أمّا الحوالة : فحقیقتها تحویل المدیون ما فی ذمّته إلیٰ ذمّة غیره ، وهی متقوّمة بأشخاص ثلاثة : المحیل وهو المدیون ، والمحتال وهو الدائن ، والمحال علیه . ویعتبر فی الثلاثة : البلوغ والعقل والرشد والاختیار ، وحیث إنّها عقد من العقود تحتاج إلیٰ إیجاب من المحیل وقبول من المحتال ، وأمّا المحال علیه فلیس طرفاً للعقد وإن قلنا باعتبار قبوله . ویعتبر فی عقدها ما یعتبر فی سائر العقود ، ومنها التنجیز فلو علّقها علیٰ شیء بطل . ویکفی فی الإیجاب کلّ لفظ یدلّ علی التحویل المزبور مثل : «أحلتک بما فی ذمّتی من الدین علیٰ فلان» وما یفید معناه ، وفی القبول ما یدلّ علی الرضا نحو «قبلت» و«رضیت» ونحوهما .
(مسألة 1) : یشترط فی صحّة الحوالة - مضافاً إلیٰ ما اعتبر فی المحیل والمحتال والمحال علیه وما اعتبر فی العقد - اُمور : منها : أن یکون المال المحال به ثابتاً فی ذمّة المحیل ، فلا تصحّ فی غیر الثابت فی ذمّته وإن وجد سببه ، کمال الجعالة قبل العمل ، فضلاً عمّا لم یوجد سببه کالحوالة بما سیستقرضه فیما بعد . ومنها : تعیین المال المحال به ؛ بمعنیٰ عدم الإبهام والتردید ، وأمّا معلومیّة مقداره أو جنسه عند المحیل أو المحتال فالظاهر عدم اعتبارها ، فلو کان مجهولاً عندهما لکن کان معلوماً ومعیّناً فی الواقع لابأس به ، خصوصاً مع فرض إمکان ارتفاع الجهالة بعد ذلک ، کما إذا کان علیه دین لأحد قد أثبته فی دفتره ولم یعلما مقداره فحوّله علیٰ شخص آخر قبل مراجعتهما إلی الدفتر . ومنها :
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 500 رضا المحال علیه وقبوله ؛ وإن اشتغلت ذمّته للمحیل بمثل ما أحال علیه علی الأقویٰ .
(مسألة 2) : لایعتبر فی صحّة الحوالة اشتغال ذمّة المحال علیه بالدین للمحیل ، فتصحّ الحوالة علی البریء علی الأقویٰ .
(مسألة 3) : لا فرق فی المحال به بین کونه عیناً ثابتاً فی ذمّة المحیل ، وبین کونه منفعة أو عملاً لا یعتبر فیه المباشرة ، فتصحّ إحالة مشغول الذمّة بخیاطة ثوب أو زیارة أو صلاة أو حجّ أو قراءة قرآن ونحو ذلک ؛ علیٰ بریء أو علیٰ من اشتغلت ذمّته له بمثل ذلک . وکذا لا فرق بین کونه مثلیّاً کالحنطة والشعیر أو قیمیّاً کالعبد والثوب بعدما کان موصوفاً بما یرفع الجهالة ، فإذا اشتغلت ذمّته بشاة موصوفة - مثلاً - بسبب کالسلم جاز له إحالتها علیٰ من کان له علیه شاة بذلک الوصف أو کان بریئاً .
(مسألة 4) : لا إشکال فی صحّة الحوالة مع اتّحاد الدین المحال به مع الدین الذی علی المحال علیه جنساً ونوعاً ، کما إذا کان علیه لرجل دراهم وله علیٰ آخر دراهم ، فیحیل الأوّل علی الثانی . وأمّا مع الاختلاف ؛ بأن کان علیه - مثلاً - دراهم وله علیٰ آخر دنانیر فیحیل الأوّل علی الثانی ، فهو یقع علیٰ أنحاء : فتارة : یحیل الأوّل بدراهمه علی الثانی بالدنانیر ؛ بأن یأخذ منه ویستحقّ علیه بدل الدراهم ، دنانیر ، واُخریٰ : یحیله علیه بالدراهم ؛ بأن یأخذ منه الدراهم ویعطی المحال علیه بدل ما علیه من الدنانیر الدراهم ، وثالثة : یحیله علیه بالدراهم ؛ بأن یأخذ منه دراهمه وتبقی الدنانیر علیٰ حالها . لا إشکال فی صحّة النحو الأوّل وکذا الثالث ویکون هو کالحوالة علی البریء ، وأمّا الثانی ففیه إشکال ، فالأحوط - فیما إذا أراد ذلک - أن یقلب الدنانیر التی علی المحال علیه دراهم بناقل شرعی أوّلاً ثمّ یحال علیه الدراهم .
(مسألة 5) : إذا تحقّقت الحوالة جامعة للشرائط برئت ذمّة المحیل عن الدین وإن لم یبرئه المحتال واشتغلت ذمّة المحال علیه للمحتال بما اُحیل علیه . هذا حال المحیل مع المحتال
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 501 والمحتال مع المحال علیه ، وأمّا حال المحال علیه مع المحیل ، فإن کانت الحوالة بمثل ما علیه برئت ذمّته ممّا له علیه ، وکذا إن کانت بغیر الجنس ووقعت علی النحو الأوّل من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة ، وإن وقعت علی النحو الثانی فقد عرفت أنّ فیه إشکالاً ، وعلیٰ فرض صحّته کان کالأوّل فی براءة ذمّة المحال علیه عمّا علیه ، وأمّا إن وقعت علی النحو الأخیر أو کانت الحوالة علی البریء اشتغلت ذمّة المحیل للمحال علیه بما أحال علیه ، وإن کان له علیه دین یبقیٰ علیٰ حاله فیتحاسبان بعد ذلک .
(مسألة 6) : لایجب علی المحتال قبول الحوالة وإن کان علیٰ غنیّ غیر مماطلٍ ، ولو قبلها لزم وإن کانت علیٰ فقیر معدم . نعم لو کان جاهلاً بحاله ثمّ بان إعساره وفقره وقت الحوالة کان له الفسخ والعود علی المحیل . ولیس له الفسخ بسبب الفقر الطارئ ، کما أنّه لا یزول الخیار لو تبدّل فقره بالیسار .
(مسألة 7) : الحوالة لازمة بالنسبة إلیٰ کلّ من الثلاثة ، إلاّ علی المحتال مع إعسار المحال علیه وجهله بالحال - کما أشرنا إلیه - والمراد بالإعسار : أن لا یکون عنده ما یوفی به الدین زائداً علیٰ مستثنیات الدین . ویجوز اشتراط خیار فسخ الحوالة لکلّ من الثلاثة .
(مسألة 8) : یجوز الترامی فی الحوالة بتعدّد المحال علیه واتّحاد المحتال ، کما لو أحال المدیون زیداً علیٰ عمروٍ ثمّ أحال عمرو زیداً علیٰ بکرٍ ثمّ أحال بکر زیداً علیٰ خالدٍ وهکذا ، أو بتعدّد المحتال مع اتّحاد المحال علیه ، کما لو أحال المحتال من له دین علیه علی المحال علیه ثمّ أحال المحتال من له علیه دین علیٰ ذاک المحال علیه وهکذا .
(مسألة 9) : إذا قضی المحیل الدین بعد الحوالة برئت ذمّة المحال علیه ، فإن کان ذلک بمسألته رجع المحیل علیه ، وإن تبرّع لم یرجع علیه .
(مسألة 10) : إذا أحال علیٰ بریء وقبل المحال علیه ، فهل له الرجوع علی المحیل بمجرّد القبول أولیس له الرجوع علیه إلاّ بعد أداء الدین للمحتال ؟ فیه تأمّل وإشکال .
(مسألة 11) : إذا أحال البائع من له علیه دین علی المشتری ، أو أحال المشتری البائع بالثمن علیٰ شخص آخر ثمّ تبیّن بطلان البیع بطلت الحوالة ، بخلاف ما إذا انفسخ البیع
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 502 بخیار أو بالإقالة ، فإنّه تبقی الحوالة ولم تتبع البیع فی الانفساخ .
(مسألة 12) : إذا کان له عند وکیله أو أمینه مال معیّن خارجی ، فأحال دائنه علیه لیدفع إلیه وقبل المحتال وجب علیه دفعه إلیه ، وإن لم یدفع فله الرجوع علی المحیل لبقاء شغل ذمّته .
القول فی الکفالة
وحقیقتها : التعهّد والالتزام لشخص بإحضار نفس له حقّ علیها ؛ وهی عقد واقع بین الکفیل والمکفول له وهو صاحب الحقّ ، والإیجاب من الأوّل والقبول من الثانی . ویکفی فی الإیجاب کلّ لفظ دالّ علی الالتزام المزبور کأن یقول : «کفّلت لک بدن فلان» أو «نفسه» أو «أنا کفیل لک بإحضاره» ونحو ذلک ، وفی القبول کلّ ما یدلّ علی الرضا بذلک .
(مسألة 1) : یعتبر فی الکفیل: البلوغ والعقل والاختیار والتمکّن من الإحضار ، ولایشترط فی المکفول له البلوغ والعقل ، فیصحّ الکفالة للصبیّ والمجنون إذا قبلها الولیّ .
