلّ الذی فعل به إلیٰ بلد آخر فیباع فیه ، فیعطیٰ ثمنه للواطئ ویغرم قیمته إن کان غیر المالک . ولعلّنا نستوفی بعض ما یتعلّق بهذه المسألة فی کتاب الحدود لو ساعدنا التوفیق .
(مسألة 24) : وممّا یوجب عروض الحرمة علی الحیوان المحلّل بالأصل أن یرضع حمل أو جدی أو عجل من لبن خنزیرة حتّیٰ قوی ونبت لحمه واشتدّ عظمه ، فیحرم لحمه ولحم نسله ولبنهما ، ولا تلحق بالخنزیرة الکلبة ولا الکافرة ، وفی تعمیم الحکم للشرب من دون رضاع وللرضاع بعد ما کبر وفطم إشکال ، وإن کان أحوط . هذا إذا اشتدّ ، وأمّا إذا لم یشتدّ کره لحمه ، وتزول الکراهة بالاستبراء سبعة أیّام ؛ بأن یمنع عن التغذّی بلبن الخنزیرة ویعلف إن استغنیٰ عن اللبن ، وإن لم یستغن عنه یلقیٰ علیٰ ضرع شاة - مثلاً - فی تلک المدّة .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 618 (مسألة 25) : لو شرب الحیوان المحلّل الخمر حتّیٰ سکر وذبح فی تلک الحال یؤکل لحمه ، لکن بعد غسله ، ولا یؤکل ما فی جوفه من الأمعاء والکرش والقلب والکبد وغیرها وإن غسل . ولو شرب بولاً ثمّ ذبح عقیب الشرب حلّ لحمه بلا غسل ویؤکل ما فی جوفه بعد ما یغسل .
(مسألة 26) : لو رضع جدی أو عناق أو عجل من لبن امرأة حتّیٰ فطم وکبر ، لم یحرم لحمه ، لکنّه مکروه .
(مسألة 27) : یحرم من الحیوان المحلّل وإن ذکّی أربعة عشر شیئاً : الدم والروث والطحال والقضیب والاُنثیان والمثانة والمرارة والنخاع - وهو خیط أبیض کالمخّ فی وسط فقار الظهر - والغدد - وهی کلّ عقدة فی الجسد مدوّرة تشبه البندق فی الأغلب - والمشیمة ـ وهی موضع الولد أو قرینه الذی یخرج معه - ویجب الاحتیاط بالتنزّه عنهما والعلباوان - وهما عصبتان عریضتان صفراوان ممتدّتان علی الظهر من الرقبة إلی الذنب - وخرزة الدماغ - وهی حبّة فی وسط الدماغ بقدر الحمّصة تمیل إلی الغبرة فی الجملة یخالف لونها لون المخّ الذی فی الجمجمة - والحدقة - وهی الحبّة الناظرة من العین - لا جسم العین کلّه .
(مسألة 28) : تختصّ حرمة الأشیاء المذکورة بالذبیحة والمنحورة ، فلا یحرم من السمک والجراد شیء منها ما عدا الرجیع والدم علیٰ إشکال فیهما .
(مسألة 29) : لایوجد فی الطیور شیء ممّا ذکر عدا الرجیع والدم والمرارة والطحال والبیضتین فی الدیکة ، ولا إشکال فی حرمة الأوّلین منها فیها ، وأمّا البواقی ففیها إشکال فلایترک فیها الاحتیاط .
(مسألة 30) : یؤکل من الذبیحة غیر ما مرّ ، فیؤکل القلب والکبد والکرش والأمعاء
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 619 والغضروف والعضلات وغیرها ، نعم یکره الکلیتان واُذنا القلب والعروق ، خصوصاً الأوداج . وهل یؤکل منها الجلد والعظم مع عدم الضرر أم لا ؟ أظهرهما الأوّل وأحوطهما الثانی . نعم لا إشکال فی جلد الرأس وجلد الدجاج وغیره من الطیور ، وکذا فی عظم صغار الطیور کالعصفور .
(مسألة 31) : یجوز أکل لحم ما حلّ أکله نیّاً ومطبوخاً ، بل ومحروقاً أیضاً إذا لم یکن مضرّاً ، نعم یکره أکله غریضاً ؛ بمعنیٰ کونه طریّاً لم یتغیّر بشمس ولا نار ولا بذرّ الملح علیه وتجفیفه فی الظلّ وجعله قدیداً .
(مسألة 32) : اختلفوا فی حلّیّة بول ما یؤکل لحمه کالغنم والبقر عند عدم الضرورة علیٰ قولین : فقال بعض بالحلّیّة ، وحرّمه جماعة وهو الأحوط ، نعم لا إشکال فی حلّیّة بول الإبل للاستشفاء .
(مسألة 33) : یحرم رجیع کلّ حیوان ، ولو کان ممّا حلّ أکله ، نعم الظاهر عدم حرمة فضلات الدیدان الملتصقة بأجواف الفواکه والبطائخ ونحوها ، وکذا ما فی جوف السمک والجراد إذا اُکل معهما .
(مسألة 34) : یحرم الدم من الحیوان ذی النفس حتّی العلقة والدم فی البیضة ، عدا ما یتخلّف فی الذبیحة علیٰ إشکال فیمایجتمع منه فی القلب والکبد . وأمّا الدم من غیر ذی النفس ، فما کان ممّا حرم أکله کالوزغ والضفدع والقرد فلا إشکال فی حرمته ، وأمّا ما کان ممّا حلّ أکله کالسمک الحلال ففیه خلاف ، والظاهر حلّیّته إذا اُکل مع السمک بأن اُکل السمک بدمه ، وأمّا إذا اُکل منفرداً ففیه إشکال .
(مسألة 35) : قد مرّ فی کتاب الطهارة طهارة ما لا تحلّه الحیاة من المیتة ، حتّی اللبن والبیضة إذا اکتست جلدها الأعلی الصلب ، والإنفحّة وهی کما أنّها طاهرة ، حلال أیضاً .
(مسألة 36) : لا إشکال فی حرمة القیح والوسخ والبلغم والنخامة من کلّ حیوان ، وأمّا البصاق والعرق من غیر نجس العین فالظاهر حلّیّتهما ، خصوصاً الأوّل وخصوصاً إذا کان من الإنسان أو ممّا یؤکل لحمه من الحیوان .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 620
القول فی غیر الحیوان
(مسألة 1) : یحرم تناول الأعیان النجسة وکذا المتنجّسة ما دامت باقیة علی النجاسة ؛ مائعة کانت أو جامدة .
(مسألة 2) : یحرم تناول کلّ ما یضرّ بالبدن ؛ سواء کان موجباً للهلاک کشرب السموم القاتلة وشرب الحامل ما یوجب سقوط الجنین أو سبباً لانحراف المزاج أو لتعطیل بعض الحواسّ ؛ ظاهرة أو باطنة أو لفقد بعض القویٰ ، کالرجل یشرب ما یقطع به قوّة الباه والتناسل ، أو المرأة تشرب ما به تصیر عقیماً لا تلد .
(مسألة 3) : لا فرق فی حرمة تناول المضرّ بین المعلوم الضرر ومظنونه ، بل ومحتمله أیضاً إذا کان احتماله معتدّاً به عند العقلاء بحیث أوجب الخوف عندهم ، وکذا لا فرق بین أن یکون الضرر المترتّب علیه عاجلاً أو بعد مدّة .
(مسألة 4) : یجوز التداوی والمعالجة بما یحتمل فیه الخطر ویؤدّی إلیه أحیاناً ؛ إذا کان النفع المترتّب علیه - حسب ما ساعدت علیه التجربة وحکم به الحذّاق وأهل الخبرة ـ غالبیّاً ، بل یجوز المعالجة بالمضرّ العاجل الفعلی المقطوع به إذا یدفع به ما هو أعظم ضرراً وأشدّ خطراً . ومن هذا القبیل : قطع بعض الأعضاء دفعاً للسرایة المؤدّیة إلی الهلاک ، وبطّ الجرح والکیّ بالنار ، وبعض العملیات المعمولة فی هذه الأعصار ؛ بشرط أن یکون الإقدام علیٰ ذلک جاریاً مجری العقلاء بأن یکون المباشر للعمل حاذقاً محتاطاً مبالیاً غیر مسامح ولا متهوّر ، لا إذا کان علیٰ خلاف ذلک کبعض المتطبّبین .
(مسألة 5) : ما کان یضرّ کثیره دون قلیله ، یحرم کثیره المضرّ دون قلیله الغیر المضرّ ، ولو فرض العکس کان بالعکس ، وکذا ما یضرّ منفرداً لا منضمّاً مع غیره ، یحرم منفرداً لا منضمّاً ، وما کان بالعکس کان بالعکس .
(مسألة 6) : إذا کان لا یضرّ تناوله مرّة أو مرّتین - مثلاً - ولکن یضرّ إدمانه وزیادة تکریره والتعوّد به یحرم تکریره المضرّ خاصّة . ومن ذلک شرب الأفیون بابتلاعه أو
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 621 شرب دخانه فإنّه لا یضرّ مرّة أو مرّتین ، لکن تکراره والمداومة علیه والتعوّد به - کما هو المتداول فی بعض البلاد ، خصوصاً ببعض کیفیّاته المعروفة عند أهله - مضرّ غایته وفیه فساد ، وأیّ فساد ! بل هو بلاء وأیّ بلاء ! داء عظیم وبلاء جسیم وخطر خطیر وفساد کبیر ـ أعاذ اللّه المسلمین منه - فمن رام شربه لغرض من الأغراض فلیلتفت إلیٰ أن لا یکثّره ولا یکرّره إلیٰ حدّ یتعوّد ویبتلیٰ به ، ومن تعوّد به یجب علیه الاجتهاد فی ترکه وکفّ النفس والعلاج بما یزیل عنه هذا الاعتیاد .
(مسألة 7) : یحرم أکل الطین - وهو التراب المختلط بالماء حال بلّته - وکذا المدر - وهو الطین الیابس - ویلحق بهما التراب أیضاً علی الأحوط . نعم لابأس بما یختلط به الحنطة أو الشعیر - مثلاً - من التراب والمدر ، وکذا ما یکون علیٰ وجه الفواکه ونحوها من التراب والغبار ، وکذا الطین الممتزج بالماء المتوحّل الباقی علی إطلاقه ؛ وذلک لاستهلاک الخلیط فی المخلوط . نعم لو أحسّ ذائقتة الأجزاء الطینیة حین الشرب فلا یترک الاحتیاط بترک شربه أو ترکه إلاّ أن یصفو وترسب تلک الأجزاء .
(مسألة 8) : الظاهر أنّه لا یلحق بالطین الرمل والأحجار وأنواع المعادن فهی حلال کلّها مع عدم الضرر .
(مسألة 9) : یستثنیٰ من الطین طین قبر الحسین علیه السلام للاستشفاء ، فإنّ فی تربته المقدّسة الشفاء من کلّ داء ، وإنّها من الأدویة المفردة ، وإنّها لا تمرّ بداء إلاّ هضمته . ولا یجوز أکلها لغیر الاستشفاء ، ولا أکل ما زاد عن قدر الحمّصة المتوسّطة . ولا یلحق به طین
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 622 غیر قبره حتّیٰ قبر النبیّ والأئمّة علیهم السلام علی الأحوط لو لم یکن الأقوی ، نعم لابأس بأن یمزج بماء أو شربة والتبرّک والاستشفاء بذلک الماء وتلک الشربة .
(مسألة 10) : لأخذ التربة المقدّسة وتناولها عند الحاجة آداب وأدعیة مذکورة فی محالّها ، خصوصاً فی کتب المزار ولاسیّما مزار «بحار الأنوار» ، لکن الظاهر أنّها کلّها شروط کمال لسرعة تأثیرها لا أنّها شرط لجواز تناولها .
(مسألة 11) : القدر المتیقّن من محلّ أخذ التربة هو القبر الشریف وما یقرب منه علیٰ وجه یلحق به عرفاً ، ولعلّه کذلک الحائر المقدّس بأجمعه . لکن فی بعض الأخبار یؤخذ طین قبر الحسین علیه السلام من عند القبر علیٰ سبعین ذراعاً ، وفی بعضها طین قبر الحسین علیه السلام فیه شفاء وإن اُخذ علیٰ رأس میل ، بل وفی بعضها أنّه یستشفیٰ ممّا بینه وبین القبر علیٰ رأس أربعة أمیال ، بل وفی بعضها علیٰ عشرة أمیال ، وفی بعضها فرسخ فی فرسخ ، بل وروی إلیٰ أربعة فراسخ . ولعلّ الاختلاف من جهة تفاوت مراتبها فی الفضل فکلّ ما قرب إلی القبر الشریف کان أفضل ، والأحوط الاقتصار علیٰ ما حول القبر إلیٰ سبعین ذراعاً ، وفیما زاد علیٰ ذلک أن تستعمل ممزوجاً بماء ، أو شربة علیٰ نحو لا یصدق علیه الطین ویستشفیٰ به رجاءً .
