القول فی الصید
ولیعلم أنّه کما یذکّی الحیوان ویحلّ أکل لحم ما حلّ أکله بالذبح الواقع علی النحو المعتبر شرعاً ، یذکّیٰ أیضاً بالصید علی النحو المعتبر ، وهو إمّا بالحیوان أو بغیر الحیوان . وبعبارة اُخری : الآلة التی یصاد بها : إمّا حیوانیّة أو جمادیّة ، ویتمّ الکلام فی القسمین فی ضمن مسائل :
(مسألة 1) : لایحلّ من صید الحیوان ومقتوله إلاّ ما کان بالکلب المعلّم ؛ سواء کان سلوقیّاً أو غیره ، وسواء کان أسود أو غیره ، فلایحلّ صید غیر الکلب من جوارح السباع کالفهد والنمر وغیرهما وجوارح الطیر کالبازی والعقاب والباشق وغیرها وإن کانت معلّمة ، فما یأخذه الکلب المعلّم ویقتله بعقره وجرحه مذکّیً حلال أکله من غیر ذبح ، فیکون عضّ الکلب وجرحه - علیٰ أیّ موضع من الحیوان کان - بمنزلة ذبحه .
(مسألة 2) : یعتبر فی حلّیّة صید الکلب أن یکون معلّماً للاصطیاد ، وعلامة کونه بتلک الصفة : أن یکون من عادته مع عدم المانع أن یسترسل ویهیج إلی الصید لو أرسله صاحبه وأغراه به ، وأن ینزجر ویقف عن الذهاب والهیاج إذا زجره . واعتبر المشهور مع ذلک أن یکون من عادته - التی لاتتخلّف إلاّ نادراً - أن یمسک الصید ولا یأکل منه شیئاً حتّیٰ یصل صاحبه ، وفی اعتبار ذلک نظر وإن کان أحوط .
(مسألة 3) : یشترط فی حلّیّة صید الکلب اُمور :
الأوّل : أن یکون ذلک بإرساله للاصطیاد ، فلو استرسل بنفسه من دون إرسال لم یحلّ
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 596 مقتوله وإن أغراه صاحبه بعد الاسترسال ، حتّیٰ فیما إذا أثّر إغراؤه فیه - بأن زاد فی عدوه بسببه - علی الأحوط . وکذلک الحال لو أرسله لا للاصطیاد بل لأمر آخر من دفع عدوّ أو طرد سبع أو غیر ذلک فصادف غزالاً - مثلاً - فصاده . والمعتبر قصد الجنس لا الشخص ، فلو أرسله مسلم إلیٰ صید غزال فصادف غزالاً آخر فأخذه وقتله کفیٰ فی حلّه ، وکذا لو أرسله إلیٰ صید فصاده وغیره حلاّ معاً .
الثانی : أن یکون المرسل مسلماً أو بحکمه کالصبیّ الملحق به ، فلو أرسله کافر بجمیع أنواعه أو من کان بحکمه کالنواصب لم یحلّ أکل ما یقتله .
الثالث : أن یسمّی ؛ بأن یذکر اسم اللّه عند إرساله ، فلو ترک التسمیة عمداً لم یحلّ مقتوله ، ولا یضرّ لو کان الترک نسیاناً . وفی الاکتفاء بالتسمیة قبل الإصابة وجه قویّ ، إلاّ أنّ الأحوط ـ احتیاطاً لا یترک - أن تکون عند الإرسال .
الرابع : أن یکون موت الحیوان مستنداً إلیٰ جرحه وعقره ، فلو کان بسبب صدمه أو خنقه أو إتعابه فی العدو أو ذهاب مرارته من جهة شدّة خوفه لم یحلّ .