(مسألة 2) : لا إشکال فی اعتبار رضا الکفیل والمکفول له ، وأمّا المکفول ففی اعتبار رضاه تأمّل وإشکال ، والأحوط اعتباره ، بل الأحوط کونه طرفاً للعقد ؛ بأن یکون عقدها مرکّباً من إیجاب وقبولین من المکفول له والمکفول .
(مسألة 3) : کلّ من علیه حقّ مالیّ صحّت الکفالة ببدنه ، ولا یشترط العلم بمبلغ ذلک المال . نعم یشترط أن یکون ذلک المال ثابتاً فی الذمّة بحیث یصحّ ضمانه ، فلو تکفّل بإحضار من لا مال علیه ـ وإن وجد سببه کمن جعل الجعالة قبل أن یعمل العامل - لم ـ یصحّ . وکذا تصحّ کفالة کلّ من یستحقّ علیه الحضور إلیٰ مجلس الشرع بأن تکون علیه دعویٰ مسموعة وإن لم تقم البیّنة علیه بالحقّ . ولا تصحّ کفالة من علیه عقوبة من حدّ أو تعزیر .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 503 (مسألة 4) : یصحّ إیقاع الکفالة حالّة ومؤجّلة ، ومع الإطلاق تکون معجّلة . ولو کانت مؤجّلة یلزم تعیین الأجل علیٰ وجه لایختلف زیادة ونقصاً .
(مسألة 5) : عقد الکفالة لازم لایجوز فسخه إلاّ بالإقالة ، ویجوز جعل الخیار فیه لکلّ من الکفیل والمکفول له مدّة معیّنة .
(مسألة 6) : إذا تحقّقت الکفالة جامعة للشرائط ، جازت مطالبة المکفول له الکفیل بالمکفول عاجلاً إذا کانت الکفالة مطلقة أو معجّلة . وبعد الأجل إن کانت مؤجّلة ، فإن کان المکفول حاضراً وجب علی الکفیل إحضاره فإن أحضره وسلّمه تسلیماً تامّاً بحیث یتمکّن المکفول له منه فقد برئ ممّا علیه ، وإن امتنع عن ذلک کان له حبسه عند الحاکم حتّیٰ یحضره أو یؤدّی ما علیه ، وإن کان غائباً فإن کان موضعه معلوماً یمکن الکفیل ردّه منه اُمهل بقدر ذهابه ومجیئه ، فإذا مضیٰ قدر ذلک ولم یأت به من غیر عذر حبس کما مرّ ، وإن کان غائباً غیبة منقطعة لایعرف موضعه وانقطع خبره لم یکلّف الکفیل إحضاره ، وهل یلزم بأداء ما علیه ؟ الأقرب ذلک ، خصوصاً إذا کان ذلک بتفریط من الکفیل ؛ بأن طالبه المکفول له وکان متمکّناً منه فلم یحضره حتّیٰ هرب . نعم لو کان بحیث لا یرجی الظفر به بحسب العادة یشکل صحّة الکفالة من أصلها .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 504 (مسألة 7) : إذا لم یحضر الکفیل المکفول فاُخذ منه المال ، فإن لم یأذن له المکفول لا فی الکفالة ولا فی الأداء لیس له الرجوع علیه بما أدّاه ، وإذا أذن له فی الأداء کان له أن یرجع به علیه ؛ سواء أذن له فی الکفالة – أیضاً - أم لا . وأمّا إذا أذن له فی الکفالة دون الأداء فهل یرجع علیه أم لا ؟ لایبعد أن یفصّل بین ما إذا أمکن له مراجعته وإحضاره للمکفول له فالثانی ، وبین ما إذا تعذّر له ذلک فالأوّل .
(مسألة 8) : إذا عیّن الکفیل فی الکفالة مکان التسلیم تعیّن ، فلایجب علیه تسلیمه فی غیره ، ولو طلب ذلک المکفول له لم تجب إجابته . کما أنّه لو سلّمه فی غیر ما عیّن لم یجب علی المکفول له تسلّمه . ولو أطلق ولم یعیّن مکان التسلیم ، فإن أوقعا العقد فی بلد المکفول له أو بلد قراره انصرف إلیه ، وإن أوقعاه فی برّیّة أو بلد غربة لم یکن من قصده القرار والاستقرار فیه ، فإن کانت قرینة علی التعیین فهو بمنزلته وإلاّ بطلت الکفالة من أصلها .
(مسألة 9) : یجب علی الکفیل التوسّل بکلّ وسیلة مشروعة لإحضار المکفول ، حتّیٰ أنّه لو احتاج إلی الاستعانة بشخص قاهر - لم یکن فیها مفسدة أو مضرّة دینیّة أو دنیویّة - لم یبعد وجوبها . ولو کان غائباً واحتاج حمله إلیٰ مؤونة فعلی المکفول نفسه . ولو صرفها الکفیل لا بعنوان التبرّع ، له أن یرجع بها علیه ، علیٰ إشکال فی بعضها .
(مسألة 10) : تبرأ ذمّة الکفیل بإحضار المکفول أو حضوره وتسلیم نفسه تسلیماً تامّاً ، وکذا تبرأ ذمّته لو أخذ المکفول له المکفول طوعاً أو کرهاً بحیث تمکّن من استیفاء حقّه أو إحضاره مجلس الحکم ، أو إبراء المکفول عن الحقّ الذی علیه أو الکفیل من الکفالة .
(مسألة 11) : إذا مات الکفیل أو المکفول بطلت الکفالة ، بخلاف ما لو مات المکفول له فإنّه تکون الکفالة باقیة وینتقل حقّ المکفول له منها إلیٰ ورثته .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 505 (مسألة 12) : لو نقل المکفول له الحقّ الذی له علی المکفول إلیٰ غیره ببیع أو صلح أو حوالة بطلت الکفالة .
(مسألة 13) : من خلّیٰ غریماً من ید صاحبه قهراً وإجباراً ، ضمن إحضاره أو أداء ما علیه ، ولو خلّیٰ قاتلاً من ید ولیّ الدم لزمه إحضاره أو إعطاء الدیة وإن کان القتل عمداً .
(مسألة 14) : یجوز ترامی الکفالات ؛ بأن یکفل الکفیل کفیل آخر ، ثمّ یکفل کفیل الکفیل کفیل آخر وهکذا ، وحیث إنّ الکلّ فروع الکفالة الاُولیٰ وکلّ لاحق فرع سابقه فلو أبرأ المستحقّ الکفیل الأوّل أو أحضر الأوّل المکفول الأوّل أو مات أحدهما برئوا أجمع . ولو أبرأ المستحقّ بعض من توسّط برئ هو ومن بعده دون من قبله ، وکذا لو مات برئ من کان فرعاً له .
(مسألة 15) : یکره التعرّض للکفالات ، وقد قال مولانا الصادق علیه السلام فی خبر لبعض أصحابه : «مالک والکفالات ؟! أما علمت أنّها أهلکت القرون الاُولی» ، وعنه علیه السلام : «الکفالة : خسارة غرامة ندامة» .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 506
کتاب الوکالة
وهی تولیة الغیر فی إمضاء أمر ، أو استنابته فی التصرّف فیما کان له ذلک ، وحیث إنّها من العقود تحتاج إلیٰ إیجاب وقبول ، ویکفی فی الإیجاب کلّ ما دلّ علیٰ التولیة والاستنابة المزبورتین کقوله : «وکّلتک» أو «أنت وکیلی فی کذا» أو «فوّضته إلیک» أو «استنبتک فیه» ونحوها ، بل الظاهر کفایة قوله : «بع داری» مثلاً قاصداً به الاستنابة فی بیعها ، وفی القبول کلّ ما دلّ علی الرضا ، بل الظاهر أنّه یکفی فیه فعل ما وکّل فیه کما إذا وکّله فی بیع شیء فباعه أو شراء شیء فاشتراه له ، بل یقویٰ وقوعها بالمعاطاة ؛ بأن سلّم إلیه متاعاً لیبیعه فتسلّمه لذلک ، بل لایبعد تحقّقها بالکتابة من طرف الموکّل والرضا بما فیها من طرف الوکیل وإن تأخّر وصولها إلیه مدّة ، فلایعتبر فیها الموالاة بین إیجابها وقبولها . وبالجملة : یتّسع الأمر فیها بما لا یتّسع فی غیرها من العقود ، حتّیٰ أنّه لو قال الوکیل : «أنا وکیلک فی بیع دارک ؟» مستفهماً ، فقال : «نعم» ، صحّ وتمّ وإن لم نکتف بمثله فی سائر العقود .
(مسألة 1) : یشترط فیها التنجیز ؛ بمعنیٰ عدم تعلیق أصل الوکالة بشیء ، کأن یقول مثلاً : «إذا قدم زید أو جاء رأس الشهر وکّلتک - أو أنت وکیلی - فی أمر کذا» . نعم لابأس بتعلیق متعلّق الوکالة والتصرّف الذی استنابه فیه ، کما لو قال : «أنت وکیلی فی أن تبیع داری إذا قدم زید» أو «وکّلتک فی شراء کذا فی وقت کذا» .