(مسألة 12) : تناول التربة المقدّسة للاستشفاء : إمّا بازدرادها وابتلاعها ، وإمّا بحلّها فی الماء وشربه ، أو بأن یمزجها بشربة ویشربها بقصد التبرّک والشفاء .
(مسألة 13) : إذا أخذ التربة بنفسه ، أو علم من الخارج بأنّ هذا الطین من تلک التربة المقدّسة فلا إشکال ، وکذا إذا قامت علیٰ ذلک البیّنة ، بل الظاهر کفایة قول عدل واحد بل
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 623 شخص ثقة ، وهل یکفی إخبار ذی الید بکونه منها أو بذله لها علیٰ أنّه منها ؟ لایبعد ذلک وإن کان الأحوط فی غیر صورة العلم وقیام البیّنة تناولها بالامتزاج بماء أو شربة .
(مسألة 14) : قد استثنیٰ بعض العلماء من الطین طین الأرمنی للتداوی به وهو غیر بعید ، لکن الأحوط عدم تناوله إلاّ عند انحصار العلاج أو ممزوجاً بالماء أو شربة أو أجزاء آخر بحیث لا یصدق معه أکل الطین .
(مسألة 15) : یحرم الخمر بالضرورة من الدین بحیث یکون مستحلّه فی زمرة الکافرین ، بل عن مولانا الباقر علیه السلام : «أنّه لا یبعث اللّه نبیّاً ولا یرسل رسولاً إلاّ ویجعل فی شریعته تحریم الخمر» ، وعن الرضا علیه السلام : «أنّه ما بعث اللّه نبیّاً قطّ إلاّ بتحریم الخمر» ، وعن الصادق علیه السلام : «أنّ الخمر اُمّ الخبائث ورأس کلّ شرّ ، یأتی علیٰ شاربها ساعة یسلب لبّه فلا یعرف ربّه ، ولا یترک معصیة إلاّ رکبها ، ولا یترک حرمة إلاّ انتهکها ، ولا رحماً ماسّة إلاّ قطعها ، ولا فاحشة إلاّ أتاها ، وإنّ من شرب منها جرعة لعنه اللّه وملائکته ورسله والمؤمنون ، وإن شربها حتّیٰ سکر منها نزع روح الإیمان من جسده ، ورکبت فیه روح سخیفة خبیثة ملعونة ، ولم تقبل صلاته أربعین یوماً ، ویأتی شاربها یوم القیامة مسودّاً وجهه مدلعاً لسانه یسیل لعابه علیٰ صدره ینادی : العطش العطش» ، وقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : «من شرب الخمر بعد ما حرّمها اللّه علیٰ لسانی ، فلیس بأهل أن یزوّج إذا خطب ، ولا یشفّع إذا شفّع ، ولا یصدّق إذا حدّث ، ولا یعاد إذا مرض ، ولا یشهد له جنازة ، ولا یؤتمن علیٰ أمانة» ، بل لعن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم فیها عشرة : غارسها وحارسها وعاصرها وشاربها وساقیها وحاملها والمحمول إلیه وبائعها ومشتریها وآکل ثمنها ، وقد ورد : أنّ من ترکها ولو لغیر اللّه بل صیانة لنفسه سقاه اللّه من الرحیق المختوم .
وبالجملة : الأخبار فی تشدید أمرها والترغیب فی ترکها أکثر من أن تحصیٰ ، بل نصّ فی بعضها أنّه أکبر الکبائر ، خصوصاً مدمنه ، فقد ورد فی أخبار مستفیضة أو متواترة : أنّه کعابد وثن أو کمن عبد الأوثان ، وقد فسّر المدمن فی بعض الأخبار بأنّه لیس الذی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 624 یشربها کلّ یوم ولکنّه الموطّن نفسه أنّه إذا وجدها شربها ، هذا مع کثرة المضارّ فی شربها التی اکتشفها حذّاق الأطبّاء فی هذه الأزمنة وأذعن بها المنصفون من غیر ملّتنا .
(مسألة 16) : یلحق بالخمر موضوعاً أوحکماً کلّ مسکر ؛ جامداً کان أو مائعاً ، وما أسکر کثیره دون قلیله ، حرم قلیله وکثیره .
(مسألة 17) : إذا انقلبت الخمر خلاًّ حلّت ؛ سواء کان بنفسها أو بعلاج ، وسواء کان العلاج بدون ممازجة شیء فیها ، کما إذا کان بتدخین أو مجاورة شیء ، أو کان بالممازجة ؛ سواء استهلک الخلیط فیها قبل أن تنقلب خلاًّ ، کما إذا مزجت بقلیل من الملح أو الخلّ فاستهلکا فیها ثمّ انقلبت خلاًّ ، أو لم یستهلک ، بل بقی فیها إلیٰ ما بعد الانقلاب ، ویطهر ذلک الممتزج الباقی بالتبعیة کما یطهر بها الإناء .
(مسألة 18) : ومن المحرّمات المائعة الفقّاع إذا صار فیه غلیان ونشیش وإن لم یسکر ، وهو شراب معروف کان فی الصدر الأوّل یتّخذ من الشعیر فی الأغلب ، ولیس منه ماء الشعیر المعمول بین الأطبّاء .
(مسألة 19) : یحرم عصیر العنب إذا نشّ وغلیٰ بنفسه ، أو غلیٰ بالنار . وکذا عصیر الزبیب علی الأحوط لو لم یکن الأقوی . وأمّا عصیر التمر ، فالأقویٰ أنّه یحرم إذا غلیٰ بنفسه ویحلّ إذا غلیٰ بالنار . والظاهر أنّ الغلیان بالشمس کالغلیان بالنار فله حکمه .
(مسألة 20) : الظاهر أنّ الماء الذی فی جوف حبّة العنب بحکم عصیره ، فیحرم إذا غلیٰ بنفسه أو بالنار ، نعم لایحکم بحرمته ما لم یعلم بغلیانه ، وهو نادر جدّاً ؛ لعدم الاطّلاع علیٰ باطنها غالباً ، فلو وقعت حبّة من العنب فی قدر یغلی وهی تعلو وتسفل فی الماء المغلیّ ، فمن یطّلع علیٰ کیفیّة ما فی جوف تلک الحبّة ؟ ولا ملازمة بین غلیان ماء القدر وغلیان ما فی جوفها ، بل لعلّ المظنون عدمها ؛ لأنّ المظنون أنّه لو غلیٰ ما فی جوفها لتفسّخت وانشقّت . وبالجملة : المدار علیٰ حصول العلم بالغلیان وعدمه ، فمن علم به حرم علیه ومن لم یعلم به حلّ له .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 625 (مسألة 21) : من المعلوم أنّ الزبیب لیس له عصیر فی نفسه ، فالمراد بعصیره ما اکتسب منه الحلاوة: إمّا بأن یدقّ ویخلط بالماء ، وإمّا بأن ینقع فی الماء ویمکث إلیٰ أن یکتسب حلاوته بحیث صار فی الحلاوة بمثابة عصیر العنب ، وإمّا بأن یمرس ویعصر بعد النقع فیستخرج عصارته . وأمّا إذا کان الزبیب علیٰ حاله وحصل فی جوفه ماء فالظاهر أنّ ما فیه لیس من عصیر الزبیب ، فلا یحرم بالغلیان وإن کان الأحوط الاجتناب عنه ، لکنّ العلم به غیر حاصل عادة ، فإذا ألقیٰ زبیب فی قدر فیه ماء أو مرق وکان یغلی ، فرأینا الزبیب فیه منتفخاً من أین ندری أنّ ما فی جوفه قد غلیٰ مع أنّه بحسب العادة لو غلیٰ ما فی جوفه لانشقّ وتفسّخ ؟! وأولیٰ من ذلک - بعدم وجوب الاجتناب - ما إذا وضع فی وسط طبیخ أو کبّة أو محشیّ ونحوها ممّا لیس فیه ماء وإن انتفخ فیه لأجل الأبخرة الحاصلة فیه .
(مسألة 22) : الظاهر أنّ ما غلیٰ بنفسه من أقسام العصیر لاتزول حرمته إلاّ بالتخلیل ، کالخمر حیث إنّها لا تحلّ إلاّ بانقلابها خلاًّ ولا أثر فیه لذهاب الثلثین . وأمّا ما غلیٰ بالنار تزول حرمته بذهاب ثلثیه وبقاء ثلث منه ، والأحوط أن یکون ذلک بالنار لا بالهواء وطول المکث مثلاً . نعم لا یلزم أن یکون ذهاب الثلثین فی حال غلیانه بل یکفی کون ذلک مستنداً إلی النار ولو بضمیمة ما ینقص منه بعد غلیانه قبل أن یبرد ، فلو کان العصیر فی القدر علی النار وقد غلیٰ حتّیٰ ذهب نصفه - ثلاثة أسداسه - ثمّ وضع القدر علی الأرض فنقص منه قبل أن یبرد بسبب صعود البخار سدس آخر کفیٰ فی الحلّیة .
(مسألة 23) : إذا صار العصیر المغلیّ دبساً قبل أن یذهب ثلثاه ، لایکفی فی حلّیته علی الأقویٰ .
(مسألة 24) : إذا اختلط العصیر بالماء ثمّ غلیٰ ، یکفی فی حلّیته ذهاب ثلثی المجموع وبقاء ثلثه ، فلو صبّ عشرین رطلاً من ماء فی عشرة أرطال من عصیر العنب ثمّ طبخه حتّیٰ ذهب منه عشرون وبقی عشرة فهو حلال . وبهذا یمکن العلاج فی طبخ بعض أقسام
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 626 العصیر ممّا لا یمکن لغلظها وقوامها أن تطبخ علی الثلث ؛ لأنّه یحترق ویفسد قبل أن یذهب ثلثاه فیصبّ فیه الماء بمقداره أو أقلّ منه أو أکثر ، ثمّ یطبخ إلیٰ أن یذهب الثلثان ویبقی الثلث .
(مسألة 25) : لو صبّ علی العصیر المغلیّ قبل أن یذهب ثلثاه مقدار من العصیر الغیر المغلیّ ، وجب ذهاب ثلثی مجموع ما بقی من الأوّل مع ما صبّ ثانیاً ، ولایحسب ما ذهب من الأوّل أوّلاً ، فإذا کان فی القدر تسعة أرطال من العصیر فغلیٰ حتّیٰ ذهب منه ثلاثة وبقی ستّة ثمّ صبّ علیه تسعة أرطال اُخر فصار خمسة عشر یجب أن یغلی حتّیٰ یذهب عشرة ویبقیٰ خمسة ، ولا یکفی ذهاب تسعة وبقاء ستّة .
(مسألة 26) : لابأس بأن یطرح فی العصیر قبل ذهاب الثلثین مثل الیقطین والسفرجل والتفّاح وغیرها ویطبخ فیه حتّیٰ یذهب ثلثاه ، فإذا حلّ حلّ ما طبخ فیه .
(مسألة 27) : یثبت ذهاب الثلثین من العصیر المغلیّ بالعلم وبالبیّنة وبإخبار ذی الید المسلم ، بل وبالأخذ منه إذا کان ممّن یعتقد حرمة ما لم یذهب ثلثاه ، بل وإذا لم یعلم اعتقاده أیضاً . نعم إذا علم أنّه ممّن یستحلّ العصیر المغلیّ قبل أن یذهب ثلثاه ، مثل أن یعتقد أنّه یکفی فی حلّیّته صیرورته دبساً - إمّا اجتهاداً أو تقلیداً - ففی جواز الاستئمان بقوله إذا أخبر عن حصول التثلیث خلاف وإشکال ، وأولیٰ بالإشکال جواز الأخذ منه والبناء علیٰ أنّه طبخ علیٰ الثلث إذا احتمل ذلک من دون تفحّص عن حاله ، ولکنّ الأقویٰ جواز الاعتماد بقوله ، وکذا جواز الأخذ منه والبناء علی التثلیث علیٰ کراهیّة .