الخامس : عدم إدراک صاحب الکلب الصید حیّاً مع تمکّنه من تذکیته ؛ بأن أدرکه میّتاً أو أدرکه حیّاً لکن لم یسع الزمان لذبحه . وملخّص هذا الشرط أنّه إذا أرسل کلبه إلی الصید فإن لحق به بعد ما أخذه وعقره وصار غیر ممتنع فوجده میّتاً کان ذکیّاً وحلّ أکله ، وکذا إن وجده حیّاً ولم یتّسع الزمان لذبحه فترکه حتّیٰ مات . وأمّا إن اتسع الزمان لذبحه لایحلّ إلاّ بالذبح ، فلو ترکه حتّیٰ مات کان میتة . وأدنیٰ ما یدرک ذکاته أن یجده تطرف عینیه أو ترکض رجله أو یحرّک ذنبه أو یده ، فإن وجده هکذا و اتّسع الزمان لذبحه لم یحلّ أکله إلاّ بالذبح . وکذلک الحال لو وجده بعد عقر الکلب علیه ممتنعاً فجعل یعدو خلفه فوقف له ، فإن بقی من حیاته زماناً یتّسع لذبحه لم یحلّ إلاّ بالذبح ، وإن لم یتّسع له حلّ بدونه . ویلحق بعدم اتّساع الزمان ما إذا وسع ولکن کان ترک التذکیة لا بتقصیر منه ، کما إذا اشتغل
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 597 بأخذ الآلة وسلّ السکّین وامتنع الصید من التمکین - بما فیه من بقیّة قوّة ونحو ذلک - فمات قبل أن یمکنه الذبح . نعم لایلحق به فقد الآلة علی الأحوط - لو لم یکن أقویٰ - فلو وجده حیّاً واتّسع الزمان لذبحه إلاّ أنّه لم یکن عنده السکّین فلم یذبحه لذلک حتّیٰ مات ، لم یحلّ أکله .
(مسألة 4) : هل یجب علیٰ من أرسل الکلب المسارعة والمبادرة إلی الصید من حین الإرسال ، أو من حین ما رآه قد أصاب الصید وإن کان بعد علی امتناعه ، أو من حین ما أوقفه وصار غیر ممتنع ، أولا تجب أصلاً ؟ الظاهر وجوبها من حین الإیقاف ، فإذا أشعر بإیقافه وعدم امتناعه یجب علیه المسارعة العرفیّة حتّیٰ أنّه لو أدرکه حیّاً ذبحه ، فلو لم یتسارع ثمّ وجده میّتاً لم یحلّ أکله . وأمّا قبل ذلک فالظاهر عدم وجوبها وإن کان الاحتیاط لا ینبغی ترکه . هذا إذا احتمل ترتّب أثر علی المسارعة واللحوق بالصید ؛ بأن احتمل أنّه یدرکه حیّاً ویقدر علیٰ ذبحه من جهة اتّساع الزمان ووجود الآلة ، وأمّا مع عدم احتماله ـ ولو من جهة عدم ما یذبح به - فلا إشکال فی عدم وجوبها ، فلو خلاّه حینئذٍ علیٰ حاله إلیٰ أن قتله الکلب وأزهق روحه بعقره حلّ أکله . نعم لو توقّف إحراز کون موته بسبب جرح الکلب لا بسبب آخر علی التسارع إلیه وتعرّف حاله لزم علیه لأجل ذلک .
(مسألة 5) : لایعتبر فی حلّیّة الصید وحدة المرسل ولا وحدة الکلب ، فلو أرسل جماعة کلباً واحداً أو أرسل واحد أو جماعة کلاباً متعدّدة فقتلت صیداً حلّ أکله ، نعم یعتبر فی المتعدّد - صائداً أو آلة - أن یکون الجمیع واجداً للاُمور المعتبرة شرعاً ، فلو کان المرسل اثنین أحدهما مسلم والآخر کافر ، أو سمّیٰ أحدهما دون الآخر ، أو اُرسل کلبان أحدهما معلّم والآخر غیر معلّم ، لم یحلّ .