(مسألة 2) : یشترط فی کلّ من الموکّل والوکیل البلوغ والعقل والقصد والاختیار ،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 507 فلایصحّ التوکیل ولا التوکّل من الصبیّ والمجنون والمکره . وفی الموکّل کونه جائز التصرّف فیما وکّل فیه ، فلا یصحّ توکیل المحجور علیه لسفه أو فلس فیما حجر علیهما فیه دون ما لم یحجر علیهما فیه کالطلاق ونحوهما . وفی الوکیل کونه متمکّناً عقلاً وشرعاً من مباشرة ما توکّل فیه ، فلا تصحّ وکالة المحرم فیما لایجوز له ، کابتیاع الصید وإمساکه ، وإیقاع عقد النکاح .
(مسألة 3) : لا یشترط فی الوکیل الإسلام ، فتصحّ وکالة الکافر بل والمرتدّ وإن کان عن فطرة عن المسلم والکافر إلاّ فیما لایصحّ وقوعه من الکافر ، کابتیاع مصحف أو مسلم لکافر أو مسلم - علیٰ إشکال فیما إذا کان لمسلم - وکاستیفاء حقّ أو مخاصمة مع مسلم ، علیٰ تردّد خصوصاً إذا کان لمسلم .
(مسألة 4) : تصحّ وکالة المحجور علیه لسفه أو فلس عن غیرهما ممّن لا حجر علیه ؛ لاختصاص ممنوعیّتها بالتصرّف فی أموالهما .
(مسألة 5) : لو جوّزنا للصبیّ بعض التصرّفات فی ماله کالوصیّة بالمعروف لمن بلغ عشر سنین - کما یأتی - جاز له التوکیل فیما جاز له .
(مسألة 6) : ما کان شرطاً فی الموکّل والوکیل ابتداءً شرط فیهما استدامة ، فلو جنّا أو اُغمی علیهما أو حجر علی الموکّل بالنسبة إلیٰ ما وکّل فیه بطلت الوکالة ، ولو زال المانع احتاج عودها إلیٰ توکیل جدید .
(مسألة 7) : یشترط فیما وکّل فیه أن یکون سائغاً فی نفسه ، وأن یکون للموکّل السلطنة شرعاً علیٰ إیقاعه ، فلا توکیل فی المعاصی کالغصب والسرقة والقمار ونحوها ، ولا فیما لیس له السلطنة علیٰ إیقاعه کبیع مال الغیر من دون ولایة له علیه . ولا یعتبر القدرة علیه خارجاً مع کونه ممّا یصحّ وقوعه منه شرعاً ، فیجوز لمن لم یقدر علیٰ أخذ ماله من غاصب
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 508 أن یوکّل فی أخذه منه من یقدر علیه .
(مسألة 8) : إذا لم یتمکّن شرعاً أو عقلاً من إیقاع أمر إلاّ بعد حصول أمر غیر حاصل حین التوکیل - کتطلیق امرأة لم تکن فی حبالته وتزویج من کانت مزوّجة أو معتدّة وإعتاق عبد غیر مملوک له ونحو ذلک - لا إشکال فی جواز التوکیل فیه تبعاً لما تمکّن منه ؛ بأن یوکّله فی إیقاع المرتّب علیه ، ثمّ إیقاع ما رتّب علیه ؛ بأن یوکّله - مثلاً - فی تزویج امرأة له ثمّ طلاقها ، أو شراء عبد له ثمّ إعتاقه ، أو شراء مال ثمّ بیعه ونحو ذلک . وأمّا التوکیل فیه استقلالاً من دون التوکیل فی المرتّب علیه ففیه إشکال ، بل الظاهر عدم الصحّة ، من غیر فرق بین ما کان المرتّب علیه غیر قابل للتوکیل کانقضاء العدّة وبین غیره ، فلا یجوز أن یوکّل فی تزویج المعتدّة بعد انقضاء العدّة والمزوّجة بعد طلاق زوجها أو بعد موته ، وکذا فی طلاق زوجة سینکحها أو إعتاق عبد سیملکه أو بیع متاع سیشتریه ونحو ذلک .
(مسألة 9) : یشترط فی الموکّل فیه أن یکون قابلاً للنیابة ؛ بأن لم یعتبر فی مشروعیّة وقوعه عن الإنسان إیقاعه بالمباشرة ، کالعبادات البدنیّة من الطهارات الثلاث والصلاة والصیام - فرضها ونفلها - دون المالیّة منها ، کالزکاة والخمس والکفّارات ، فإنّه لا یعتبر فیها المباشرة فیصحّ التوکیل والنیابة فیها ؛ إخراجاً وإیصالاً إلیٰ مستحقّیها .
(مسألة 10) : یصحّ التوکیل فی جمیع العقود ، کالبیع والصلح والإجارة والهبة والعاریة والودیعة والمضاربة والمزارعة والمساقاة والقرض والرهن والشرکة والضمان والحوالة والکفالة والوکالة والنکاح ؛ إیجاباً وقبولاً فی الجمیع ، وکذا فی الوصیّة والوقف وفی الطلاق والإعتاق والإبراء والأخذ بالشفعة وإسقاطها ، وفسخ العقد فی موارد ثبوت الخیار وإسقاطه . نعم الظاهر أنّه لا یصحّ التوکیل فی الرجوع إلی المطلّقة فی الطلاق الرجعیّ ،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 509 کما أنّه لایصحّ فی الیمین والنذر والعهد واللعان والإیلاء والظهار وفی الشهادة والإقرار ، علیٰ إشکال فی الأخیر .
(مسألة 11) : یصحّ التوکیل فی القبض والإقباض فی موارد لزومهما ، کما فی الرهن والقرض والصرف بالنسبة إلی العوضین والسلم بالنسبة إلی الثمن وفی إیفاء الدیون واستیفائها وغیرها .
(مسألة 12) : یجوز التوکیل فی الطلاق - غائباً کان الزوج أم حاضراً - بل یجوز توکیل الزوجة فی أن تطلّق نفسها بنفسها ، أو بأن توکّل الغیر عن الزوج أو عن نفسها .
(مسألة 13) : یجوز الوکالة والنیابة فی حیازة المباح ، کالاستقاء والاحتطاب والاحتشاش وغیرها ، فإذا وکّل واستناب شخصاً فی حیازتها وقد حازها بعنوان النیابة عنه کانت بمنزلة حیازة المنوب عنه وصار ما حازه ملکاً له .
(مسألة 14) : یشترط فی الموکّل فیه التعیین ؛ بأن لا یکون مجهولاً أو مبهماً ، فلو قال : وکّلتک ، من غیر تعیین ، أو علیٰ أمر من الاُمور ، أو علیٰ شیء ممّا یتعلّق بی ونحو ذلک ، لم یصحّ . نعم لابأس بالتعمیم أو الإطلاق کما نفصّله .
(مسألة 15) : الوکالة : إمّا خاصّة وإمّا عامّة وإمّا مطلقة : فالاُولیٰ : ما تعلّقت بتصرّف معیّن فی شخص معیّن ، کما إذا وکّله فی شراء عبد شخصیّ معیّن ، وهذا ممّا لا إشکال فی صحّته . وأمّا الثانیة : فإمّا عامّة من جهة التصرّف وخاصّة من جهة متعلّقه ، کما إذا وکّله فی جمیع التصرّفات الممکنة فی داره المعیّنة من بیعها وهبتها وإجارتها وغیرها ، وإمّا بالعکس ، کما إذا وکّله فی بیع جمیع ما یملکه ، وإمّا عامّة من کلتا الجهتین ، کما إذا وکّله فی جمیع التصرّفات الممکنة فی جمیع ما یملکه ، أو فی إیقاع جمیع ما کان له فیما یتعلّق به ؛ بحیث یشمل التزویج له وطلاق زوجته . وکذا الثالثة : قد تکون مطلقة من جهة التصرّف خاصّة من جهة متعلّقه ، کما إذا وکّله فی أنّه إمّا یبیع داره المعیّنة بیعاً لازماً أو خیاریّاً أو یرهنها أو یؤجرها ، وأوکل التعیین إلیٰ نظره ، وقد تکون بالعکس ، کما إذا احتاج إلیٰ بیع
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 510 أحد أملاکه من داره أو عقاره أو دوابّه أو غیرها ، فوکّل شخصاً فی أن یبیع أحدها وفوّض الأمر فی تعیینه بنظره ومصلحته ، وقد تکون مطلقة من کلتا الجهتین ، کما إذا وکّله فی إیقاع أحد العقود المعاوضیّة من البیع أو الصلح أو الإجارة - مثلاً - علیٰ أحد أملاکه ؛ من داره أو دکّانه أو خانه - مثلاً - وأوکل التعیین من الجهتین إلیٰ نظره . والظاهر صحّة الجمیع وإن کان بعضها لایخلو من مناقشة ، لکنّها مندفعة .