(مسألة 28) : یحرم تناول مال الغیر - وإن کان کافراً محترم المال - بدون إذنه ورضاه ، حتّیٰ ورد : «أنّ من أکل من طعام لم یدع إلیه فکأنّما أکل قطعة من النار» .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 627 (مسألة 29) : یجوز أن یأکل الإنسان - ولو مع عدم الضرورة - من بیوت من تضمّنته الآیة الشریفة فی سورة «النور» وهم الآباء والاُمّهات والإخوان والأخوات والأعمام والعمّات والأخوال والخالات . وکذا یجوز لمن کان وکیلاً علیٰ بیت أحد مفوّضاً إلیه اُموره وحفظه بما فیه ، أن یأکل من بیت موکّله ، وهو المراد من : «ما مَلَکْتُمْ مَفٰاتِحَهُ» المذکور فی تلک الآیة الشریفة . وکذا یجوز أن یأکل الصدیق من بیت صدیقه ، وکذا الزوجة من بیت زوجها ، والأب والاُمّ من بیت الولد . وإنّما یجوز الأکل من تلک البیوت إذا لم یعلم کراهة صاحب البیت ، فیکون امتیازها عن غیرها بعدم توقّف جواز الأکل منها علیٰ إحراز الرضا والإذن من صاحبها ، فیجوز مع الشکّ ، بل ومع الظنّ بالعدم أیضاً علی الأقویٰ بخلاف غیرها . والأحوط اختصاص الحکم بما یعتاد أکله من الخبز والتمر والإدام والفواکه والبقول ونحوها ، دون نفائس الأطعمة التی تدّخر غالباً لمواقع الحاجة وللأضیاف ذوی الشرف والعزّة . والظاهر التعدیة إلیٰ غیر المأکول من المشروبات العادیّة ؛ من الماء واللبن المخیض واللبن الحلیب وغیرها . نعم لایتعدّیٰ إلیٰ بیوت غیرهم ، ولا إلیٰ غیر بیوتهم کدکاکینهم وبساتینهم ، کما أنّه یقتصر علیٰ ما فی البیت من المأکول ، فلا یتعدّیٰ إلیٰ ما یشتریٰ من الخارج بثمن یؤخذ من البیت .
(مسألة 30) : تباح جمیع المحرّمات المزبورة حال الضرورة ؛ إمّا لتوقّف حفظ نفسه وسدّ رمقه علیٰ تناوله ، أو لعروض المرض الشدید الذی لا یتحمّل عادة بترکه ، أو لأداء ترکه إلیٰ لحوق الضعف المفرط المؤدّی إلی المرض أو التلف ، أو المؤدّی للتخلّف عن الرفقة مع ظهور أمارة العطب ، ومنها : ما إذا خیف بترکه علیٰ نفس اُخریٰ محترمة ، کالحامل تخاف علیٰ جنینها ، والمرضعة علیٰ طفلها ، بل ومن الضرورة خوف طول المرض أو عسر علاجه بترک التناول . والمدار فی الکلّ علی الخوف الحاصل من العلم أو الظنّ بالترتّب ، لا مجرّد الوهم والاحتمال .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 628 (مسألة 31) : ومن الضرورات المبیحة للمحرّمات الإکراه والتقیّة عمّن یخاف منه علیٰ نفسه أو نفس محترمة ، أو علیٰ عرضه أو عرض محترم ، أو مال محترم یجب علیه حفظه .
(مسألة 32) : فی کلّ مورد یتوقّف حفظ النفس علی ارتکاب محرّم ، یجب الارتکاب فلایجوز له التنزّه والحال هذه . ولا فرق بین الخمر والطین وبین سائر المحرّمات فی هذا الحکم والقول بوجوب التنزّه عن الخمر والطین حتّیٰ مع الضرورة وأنّه لا یباحان بها ضعیف ، خصوصاً فی ثانیهما . فإذا أصابه عطش حتّیٰ خاف علیٰ نفسه فأصاب خمراً جاز بل وجب شربها ، وکذا إن اضطرّ إلیٰ أکل الطین .
(مسألة 33) : إذا اضطرّ إلیٰ محرّم فلیقتصر علیٰ مقدار الضرورة ولا یجوز له الزیادة ، فإذا اقتضت الضرورة أن یأکل المیتة لسدّ رمقه فلیقتصر علیٰ ذلک ، ولایجوز له أن یأکل حدّ الشبع ، إلاّ إذا فرض أنّ ضرورته لا تندفع إلاّ بالشبع .
(مسألة 34) : یجوز التداوی لمعالجة الأمراض بکلّ محرّم إذا انحصر به العلاج ولو بحکم الحذّاق الثقات من الأطبّاء . والمدار علی انحصار العلاج به بین ما بأیدی الناس ممّا یعالج به هذا الداء ، لا الانحصار واقعاً فإنّه ممّا لایحیط به إدراک البشر .
(مسألة 35) : المشهور عدم جواز التداوی بالخمر ، بل بکلّ مسکر حتّیٰ مع الانحصار ، لکن الجواز لایخلو من قوّة بشرط العلم بکون المرض قابلاً للعلاج والعلم بأنّ ترک معالجته یؤدّی إلی الهلاک أو إلیٰ ما یدانیه ، والعلم بانحصار العلاج به بالمعنی الذی ذکرناه . نعم لایخفیٰ شدّة أمر الخمر فلایبادر إلیٰ تناولها والمعالجة بها إلاّ إذا رأیٰ من نفسه الهلاک لو ترک التداوی بها ولو بسبب توافق جماعة من الحذّاق واُولی الدیانة والدرایة من الأطبّاء ، وإلاّ فلیصطبر علی المشقّة ، فلعلّ الباری تعالیٰ شأنه یعافیه لما رأیٰ منه التحفّظ علیٰ دینه ، فعن الثقة الجلیل عبداللّه بن أبی یعفور أنّه قال : کان إذا أصابته هذه الأوجاع فإذا اشتدّت شرب الحسو من النبیذ فسکن عنه ، فدخل علیٰ أبی عبداللّه علیه السلام فأخبره بوجعه وأنّه إذا شرب الحسو من النبیذ سکن عنه فقال له : «لا تشربه» ، فلمّا أن رجع إلی الکوفة هاج به
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 629 وجعه ، فأقبل أهله فلم یزالوا به حتّیٰ شرب فساعة شرب منه سکن عنه ، فعاد إلیٰ أبی عبداللّه علیه السلام فأخبره بوجعه وشربه فقال له : «یابن أبی یعفور لا تشرب فإنّه حرام ، إنّما هو الشیطان موکّل بک ، ولو قد یئس منک ذهب» . فلمّا أن رجع إلی الکوفة هاج به وجعه أشدّ ممّا کان فأقبل أهله علیه فقال لهم : لا واللّه ما أذوق منه قطرة أبداً فآیسوا منه أهله فکان یتّهم علیٰ شیء ولا یحلف وکان إذا حلف علیٰ شیء لا یخلف ، فلمّا سمعوا آیسوا منه واشتدّ به الوجع أیّاماً ثمّ أذهب اللّه به عنه ، فما عاد إلیه حتّیٰ مات رحمة اللّه علیه .
(مسألة 36) : لو اضطرّ إلیٰ أکل طعام الغیر لسدّ رمقه وکان المالک حاضراً ، فإن کان هو أیضاً مضطرّاً لم یجب علیه ، بل لایجوز له بذله ولا یجوز للمضطرّ قهره . وإن لم یکن مضطرّاً یجب علیه بذله للمضطرّ ، وإن امتنع عن البذل جاز له قهره ، بل مقاتلته والأخذ منه قهراً . ولا یتعیّن علی المالک بذله مجّاناً ، فله أن لا یبذله إلاّ بالعوض ، ولیس للمضطرّ قهره بدونه ، فإن اختار البذل بالعوض فإن لم یقدّره بمقدار کان له علیه ثمن مثل ما أکله ، أو مثله إن کان مثلیّاً ، وإن قدّره لم یتعیّن علیه تقدیره بثمن المثل أو أقلّ ، بل له أن یقدّره بأزید منه ، وحینئذٍ إذا کان المضطرّ قادراً علیٰ دفعه یجب علیه الدفع إذا طالبه به وإن کان عاجزاً یکون فی ذمّته یتّبع تمکّنه . هذا إذا کان المالک حاضراً ، وأمّا إذا کان غائباً فله الأکل منه بمقدار سدّ رمقه وتقدیر الثمن وجعله فی ذمّته ، ولا یکون أقلّ من ثمن المثل . والأحوط المراجعة إلی الحاکم لو وجد ، ومع عدمه فإلیٰ عدول المؤمنین .
(مسألة 37) : یحرم الأکل علیٰ مائدة یشرب علیها شیء من الخمر ، بل وغیرها من المسکرات وکذا الفقّاع ، بل ذهب بعض العلماء إلیٰ حرمة کلّ طعام یعصی اللّه تعالیٰ به أو علیه .
خاتمة: فی بعض الآداب المتعلّقة بالأکل والشرب
فأمّا آداب الأکل فهی بین مستحبّ ومکروه .
أمّا المستحبّ فاُمور :
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 630 منها : غسل الیدین معاً قبل الطعام وبعده ؛ مائعاً کان الطعام أو جامداً . وإذا کانت جماعة علی المائدة یبدأ فی الغسل الأوّل بصاحب الطعام ثمّ بمن علیٰ یمینه ویدور إلیٰ أن یتمّ الدور علیٰ من فی یسار صاحب الطعام ، وفی الغسل الثانی یبدأ بمن فی یسار صاحب الطعام ثمّ یدور إلیٰ أن یختم بصاحب الطعام .
ومنها : المسح بالمندیل بعد الغسل الثانی وترک المسح به بعد الغسل الأوّل .
ومنها : أن یسمّی عند الشروع فی الأکل ، بل علیٰ کلّ لون علی انفراده عند الشروع فی الأکل منه .
ومنها : أن یحمد اللّه تعالیٰ بعد الفراغ .
ومنها : الأکل بالیمین .
ومنها : أن یبدأ صاحب الطعام وأن یکون آخر من یمتنع .
ومنها : أن یأکل بثلاث أصابع أو أکثر ولا یأکل بإصبعین ، وقد ورد أنّه من فعل الجبّارین .
ومنها : أن یأکل ممّا یلیه إذا کان مع جماعة علیٰ مائدة ولا یتناول من قدّام الآخر .
ومنها : تصغیر اللقمة .
ومنها : تجوید المضغ .
ومنها : طول الجلوس علی الموائد وطول الأکل .
ومنها : لعق الأصابع ومصّها وکذا لطع القصعة ولحسها بعد الفراغ .
ومنها : الخلال بعد الطعام وأن لا یکون بعود الریحان وقضیب الرمّان والخوص والقصب .
ومنها : التقاط ما یسقط من الخوان خارج السفرة والطبق وأکله ، فإنّه شفاء من کلّ داءٍ إذا قصد به الاستشفاء ، وإنّه ینفی الفقر ویکثر الولد ، وهذا فی غیر الصحراء ونحوها ، وأمّا فیها فیستحبّ أن یترک للطیر والسبع ، بل ورد أنّ ما کان فی الصحراء فدعه ولو فخذ شاة .
ومنها : الأکل غداء وعشیّاً وعدم الأکل بینهما .
ومنها : أن یستلقی بعد الأکل علیٰ قفاه ویجعل رجله الیمنیٰ علی الیسریٰ .
ومنها : الافتتاح بالملح والاختتام به ، فقد ورد أنّ فیه المعافاة عن اثنین وسبعین من
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 631 البلاء ، وفی خبر آخر : «ابدؤوا بالملح فی أوّل طعامکم ، فلو یعلم الناس ما فی الملح لاختاروه علی التریاق المجرّب» .
ومنها : غسل الثمار بالماء قبل أکلها ، ففی الخبر : «إنّ لکلّ ثمرة سمّاً فإذا أتیتم بها اغمسوها فی الماء» یعنی اغسلوها .
وأمّا المکروه :
فمنها : الأکل علی الشبع .
ومنها : التملّؤ من الطعام ، ففی الخبر : «مامن شیء أبغض إلی اللّه من بطن مملوء» ، وفی خبر آخر «أقرب ما یکون العبد إلی اللّه إذا خفّ بطنه ، وأبغض ما یکون العبد إلی اللّه إذا امتلأ بطنه» . وفی خبر آخر : «لو أنّ الناس قصدوا فی المطعم لاستقامت أبدانهم» . بل ینبغی الاقتصار علیٰ ما دون الشبع ، ففی الخبر : «أنّ البطن إذا شبع طغیٰ» ، وفی خبر آخر عن مولانا الصادق علیه السلام : «أنّ عیسیٰ بن مریم قام خطیباً فقال : یا بنی إسرائیل لا تأکلوا حتّیٰ تجوعوا ، وإذا جعتم فکلوا ولا تشبعوا ، فإنّکم إذا شبعتم غلظت رقابکم وسمنت جنوبکم ونسیتم ربّکم» .
ومنها : النظر فی وجوه الناس عند الأکل علی المائدة .
ومنها : أکل الحارّ .
ومنها : النفخ علی الطعام والشراب .
ومنها : انتظار غیر الخبز إذا وضع الخبز .
ومنها : قطع الخبز بالسکّین .
ومنها : أن یوضع الخبز تحت إناء ووضع الإناء علیه .
ومنها : المبالغة فی أکل اللحم الذی علی العظم .
ومنها : تقشیر الثمرة .