(مسألة 6) : لایؤکل من الصید المقتول بالآلة الجمادیّة إلاّ ما قتله السیف والسکّین والخنجر ونحوها ؛ من الأسلحة التی تقطع بحدّها أو الرمح والسهم والنشّاب ممّا یشاک بحدّه حتّی العصا التی فی طرفها حدیدة محدّدة ، من غیر فرق بین ما کان فیه نصل کالسهم الذی یرکب علیه الریش أو صنع قاطعاً أو شائکاً بنفسه . بل لایبعد عدم اعتبار کونه من الحدید ، فیکفی بعد کونه سلاحاً قاطعاً أو شائکاً کونه من أیّ فلزّ کان حتّی الصفر والذهب والفضّة . بل یحتمل قویّاً عدم اعتبار کونه مستعملاً سلاحاً فی العادة فیشمل
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 598 المخیط والسکّ والسفود ونحوها ، إلاّ أنّ الأحوط خلافه . والظاهر أنّه لایعتبر الخرق والجرح فی الآلة المذکورة - أعنی ذات الحدید المحدّدة - فلو رمی الصید بسهم أو طعنه برمح فقتله بالرمی والطعن من دون أن یکون فیه أثر السهم والرمح حلّ أکله . ویلحق بالآلة الحدیدیّة ما لم تشتمل علی الحدید ، لکن تکون محدّدة کالمعراض - الذی هو کما قیل : خشبة لا نصل فیها إلاّ أنّها محدّدة الطرفین ثقیلة الوسط - والسهم الحادّ الرأس الذی لا نصل فیه . لکن إنّما یحلّ مقتول هذه الآلة لو قتلت الصید بخرقها إیّاه وشوکها فیه ولو یسیراً ، فلو قتلته بثقلها من دون خرق لم یحلّ . والحاصل أنّه یعتبر فی الآلة الجمادیّة : إمّا أن تکون حدیدة محدّدة وإن لم تکن خارقة ، وإمّا أن تکون محدّدة غیر حدیدیّة بشرط کونها خارقة .
(مسألة 7) : کلّ آلة جمادیّة لم تکن ذات حدید محدّدة ولا محدّدة غیر حدیدیّة قتلت بخرقها من المثقلات کالحجارة والمقمعة والعمود والبندقة لایحلّ مقتولها ، کالمقتول بالحبالة والشبکة والشرک ونحوها . نعم لابأس بالاصطیاد بها وبالحیوان غیر الکلب کالفهد والنمر والبازی ونحوها ؛ بمعنیٰ جعل الحیوان الممتنع بها غیر ممتنع وتحت الید ، لکنّه لایحلّ ما یصطاد بها إلاّ إذا أدرک ذکاته فذکّاه .
(مسألة 8) : لایبعد حلّیّة ما قتل بالآلة المعروفة المسمّاة بالتفنک إذا سمّی الرامی واجتمعت سائر الشرائط ، والبندقة التی قلنا فی المسألة السابقة بحرمة مقتولها غیر هذه البندقة النافذة الخارقة ، خصوصاً فی الطرز الجدید منها المستحدث فی هذه الأعصار الأخیرة ممّا صنع الرصاص فیه بشکل یشبه المخروط ولایکون بشکل البندقة .
(مسألة 9) : لایعتبر فی حلّیّة الصید بالآلة الجمادیّة وحدة الصائد ، ولا وحدة الآلة ، فلو
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 599 رمیٰ شخص بالسهم وطعن آخر بالرمح وسمّیا معاً فقتلا صیداً حلّ إذا اجتمع الشرائط فی کلیهما ، بل إذا أرسل أحد کلبه إلیٰ صید ورماه آخر بسهم فقتل بهما حلّ ما قتلاه .
(مسألة 10) : یشترط فی الصید بالآلة الجمادیّة جمیع ما اشترط فی الصید بالآلة الحیوانیّة ، فیشترط کون الصائد مسلماً ، والتسمیة عند استعمال الآلة ، وأن یکون استعمال الآلة للاصطیاد ، فلو رمیٰ إلیٰ هدف أو إلیٰ عدوّ أو إلیٰ خنزیر فأصاب غزالاً فقتله لم یحلّ وإن کان مسمّیاً عند الرمی لغرض من الأغراض ، وکذا لو أفلت من یده فأصاب صیداً فقتله ، وأن لا یدرکه حیّاً زماناً اتّسع للذبح ، فلو أدرکه کذلک لم یحلّ إلاّ بالذبح ، والکلام فی وجوب المسارعة وعدمه کما مرّ ، وأن یستقلّ الآلة المحلّلة فی قتل الصید فلو شارکها فیه غیرها لم یحلّ ،فلو سقط بعد إصابة السهم من الجبل أو وقع فی الماء واستند موته إلیهما ، بل وإن لم یعلم استقلال إصابة السهم فی إماتته لم یحلّ ، وکذا لو رماه شخصان فقتلاه وسمّیٰ أحدهما ولم یسمّ الآخر أو کان أحدهما مسلماً دون الآخر .
(مسألة 11) : لایشترط فی حلّیّة الصید إباحة الآلة فیحلّ الصید بالکلب أو السهم المغصوبین وإن فعل حراماً وعلیه الاُجرة ویملکه الصائد دون صاحب الآلة .