(مسألة 16) : قد مرّ أنّه یعتبر فی الموکّل فیه التعیین ولو بالإطلاق أو التعمیم ، فإنّهما أیضاً نحو من التعیین ، ویقتصر الوکیل فی التصرّف علیٰ ما شمله عقد الوکالة صریحاً أو ظاهراً ولو بمعونة القرائن الحالیّة أو المقالیّة ؛ ولو کانت هی العادة الجاریة علیٰ أنّ من یوکّل فی أمر کذا یرید ما یشمل کذا ، کما إذا وکّله فی البیع بالنسبة إلیٰ تسلیم المبیع أو فی الشراء بالنسبة إلیٰ تسلیم الثمن دون قبض الثمن والمثمن ، إلاّ إذا شهدت قرائن الأحوال بأنّه قد وکّله فی البیع أو الشراء بجمیع ما یترتّب علیهما .
(مسألة 17) : لو خالف الوکیل عمّا عیّن له وأتیٰ بالعمل علیٰ نحو لم یشمله عقد الوکالة ، فإن کان ممّا یجری فیه الفضولیّة کالعقود ، توقّفت صحّته علیٰ إجازة الموکّل وإلاّ بطل ، ولا فرق فی ذلک بین أن یکون التخالف بالمباینة ، کما إذا وکّله فی بیع داره فآجرها ، أو ببعض الخصوصیّات ، کما إذا وکّله فی أن یبیع نقداً فباع نسیئة أو بالعکس ، أو یبیع بخیار فباع بدونه أو بالعکس ، أو یبیعه من فلان فباعه من غیره وهکذا . نعم لو علم شمول التوکیل لفاقد الخصوصیّة أیضاً صحّ ، کما إذا وکّله فی أن یبیع السلعة بدینار فباعها بدینارین ؛ حیث إنّ الظاهر عرفاً بل المعلوم من حال الموکّل أنّ تحدید الثمن بدینار إنّما هو من طرف النقیصة فقط لا من طرف النقیصة والزیادة معاً ، فکأنّه قال : إنّ ثمنها لا ینقص عن دینار . نعم لو فرض وجود غرض صحیح فی التحدید به زیادة ونقیصة کان بیعها بالزیادة کبیعها بالنقیصة فضولیّاً یحتاج إلی الإجازة . ومن هذا القبیل ما إذا وکّله فی أن یبیعها فی سوق مخصوصة بثمن معیّن فباعها فی غیرها بذلک الثمن ، فربّما یفهم عرفاً أنّه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 511 لیس الغرض إلاّ تحصیل الثمن فیکون ذکر السوق المخصوص من باب المثال . ولو فرض احتمال وجود غرض عقلائی فی تعیینها - احتمالاً معتدّاً به - لم یجز التعدّی عنه .
(مسألة 18) : یجوز للولیّ - کالأب والجدّ للصغیر - أن یوکّل غیره فیما یتعلّق بالمولّیٰ علیه ممّا له الولایة فیه .
(مسألة 19) : لایجوز للوکیل أن یوکّل غیره فی إیقاع ما توکّل فیه - لا عن نفسه ولا عن الموکّل - إلاّ بإذن الموکّل ، ویجوز بإذنه بکلا النحوین . فإن عیّن الموکّل فی إذنه أحدهما بأن قال مثلاً : وکّل غیرک عنّی أو عنک ، فهو المتّبع ولا یجوز له التعدّی عمّا عیّنه . ولو أطلق فإن وکّله فی أن یوکّل ، کما إذا قال مثلاً : وکّلتک فی أن توکّل غیرک ، فهو إذن فی توکیل الغیر عن الموکّل وإن کان مجرّد الإذن فیه ، کما إذا قال : وکّل غیرک ، فهو إذن فی توکیله عن نفسه علیٰ تأمّل .
(مسألة 20) : لو کان الوکیل الثانی وکیلاً عن الموکّل ، کان فی عرض الوکیل الأوّل ، فلیس له أن یعزله ولا ینعزل بانعزاله ، بل لو مات الأوّل یبقی الثانی علیٰ وکالته ، وأمّا لو کان وکیلاً عن الوکیل کان له أن یعزله وکانت وکالته تبعاً لوکالته ، فینعزل بانعزاله ، أو موته ، وهل للموکّل أن یعزله حینئذٍ من دون أن یعزل الوکیل الأوّل ؟ لا یبعد أن یکون له ذلک .
(مسألة 21) : یجوز أن یتوکّل اثنان فصاعداً عن واحد فی أمر واحد ، فإن صرّح الموکّل بانفرادهما جاز لکلّ منهما الاستقلال فی التصرّف من دون مراجعة الآخر ، وإلاّ لم یجز الانفراد لأحدهما ولو مع غیبة صاحبه أو عجزه ؛ سواء صرّح بالانضمام والاجتماع أو أطلق ؛ بأن قال مثلاً : وکّلتکما ، أو أنتما وکیلای ونحو ذلک . ولو مات أحدهما بطلت الوکالة رأساً مع شرط الاجتماع أو الإطلاق المنزّل منزلته ، وبقی وکالة الباقی فیما لو صرّح بالانفراد .
(مسألة 22) : الوکالة عقد جائز من الطرفین ، فللوکیل أن یعزل نفسه مع حضور الموکّل وغیبته ، وکذا للموکّل أن یعزله ، لکن انعزاله بعزله مشروط ببلوغه إیّاه ، فلو أنشأ عزله
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 512 ولکن لم یطّلع علیه الوکیل لم ینعزل ، فلو أمضیٰ أمراً قبل أن یبلغه العزل ولو بإخبار ثقة کان ماضیاً نافذاً .
(مسألة 23) : تبطل الوکالة بموت الوکیل ، وکذا بموت الموکّل وإن لم یعلم الوکیل بموته ، وبعروض الجنون والإغماء علیٰ کلّ منهما ، وبتلف ما تعلّقت به الوکالة ، وبفعل الموکّل ما تعلّقت به الوکالة ، کما لو وکّله فی بیع سلعة ثمّ باعها ، أو فعل ما ینافیه کما لو وکّله فی بیع عبد ثمّ أعتقه .
(مسألة 24) : یجوز التوکیل فی الخصومة والمرافعة ، فیجوز لکلّ من المدّعی والمدّعیٰ علیه أن یوکّل شخصاً عن نفسه ، بل یکره لذوی المروءات - من أهل الشرف والمناصب الجلیلة - أن یتولّوا المنازعة والمرافعة بأنفسهم ، خصوصاً إذا کان الطرف بذیء اللسان . ولا یعتبر رضا صاحبه فلیس له الامتناع عن خصومة الوکیل .
(مسألة 25) : الوکیل بالخصومة إن کان وکیلاً عن المدّعی کان وظیفته بثّ الدعویٰ علی المدّعیٰ علیه عند الحاکم وإقامة البیّنة وتعدیلها وتحلیف المنکر وطلب الحکم علی الخصم والقضاء علیه ، وبالجملة : کلّ ما یقع وسیلة إلی الإثبات . وأمّا الوکیل عن المدّعیٰ علیه فوظیفته الإنکار والطعن علی الشهود وإقامة بیّنة الجرح ومطالبة الحاکم بسماعها والحکم بها ، وبالجملة : علیه السعی فی الدفع ما أمکن .
(مسألة 26) : لو ادّعیٰ منکر الدین - مثلاً - فی أثناء مرافعة وکیله ومدافعته عنه الأداء أو الإبراء ، انقلب مدّعیاً ، وصارت وظیفة وکیله إقامة البیّنة علیٰ هذه الدعویٰ وطلب الحکم بها من الحاکم ، وصارت وظیفة وکیل خصمه الإنکار والطعن فی الشهود وغیر ذلک .
(مسألة 27) : لایقبل إقرار الوکیل فی الخصومة علیٰ موکّله ، فلو أقرّ وکیل المدّعی القبض أو الإبراء أو قبول الحوالة أو المصالحة أو بأنّ الحقّ مؤجّل أو أنّ البیّنة فسقة أو أقرّ وکیل المدّعیٰ علیه بالحقّ للمدّعی ، لم یقبل وبقیت الخصومة علیٰ حالها ؛ سواء أقرّ فی مجلس الحکم أو فی غیره ، لکن ینعزل وتبطل وکالته ولیس له المرافعة ؛ لأنّه بعد الإقرار ظالم فی الخصومة بزعمه .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 513 (مسألة 28) : الوکیل بالخصومة لا یملک الصلح عن الحقّ ولا الإبراء منه ، إلاّ أن یکون وکیلاً فی ذلک أیضاً بالخصوص .
(مسألة 29) : یجوز أن یوکّل اثنین فصاعداً بالخصومة کسائر الاُمور ، فإن لم یصرّح باستقلال کلّ واحد منهما لم یستقلّ بها أحدهما ، بل یتشاوران ویتباصران ویعضد کلّ واحد منهما صاحبه ویعینه علیٰ ما فوّض إلیهما .
(مسألة 30) : إذا وکّل الرجل وکیلاً بحضور الحاکم فی خصوماته واستیفاء حقوقه مطلقاً أو فی خصومة شخصیّة ثمّ قدّم الوکیل خصماً لموکّله ونشر الدعویٰ علیه یسمع الحاکم دعواه علیه ، وکذا إذا ادّعیٰ عند الحاکم أن یکون وکیلاً فی الدعویٰ وأقام البیّنة عنده علیٰ وکالته . وأمّا إذا ادّعی الوکالة من دون بیّنة علیها فإن لم یحضر خصماً عنده أو أحضر ولم یصدّقه فی وکالته لم یسمع دعواه ، وأمّا إذا صدّقه فیها فالظاهر أنّه یسمع دعواه لکن لم یثبت بذلک وکالته عن موکّله ؛ بحیث یکون حجّة علیه ، فإذا قضت موازین القضاء بحقیّة المدّعی یلزم المدّعیٰ علیه بالحقّ ، وأمّا إذا قضت بحقّیّة المدّعیٰ علیه فالمدّعی علیٰ حجّته ، فإذا أنکر الوکالة تبقیٰ دعواه علیٰ حالها .