ومنها : رمی بقیّة الثمرة قبل الاستقصاء فی أکلها .
وأمّا آداب الشرب : فهی أیضاً بین مندوب ومکروه .
أمّا المندوب :
فمنها : أن یشرب الماء مصّاً لا عبّاً، فإنّه کما فی الخبر یوجدمنه الکباد، یعنی وجع الکبد.
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 632 ومنها : أن یشرب قائماً بالنهار فإنّه أقویٰ وأصحّ للبدن ویمرئ الطعام .
ومنها : أن یسمّی عند الشروع ویحمد اللّه بعدما فرغ .
ومنها : أن یشرب بثلاثة أنفاس .
ومنها : التلذّذ بالماء ، ففی الخبر : «من تلذّذ بالماء فی الدنیا لذّذه اللّه من أشربة الجنّة» .
ومنها : أن یذکر الحسین علیه السلام وأهل بیته ویلعن قاتله بعد شرب الماء ، فعن داود الرقّی قال : کنت عند أبی عبداللّه علیه السلام إذا استسقی الماء ، فلمّا شربه رأیته قد استعبر واغرورقت عیناه بدموعه ، ثمّ قال لی : «یا داود لعن اللّه قاتل الحسین علیه السلام فما أنغص ذکر الحسین علیه السلام للعیش ، إنّی ما شربت ماءً بارداً إلاّ ذکرت الحسین علیه السلام ، وما من عبد شرب الماء فذکر الحسین علیه السلام وأهل بیته ولعن قاتله إلاّ کتب اللّه - عزّوجلّ - له مائة ألف حسنة ، وحطّ عنه مائة ألف سیّئة ورفع له مائة ألف درجة ، وکأنّما أعتق مائة ألف نسمة وحشره اللّه یوم القیامة ثلج الفؤاد» .
وأمّا المکروه :
فمنها : الإکثار فی شرب الماء فإنّه کما فی الخبر مادّة لکلّ داء ، وکان مولانا الصادق علیه السلام یوصی رجلاً فقال له : «أقلّ شرب الماء ، فإنّه یمدّ کلّ داء واجتنب الدواء ما احتمل بدنک الداء» ، وعنه علیه السلام : «لو أنّ الناس أقلّوا من شرب الماء لاستقامت أبدانهم» .
ومنها : شرب الماء بعد أکل الطعام الدسم ، فإنّه کما فی الخبر یهیّج الداء ، وعن الصادق علیه السلام قال : «کان رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم إذا أکل الدسم أقلّ شرب الماء» ، فقیل له : یارسول اللّه إنّک لتقلّ شرب الماء . قال : هو أمرأ لطعامی .
ومنها : الشرب بالیسار .
ومنها : الشرب من قیام فی اللیل فإنّه کما فی الخبر یورث الماء الأصفر .
ومنها : أن یشرب من عند کسر الکوز إن کان فیه کسر ، ومن عند عروته .
تذییل : فی الکافی بإسناده عن أبی حمزة الثمالی عن أبی جعفر علیه السلام : «من سقیٰ مؤمناً من ظمأ سقاه اللّه من الرحیق المختوم» ، وعن أبی عبداللّه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم من سقیٰ مؤمناً شربة من ماء من حیث یقدر علی الماء أعطاه بکلّ شربة سبعین ألف حسنة ، وإن سقاه من حیث لا یقدر علی الماء فکأنّما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعیل» ، وفی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 633 «الأمالی» بإسناده عن الصادق علیه السلام عن آبائه عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه اللّه من ثمار الجنّة ، ومن کساه من عریً کساه اللّه من استبرق وحریر ، ومن سقاه شربة من عطش سقاه اللّه من الرحیق المختوم ، ومن أعانه أو کشف کربته أظلّه اللّه فی ظلّ عرشه یوم لا ظلّ إلاّ ظلّه» ، وفی «المحاسن» قال : سأل رجل أبا جعفر علیه السلام عن عمل یعدل عتق رقبة فقال : «لإن أدعو ثلاثة نفر من المسلمین فأطعمهم حتّیٰ یشبعوا وأسقیهم حتّیٰ یرووا ، أحبّ إلیّ أن أعتق نسمة ونسمة» حتّیٰ عدّ سبعاً أو أکثر .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 634
کتاب الغصب
وهو الاستیلاء علیٰ ما للغیر ؛ من مال أو حقّ عدواناً ، وقد تطابق العقل والنقل کتاباً وسنّة وإجماعاً علیٰ حرمته ، وهو من أفحش الظلم الذی قد استقلّ العقل بقبحه . وفی النبویّ صلی الله علیه و آله وسلم : «من غصب شبراً من الأرض طوّقه اللّه من سبع أرضین یوم القیامة» ، وفی نبوی آخر : «من خان جاره شبراً من الأرض جعله اللّه طوقاً فی عنقه من تخوم الأرض السابعة حتّیٰ یلقی اللّه یوم القیامة مطوّقاً ، إلاّ أن یتوب ویرجع» ، وفی آخر : «من أخذ أرضاً بغیر حقّ کلّف أن یحمل ترابها إلی المحشر» ، ومن کلام أمیر المؤمنین علیه السلام : «الحجر الغصب فی الدار رهن علیٰ خرابها» .
(مسألة 1) : المغصوب : إمّا عین مع المنفعة من مالک واحد أو مالکین ، وإمّا عین بلا منفعة ، وإمّا منفعة مجرّدة ، وإمّا حقّ مالیّ متعلّق بالعین . فالأوّل : کغصب الدار من مالکها ، وکغصب العین المستأجرة إذا غصبها غیر المؤجر والمستأجر فهو غاصب للعین من المؤجر ، وللمنفعة من المستأجر . والثانی : کما إذا غصب المستأجر العین المستأجرة من مالکها مدّة الإجارة . والثالث : کما إذا غصب المؤجر العین المؤجرة ، وانتزعها من ید المستأجر ، واستولیٰ علیٰ منفعتها مدّة الإجارة . والرابع : کما إذا استولیٰ علیٰ أرض محجّرة ، أو العین المرهونة بالنسبة إلی المرتهن الذی له فیها حقّ الرهانة ، ومن ذلک غصب المساجد والمدارس والربط والقناطر والطرق والشوارع العامّة ، وغصب المکان الذی سبق إلیه أحد فی المساجد والمشاهد .
(مسألة 2) : المغصوب منه : قد یکون شخصاً کما فی غصب الأعیـان والمنـافع المملوکة للأشخاص والحقوق کذلک ، وقد یکون هو النوع کما فی غصب مال تعیّن خمساً أو زکاة قبل أن یدفع إلی المستحقّ وغصب الرباط المعدّ لنزول القوافل والمدرسة المعدّة
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 635 لسکنی الطلبة ، فإذا استولیٰ علیٰ حجرة قد سکنها واحد من الطلبة وانتزعها منه ، فهو غاصب لحقّ الشخص . وإذا استولیٰ علیٰ أصل المدرسة ومنع عن أن یسکنها الطلبة ، فهو غاصب لحقّ النوع .
(مسألة 3) : للغصب حکمان تکلیفیّان وهما : الحرمة ، ووجوب رفع الید والردّ إلی المغصوب منه أو ولیّه ، وحکم وضعیّ ، وهو الضمان ؛ بمعنیٰ کون المغصوب علیٰ عهدة الغاصب وکون تلفه وخسارته علیه وأنّه إذا تلف یجب علیه دفع بدله ، ویقال لهذا الضمان ضمان الید .
(مسألة 4) : یجری الحکمان التکلیفیّان فی جمیع أقسام الغصب ففی الجمیع الغاصب آثم ویجب علیه رفع الید وردّ المغصوب إلی المغصوب منه . وأمّا الحکم الوضعی وهو الضمان فیختصّ بما إذا کان المغصوب من الأموال عیناً کان أو منفعة ، فلیس فی غصب الحقوق هذا الضمان - أعنی ضمان الید - علیٰ إشکال فی بعضها کحقّی التحجیر والاختصاص .
(مسألة 5) : لو استولیٰ علیٰ حرّ فحبسه ، لم یتحقّق الغصب لا بالنسبة إلیٰ عینه ولا بالنسبة إلیٰ منفعته وإن أثم بذلک وظلمه ؛ سواء کان کبیراً أو صغیراً ، فلیس علیه ضمان الید الذی هو من أحکام الغصب ، فلو أصابه حرق أو غرق أو مات تحت استیلائه من غیر تسبیب منه لم یضمن ، وکذا لا یضمن منافعه کما إذا کان صانعاً ولم یشتغل بصنعته فی تلک المدّة فلا یضمن اُجرته . نعم لو استوفیٰ منه بعض منافعه ، کما إذا استخدمه لزمه اُجرته ، وکذا لو تلف بتسبیب منه ، مثل ما إذا حبسه فی دار فیه حیّة مؤذیة فلدغته ، أو فی محلّ السباع فافترسته ، ضمنه من جهة سببیّته للتلف لا لأجل الغصب والید .
(مسألة6) : لو منع غیره عن إمساک دابّته المرسلة أو من القعود علیٰ فراشه أو عن الدخول فی داره أو عن بیع متاعه لم یکن غاصباً ؛ لعدم وضع الید علیٰ ماله وإن کان عاصیاً وظالماً له من جهة منعه ، فلو هلکت الدابّة ، أو تلف الفراش ، أو انهدمت الدار ، أو نقصت قیمة المتاع بعد المنع لم یکن علی المانع ضمان من جهة الغصب والید . وهل علیه ضمان
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 636 من جهة اُخریٰ أم لا ؟ أقواهما العدم فی الأخیر - وهو ما إذا تنقّصت القیمة - وأمّا فی غیره ، فإن کان الهلاک والتلف والانهدام غیر مستند إلیٰ منعه ؛ بأن کانت بآفة سماویّة وسبب قهری - لا یتفاوت فی ترتّبها بین ممنوعیّة المالک وعدمها - لم یکن علیه ضمان قطعاً ، وأمّا إذا کان مستنداً إلیه ، کما إذا کانت الدابّة ضعیفة أو فی موضع السباع ، وکان المالک یحفظها ، فلمّا منعه المانع ولم یقدر علیٰ حفظها وقع علیها الهلاک ، فللضمان وجه ، بل لایخلو من قوّة .
(مسألة 7) : وحیث عرفت أنّ المدار فی تحقّق الغصب علی استیلاء الغاصب علی المغصوب ، وصیرورته تحت یده عرفاً بدون إذن صاحبه ، فلیعلم أنّه یختلف ذلک باختلاف المغصوبات ، ففی المنقول غیر الحیوان یتحقّق بأخذه بالید أو بنقله إلیه أو إلیٰ بیته أو دکّانه أو أنباره وغیرها ممّا یکون محرزاً لأمواله ولو کان ذلک بأمره ، فلو نقل حمّال بأمره متاعاً من الغیر بدون إذنه إلیٰ بیته أو طعاماً منه إلی أنباره کان بذلک غاصباً للمتاع والطعام . ویلحق بالأخذ بالید قعوده علی البساط والفراش بقصد الاستیلاء . وأمّا فی الحیوان ، ففی الصامت منه یکفی الرکوب علیه أو أخذ مقوده وزمامه ، بل وکذا سوقه بعد طرد المالک أو عدم حضوره إذا کان یمشی بسیاقه ویکون منقاداً لسائقه ، فلو کانت قطیع غنم فی الصحراء معها راعیها فطرده واستولیٰ علیها بعنوان القهر والانتزاع من مالکها وجعل یسوقها وصار بمنزلة راعیها یحافظها ویمنعها عن التفرّق والتشتّت ، فالظاهر أنّه یکفی ذلک فی تحقّق الغصب ؛ لصدق الاستیلاء ووضع الید عرفاً . وأمّا فی العبید والإماء ، فیکفی مع رفع ید المالک أو عدم حضوره القهر علیه ؛ بحبسه عنده أو فی بیته واستخدامه فی حوائجه ، هذا کلّه فی المنقول .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 637 وأمّا غیر المنقول ، فیکفی فی غصب الدار أن یسکنها أو یسکن غیره ممّن یأتمر بأمره فیها بعد إزعاج المالک عنها ، أو عدم حضوره ، وکذا لو أخذ مفاتحها من صاحبها قهراً وکان یغلق الباب ویفتحه ویتردّد فیها . وکذلک الحال فی الدکّان والخان . وأمّا البستان ، فإن کان لها باب وحیطان ، فیکفی فی غصبها أخذ المفتاح وغلق الباب وفتحه مع التردّد فیها بعنوان الاستیلاء ، وأمّا لو لم یکن لها باب ولا حیطان ، فیکفی دخولها والتردّد فیها بعد طرد المالک بعنوان الاستیلاء وبعض التصرّفات فیها ، وکذا الحال فی غصب القریة والمزرعة ، هذا کلّه فی غصب الأعیان .