(مسألة 12) : الحیوان الذی یحلّ مقتوله - بالکلب والآلة مع اجتماع الشرائط - کلّ حیوان ممتنع مستوحش من طیر أو وحش ؛ سواء کان کذلک بالأصل کالحمام والظبی وبقر الوحش ، أو کان إنسیّاً فتوحّش أو استعصیٰ کالبقر المستعصی والبعیر العاصی وکذلک الصائل من البهائم کالجاموس الصائل ونحوه ، وبالجملة : کلّ ما لا یجیء تحت الید ولا یقدر علیه غالباً إلاّ بالعلاج . فلا تقع التذکیة الصیدیّة علیٰ کلّ حیوان أهلی مستأنس ؛ سواء کان استئناسه أصلیّاً کالدجاج والشاة والبعیر والبقر أو عارضیّاً کالظبی والطیر المستأنسین ، وکذا ولد الوحش قبل أن یقدر علی العدو ، وفرخ الطیر قبل نهوضه للطیران ، فلو رمیٰ طائراً وفرخه الذی لم ینهض فقتلهما ، حلّ الطائر دون الفرخ .
(مسألة 13) : الظاهر أنّه کما تقع التذکیة الصیدیّة علی الحیوان المأکول اللحم فیحلّ بها أکل لحمه ، تقع علیٰ غیر المأکول اللحم القابل للتذکیة أیضاً ، فیطهر بها جلده ویجوز الانتفاع به . نعم القدر المتیقّن ما إذا کانت بالآلة الجمادیّة ، وأمّا الحیوانیّة ففیها تأمّل وإشکال .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 600 (مسألة 14) : لو قطعت الآلة قطعة من الحیوان ، فإن کانت الآلة غیر محلّلة کالشبکة والحبالة یحرم الجزء الذی لیس فیه الرأس ومحالّ التذکیة وکذلک الجزء الآخر إذا زال عنه الحیاة المستقرّة ، وإن بقیت حیاته المستقرّة یحلّ بالتذکیة . وإن کانت الآلة محلّلة کالسیف فی الصید مع اجتماع الشرائط ، فإن زال الحیاة المستقرّة عن الجزئین بهذا التقطیع حلاّ معاً ، وکذا إن بقیت الحیاة المستقرّة ولم یتّسع الزمان للتذکیة ، وإن اتّسع لها لایحلّ الجزء الذی فیه الرأس إلاّ بالذبح ، وأمّا الجزء الآخر فهو جزء مبان من الحیّ فیکون میتة .
(مسألة 15) : یملک الحیوان الوحشی - وحشاً کان أو طیراً - بأحد اُمور ثلاثة : أحدها : وضع الید علیه وأخذه حقیقة ، مثل أن یأخذ رجله أو قرنه أو جناحه أو شدّه بحبل ونحوه . ثانیها : وقوعه فی آلة معتادة للاصطیاد بها ، کالحبالة والشرک والشبکة ونحوها إذا نصبها لذلک . ثالثها : أن یصیّره غیر ممتنع ویمسکه بآلة ، مثل أن رماه فجرحه جراحة منعته عن العدو ، أو کسر جناحه فمنعه عن الطیران ؛ سواء کانت الآلة من الآلات المحلّلة للصید کالسهم والکلب المعلّم ، أو من غیرها کالحجارة والخشب والفهد والباز والشاهین وغیرها . ویعتبر فی هذا أیضاً أن یکون إعمال الآلة بقصد الاصطیاد والتملّک ، فلو رماه عبثاً أو هدفاً أو لغرض آخر لم یملکه الرامی ، فلو أخذه شخص آخر بقصد التملّک ملکه .
(مسألة 16) : الظاهر أنّه یلحق بآلة الاصطیاد کلّ ما جعل وسیلة لإثبات الحیوان وزوال امتناعه ؛ ولو بحفر حفیرة فی طریقه لیقع فیها فوقع فیها ، أو باتّخاذ أرض وإجراء الماء علیها لتصیر موحلة فیتوحّل فیها فتوحّل فیها ، أو فتح باب البیت وإلقاء الحبوب فیه لیدخل فیه العصافیر فدخلت فأغلق علیها الباب . نعم لو عشّش الطیر فی داره لم یملکه بمجرّد
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 601 ذلک ، وکذا لو توحّل حیوان فی أرضه الموحلة ما لم یجعلها کذلک لأجل ذلک ، فلو أخذه إنسان بعد ذلک ملکه وإن عصیٰ فی دخول داره أو أرضه بغیر إذنه .