(مسألة 31) : إذا وکّله فی الدعویٰ و تثبیت حقّه علیٰ خصمه وثبّته لم یکن له قبض الحقّ ، فللمحکوم علیه أن یمتنع عن تسلیم ما ثبت علیه إلی الوکیل .
(مسألة 32) : لو وکّله فی استیفاء حقّ له علیٰ غیره ، فجحده من علیه الحقّ ، لم یکن للوکیل مخاصمته والمرافعة معه وتثبیت الحقّ علیه ما لم یکن وکیلاً فی الخصومة .
(مسألة 33) : یجوز التوکیل بجعل وبغیر جعل ، وإنّما یستحقّ الجعل فیما جعل له الجعل بتسلیم العمل الموکّل فیه ، فلو وکّله فی البیع أو الشراء وجعل له جعلاً کان للوکیل مطالبة الموکّل به بمجرّد إتمام المعاملة وإن لم یتسلّم الموکّل الثمن أو المثمن ، وکذا لو وکّله فی المرافعة وتثبیت حقّه استحقّ الجعل بمجرّد إتمام المرافعة وثبوت الحقّ وإن لم یتسلّمه الموکّل .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 514 (مسألة 34) : لو وکّله فی قبض دینه من شخص ، فمات قبل الأداء لم یکن له مطالبة وارثه ، نعم لو کانت عبارة الوکالة شاملة له کما لو قال : اقبض حقّی الذی علیٰ فلان ، کان له ذلک .
(مسألة 35) : لو وکّله فی استیفاء دینه من زید ، فجاء إلیٰ زید للمطالبة فقال زید للوکیل : خذ هذه الدراهم واقض بها دین فلان - یعنی موکّله - فأخذها ، صار الوکیل وکیل زید فی قضاء دینه وکانت الدراهم باقیة علیٰ ملک زید ما لم یقبضها صاحب الدین فلزید استردادها ما دامت فی ید الوکیل ، ولو تلفت عنده بقی الدین بحاله . ولو قال : خذها عن الدین الذی تطالبنی به لفلان ، فأخذها کان قابضاً للموکّل وبرئت ذمّة زید ولیس له الاسترداد .
(مسألة 36) : الوکیل أمین بالنسبة إلیٰ ما فی یده لا یضمنه إلاّ مع التفریط أو التعدّی ، کما إذا لبس ثوباً توکّل فی بیعه أو حمل علیٰ دابّة توکّل فی بیعها ؛ لکن لاتبطل بذلک وکالته ، فلو باع الثوب بعد لبسه صحّ بیعه وإن کان ضامناً له لو تلف قبل أن یبیعه ، وبتسلیمه إلی المشتری یبرأ عن ضمانه .
(مسألة 37) : لو وکّله فی إیداع مال ، فأودعه بلا إشهاد فجحد الودعی لم یضمنه الوکیل ، إلاّ إذا وکّله فی أن یودعه عنده مع الإشهاد ، فأودع بلا إشهاد . وکذا الحال فیما لو وکّله فی قضاء دینه ، فأدّاه بلا إشهاد وأنکر الدائن .
(مسألة 38) : إذا وکّله فی بیع سلعة أو شراء متاع ، فإن صرّح بکون البیع أو الشراء من غیره أو بما یعمّ نفسه فلا إشکال ، وإن أطلق وقال : أنت وکیلی فی أن تبیع هذه السلعة أو تشتری لی المتاع الفلانی ، فهل یعمّ نفس الوکیل فیجوز أن یبیع السلعة من نفسه أو یشتری له المتاع من نفسه أم لا ؟ وجهان بل قولان ، أقواهما الأوّل وأحوطهما الثانی .
(مسألة 39) : إذا اختلفا فی الوکالة فالقول قول منکرها ، ولو اختلفا فی التلف أو فی تفریط الوکیل فالقول قول الوکیل ، وإذا اختلفا فی دفع المال إلی الموکّل فالظاهر أنّ القول
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 515 قول الموکّل خصوصاً إذا کانت بجعل . وکذا الحال فیما إذا اختلف الوصیّ والموصیٰ له فی دفع المال الموصیٰ به إلیه ، والأولیاء حتّی الأب والجدّ إذا اختلفوا مع المولّیٰ علیه بعد زوال الولایة علیه فی دفع ماله إلیه ، فإنّ القول قول المنکر فی جمیع ذلک . نعم لو اختلف الأولیاء مع المولّیٰ علیهم فی الإنفاق علیهم أو علیٰ ما یتعلّق بهم فی زمان ولایتهم ، الظاهر أنّ القول قول الأولیاء بیمینهم .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 516
کتاب الإقرار
الذی هو الإخبار الجازم بحقّ لازم علی المخبر أو بنفی حقّ له کقوله : «له أو لک علیّ کذا» أو «عندی أو فی ذمّتی کذا» أو «هذا الذی فی یدی لفلان» أو «لیس لی حقّ علیٰ فلان» وما أشبه ذلک بأیّ لغة کان ، بل یصحّ إقرار العربی بالعجمی وبالعکس ، والهندی بالترکی وبالعکس إذا کان عالماً بمعنیٰ ما تلفّظ به فی تلک اللغة . والمعتبر فیه الجزم ؛ بمعنیٰ عدم إظهار التردید وعدم الجزم به ، فلو قال : «أظنّ أو أحتمل أنّک تطلبنی کذا» لم یکن إقراراً .
(مسألة 1) : یعتبر فی صحّة الإقرار - بل فی حقیقته وأخذ المقرّ بإقراره - کونه دالاًّ علی الإخبار المزبور ؛ بالصراحة أو الظهور ، فإن احتمل إرادة غیره احتمالاً یخلّ بظهوره عند أهل المحاورة لم یصحّ ، وتشخیص ذلک راجع إلی العرف وأهل اللسان کسائر التکلّمات العادیة ، فکلّ کلام - ولو لخصوصیّة مقام - یفهم منه أهل اللسان أنّه قد أخبر بثبوت حقّ علیه أو سلب حقّ عن نفسه من غیر تردید کان ذلک إقراراً ، وکلّ ما لم یفهم منه ذلک من جهة تطرّق الاحتمال الموجب للتردّد والإجمال لم یکن إقراراً .
(مسألة 2) : لایعتبر فی الإقرار صدوره من المقرّ ابتداءً وکونه مقصوداً بالإفادة ، بل یکفی کونه مستفاداً من تصدیقه لکلام آخر واستفادة ذلک من کلامه بنوع من الاستفادة کقوله : نعم أو بلی أو أجل فی جواب من قال : لی علیک کذا ؟ ، أو قال : ألیس لی علیک کذا ؟ وکقوله - فی جواب من قال : استقرضت ألفاً ، أو لی علیک ألف -: رددتها أو أدّیتها ؛ لأنّه إقرار منه بأصل ثبوت الحقّ علیه ودعویٰ منه بسقوطه . ومثل ذلک ما إذا قال فی جواب
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 517 من قال : هذه الدار التی تسکنها لی اشتریتها منک ، فإنّ الإخبار بالاشتراء اعتراف منه بثبوت الملک له ودعویٰ منه بانتقاله إلیه ، ومن ذلک ما إذا قال لمن یدّعی ملکیّة شیء معیّن : ملّکنی . نعم قد توجد قرائن علیٰ أنّ تصدیقه لکلام الآخر لیس تصدیقاً حقیقیّاً له فلم یتحقّق الإقرار ، بل دخل فی عنوان الإنکار کما إذا قال - فی جواب من قال : لی علیک ألف دینار ـ : نعم أو صدقت ؛ محرّکاً رأسه مع صدور حرکات منه دلّت علیٰ أنّه فی مقام الاستهزاء والتهکّم وشدّة التعجّب والإنکار .
(مسألة 3) : یشترط فی المقرّ به أن یکون أمراً لو کان المقرّ صادقاً فی إخباره کان للمقرّ له حقّ إلزام علیه ومطالبته به ؛ بأن یکون مالاً فی ذمّته عیناً أو منفعة ، أو عملاً ، أو ملکاً تحت یده ، أو حقّاً یجوز مطالبته کحقّ الشفعة والخیار والقصاص وحقّ الاستطراق فی درب وإجراء الماء فی نهر ونصب المیزاب علیٰ ملک ووضع الجذوع علیٰ حائط ، أو یکون نسباً أوجب نقصاً فی المیراث أو حرماناً فی حقّ المقرّ وغیر ذلک .