وأمّا غصب المنافع ، فإنّما هو بانتزاع العین ذات المنفعة عن مالک المنفعة وجعلها تحت یده ، کما فی العین المستأجرة إذا أخذها المؤجر أو شخص ثالث من المستأجر واستولیٰ علیها فی مدّة الإجارة ؛ سواء استوفیٰ تلک المنفعة التی ملکها المستأجر أم لا .
(مسألة 8) : لو دخل الدار وسکنها مع مالکها ، فإن کان المالک ضعیفاً غیر قادر علیٰ مدافعته وإخراجه ، فإن اختصّ استیلاؤه وتصرّفه بطرف معیّن منها اختصّ الغصب والضمان بذلک الطرف دون الأطراف الاُخر ، وإن کان استیلاؤه وتصرّفاته وتقلّباته فی أطراف الدار وأجزائها بنسبة واحدة وتساویٰ ید الساکن مع ید المالک علیها فالظاهر کونه غاصباً للنصف ، فیکون ضامناً له خاصّة ؛ بمعنیٰ أنّه لو انهدمت تمام الدار ضمن الساکن نصفها ، ولو انهدم بعضها ضمن نصف ذلک البعض ، وکذا یضمن نصف منافعها . ولو فرض أنّ المالک الساکن أزید من واحد ضمن الساکن الغاصب بالنسبة ، فإن کانا اثنین ضمن الثلث ، وإن کانوا ثلاثة ضمن الربع وهکذا . هذا إذا کان المالک ضعیفاً ، وأمّا لو کان الساکن ضعیفاً ؛ بمعنیٰ أنّه لا یقدر علیٰ مقاومة المالک وأنّه کلّما أراد أن یخرجه من داره أخرجه ، فالظاهر عدم تحقّق الغصب ، بل ولا الید ، فلیس علیه ضمان الید . نعم علیه بدل ما استوفاه من منفعة الدار ما دام کونه فیها لو کان لها بدل .
(مسألة 9) : لو أخذ بمقود الدابّة فقادها وکان المالک راکباً علیها فإن کان فی الضعف وعدم الاستقلال بمثابة المحمول علیها کان القائد غاصباً لها بتمامها ویتبعه الضمان ، ولو کان بالعکس - بأن کان المالک الراکب قویّاً قادراً علیٰ مقاومته ومدافعته - فالظاهر عدم تحقّق الغصب من القائد أصلاً ، فلا ضمان علیه لو تلفت الدابّة فی تلک الحال . نعم لا إشکال
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 638 فی ضمانه لها لو اتّفق تلفها بسبب قوده لها ، کما یضمن السائق لها لو کان لها جماح فشردت بسوقه ، فوقعت فی بئر أو سقطت عن مرتفع فتلفت .
(مسألة 10) : إذا اشترک اثنان فی الغصب ، فإن لم یستقلّ واحد منهما بانفراده - بأن کان کلّ منهما ضعیفاً وإنّما کان استیلاؤهما علی المغصوب ودفع المالک بالتعاضد والتعاون - فالظاهر اشتراکهما فی الید والضمان ، فکلّ منهما یضمن النصف ، وأمّا إذا کان کلّ واحد منهما مستقلاًّ فی الاستیلاء - بأن کان کلّ منهما کافیاً فی دفع المالک والقهر علیه ، أو لم یکن المالک حاضراً - فالظاهر أنّ کلّ واحد منهما ضامن للتمام ، فیتخیّر المالک فی تضمین أیّهما شاء کما یأتی فی الأیادی المتعاقبة .
(مسألة 11) : غصب الأوقاف العامّة - کالمساجد والمقابر والمدارس والقناطر والربط المعدّة لنزول المسافرین والطرق والشوارع العامّة ونحوها - والاستیلاء علیها وإن کان حراماً ویجب ردّها ورفع الید عنها لکنّ الظاهر أنّه لایوجب الضمان ؛ لا عیناً ولا منفعة ضمان الید ، فلو غصب مسجداً أو مدرسة أو رباطاً ووضع الید علیها فانهدمت تحت یده من دون تسبیب منه لم یضمن عینهما ، کما أنّه لو کانت تحت یده مدّة ثمّ رفع یده عنها لم یکن علیه اُجرتها فی تلک المدّة . نعم الأوقاف العامّة علی العناوین الکلّیة کالفقراء والطلبة بنحو وقف المنفعة یوجب غصبها الضمان عیناً ومنفعة ، فإذا غصب خاناً أو دکّاناً أو بستاناً کانت وقفاً علی الفقراء أو الطلبة ؛ علیٰ أن یکون منفعتها ونماؤها لهم ، ترتّب علیه الضمان فإذا تلفت تحت یده کان ضامناً لعینها ، وإذا کانت تحت یده مدّة ثمّ ردّها کان علیه اُجرة مثلها ، فیکون غصبها کغصب الأعیان المملوکة للأشخاص .
(مسألة 12) : إذا حبس حرّاً لم یضمن لا نفسه ولا منافعه ضمان الید حتّیٰ فیما إذا کان صانعاً ، فلیس علی الحابس اُجرة صنعته مدّة حبسه . نعم لو کان أجیراً لغیره ضمن منفعته الفائتة للمستأجر ، وکذا لو استخدمه واستوفیٰ منفعته کان علیه اُجرة عمله . هذا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 639 کلّه فی حبس الحرّ ، وأمّا لو غصب عبداً أو دابّة - مثلاً - ضمن منافعها ؛ سواء استوفاها الغاصب أم لا .
(مسألة 13) : لو منع حرّاً أو عبداً عن عمل له اُجرة من غیر تصرّف واستیفاء ولا وضع یده علیه لم یضمن عمله ولم یکن علیه اُجرته .
(مسألة 14) : یلحق بالغصب فی الضمان ، المقبوض بالعقد المعاوضی الفاسد ، فالمبیع الذی یأخذه المشتری والثمن الذی یأخذه البائع فی البیع الفاسد یکون فی ضمانهما کالمغصوب ؛ سواء علما بالفساد أو جهلا به ، وکذلک الاُجرة التی یأخذها المؤجر فی الإجارة الفاسدة . وأمّا المقبوض بالعقد الفاسد الغیر المعاوضی فلیس فیه الضمان ، فلو قبض المتّهب ما وهب له بالهبة الفاسدة لیس علیه ضمان . وکذا یلحق بالغصب المقبوض بالسوم ؛ والمراد به ما یأخذه الشخص لینظر فیه أو یضع عنده لیطّلع علیٰ خصوصیّاته لکی یشتریه إذا وافق نظره ، فهذا فی ضمان آخذه فلو تلف عنده ضمنه .
(مسألة 15) : یجب ردّ المغصوب إلیٰ مالکه مادام باقیاً وإن کان فی ردّه مؤونة ، بل وإن استلزم ردّه الضرر علیه ، حتّیٰ أنّه لو أدخل الخشبة المغصوبة فی بناء لزم علیه إخراجها وردّها لو أرادها المالک وإن أدّیٰ إلیٰ خراب البناء ، وکذا إذا أدخل اللوح المغصوب فی سفینة یجب علیه نزعه إلاّ إذا خیف من قلعه الغرق الموجب لهلاک نفس محترمة أو مال محترم ، وهکذا الحال فیما إذا خاط ثوبه بخیوط مغصوبة فإنّ للمالک إلزامه بنزعها ویجب علیه ذلک وإن أدّیٰ إلیٰ فساد الثوب ، وإن ورد نقص علی الخشب أو اللوح أو الخیط بسبب إخراجها ونزعها یجب علی الغاصب تدارکه . هذا إذا یبقیٰ للمُخرج من الخشبة والمنزوع من الخیط قیمة ، وأمّا إذا کان بحیث لا یبقیٰ له قیمة بعد الإخراج أصلاً کما إذا کان الخیط ضعیفاً یفسد بنزعه ، فالظاهر أنّه بحکم التالف فیلزم الغاصب بدفع البدل ، ولیس للمالک مطالبة العین .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 640 (مسألة 16) : لو مزج المغصوب بما یمکن تمیّزه ولکن مع المشقّة ، کما إذا مزج الشعیر المغصوب بالحنطة أو الدخن بالذرة ، یجب علیه أن یمیّزه ویردّه .
(مسألة 17) : یجب علی الغاصب مع ردّ العین بدل ما کانت لها من المنفعة فی تلک المدّة إن کانت لها منفعة ؛ سواء استوفاها کالدار سکنها والدابّة رکبها ، أو لم یستوفها بل کانت العین معطّلة .
(مسألة 18) : إذا کانت للعین منافع متعدّدة وکانت معطّلة ، فالمدار علی المنفعة المتعارفة بالنسبة إلیٰ تلک العین ، ولا ینظر إلیٰ مجرّد قابلیّتها لبعض المنافع ، فمنفعة الدار بحسب المتعارف هی السکنیٰ وإن کانت قابلة فی نفسها بأن تجعل محرزاً أو مسکناً لبعض الدوابّ وغیر ذلک ، فلا ینظر إلیٰ غیر السکنیٰ ، ومنفعة بعض الدوابّ کالفرس بحسب المتعارف الرکوب ومنفعة بعضها الحمل وإن کانت قابلة فی نفسها لأن تستعمل فی إدارة الرحیٰ والدولاب أیضاً ، فالمضمون فی غصب کلّ عین هو المنفعة المتعارفة بالنسبة إلیٰ تلک العین . ولو فرض تعدّد المتعارف منها فیها کبعض الدوابّ التی تعارف استعمالها فی الحمل والرکوب معاً ، فإن لم تتفاوت اُجرة تلک المنافع ضمن تلک الاُجرة ، فلو غصب یوماً دابّة تستعمل فی الرکوب والحمل معاً وکانت اُجرة کلّ منهما فی کلّ یوم درهماً ، کان علیه درهم واحد ، وإن کانت اُجرة بعضها أعلیٰ ضمن الأعلیٰ ، فلو فرض أنّ اُجرة الحمل فی کلّ یوم درهمان واُجرة الرکوب درهم کان علیه درهمان . والظاهر أنّ الحکم کذلک مع الاستیفاء أیضاً ، فمع تساوی المنافع فی الاُجرة کان علیه اُجرة ما استوفاه ، ومع التفاوت کان علیه اُجرة الأعلیٰ ؛ سواء استوفی الأعلی أو الأدنیٰ .
(مسألة 19) : إن کان المغصوب منه شخصاً یجب الردّ إلیه أو إلیٰ وکیله إن کان کاملاً ، وإلیٰ ولیّه إن کان قاصراً ، کما إذا کان صبیّاً أو مجنوناً ، فلو ردّ فی الثانی إلیٰ نفس المالک لم یرتفع منه الضمان . وإن کان المغصوب منه هو النوع ، کما إذا کان المغصوب وقفاً علی الفقراء وقف منفعة فإن کان له متولٍّ خاصّ یردّه إلیه وإلاّ فیردّه إلی الولیّ العامّ وهو الحاکم ، ولیس له أن یردّه إلیٰ بعض أفراد النوع بأن یسلّمه فی المثال المذکور إلیٰ أحد
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 641 الفقراء . نعم فی مثل المساجد والشوارع والقناطر بل الربط إذا غصبها ، یکفی فی ردّها رفع الید عنها وإبقاؤها علیٰ حالها ، بل یحتمل أن یکون الأمر کذلک فی المدارس ، فإذا غصب مدرسة یکفی فی ردّها رفع الید عنها والتخلیة بینها وبین الطلبة ، لکنّ الأحوط الردّ إلی الناظر الخاصّ لو کان ، وإلاّ فإلی الحاکم .
(مسألة 20) : إذا کان المغصوب والمالک کلاهما فی بلد الغصب فلا إشکال ، وکذا إن نقل المال إلیٰ بلد آخر وکان المالک فی بلد الغصب فإنّه یجب علیه عود المال إلیٰ ذلک البلد وتسلیمه إلی المالک . وأمّا إن کان المالک فی غیر بلد الغصب ، فإن کان فی بلد المال فله إلزامه بأحد أمرین : إمّا بتسلیمه له فی ذلک البلد ، وإمّا بنقله إلیٰ بلد الغصب ، وأمّا إن کان فی بلد آخر فلا إشکال فی أنّ له إلزامه بنقل المال إلیٰ بلد الغصب . وهل له إلزامه بنقل المال إلی البلد الذی یکون فیه المالک ؟ فیه إشکال .