(مسألة 17) : لو سعیٰ خلف حیوان حتّیٰ أعیاه ووقف عن العدو لم یملکه ما لم یأخذه ، فلو أخذه غیره قبل أن یأخذه ملکه .
(مسألة 18) : لو وقع حیوان فی شبکة منصوبة للاصطیاد ، ولم تمسکه الشبکة لضعفها وقوّته فانفلت منها ، لم یملکه ناصبها ، وکذا إن أخذ الشبکة وانفلت بها من دون أن یزول عنه الامتناع ، فإن صاده غیره ملکه وردّ الشبکة إلیٰ صاحبها ، نعم لو أمسکته الشبکة وأثبتته ثمّ انفلت منها بسبب من الأسباب الخارجیّة لم یخرج بذلک عن ملکه ، کما لو أمسکه بیده ثمّ انفلت منها ، وکذا لو مشیٰ بالشبکة علیٰ وجه لایقدر علی الامتناع فإنّه لناصبها ، فلو أخذه غیره لم یملکه ، بل یجب أن یردّه إلیه .
(مسألة 19) : لو رماه فجرحه لکن لم یخرجه عن الامتناع فدخل داراً فأخذه صاحب الدار ملکه بأخذه لا بدخول الدار ، کما أنّه لو رماه ولم یثبته فرماه شخص آخر فهو للثانی لا الأوّل .
(مسألة 20) : لو أطلق الصائد صیده من یده ، فإن لم یقصد الإعراض عنه لم یخرج عن ملکه ولا یملکه غیره باصطیاده ، وإن قصد الإعراض وزوال ملکه عنه فالظاهر أنّه یصیر کالمباح جاز اصطیاده لغیره ویملکه ، ولیس للأوّل الرجوع إلی الثانی بعد ما ملکه علی الأقویٰ .
(مسألة 21) : إنّما یملک غیر الطیر بالاصطیاد إذا لم یعلم کونه ملکاً للغیر ولو من جهة وجود آثار الید - التی هی أمارة علی الملک - فیه کما إذا کان طوق فی عنقه أو قرط فی اُذنه أو شدّ حبل فی أحد قوائمه . وأمّا إذا علم ذلک لم یملکه الصائد بل یردّ إلیٰ صاحبه إن عرفه ، وإن لم یعرفه یکون بحکم اللقطة ومجهول المالک . وأمّا الطیر فإن کان مقصوص الجناحین کان بحکم ما علم أنّ له مالکاً ،فیردّ إلیٰ صاحبه إن عرف ، وإن لم یعرف کان لقطة ، وأمّا إن ملک جناحیه یتملّک بالاصطیاد إلاّ إذا کان له مالک معلوم ، فیجب علیه ردّه إلیه ، والأحوط
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 602 فیما إذا علم أنّ له مالکاً ولم یعرفه أن یعامل معه معاملة اللقطة ومجهول المالک کغیر الطیر .
(مسألة 22) : لو صنع برجاً لتعشیش الحمام فعشّشت فیه لم یملکها ، خصوصاً لو کان الغرض حیازة زرقها - مثلاً - فیجوز لغیره صیدها ویملک ما صاده ، بل لو أخذ حمامة من البرج ملکها وإن أثم من جهة الدخول فیه بغیر إذن مالکه ، وکذلک فیما إذا عشّشت فی بئر مملوک فإنّه لا یملکها مالک البئر .
(مسألة 23) : الظاهر أنّه یکفی فی تملّک النحل الغیر المملوکة أخذ أمیرها ، فمن أخذه من الجبال - مثلاً - واستولیٰ علیه یملکه ، ویملک کلّ ما تتبعه من النحل ممّا تسیر بسیره وتقف بوقوفه ، وتدخل الکنّ وتخرج منه بدخوله وخروجه .
(مسألة 24) : ذکاة السمک إمّا بإخراجه من الماء حیّاً ، أو بأخذه بعد خروجه منه قبل موته ؛ سواء کان ذلک بالید أو بآلة کالشبکة ونحوها ، فلو وثب علی الجدّ أو نبذه البحر إلی الساحل أو نضب الماء الذی کان فیه ، حلّ لو أخذه إنسان قبل أن یموت ، وحرم لو مات قبل الأخذ وإن أدرکه حیّاً ناظراً إلیه علی الأقویٰ .