(مسألة 4) : إنّما ینفذ الإقرار بالنسبة إلی المقرّ ویمضیٰ علیه فیما یکون ضرراً علیه لا بالنسبة إلیٰ غیره ولا فیما یکون فیه نفع المقرّ إذا لم یصدّقه الغیر ، فإذا أقرّ بزوجیّة امرأة لم تصدّقه ، تثبت الزوجیة بالنسبة إلیٰ وجوب إنفاقها علیه لا بالنسبة إلیٰ وجوب تمکینها منه .
(مسألة 5) : یصحّ الإقرار بالمجهول والمبهم ویقبل من المقرّ ویلزم ویطالب بالتفسیر والبیان ورفع الإبهام ، ویقبل منه ما فسّره به ویلزم به لو طابق التفسیر مع المبهم بحسب العرف واللغة ، وأمکن بحسبهما أن یکون مراداً منه ، فلو قال : لک علیّ شیء ، اُلزم التفسیر ، فإذا فسّره بأیّ شیء کان ممّا یصحّ أن یکون فی الذمّة وعلی العهدة یقبل منه وإن لم یکن متموّلاً کحبّة من حنطة ، وأمّا لو قال : لک علیّ مال ، لم یقبل منه إلاّ إذا کان ما فسّره به من الأموال ، لا مثل حبّة من حنطة ، أو حفنة من تراب أو الخمر أو الخنزیر .
(مسألة 6) : لو قال : لک علیّ أحد هذین ، ممّا کان تحت یده ، أو لک علیّ إمّا وزنة من حنطة و شعیر ، اُلزم بالتفسیر وکشف الإبهام ، فإن عیّن اُلزم به ولا یلزم بغیره ، فإن لم یصدّقه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 518 المقرّ له وقال : لیس لی ما عیّنت ، سقط حقّه لو کان المقرّ به فی الذمّة ، ولو کان عیناً کان بینهما مسلوباً بحسب الظاهر عن کلّ منهما ، فیبقیٰ إلیٰ أن یتّضح الحال ولو برجوع المقرّ عن إقراره أو المنکر عن إنکاره . ولو ادّعیٰ عدم المعرفة حتّیٰ یفسّره فإن صدّقه المقرّ له فی ذلک وقال : أنا أیضاً لا أدری ، فلا محیص عن الصلح أو القرعة مع احتمال الحکم بالاشتراک ، والأحوط هو الأوّل . وإن ادّعی المعرفة وعیّن أحدهما فإن صدّقه المقرّ فذاک وإلاّ فله أن یطالبه بالبیّنة ، ومع عدمها فله أن یحلّفه ، وإن نکل أو لم یمکن إحلافه یکون الحال کما لو جهلا معاً ، فلا محیص عن التخلّص بأحد الوجوه الثلاثة المتقدّمة .
(مسألة 7) : وکما لا یضرّ الإبهام والجهالة فی المقرّ به ، لا یضرّان فی المقرّ له فلو قال : هذه الدار التی بیدی لأحد هذین ، یقبل ویلزم بالتعیین ، فمن عیّنه یقبل ویکون هو المقرّ له ، فإن صدّقه الآخر فذاک ، وإلاّ تقع المخاصمة بینه وبین من عیّنه المقرّ . ولو ادّعیٰ عدم المعرفة وصدّقاه فی ذلک سقط عنه الإلزام بالتعیین . ولو ادّعیا أو أحدهما علیه العلم کان القول قوله بیمینه .
(مسألة 8) : یعتبر فی المقرّ : البلوغ والعقل والقصد والاختیار ، فلا اعتبار بإقرار الصبیّ والمجنون والسکران وکذا الهازل والساهی والغافل وکذا المکره . نعم لایبعد صحّة إقرار الصبیّ إذا تعلّق بماله أن یفعله کالوصیّة بالمعروف ممّن له عشر سنین .
(مسألة 9) : السفیه إن أقرّ بمال فی ذمّته أو تحت یده لم یقبل ، ویقبل فیما عدا المال کالطلاق والخلع ونحوهما . وإن أقرّ بأمر مشتمل علیٰ مال وغیره کالسرقة لم یقبل بالنسبة إلی المال ، وقبل بالنسبة إلیٰ غیره ، فیحدّ من أقرّ بالسرقة ولایلزم بأداء المال .
(مسألة 10) : المملوک لایقبل إقراره بما یوجب حدّاً علیه ، ولا بجنایة أوجبت أرشاً أو قصاصاً أو استرقاقاً ، ولا بمال تحت یده من مولاه أو من نفسه بناءً علیٰ ملکه . نعم لو کان
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 519 مأذوناً فی التجارة من مولاه یقبل إقراره بما یتعلّق بها ویؤخذ ما أقرّ به ممّا فی یده ، فإن کان أکثر لم یضمنه المولیٰ بل یضمنه المملوک یتبع به إذا أعتق ، کما أنّه لو أقرّ بما یوجب مالاً علیٰ ذمّته من إتلاف ونحوه یقبل فی حقّه ویتبع به إذا أعتق .
(مسألة 11) : یقبل إقرار المفلّس بالدین - سابقاً ولاحقاً - ویشارک المقرّ له مع الغرماء علی التفصیل الذی تقدّم فی کتاب الحجر ، کما تقدّم الکلام فی إقرار المریض بمرض الموت وأنّه نافذ ، إلاّ مع التهمة فینفذ بمقدار الثلث .
(مسألة 12) : إذا ادّعی الصبیّ البلوغ ، فإن ادّعاه بالإنبات اعتبر ولا یثبت بمجرّد دعواه ، وکذا إن ادّعاه بالسنّ فإنّه یطالب بالبیّنة ، وأمّا لو ادّعاه بالاحتلام فی الحدّ الذی یمکن وقوعه فثبوته بقوله بلا یمین ، بل مع الیمین محلّ تأمّل وإشکال .
(مسألة 13) : یعتبر فی المقرّ له أن یکون له أهلیّة الاستحقاق فلو أقرّ لدابّة - مثلاً - لغا ، نعم لو أقرّ لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة ونحوها بمال الظاهر قبوله وصحّته ؛ حیث إنّ المقصود من ذلک فی المتعارف اشتغال ذمّته ببعض ما یتعلّق بها من غلّة موقوفاتها أو المنذور أو الموصیٰ به لمصالحها ونحوها .
(مسألة 14) : إذا کذّب المقرّ له المقرّ فی إقراره ، فإن کان المقرّ به دیناً أو حقّاً لم یطالب به المقرّ وفرغت ذمّته فی الظاهر ، وإن کان عیناً کانت مجهول المالک بحسب الظاهر ، فتبقیٰ فی ید المقرّ أو فی ید الحاکم إلیٰ أن یتبیّن مالکه . هذا بحسب الظاهر ، وأمّا بحسب الواقع فعلی المقرّ - بینه وبین اللّه - تفریغ ذمّته من الدین وتخلیص نفسه من العین بالإیصال إلی المالک وإن کان بدسّه فی أمواله ، ولو رجع المقرّ له عن إنکاره یلزم المقرّ بالدفع إلیه .
(مسألة 15) : إذا أقرّ بشیء ثمّ عقّبه بما یضادّه وینافیه یؤخذ بإقراره ویلغیٰ ما ینافیه ، فلو قال : له علیّ عشرة لا بل تسعة ، یلزم بالعشرة ، ولو قال : له علیّ کذا وهو من ثمن
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 520 الخمر أو بسبب القمار ، یلزم بالمال ولا یسمع منه ما عقّبه ، وکذا لو قال : عندی ودیعة وقد هلکت ، فإنّ إخباره بتلف الودیعة وهلاکها ینافی قوله : له عندی ، الظاهر فی وجودها عنده . نعم لو قال : کانت له عندی ودیعة وقد هلکت ، فهو بحسب الظاهر إقرار بالإیداع عنده سابقاً ولا تنافی بینه وبین طروّ الهلاک علیها ، لکن هذا دعویٰ منه لابدّ من فصلها علی الموازین الشرعیّة .
(مسألة 16) : لیس الاستثناء من التعقیب بالمنافی ، بل یکون المقرّ به ما بقی بعد الاستثناء إن کان الاستثناء من المثبت ، ونفس المستثنیٰ إن کان الاستثناء من المنفی ؛ لأنّ الاستثناء من الإثبات نفی ومن النفی إثبات ، فلو قال له : علیّ عشرة إلاّ درهماً ، أو هذه الدار التی بیدی لزید إلاّ القبّة الفلانیّة ، کان إقراراً بالتسعة وبالدار ما عدا القبّة ، ولو قال : ما له علیّ شیء إلاّ درهم ، أو لیس له من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانیّة ، کان إقراراً بدرهم والقبّة . هذا إذا کان الإخبار بالإثبات أو النفی متعلّقاً بحقّ الغیر علیه ، وأمّا لو کان متعلّقاً بحقّه علی الغیر کان الأمر بالعکس ، فلو قال : لی علیک عشرة إلاّ درهماً ، أو لی هذه الدار إلاّ القبّة الفلانیّة ، کان إقراراً بالنسبة إلیٰ نفی حقّه عن الدراهم الزائد علی التسعة ونفی ملکیّة القبّة ، فلو ادّعیٰ بعد ذلک استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتّی القبّة لم یسمع منه ، ولو قال : لیس لی علیک إلاّ درهم أو لیس لی من هذه الدار إلاّ القبّة الفلانیّة کان إقراراً منه بنفی استحقاق ما عدا درهم وما عدا القبّة .