(مسألة 21) : لو حدث فی المغصوب نقص وعیب وجب علی الغاصب أرش النقصان ـ وهو التفاوت بین قیمته صحیحاً وقیمته معیباً - وردّ المعیوب إلیٰ مالکه ، ولیس للمالک إلزامه بأخذ المعیوب ودفع تمام القیمة . ولا فرق علی الظاهر بین ما کان العیب مستقرّاً وبین ما کان ممّا یسری ویتزاید شیئاً فشیئاً حتّیٰ یتلف المال بالمرّة ، کما إذا عرضت علی الحنطة أو الأرز بلّة وعفونة ، ففی الثانی أیضاً یجب علی الغاصب أرش النقصان وتفاوت القیمة بین کونها مبلولة وغیر مبلولة ؛ فإنّ للحنطة المبلولة أیضاً قیمة عند العرف وأهل الخبرة .
(مسألة 22) : لو کان المغصوب باقیاً لکن نزلت قیمته السوقیّة ردّه ولم یضمن نقصان القیمة ، ما لم یکن ذلک بسبب نقصان فی العین .
(مسألة 23) : لو تلف المغصوب أو ما بحکمه - کالمقبوض بالعقد الفاسد والمقبوض بالسوم قبل ردّه إلی المالک - ضمنه بمثله إن کان مثلیّاً ، أو بقیمته إن کان قیمیّاً . والمراد
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 642 بالمثلی ما تساوت قیمة أجزائه لتقاربها فی غالب الصفات والخواصّ کالحبوبات من الحنطة والشعیر والأرز والذرة والدخن والماش والعدس وغیرها ، وکذا الأدهان وعقاقیر الأدویة ونحوها . والمراد من القیمی ما یکون بخلافه کالعبید والإماء وأنواع الحیوان کالفرس والبغل والحمار والغنم والبقر وغیرها ، وکذا الجواهر الکبار والثیاب والفرش والبسط وأنواع المصنوعات وغیرها .
(مسألة 24) : إنّما یکون مثل الحنطة مثلیّاً إذا لوحظ أشخاص کلّ صنف منها علیٰ حدة ، ولم یلاحظ أشخاص صنف مع أشخاص صنف آخر منها مبائن له فی کثیر من الصفات والخصوصیّات ، فإذا تلف عنده مقدار من صنف خاصّ من الحنطة یجب علیه دفع ذلک المقدار من ذلک الصنف لا صنف آخر . نعم التفاوت الذی بین أشخاص ذلک الصنف لا ینظر إلیه . وکذلک الأرز فإنّ فیه أصنافاً متفاوتة جدّاً ، فأین العنبر من الحویزاوی أو غیره ، فإذا تلف عنده مقدار من العنبر یجب علیه دفع ذلک المقدار منه لا من غیره . وکذلک الحال فی التمر وأصنافه والأدهان وغیر ذلک ممّا لایحصیٰ .
(مسألة 25) : لو تعذّر المثل فی المثلی ضمن قیمته ، وإن تفاوتت القیمة وزادت و نقصت بحسب الأزمنة ؛ بأن کان له حین الغصب قیمة وفی وقت تلف العین قیمة ویوم التعذّر قیمة والیوم الذی یدفع القیمة إلی المغصوب منه قیمة ، فالمدار علی الأخیر ، فیجب علیه دفع تلک القیمة . فلو غصب منّاً من الحنطة کان قیمتها درهمین فأتلفها فی زمان کانت الحنطة موجودة و کانت قیمتها ثلاثة دراهم ، ثمّ تعذّرت وکانت قیمتها أربعة دراهم ، ثمّ مضیٰ زمان وأراد أن یدفع القیمة من جهة تفریغ ذمّته وکانت قیمة الحنطة فی ذلک الزمان خمسة دراهم یجب علیه دفع هذه القیمة .
(مسألة 26) : یکفی فی التعذّر الذی یجب معه دفع القیمة ، فقدانه فی البلد وما حوله ممّا ینقل منها إلیه عادة .
(مسألة 27) : لو وجد المثل بأکثر من ثمن المثل وجب علیه الشراء ودفعه إلی المالک .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 643 (مسألة 28) : لو وجد المثل ولکن تنزّل قیمته لم یکن علی الغاصب إلاّ إعطاؤه ، ولیس للمالک مطالبته بالقیمة ولا بالتفاوت ، فلو غصب منّاً من الحنطة فی زمان کانت قیمتها عشرة دراهم وأتلفها ولم یدفع مثلها - قصوراً أو تقصیراً - إلیٰ زمان قد تنزّلت قیمتها وصارت خمسة دراهم ، لم یکن علیه إلاّ إعطاء منّ من الحنطة ، ولم یکن للمالک مطالبة القیمة ولا مطالبة خمسة دراهم مع منّ من الحنطة . بل لیس له الامتناع عن الأخذ فعلاً وإبقاؤها فی ذمّة الغاصب إلیٰ أن تترقّی القیمة ؛ إذا کان الغاصب یرید الأداء وتفریغ ذمّته فعلاً .
(مسألة 29) : لو سقط المثل عن المالیّة بالمرّة ؛ من جهة الزمان أو المکان ، فالظاهر أنّه لیس للغاصب إلزام المالک بأخذ المثل . ولا یکفی دفعه فی ذلک الزمان أو المکان فی ارتفاع الضمان لو لم یرض به المالک ، فلو غصب جمداً فی الصیف وأتلفه وأراد أن یدفع إلی المالک مثله فی الشتاء ، أو قربة ماء فی مفازة فأراد أن یدفع إلیه قربة ماء عند الشطّ لیس له ذلک ، وللمالک الامتناع ، فله أن یصبر وینتظر زماناً أو مکاناً آخر فیطالبها بالمثل الذی له القیمة ، وله أن یطالب الغاصب بالقیمة فعلاً ، کما فی صورة تعذّر المثل ، وحینئذٍ فالظاهر أنّه یراعیٰ قیمة المغصوب فی زمان الغصب ومکانه .
(مسألة 30) : لو تلف المغصوب وکان قیمیّاً کالدوابّ والثیاب ضمن قیمته ، فإن لم یتفاوت قیمته فی الزمان الذی غصبه مع قیمته فی زمان تلفه فلا إشکال ، وإن تفاوتت بأن کانت قیمته یوم الغصب أزید من قیمته یوم التلف أو العکس فهل یراعی الأوّل أو الثانی ؟ فیه قولان مشهوران ، لا یخلو ثانیهما من رجحان ، لکن الأحوط التراضی والتصالح فیما به التفاوت . هذا إذا کان تفاوت القیمة من جهة السوق وتفاوت رغبة الناس ، وأمّا إن کان من جهة زیادة ونقصان فی العین - کالسمن والهزال - فلا إشکال فی أنّه یراعیٰ أعلی القیم وأحسن الأحوال ، بل لو فرض أنّه لم یتفاوت قیمة زمانی الغصب والتلف من هذه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 644 الجهة لکن حصل فیه ارتفاع بین الزمانین ثمّ زال ، ضمن ارتفاع قیمته الحاصل فی تلک الحال ، مثل أنّه کان الحیوان هازلاً حین الغصب ثمّ سمن ثمّ عاد إلی الهزال وتلف ، فإنّه یضمن قیمته حال سمنه .
(مسألة 31) : إذا اختلفت القیمة باختلاف المکان ، کما إذا کان المغصوب فی بلد الغصب بعشرة وفی بلد التلف بعشرین ، فالظاهر اعتبار محلّ التلف .
(مسألة 32) : کما أنّه عند تلف المغصوب یجب علی الغاصب دفع بدله إلی المالک - مثلاً أو قیمة - کذلک فیما إذا تعذّر علی الغاصب عادة تسلیمه ، کما إذا سرق أو دُفن فی مکان لا یقدر علیٰ إخراجه أو أبق العبد أو شردت الدابّة ونحو ذلک ، فإنّه یجب علیه إعطاء مثله أو قیمته ما دام کذلک ، ویسمّیٰ ذلک البدل «بدل الحیلولة» ویملک المالک البدل مع بقاء المغصوب فی ملکه ، وإذا أمکن تسلیم المغصوب وردّه یسترجع البدل .
(مسألة 33) : لو کان للبدل نماء ومنافع فی تلک المدّة کان للمغصوب منه ، نعم نماؤه المتّصل کالسمن تتبع العین ، فإذا استرجعها الغاصب استرجعها بنمائها . وأمّا المبدل فلمّا کان باقیاً علیٰ ملک مالکه فنماؤه ومنافعه له ، لکن الغاصب لایضمن منافعها الغیر المستوفاة فی تلک المدّة علی الأقویٰ .
(مسألة 34) : القیمة التی یضمنها الغاصب فی القیمیّات وفی المثلیّات عند تعذّر المثل هو نقد البلد من الذهب والفضّة المضروبین بسکّة المعاملة ، وهذا هو الذی یستحقّه المغصوب منه ، کما هو کذلک فی جمیع الغرامات والضمانات ، فلیس للضامن دفع غیره إلاّ بالتراضی بعد مراعاة قیمة ما یدفعه مقیساً إلی النقدین .
(مسألة 35) : الظاهر أنّ الفلزّات والمعادن المنطبعة کالحدید والرصاص والنحاس کلّها مثلیّة حتّی الذهب والفضّة - مضروبین أو غیر مضروبین - وحینئذٍ تضمن جمیعها بالمثل ، وعند التعذّر تضمن بالقیمة کسائر المثلیّات المتعذّر المثل . نعم فی خصوص الذهب والفضّة تفصیل ؛ وهو أنّه إذا قوّم بغیر الجنس - کما إذا قوّم الذهب بالدرهم أو قوّم
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 645 الفضّة بالدینار - فلا إشکال ، وأمّا إذا قوّم بالجنس - بأن قوّم الفضّة بالدرهم أو قوّم الذهب بالدینار ـ فإن تساوی القیمة والمقوّم وزناً کما إذا کانت الفضّة المضمونة المقوّمة عشرة مثاقیل فقوّمت بثمانیة دراهم وکان وزنها أیضاً عشرة مثاقیل ، فلا إشکال أیضاً ، وإن کان بینهما التفاوت بأن کانت الفضّة المقوّمة عشرة مثاقیل - مثلاً - وقد قوّمت بثمانیة دراهم وزنها ثمانیة مثاقیل فیشکل دفعها غرامة عن الفضّة ؛ لاحتمال کونه داخلاً فی الربا فیحرم ، کما أفتیٰ به جماعة ، فالأحوط أن یقوّم بغیر الجنس ؛ بأن یقوّم الفضّة بالدینار والذهب بالدرهم حتّیٰ یسلم من شبهة الربا .
(مسألة 36) : لو تعاقبت الأیادی الغاصبة علیٰ عین ثمّ تلفت ؛ بأن غصبها شخص عن مالکها ثمّ غصبها من الغاصب شخص آخر ثمّ غصبها من الثانی شخص ثالث وهکذا ثمّ تلفت ، ضمن الجمیع ، فللمالک أن یرجع ببدل ماله - من المثل أو القیمة - إلیٰ کلّ واحد منهم وإلیٰ أکثر من واحد بالتوزیع متساویاً أو متفاوتاً ، حتّیٰ أنّه لو کانوا عشرة - مثلاً - له أن یرجع إلی الجمیع ویأخذ من کلّ منهم عشر ما یستحقّه من البدل ، وله أن یأخذ من واحد منهم النصف والباقی من الباقین بالتوزیع متساویاً أو بالتفاوت هذا حکم المالک معهم . وأمّا حکم بعضهم مع بعض : فأمّا الغاصب الأخیر الذی تلف المال عنده فعلیه قرار الضمان ؛ بمعنیٰ أنّه لو رجع علیه المالک وغرمـه لم یرجع هو علیٰ غیره بما غرمـه ، بخلاف غیره من الأیادی السابقة ، فإنّ المالک لو رجع إلیٰ واحد منهم فله أن یرجع علی الأخیر الذی تلف المـال عنـده ، کما أنّ لکلّ منهم الرجوع علیٰ تالیه وهو علیٰ تالیه وهکذا إلیٰ أن ینتهی إلی الأخیر .
(مسألة 37) : لو غصب شیئاً مثلیّاً فیه صنعة محلّلة - کالحلیّ من الذهب والفضّة وکالآنیة من النحاس وشبهه - فتلف عنده أو أتلفه ضمن مادّته بالمثل وصنعته بالقیمة ، فلو غصب قرطاً من ذهب کان وزنه مثقالین وقیمة صنعته وصیاغته عشرة دراهم ضمن مثقالین من ذهب بدل مادّته ، وعشرة دراهم قیمة صنعته ، ویحتمل قریباً صیرورته بعد الصیاغة وبعد ما عرض علیه الصنعة قیمیّاً فیقوّم القرط - مثلاً - بمادّته وصنعته ویعطیٰ قیمته السوقیّة ، والأحوط التصالح . وأمّا احتمال کون المصنوع مثلیّاً مع صنعته فبعید جدّاً . نعم لایبعد ذلک بل قریب جدّاً فی المصنوعات التی لها أمثال متقاربة جدّاً
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 646 کالمصنوعات بالمکائن والمعامل المعمولة فی هذه الأعصار من أنواع الظروف والأدوات والأثواب وغیرها فتضمن کلّها بالمثل مع مراعاة صنفها .