(مسألة 25) : لایشترط فی تذکیة السمک - عند إخراجه من الماء أو أخذه بعد خروجه منه - التسمیة ، کما أنّه لا یعتبر فی صائده الإسلام ، فلو أخرجه کافر أو أخذه فمات بعد أخذه حلّ ؛ سواء کان کتابیّاً أو غیره . نعم لووجده فی یده میّتاً لم یحلّ أکله ما لم یعلم أنّه قد مات خارج الماء بعد إخراجه أو أخذه بعد خروجه وقبل موته ، ولا یحرز ذلک بکونه فی یده ولا بقوله لو أخبر به ، بخلاف ما إذا کان فی ید مسلم فإنّه یحکم بتذکیته حتّیٰ یعلم خلافها .
(مسألة 26) : لو وثب من الماء سمکة إلی السفینة لم یحلّ ما لم یؤخذ بالید ، ولم یملکه السفان ولا صاحب السفینة بل کلّ من أخذه ملکه . نعم لو قصد صاحب السفینة الصید بها ؛ بأن جعل فی السفینة ضوءً باللیل ودقّ بشیء کالجرس لیثب فیها السموک فوثبت فیها فالوجه أنّه یملکها ، ویکون وثوبها فیها بسبب هذا الصنع بمنزلة إخراجها حیّاً فیکون به تذکیتها .
(مسألة 27) : لو نصب شبکة أو صنع حظیرة فی الماء لاصطیاد السمک فکلّ ما وقع واحتبس فیهما ملکه ، فإن أخرج ما فیها من الماء حیّاً حلّ بلا إشکال ، وکذا لو نضب الماء
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 603 وغار ولو بسبب جزره فماتت فیهما بعد نضوبه ، وأمّا لو ماتت فی الماء فهل هی حلال أم لا ؟ قولان ، أشهرهما وأحوطهما الثانی ، بل لایخلو من قوّة . نعم لو أخرج الشبکة من الماء فوجد بعض ما فیه من السمک أو کلّه میّتاً ، ولم یدر أنّه قد مات فی الماء أو بعد خروجه لایبعد البناء علی الثانی وحلّیّة أکله .
(مسألة 28) : لو أخرج السمک من الماء حیّاً ثمّ أعاده إلی الماء - مربوطاً أو غیر مربوط ـ فمات فیه حرم .
(مسألة 29) : لو طفا السمک علی الماء وزال امتناعه بسبب من الأسباب ، مثل أن ضرب بمضراب أو بلع ما یسمّیٰ بـ «الزهر» فی لسان بعض الناس أو غیر ذلک ، فإن أدرکه إنسان وأخذه وأخرجه من الماء قبل أن یموت حلّ وإن مات علی الماء حرم . وإن ألقی الزهر أحد فبلعه السمک وصار علیٰ وجه الماء لم یملکه الملقی ما لم یأخذه ، فلو أخذه غیره ملکه ، من غیر فرق بین ما إذا لم یقصد سمکاً معیّناً کما إذا ألقاه فی الشطّ فبلعه بعض السموک أو قصد سمکاً معیّناً وألقاه له فبلعه فطفا علی الماء ، علیٰ إشکال فی الثانی ؛ لاحتمال کونه کإثبات صید البرّ وإزالة امتناعه بالرمی وقد مرّ فی بابه أنّه للرامی فلا یملکه غیره بالأخذ . وکذلک الحال فیما إذا اُزیل امتناع السمک باستعمال آلة کما لو رماه بالرصاص فطفا علی الماء وفیه حیاة ، بل الأمر فیه أشکل لقوّة احتمال کونه ملکاً لرامیه لا لمن أخذه .
(مسألة 30) : لا یعتبر فی حلّیّة السمک - بعد ما اُخرج من الماء حیّاً أو اُخذ حیّاً بعد خروجه - أن یموت خارج الماء بنفسه ، فلو قطعه قبل أن یموت ومات بالتقطیع ، بل لو شوّاه حیّاً حلّ أکله . بل لا یعتبر فی حلّه الموت من أصله فیحلّ بلعه حیّاً ، بل لو قطع منه قطعة واُعید الباقی إلی الماء حلّ ما قطعه ؛ سواء مات الباقی فی الماء أم لا ، نعم لو قطع منه قطعة وهو فی الماء حیّ أو میّت لم یحلّ ما قطعه .