(مسألة 17) : لو أقرّ بعین لشخص ، ثمّ أقرّ بها لشخص آخر کما إذا قال : هذه الدار لزید ، ثمّ قال : بل لعمرو ، حکم بکونها للأوّل واُعطیت له واُغرم للثانی بقیمتها .
(مسألة 18) : من الأقاریر النافذة الإقرار بالنسب - کالبنوّة والاُخوّة وغیرهما - والمراد بنفوذه إلزام المقرّ وأخذه بإقراره بالنسبة إلیٰ ما علیه ؛ من وجوب إنفاق أو حرمة نکاح أو مشارکته معه فی إرث أو وقف ونحو ذلک . وأمّا ثبوت النسب بین المقرّ والمقرّ به بحیث یترتّب جمیع آثاره ففیه تفصیل ؛ وهو أنّه إن کان الإقرار بالولد وکان صغیراً غیر بالغ یثبت ولادته بإقراره إذا لم یکذّبه الحسّ والعادة کالإقرار ببنوّة من یقاربه فی السنّ بما لم تجر العادة بتولّده من مثله ، ولا الشرع کإقراره ببنوّة من کان ملتحقاً بغیره من جهة الفراش ونحوه ، ولم ینازعه فیه منازع ، فحینئذٍ یثبت بإقراره کونه ولداً له ویترتّب جمیع آثاره
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 521 ویتعدّیٰ إلیٰ أنسابهما ، فیثبت بذلک کون ولد المقرّ به حفیداً للمقرّ وولد المقرّ أخاً للمقرّ به وأبیه جدّه ویقع التوارث بینهما ، وکذا بین أنسابهما بعضهم مع بعض . وکذا الحال لو کان کبیراً وصدّق المقرّ فی إقراره مع الشروط المزبورة ، وإن کان الإقرار بغیر الولد وإن کان ولد ولد ، فإن کان المقرّ کبیراً وصدّقه أو کان صغیراً وصدّقه بعد بلوغه یتوارثان إذا لم یکن لهما وارث معلوم ومحقّق . ولا یتعدّی التوارث إلیٰ غیرهما من أنسابهما حتّیٰ إلیٰ أولادهما . ومع عدم التصادق أو وجود وارث محقّق لا یثبت بینهما النسب الموجب للتوارث بینهما إلاّ بالبیّنة .
(مسألة 19) : إذا أقرّ بولد صغیر ، فثبت نسبه ، ثمّ بلغ فأنکر لم یلتفت إلیٰ إنکاره .
(مسألة 20) : إذا أقرّ أحد ولدی المیّت بولد آخر له وأنکر الآخر لم یثبت نسب المقرّ به ، فیأخذ المنکر نصف الترکة ویأخذ المقرّ الثلث ؛ حیث إنّ هذا نصیبه بمقتضیٰ إقراره ، ویأخذ المقرّ به السدس وهو تکملة نصیب المقرّ وقد تنقّص بسبب إقراره .
(مسألة 21) : لو کان للمیّت إخوة وزوجة فأقرّت بولد له ، کان لها الثمن وکان الباقی للولد إن صدّقها الإخوة ، وإن أنکروا کان لهم ثلاثة أرباع وللزوجة الثمن وباقی حصّتها للولد .
(مسألة 22) : إذا مات صبیّ مجهول النسب ، فأقرّ إنسان ببنوّته ثبت نسبه وکان میراثه للمقرّ إذا کان له مال .
(مسألة 23) : ینفذ إقرار المریض کالصحیح ، ویصحّ إلاّ فی مرض الموت مع التهمة فلاینفذ إقراره فیما زاد علی الثلث ؛ سواء أقرّ لوارث أو أجنبیّ ، وقد تقدّم فی کتاب الحجر .
(مسألة 24) : لو أقرّ الورثة – بأسرهم - بدین علی المیّت أو بشیء من ماله للغیر کان مقبولاً ؛ لأنّه کإقرار المیّت ، ولو أقرّ بعضهم وأنکر البعض فإن أقرّ اثنان وکانا عدلین ثبت الدین علی المیّت وکذا العین للمقرّ له بشهادتهما ، وإن لم یکونا عدلین أو کان المقرّ واحداً نفذ إقرار المقرّ فی حقّ نفسه خاصّة ویؤخذ منه من الدین الذی أقرّ به - مثلاً - بنسبة نصیبه من الترکة ، فإذا کانت الترکة مائة ونصیب کلّ من الوارثین خمسین فأقرّ أحدهما لأجنبیّ بخمسین وکذّبه الآخر أخذ المقرّ له من نصیب المقرّ خمسة وعشرین ، وکذا الحال فیما إذا أقرّ بعض الورثة بأنّ المیّت أوصیٰ لأجنبیّ بشیء وأنکر البعض .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 522
کتاب الهبة
وهی تملیک عین مجّاناً ومن غیر عوض ، وقد یعبّر عنها بالعطیّة والنحلة . وهی عقد یفتقر إلیٰ إیجاب وقبول ، ویکفی فی الإیجاب کلّ لفظ دلّ علی التملیک المذکور مثل : «وهبتک» أو «ملّکتک» أو «هذا لک» ونحو ذلک ، وفی القبول کلّ ما دلّ علی الرضا بالإیجاب ، ولا یعتبر فیه العربیّة . والأقویٰ وقوعها بالمعاطاة بتسلیم العین وتسلّمها بعنوان التملیک والتملّک .
(مسألة 1) : یعتبر فی کلّ من الواهب والموهوب له : البلوغ والعقل والقصد والاختیار ، وفی الواهب : عدم الحجر علیه بسفه أو فلس ، وتصحّ من المریض بمرض الموت وإن زاد علی الثلث ، بناءً علیٰ ما هو الأقویٰ من أنّ منجّزات المریض تنفذ من الأصل ، کما تقدّم فی کتاب الحجر .
(مسألة 2) : یشترط فی الموهوب أن یکون عیناً ، فلاتصحّ هبة المنافع ، وأمّا الدین فإن کانت لمن علیه الحقّ صحّت بلا إشکال وأفادت فائدة الإبراء . ویعتبر فیها القبول علی الأحوط - لو لم یکن الأقویٰ - وإن لم یعتبر فی الإبراء علی الأقویٰ . والفرق بین هذه الهبة والإبراء : أنّ الثانی إسقاط لما فی ذمّة المدیون ، وهذه تملیک له وإن کان یترتّب علیه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 523 السقوط کبیع الدین علیٰ من علیه الدین ، وإن کانت لغیر من علیه الحقّ ففیه إشکال .
(مسألة 3) : یشترط فی صحّة الهبة قبض الموهوب له ، ولو فی غیر مجلس العقد ، ویشترط فی صحّة القبض کونه بإذن الواهب ، نعم لو وهب ما کان فی ید الموهوب له صحّ ولا یحتاج إلیٰ قبض جدید ولا مضیّ زمان یمکن فیه القبض . وکذا لو کان الواهب ولیّاً علی الموهوب له - کالأب والجدّ للولد الصغیر - وقد وهبه ما فی یده صحّ بمجرّد العقد ؛ لأنّ قبض الولیّ قبض عن المولّیٰ علیه ، والأحوط أن یقصد القبض عن المولّیٰ علیه بعد الهبة . ولو وهب الصغیر غیر الولیّ فلابدّ من القبض ویتولاّه الولیّ .
(مسألة 4) : القبض فی الهبة کالقبض فی البیع ، وهو فی غیر المنقول - کالدار والبستان ـ التخلیة برفع یده عنه ورفع المنافیات والإذن للموهوب له فی التصرّف ؛ بحیث صار تحت استیلائه ، وفی المنقول الاستقلال والاستیلاء علیه بالید ، أو ما هو بمنزلته کوضعه فی حجره ، أو فی جیبه ونحو ذلک .
(مسألة 5) : یجوز هبة المشاع ؛ لإمکان قبضه ، ولو بقبض المجموع بإذن الشریک أو بتوکیل المتّهب إیّاه فی قبض الحصّة الموهوبة عنه ، بل الظاهر تحقّق القبض الذی هو شرط للصحّة فی المشاع باستیلاء المتّهب علیه من دون إذن الشریک أیضاً ، وترتّب الأثر علیه وإن کان تعدّیاً بالنسبة إلیه .
(مسألة 6) : لایعتبر الفوریّة فی القبض ولا کونه فی مجلس العقد ، فیجوز فیه التراخی عن العقد ولو بزمان کثیر ، ولو تراخیٰ یحصل الانتقال إلی الموهوب له من حینه ، فما کان له من النماء سابقاً علی القبض یکون للواهب .
(مسألة 7) : لو مات الواهب بعد العقد وقبل القبض بطل العقد وانفسخ وانتقل الموهوب إلیٰ ورثته ولا یقومون مقامه فی الإقباض ، فیحتاج إلیٰ إیقاع هبة جدیدة بینهم وبین الموهوب له ، کما أنّه لو مات الموهوب له لا یقوم ورثته مقامه فی القبض ، بل یحتاج إلیٰ هبة جدیدة من الواهب إیّاهم .