(مسألة 38) : لو غصب المصنوع وتلفت عنده الهیئة والصنعة فقط دون المادّة ردّ العین وعلیه قیمة الصنعة ، ولیس للمالک إلزامه بإعادة الصنعة ، کما أنّه لیس علیه القبول لو بذله الغاصب وقال : إنّی أصنعه کما کان سابقاً .
(مسألة 39) : لو کانت فی المغصوب المثلی صنعة محرّمة غیر محترمة کما فی آلات القمار والملاهی وآنیة الذهب والفضّة ونحوها لم یضمن الصنعة ؛ سواء أتلفها خاصّة أو مع ذیها ، فیردّ المادّة لو بقیت إلی المالک ولیس علیه شیء لأجل الهیئة والصنعة .
(مسألة 40) : إذا تعیّب المغصوب فی ید الغاصب کان علیه أرش النقصان ، ولا فرق فی ذلک بین الحیوان وغیر الحیوان . نعم اختصّ العبید والإماء ببعض الأحکام وتفاصیل لا یسعها المقام .
(مسألة 41) : لو غصب شیئین تنقص قیمة کلّ واحد منهما منفرداً عنها فیما إذا کانا مجتمعین - کمصراعی الباب والخفّین - فتلف أحدهما أو أتلفه ضمن قیمة التالف مجتمعاً وردّ الباقی مع ما نقص من قیمته بسبب انفراده . فلو غصب خفّین کان قیمتهما مجتمعین عشرة وکان قیمة کلّ منهما منفرداً ثلاثة فتلف أحدهما عنده ، ضمن التالف بقیمته مجتمعاً وهی خمسة وردّ الآخر مع ما ورد علیه من النقص بسبب انفراده وهو اثنان ، فیعطی للمالک سبعة مع أحد الخفّین . ولو غصب أحدهما وتلف عنده ضمن التالف بقیمته مجتمعاً - وهی خمسة فی الفرض المذکور - وهل یضمن النقص الوارد علی الثانی - وهو اثنان - حتّیٰ تکون علیه سبعة أم لا ؟ فیه وجهان بل قولان ، لایخلو أوّلهما من رجحان .
(مسألة 42) : لو زادت بفعل الغاصب زیادة فی العین المغصوبة فهی علیٰ أقسام ثلاثة : أحدها : أن یکون أثراً محضاً ، کتعلیم الصنعة فی العبد وخیاطة الثوب بخیوط المالک وغزل القطن ونسج الغزل وطحن الطعام وصیاغة الفضّة ونحو ذلک . ثانیها : أن تکون
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 647 عینیّة محضة ، کغرس الأشجار والبناء فی الأرض البسیطة ونحو ذلک . ثالثها : أن تکون أثراً مشوباً بالعینیّة ، کصبغ الثوب ونحوه .
(مسألة 43) : لو زادت فی العین المغصوبة بما یکون أثراً محضاً ردّها کما هی ، ولا شیء له لأجل تلک الزیادة ولا من جهة اُجرة العمل ، ولیس له إزالة الأثر وإعادة العین إلیٰ ما کانت بدون إذن المالک ؛ حیث إنّه تصرّف فی مال الغیر بدون إذنه ، بل لو أزاله بدون إذنه ضمن قیمته للمالک وإن لم یرد نقص علی العین ، وللمالک إلزامه بإزالة الأثر وإعادة الحالة الاُولیٰ للعین إذا کان فیه غرض عقلائی ، ولایضمن الغاصب حینئذٍ قیمة الصنعة ، نعم لو ورد نقص علی العین ضمن أرش النقصان .
(مسألة 44) : لو غصب أرضاً فزرعها أو غرسها ، فالزرع والغرس ونماؤهما للغاصب وعلیه اُجرة الأرض مادامت مزروعة أو مغروسة ، ویلزم علیه إزالة غرسه وزرعه وإن تضرّر بذلک . وعلیه أیضاً طمّ الحفر وأرش النقصان إن نقصت الأرض بالزرع والقلع ، إلاّ أن یرضی المالک بالبقاء مجّاناً أو بالاُجرة . ولو بذل صاحب الأرض قیمة الغرس أو الزرع لم یجب علی الغاصب إجابته ، وکذا لو بذل الغاصب اُجرة الأرض أو قیمتها لم یجب علیٰ صاحب الأرض قبوله . ولو حفر الغاصب فی الأرض بئراً کان علیه طمّها مع طلب المالک ، ولیس له طمّها مع عدم الطلب فضلاً عمّا لو منعه . ولو بنیٰ فی الأرض المغصوبة بناءً فهو کما لو غرس فیها ، فیکون البناء للغاصب إن کان أجزاؤه له وللمالک إلزامه بالقلع ، فحکمه حکم الغرس فی جمیع ما ذکر .
(مسألة 45) : لو غرس أوبنیٰ فی أرض غصبها وکان الغراس وأجزاء البناء لصاحب الأرض کان الکلّ له ولیس للغاصب قلعها أو مطالبة الاُجرة ، وللمالک إلزامه بالقلع والهدم إن کان له غرض عقلائی فی ذلک .
(مسألة 46) : لو غصب ثوباً وصبغه بصبغه ، فإن أمکن إزالته مع بقاء مالیّة له کان له ذلک ولیس لمالک الثوب منعه ، کما أنّ للمالک إلزامه به . ولو ورد نقص علی الثوب بسبب إزالة صبغه ضمنه الغاصب . ولو طلب مالک الثوب من الغاصب أن یملّکه الصبغ بقیمته
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 648 لم یجب علیه إجابته ، کالعکس ؛ بأن یطلب الغاصب منه أن یملّکه الثوب . هذا إذا أمکن إزالة الصبغ ، وأمّا إذا لم یمکن الإزالة أو تراضیا علیٰ بقائه اشترکا فی الثوب المغصوب بنسبة القیمة ، فلو کان قیمة الثوب قبل الصبغ یساوی قیمة الصبغ کان بینهما نصفین ، وإن کانت ضعف قیمته کان بینهما أثلاثاً ؛ ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ ، فإن بقیت قیمة کلّ واحد منهما محفوظة من غیر زیادة ولا نقصان فالثمن بینهما علیٰ نسبة مالیهما ، ولم یکن علی الغاصب ضمان ، کما إذا کانت قیمة الثوب عشرة وقیمة الصبغ عشرة وقیمة الثوب المصبوغ عشرین ، أو کانت قیمة الثوب عشرین وقیمة الصبغ عشرة وقیمة المجموع ثلاثین ، فیکون الثمن بینهما بالتنصیف فی الأوّل وفی الثانی أثلاثاً ، وکذا لو زادت قیمة المجموع تکون الزیادة بینهما بتلک النسبة ، فلو فرض أنّه بیع الثوب المصبوغ فی الأوّل بثلاثین ، کانت العشرة الزائدة بینهما بالسویّة ، ولو بیع فی الفرض الثانی بأربعین کانت العشرة الزائدة بینهما أثلاثاً ؛ ثلثان لصاحب الثوب وثلث لصاحب الصبغ ، وإن نقصت قیمته مصبوغاً عن قیمتهما منفردین کما إذا کانت قیمة کلّ منهما عشرة وکانت قیمة الثوب مصبوغاً خمسة عشر فإن کان ذلک من جهة انتقاص الثوب بسبب الصبغ ضمنه الغاصب ، وإن کان بسبب تنزّل القیمة السوقیّة فهو محسوب علیٰ صاحبه ولا یضمنه الغاصب .
(مسألة 47) : لو صبغ الثوب المغصوب بصبغ مغصوب حصلت الشرکة بین صاحبی الثوب والصبغ بنسبة قیمتهما ولا غرامة علی الغاصب لو لم یرد نقص علیهما ، وإن ورد ضمنه الغاصب لمن ورد علیه ، فلو فرض أنّ قیمة کلّ من الثوب والصبغ عشرة
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 649 وکانت قیمة الثوب المصبوغ خمسة عشر ، ضمن الغاصب لهما خمسة ؛ لکلّ منهما اثنان ونصف .
(مسألة 48) : لو مزج الغاصب المغصوب بغیره ، أو امتزج فی یده بغیر اختیاره مزجاً رافعاً للتمیّز بینهما ، فإن کان بجنسه وکانا متماثلین لیس أحدهما أجود من الآخر و أردأ ، تشارکا فی المجموع بنسبة مالیهما ، ولیس علی الغاصب غرامة بالمثل أو القیمة ، بل الذی علیه تسلیم المال والإقدام علی الإفراز والتقسیم بنسبة المالین أو البیع وأخذ کلّ واحد منهما حصّته من الثمن کسائر الأموال المشترکة . وإن خلط المغصوب بما هو أجود أو أردأ منه تشارکا أیضاً بنسبة المالین ، إلاّ أنّ التقسیم وتوزیع الثمن بینهما بنسبة القیمة ، فلو خلط منّاً من زیت قیمته خمسة بمنّ منه قیمته عشرة ، کان لکلّ منهما نصف المجموع ، لکن إذا بنیا علی القسمة یجعل ثلاثة أسهم ویعطیٰ لصاحب الأوّل سهم ولصاحب الثانی سهمان . وإذا باعاه یقسّم الثمن بینهما أثلاثاً ، والأحوط فیمثل ذلک - أعنی اختلاط مختلفی القیمة من جنس واحد - البیع وتوزیع الثمن بنسبة القیمة لا التقسیم بالتفاضل بنسبتها من جهة شبهة لزوم الربا فی الثانی کما قال به جماعة . هذا إذا مزج المغصوب بجنسه ، وأمّا إذا اختلط بغیر جنسه ، فإن کان فیما یعدّ معه تالفاً کما إذا اختلط ماء الورد المغصوب بالزیت ضمن المثل ، وإن لم یکن کذلک کما لو خلط دقیق الحنطة بدقیق الشعیر أو خلط الخلّ بالعسل ، فالظاهر أنّه بحکم الخلط بالأجود أو الأردأ من جنس واحد ، فیشترکان فی العین بنسبة المالین ویقسّمان العین ویوزّعان الثمن بینهما بنسبة القیمتین کما مرّ .
(مسألة 49) : لو خلط المغصوب بالأجود أو الأردأ وصار قیمة المجموع المخلوط أنقص من قیمة الخلیطین منفردین ، فورد بذلک النقص المالی علی المغصوب ضمنه الغاصب ، کما لو غصب منّاً من زیت جیّد قیمته عشرة وخلطه بمنّ منه ردیء قیمته خمسة وبسبب الاختلاط یکون قیمة المنّین اثنی عشر ، فصار حصّة المغصوب منه من الثمن بعد التوزیع ثمانیة والحال أنّ زیته غیر مخلوط کان یسویٰ عشرة ، فورد النقص علیه باثنین ، وهذا النقص یغرمه الغاصب ، وإن شئت قلت : یستوفی المالک قیمة ماله غیر مخلوط من الثمن وما بقی یکون للغاصب .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 650 (مسألة 50) : فوائد المغصوب مملوکة للمغصوب منه وان تجدّدت بعد الغصب ، وهی کلّها مضمونة علی الغاصب أعیاناً کانت کاللبن والولد والشعر والثمر أو منافع کسکنی الدار ورکوب الدابّة ، بل کلّ صفة زادت بها قیمة المغصوب لو وجدت فی زمان الغصب ثمّ زالت وتنقّصت بزوالها قیمته ، ضمنها الغاصب وان ردّ العین کما کانت قبل الغصب ، فلو غصب دابّة هازلة أو عبداً جاهلاً ثمّ سمنت الدابّة أو تعلّم العبد الصنعة فزادت قیمتهما بسبب ذلک ثمّ هزلت الدابّة أو نسی المملوک الصنعة ، ضمن الغاصب تلک الزیادة التی حصلت ثمّ زالت . نعم لو زادت القیمة لزیادة صفة ثمّ زالت تلک الصفة ثمّ عادت الصفة بعینها لم یضمن قیمة الزیادة التالفة ؛ لانجبارها بالزیادة العائدة ، کما إذا سمنت الدابّة فی یده فزادت قیمتها ثمّ هزلت ثمّ سمنت ، فإنّه لایضمن الزیادة الحاصلة بالسمن الأوّل ، إلاّ إذا نقصت الزیادة الثانیة عن الاُولیٰ ؛ بأن کانت الزیادة الحاصلة بالسمن الأوّل درهمین والحاصلة بالثانی درهماً - مثلاً - فیضمن التفاوت .