(مسألة 31) : ذکاة الجراد أخذه حیّاً ؛ سواء کان بالید أو بالآلة ، فلو مات قبل أخذه حرم .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 604 ولا یعتبر فیه التسمیة ولا إسلام الآخذ کما مرّ فی السمک . نعم لو وجده میّتاً فی ید الکافر لم یحلّ ما لم یعلم بأخذه حیّاً ، ولا یجدی یده ولا إخباره فی إحراز ذلک کما تقدّم فی السمک .
(مسألة 32) : لو وقعت نار فی أجمة ونحوها فأحرقت ما فیها من الجراد ، لم یحلّ وإن قصده المحرق ، نعم لو أحرقها أو شوّاها أو طبخها بعد ما أخذت قبل أن تموت حلّ کما مرّ فی السمک ، کما أنّه لو فرض کون النار آلة صید الجراد بأنّه لو أجّجها اجتمعت من الأطراف وألقت أنفسها فیها فأجّجها لذلک فاجتمعت واحترقت بها ، لایبعد حلّیّة ما احترقت بها من الجراد ؛ لکونها حینئذٍ من آلات الصید کالشبکة والحظیرة للسمک .
(مسألة 33) : لایحلّ من الجراد ما لم یستقلّ بالطیران وهو المسمّیٰ بـ «الدبیٰ» علیٰ وزن العصا ، وهو الجراد إذا تحرّک ولم تنبت بعد أجنحته .
القول فی الذباحة
والکلام فی الذابح وآلة الذبح وکیفیّته وبعض الأحکام المتعلّقة به فی طیّ مسائل :
(مسألة 1) : یشترط فی الذابح أن یکون مسلماً أو بحکمه کالمتولّد منه ، فلاتحلّ ذبیحة الکافر ؛ مشرکاً کان أم غیره حتّی الکتابی علی الأقویٰ . ولا یشترط فیه الإیمان فتحلّ ذبیحة جمیع فرق الإسلام عدا النواصب المحکوم بکفرهم ، وهم المعلنون بعداوة أهل البیت علیهم السلام کالخارجی وإن أظهر الإسلام .
(مسألة 2) : لایشترط فیه الذکورة ولا البلوغ ولا غیر ذلک ، فتحلّ ذبیحة المرأة فضلاً عن الخُنثیٰ ، وکذا الحائض والجنب والنفساء والطفل إذا کان ممیّزاً والأعمیٰ والأغلف وولد الزنا .
(مسألة 3) : لایجوز الذبح بغیر الحدید مع الاختیار ، فإن ذبح بغیره مع التمکّن منه لم یحلّ ؛ وإن کان من المعادن المنطبعة کالصفر والنحاس والذهب والفضّة وغیرها . نعم لو لم یوجد الحدید وخیف فوت الذبیحة بتأخیر ذبحها جاز بکلّ ما یفری أعضاء الذبح ؛ ولو کان قصباً أو لیطة أو حجارة حادّة أو زجاجة أو غیرها . نعم فی وقوع الذکاة بالسنّ
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 605 والظفر مع الضرورة إشکال ، وإن کان الوقوع لایخلو من رجحان .
(مسألة 4) : الواجب فی الذبح قطع تمام الأعضاء الأربعة : الحلقوم وهو مجری النفس دخولاً وخروجاً ، والمریء وهو مجری الطعام والشراب ومحلّه تحت الحلقوم ، والودجان وهما العرقان الغلیظان المحیطان بالحلقوم أو المریء ، وربّما یطلق علیٰ هذه الأربعة الأوداج الأربعة واللازم قطعها رأساً ، فلا یکفی شقّها من دون قطعها وفصلها .