(مسألة 8) : إذا تمّت الهبة بالقبض فإن کانت لذی رحم ؛ أباً کان أو اُمّاً أو ولداً ، أو
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 524 غیرهم ، وکذا إن کانت للزوج أو الزوجة علی الأقویٰ لم یکن للواهب الرجوع فی هبته . وإن کانت لأجنبیّ غیر الزوج والزوجة کان له الرجوع فیها ما دامت العین باقیة ، فإن تلفت کلاًّ أو بعضاً فلا رجوع ، وکذا لا رجوع إن عوّض المتّهب عنها ولو کان یسیراً ؛ من غیر فرق بین ما کان إعطاء العوض لأجل اشتراطه فی الهبة وبین غیره ؛ بأن أطلق فی العقد ، لکن المتّهب أثاب الواهب وأعطاه العوض . وکذا لا رجوع فیها لو قصد الواهب فی هبته القربة وأراد بها وجه اللّه تعالیٰ .
(مسألة 9) : یلحق بالتلف التصرّف الناقل - کالبیع والهبة - أو المغیّر للعین ؛ بحیث یصدق معه عدم قیام العین بعینها کالحنطة یطحنها والدقیق یخبزه والثوب یفصّله أو یصبغه ونحو ذلک ، دون الغیر المغیّر کالثوب یلبسه والفراش یفرشه والدابّة یرکبها أو یعلفها أو یسقیها ونحوها ، فإنّ أمثال ذلک لایمنع عن الرجوع . ومن الأوّل ـ علی الظاهر ـ الامتزاج الرافع للامتیاز ولو بالجنس ، کما أنّ من الثانی - علی الظاهر - قصارة الثوب .
(مسألة 10) : فیما جاز للواهب الرجوع فی هبته لا فرق بین الکلّ والبعض ، فلو وهب شیئین لأجنبیّ بعقد واحد یجوز له الرجوع فی أحدهما ، بل لو وهب شیئاً واحداً یجوز له الرجوع فی بعضه مشاعاً أو معیّناً ومفروزاً .
(مسألة 11) : الهبة : إمّا معوّضة أو غیر معوّضة ، والمراد بالاُولیٰ ما شرط فیها الثواب والعوض وإن لم یعط العوض أو عوّض عنها وإن لم یشترط فیها العوض .
(مسألة 12) : إذا وهب وأطلق لم یلزم علی المتّهب إعطاء الثواب والعوض؛ سواء کانت من الأدنیٰ للأعلیٰ أو العکس أو من المساوی للمساوی وإن کان الأولیٰ بل الأحوط فی الصورة الاُولیٰ إعطاء العوض ، وکیف کان لو أعطی العوض لم یجب علی الواهب قبوله وإن قبل وأخذه لزمت الهبة ولم یکن له الرجوع فیما وهبه ، ولم یکن للمتّهب أیضاً الرجوع فی ثوابه .
(مسألة 13) : إذا شرط الواهب فی هبته علی المتّهب إعطاء العوض ؛ بأن یهبه شیئاً مکافأةً وثواباً لهبته ووقع منه القبول علیٰ ما اشترط وکذا القبض للموهوب یلزم علیه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 525 دفع العوض ، فإن دفع لزمت الهبة الاُولیٰ علی الواهب وإلاّ فله الرجوع فی هبته .
(مسألة 14) : لو عیّن العوض فی الهبة المشروط فیها العوض تعیّن ، ویلزم علی المتّهب بذل ما عیّن ، ولو أطلق ؛ بأن شرط علیه أن یثیب ویعوّض ولم یعیّن العوض فإن اتّفقا علیٰ قدر فذاک وإلاّ وجب علیه أن یثیب مقدار الموهوب مثلاً أو قیمةً .
(مسألة 15) : الظاهر أنّه لا یعتبر فی الهبة المشروط فیها العوض ، أن یکون التعویض المشروط بعنوان الهبة ؛ بأن یشترط علی المتّهب أن یهبه شیئاً ، بل یجوز أن یکون بعنوان الصلح عن شیء بأن یشترط علیه أن یصالحه عن مال أو حقّ ، فإذا صالحه عنه وتحقّق منه القبول فقد عوّضه ولم یکن له الرجوع فی هبته . وکذا یجوز أن یکون إبراء عن حقّ أو إیقاع عمل له کخیاطة ثوبه أو صیاغة خاتمه ونحو ذلک ، فإذا أبرأه عن ذلک الحقّ ، أو عمل له ذلک العمل فقد أثابه وعوّضه .
(مسألة 16) : لو رجع الواهب فی هبته - فیما جاز له الرجوع - وکان فی الموهوب نماء منفصل حدث بعد العقد والقبض ، کالثمرة والحمل والولد واللبن فی الضرع ، کان من مال المتّهب ولا یرجع إلی الواهب ، بخلاف المتّصل کالسمن فإنّه یرجع إلیه . ویحتمل أن یکون ذلک مانعاً عن الرجوع ؛ لعدم کون الموهوب معه قائماً بعینه ، بل لایخلو من قوّة .
(مسألة 17) : لو مات الواهب بعد إقباض الموهوب ، لزمت الهبة وإن کانت لأجنبیّ ولم تکن معوّضة ولیس لورثته الرجوع ، وکذلک لو مات الموهوب له ، فینتقل الموهوب إلیٰ ورثته انتقالاً لازماً .
(مسألة 18) : لو باع الواهب العین الموهوبة ، فإن کانت الهبة لازمة - بأن کانت لذی رحم - أو معوّضة ، أو قصد بها القربة یقع البیع فضولیّاً ، فإن أجاز المتّهب صحّ وإلاّ بطل ، وإن کانت غیر لازمة فالظاهر صحّة البیع ووقوعه من الواهب وکان رجوعاً فی الهبة . هذا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 526 إذا کان ملتفتاً إلیٰ هبته ، وأمّا لو کان ناسیاً أو غافلاً وذاهلاً ففی کونه رجوعاً قهریّاً تأمّل وإشکال ، فلا یترک الاحتیاط .
(مسألة 19) : الرجوع : إمّا بالقول کأن یقول : رجعت ، وما یفید معناه وإمّا بالفعل کاسترداد العین وأخذها من ید المتّهب ، ومن ذلک بیعها بل وإجارتها ورهنها إذا کان ذلک بقصد الرجوع .
(مسألة 20) : لایشترط فی الرجوع اطّلاع المتّهب ، فلو أنشأ الرجوع من غیر اطّلاعه صحّ .
(مسألة 21) : یستحبّ العطیّة للأرحام الذین أمر اللّه تعالیٰ أکیداً بصلتهم ونهیٰ شدیداً عن قطیعتهم ، فعن مولانا الباقر علیه السلام : «قال فی کتاب علیّ علیه السلام ثلاثة لا یموت صاحبهنّ أبداً حتّیٰ یریٰ وبالهنّ : البغی وقطیعة الرحم والیمین الکاذبة یبارز اللّه بها ، وإنّ أعجل الطاعة ثواباً لصلة الرحم ، وإنّ القوم لیکونون فجّاراً فیتواصلون فتنمیٰ أموالهم ویثرون ، وإنّ الیمین الکاذبة وقطیعة الرحم لیذران الدیار بلاقع من أهلها» ، وخصوصاً الوالدین اللذین أمر اللّه تعالیٰ ببرّهما ، فعن مولانا الصادق علیه السلام : «إنّ رجلاً أتی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم وقال : أوصنی ، قال : لا تشرک باللّه شیئاً وإن اُحرقت بالنار وعذّبت إلاّ وقلبک مطمئنّ بالإیمان ، ووالدیک فأطعهما وبرّهما حیّین کانا أو میّتین ، وإن أمراک أن تخرج من أهلک ومالک فافعل ، فإنّ ذلک من الإیمان» .
وعن منصور بن حازم عنه علیه السلام قال : قلت أیّ الأعمال أفضل ؟ قال : «الصلاة لوقتها وبرّ الوالدین والجهاد فی سبیل اللّه » ، ولاسیّما الاُمّ التی یتأکّد برّها وصلتها أزید من الأب ، فعن الصادق علیه السلام : «جاء رجل إلی النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم فقال : یارسول اللّه من أبرّ ؟ قال : اُمّک ، قال : ثمّ إلیٰ من ؟ قال : اُمّک ، قال : ثمّ من ؟ قال : اُمّک . قال : ثمّ من ؟ قال : أباک» . وعنه علیه السلام : «أنّه سئل صلی الله علیه و آله وسلم عن برّ الوالدین ، قال : «أبرر اُمّک أبرر اُمّک أبرر اُمّک ، أبرر أباک أبرر أباک أبرر أباک» ، وبدأ بالاُمّ قبل الأب . والأخبار فی هذه المعانی کثیرة لاتحصیٰ ، فلتطلب من مظانّها .
(مسألة 22) : یجوز تفضیل بعض الولد علیٰ بعض فی العطیّة علیٰ کراهیة ، وربّما یحرم إذا کان سبباً لإثارة الفتنة والشحناء والبغضاء المؤدّیة إلی الفساد ، کما أنّه ربّما یفضل التفضیل فیما إذا یؤمن من الفساد ویکون لبعضهم خصوصیّة موجبة لأولویّة رعایته .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 527