(مسألة 51) : لو حصلت فیه صفة فزادت قیمته ثمّ زالت فنقصت ثمّ حصلت فیه صفة اُخریٰ زادت بها قیمته ، لم یزل ضمان الزیادة الاُولیٰ ولم ینجبر نقصانها بالزیادة الثانیة ، کما إذا سمنت الجاریة المغصوبة ثمّ هزلت فنقصت قیمتها ، ثمّ تعلّمت الخیاطة فزادت قیمتها بقدر الزیادة الاُولیٰ أو أزید ، لم یزل ضمان الغاصب للزیادة الاُولیٰ .
(مسألة 52) : إذا غصب حبّاً فزرعه أو بیضاً فاستفرخه تحت دجاجته - مثلاً - کان الزرع والفرخ للمغصوب منه ، وکذا لو غصب خمراً فصار خلاًّ أو غصب عصیراً فصار خمراً عنده ثمّ صار خلاًّ ، فإنّه ملک للمغصوب منه لا الغاصب . وأمّا لو غصب فحلاً فأنزاه علی الاُنثیٰ وأولدها کان الولد لصاحب الاُنثیٰ ، وإن کان هو الغاصب وعلیه اُجرة الضراب .
(مسألة 53) : جمیع ما مرّ من الضمان وکیفیّته وأحکامه وتفاصیله جاریة فی کلّ ید جاریة علیٰ مال الغیر بغیر حقّ وإن لم تکن عادیة وغاصبة وظالمة ، إلاّ فی موارد الأمانات ـ مالکیّة کانت أوشرعیّة کما عرفت التفصیل فیکتاب الودیعة - فتجری فیجمیع ما یقبض بالمعاملات الفاسدة وما وضع الید علیه بسبب الجهل والاشتباه ، کما إذا لبس مداس غیره أو ثوبه اشتباهاً ، أو أخذ شیئاً من سارق عاریة باعتقاد أنّه ماله وغیر ذلک ممّا لایحصیٰ .
(مسألة 54) : کما أنّ الید الغاصبة وما یلحق بها موجبة للضمان ـ وهو المسمّیٰ بضمان
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 651 الید وقد عرفت تفصیله فی المسائل السابقة ـ کذلک للضمان سببان آخران: الإتلاف ، والتسبیب ، وبعبارة اُخریٰ: له سبب آخر وهو الإتلاف ؛ سواء کان بالمباشرة أو التسبیب .
(مسألة 55) : الإتلاف بالمباشرة واضح لا یخفیٰ مصادیقه ، کما إذا ذبح حیواناً أو رماه بسهم فقتله ، أو ضرب علیٰ إناء فکسره ، أو رمیٰ شیئاً فی النار فأحرقه وغیر ذلک ممّا لا یحصیٰ ، وأمّا الإتلاف بالتسبیب فهو إیجاد شیء یترتّب علیه الإتلاف بسبب وقوع شیء ، کما لو حفر بئراً فی المعابر فوقع فیها إنسان أو حیوان ، أو طرح المعاثر والمزالق کقشر البطّیخ والرقّی فی المسالک ، أو أوتد وتداً فی الطریق فأصاب به عطب أو جنایة علیٰ حیوان أو إنسان ، أو وضع شیئاً علی الطریق فتمرّ به الدابّة فتنفر بصاحبها فتعقره ، أو أخرج میزاباً علی الطریق فأضرّ بالمارّة ، أو ألقیٰ صبیّاً أو حیواناً یضعف عن الفرار فی مسبعة فقتله السبع ، ومن ذلک ما لو فکّ القید عن الدابّة فشردت ، أو فتح قفصاً عن طائر فطار مبادراً أو بعد مکث وغیر ذلک ، ففی جمیع ذلک یکون فاعل السبب ضامناً ویکون علیه غرامة التالف وبدله ؛ إن کان مثلیّاً فبالمثل وإن کان قیمیّاً فبالقیمة ، وإن صار سبباً لتعیّب المال کان علیه الأرش کما مرّ فی ضمان الید .
(مسألة 56) : لو غصب شاة ذات ولد فمات ولدها جوعاً ، أو حبس مالک الماشیة أو راعیها عن حراستها فاتّفق تلفها لم یضمن بسبب التسبیب ، إلاّ إذا انحصر غذاء الولد بارتضاع من اُمّه وکانت الماشیة فی محالّ السباع ومظانّ الخطر وانحصر حفظها بحراسة راعیها ، فعلیه الضمان حینئذٍ علی الأقویٰ .
(مسألة 57) : ومن التسبیب الموجب للضمان ما لو فکّ وکاء ظرف فیه مائع فسال ما فیه ، وأمّا لو فتح رأس الظرف ثمّ اتّفق أنّه قلبته الریح الحادثة أو انقلب بوقوع طائر علیه ـ مثلاً - فسال ما فیه ، ففی الضمان تردّد وإشکال . نعم یقوی الضمان فیما کان ذلک فی حال هبوب الریاح العاصفة أو فی مجتمع الطیور ومظانّ وقوعها علیه .
(مسألة 58) : لیس من التسبیب الموجب للضمان ما لو فتح باباً علیٰ مال فسرق ، أو دلّ سارقاً علیه فسرقه ، فلا ضمان علیه .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 652 (مسألة 59) : لو وقع الحائط علی الطریق - مثلاً - فتلف بوقوعه مال أو نفس لم یضمن صاحبه ، إلاّ إذا بناه مائلاً إلی الطریق أو مال إلیه بعد ما کان مستویاً وقد تمکّن صاحبه من الإزالة ولم یزله ، فعلیه الضمان فی الصورتین علی الأقویٰ .
(مسألة 60) : لو وضع شربة أو کوزاً - مثلاً - علیٰ حائطه ، فسقط وتلف به مال أو نفس لم یضمن ، إلاّ إذا وضعه مائلاً إلی الطریق أو وضعه علیٰ وجه یسقط مثله .
(مسألة 61) : ومن التسبیب الموجب للضمان أن یشعل ناراً فی ملکه وداره فتعدّت وأحرقت دار جاره - مثلاً - فیما إذا تجاوز قدر حاجته ویعلم أو یظنّ تعدّیها لعصف الهواء مثلاً ، بل الظاهر کفایة الثانی فیضمن مع العلم أو الظنّ بالتعدّی ولو کان بمقدار الحاجة ، بل لایبعد الضمان إذا اعتقد عدم کونها متعدّیة فتبیّن خلافه ، کما إذا کانت ریح حین إشعال النار وهو قد اعتقد أنّ بمثل هذه الریح لا تسری النار إلی الجار فتبیّن خلافه . نعم لو کان الهواء ساکناً بحیث یؤمن معه من التعدّی فاتّفق عصف الهواء بغتة فطارت شرارتها یقویٰ عدم الضمان .
(مسألة 62) : إذا أرسل الماء فی ملکه فتعدّیٰ إلیٰ ملک غیره فأضرّ به ضمن مطلقاً ولو مع عدم اعتقاده عدم التعدّی ، فضلاً عمّا لو علم أو ظنّ به .
(مسألة 63) : لو تعب حمّال الخشبة فأسندها إلیٰ جدار الغیر لیستریح - بدون إذن صاحب الجدار - فوقع بإسناده إلیه ضمنه ، وضمن ما تلف بوقوعه علیه . ولو وقعت الخشبة فأتلفت شیئاً ضمنه ؛ سواء وقعت فی الحال أو بعد ساعة .
(مسألة 64) : لو فتح قفصاً عن طائر فخرج وکسر بخروجه قارورة شخص - مثلاً - ضمنها الفاتح ، وکذا لو کان القفص ضیّقاً - مثلاً - فاضطرب بخروجه فسقط وانکسر ضمنه .
(مسألة 65) : إذا أکلت دابّة شخص زرع غیره أو أفسده ، فإن کان معها صاحبها راکباً أو سائقاً أو قائداً أو مصاحباً ضمن ما أتلفته ، وإن لم یکن معها ؛ بأن انفلتت من مراحها
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 653 ـ مثلاً - فدخلت زرع غیره ، ضمن ما أتلفته إن کان ذلک لیلاً ، ولیس علیه ضمان إن کان نهاراً .
(مسألة 66) : لو کانت الشاة أو غیرها فی ید الراعی ، أو الدابّة فی ید المستعیر أو المستأجر ، فأتلفتا زرعاً أو غیره ، کان الضمان علی الراعی والمستأجر والمستعیر ، لا علی المالک والمعیر .
(مسألة 67) : لو اجتمع سببان للإتلاف بفعل شخصین ، فإن لم یکن أحدهما أسبق فی التأثیر اشترکا فی الضمان ، وإلاّ کان الضمان علی المتقدّم فی التأثیر ، فلو حفر شخص بئراً فی الطریق ووضع شخص آخر حجراً بقربها ، فعثر به إنسان أو حیوان فوقع فی البئر کان الضمان علیٰ واضع الحجر دون حافر البئر ، ویحتمل قویّاً اشتراکهما فی الضمان مطلقاً .
(مسألة 68) : لو اجتمع السبب مع المباشر ، کان الضمان علی المباشر دون فاعل السبب ، فلو حفر شخص بئراً فی الطریق فدفع غیره فیها إنساناً أو حیواناً کان الضمان علی الدافع دون الحافر . نعم لو کان السبب أقویٰ من المباشر کان الضمان علیه لا علی المباشر ، فلو وضع قارورة تحت رجل شخص نائم فمدّ رجله وکسرها کان الضمان علی الواضع دون النائم .
(مسألة 69) : لو اُکره علیٰ إتلاف مال غیره ، کان الضمان علیٰ من أکرهه ولیس علیه ضمان ؛ لکون ذی السبب أقویٰ من المباشر . هذا إذا لم یکن المال مضموناً فی یده ؛ بأن أکرهه علیٰ إتلاف ما لیس تحت یده أو علیٰ إتلاف الودیعة التی عنده مثلاً ، وأمّا إذا کان المال مضموناً فی یده ، کما إذا غصب مالاً فأکرهه شخص علیٰ إتلافه ، فالظاهر ضمان کلیهما ، فللمالک الرجوع علیٰ أیّهما شاء ، فإن رجع علی المکره – بالکسر - لم یرجع علی المکره – بالفتح - بخلاف العکس . هذا إذا اُکره علیٰ إتلاف المال ، وأمّا لو اُکره علیٰ قتل أحد معصوم الدم فقتله ، فالضمان علی القاتل من دون رجوع علی المکره – بالکسر - وإن کان علیه عقوبة ، فإنّه لا إکراه فی الدماء .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 654 (مسألة 70) : لو غصب مأکولاً - مثلاً - فأطعمه المالک مع جهله بأنّه ماله ؛ بأن قال له : هذا ملکی وطعامی ، أو قدّمه إلیه ضیافة ، مثلاً لو غصب شاة واستدعیٰ من المالک ذبحها فذبحها مع جهله بأنّها شاته ، ضمن الغاصب وإن کان المالک هو المباشر للإتلاف . نعم لو دخل المالک دار الغاصب - مثلاً - ورأیٰ طعاماً فأکله علی اعتقاد أنّه طعام الغاصب فکان طعام الآکل ، فالظاهر عدم ضمان الغاصب ، وقد برئ عن ضمان الطعام .
(مسألة 71) : لو غصب طعاماً من شخص وأطعمه غیر المالک علیٰ أنّه ماله مع جهل الآکل بأنّه مال غیره ، کما إذا قدّمه إلیه بعنوان الضیافة - مثلاً - ضمن کلاهما ، فللمالک أن یغرم أیّهما شاء فإن أغرم الغاصب لم یرجع علی الآکل وإن أغرم الآکل رجع علی الغاصب ؛ لأنّه قد غرّه .
(مسألة 72) : إذا سعیٰ إلیٰ الظالم علیٰ أحد أو اشتکیٰ علیه عنده بحقّ أو بغیر حقّ ، فأخذ الظالم منه مالاً بغیر حقّ لم یضمن الساعی والمشتکی ما خسره وإن أثم بسبب سعایته أو شکایته إذا کانت بغیر حقّ ، وإنّما الضمان علیٰ من أخذ المال .
(مسألة 73) : إذا تلف المغصوب وتنازع المالک والغاصب فی القیمة ولم تکن بیّنة فالقول قول الغاصب مع یمینه ، وکذا لو تنازعا فی صفة تزید بها الثمن ؛ بأن ادّعی المالک وجود تلک الصفة فیه یوم غصبه ، أو حدوثها بعده وإن زالت فیما بعد وأنکره الغاصب ولم یکن بیّنة ، فالقول قول الغاصب مع یمینه .
(مسألة 74) : إذا کان علی العبد المغصوب الذی تحت ید الغاصب ثوب أو خاتم - مثلاً - أو علی الدابّة المغصوبة رحل ، أو علّق بها حبل ، واختلفا فیما علیهما فقال المغصوب منه : هو لی ، وقال الغاصب : هو لی ، ولم تکن بیّنة فالقول قول الغاصب مع یمینه ؛ لکونه ذا ید فعلیّة علیه .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 655