(مسألة 5) : محلّ الذبح فی الحلق تحت اللحیین علیٰ نحو یقطع به الأوداج الأربعة ، واللازم وقوعه تحت العقدة المسمّاة فی لسان أهل هذا الزمان بـ «الجوزة» وجعلها فی الرأس دون الجثّة والبدن ، بناءً علیٰ ما قد یدّعیٰ : من تعلّق الحلقوم أو الأعضاء الأربعة بتلک العقدة علیٰ وجه لو لم یبقها الذابح فی الرأس بتمامها ولم یقع الذبح من تحتها لم تقطع الأوداج بتمامها ، وهذا أمر یعرفه أهل الخبرة الممارسون لذلک ، فإن کان الأمر کذلک ، أو لم یحصل القطع بقطع الأوداج بتمامها بدون ذلک فاللازم مراعاته ، کما أنّه یلزم أن یکون شیء من هذه الأعضاء الأربعة علی الرأس حتّیٰ یعلم أنّها قد انقطعت وانفصلت عمّا یلی الرأس .
(مسألة 6) : یشترط أن یکون الذبح من القدّام فلو ذبح من القفا وأسرع إلیٰ أن قطع ما یعتبر قطعه من الأوداج قبل خروج الروح حرمت ، نعم لو قطعها من القدّام لکن لا من الفوق ؛ بأن أدخل السکّین تحت الأعضاء وقطعها إلیٰ فوق ، لم تحرم الذبیحة وإن فعل مکروهاً علیٰ قول ومحرّماً علیٰ قول آخر ، ولعلّه الأظهر .
(مسألة 7) : یجب التتابع فی الذبح ؛ بأن یستوفی قطع الأعضاء قبل زهوق الروح من الذبیحة ، فلو قطع بعضها وأرسلها حتّی انتهت إلی الموت ثمّ استأنف وقطع الباقی حرمت ، بل لایترک الاحتیاط ؛ بأن لا یفصل بینها بما یخرج عن المتعارف المعتاد ولا یعدّ معه عملاً واحداً عرفاً ، بل یعدّ عملین وإن استوفی التمام قبل خروج الروح منها .
(مسألة 8) : لو قطع رقبة الذبیحة من القفا وبقیت أعضاء الذباحة ، فإن بقیت لها الحیاة المستکشفة بالحرکة ولو کانت یسیرة ، ذبحت وحلّت وإلاّ لم تحلّ وصارت میتة .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 606 (مسألة 9) : لو أخطأ الذابح وذبح من فوق العقدة ولم یقطع الأعضاء الأربعة فإن لم تبق لها الحیاة حرمت وإن بقیت لها الحیاة یمکن أن یتدارک ؛ بأن یتسارع إلیٰ إیقاع الذبح من تحت وقطع الأعضاء وحلّت .
(مسألة 10) : لو أکل الذئب - مثلاً - مذبح الحیوان وأدرکه حیّاً فإن أکل الأوداج من فوق أو من تحت وبقی مقدار من الجمیع معلّقة بالرأس أو متّصلة بالبدن یمکن ذبحه الشرعی ؛ بأن یقطع ما بقی منها ، وکذلک لو أکل بعضها تماماً وأبقیٰ بعضها کذلک ، کما إذا أکل الحلقوم بالتمام وأبقی الباقی کذلک وکان بعد حیّاً ، فلو قطع الباقی مع الشرائط وقعت علیه الذکاة وکان حلالاً ، وأمّا إن أکل التمام بالتمام بحیث لم یبق شیء منها فالظاهر أنّه غیر قابل للتذکیة .
(مسألة 11) : یشترط فی التذکیة الذبحیّة - مضافاً إلیٰ ما مرّ - اُمور :
أحدها : الاستقبال بالذبیحة حال الذبح بأن یوجّه مذبحها ومقادیم بدنها إلی القبلة ، فإن أخلّ به ، فإن کان عامداً عالماً حرمت ، وإن کان ناسیاً أو جاهلاً أو خطأ فی القبلة أو فی العمل لم تحرم . ولو لم یعلم جهة القبلة أو لم یتمکّن من توجیهها إلیها سقط هذا الشرط . ولا یشترط استقبال الذابح علی الأقویٰ وإن کان أحوط وأولیٰ .
ثانیها : التسمیة من الذابح ؛ بأن یذکر اسم اللّه علیه حینما یتشاغل بالذبح أو متّصلاً به عرفاً ، فلو أخلّ بها فإن کان عمداً حرمت ، وإن کان نسیاناً لم تحرم . وفی إلحاق الجهل بالحکم بالنسیان أو العمد قولان ، أظهرهما الثانی . والمعتبر فی التسمیة وقوعها بهذا القصد ؛ أعنی بعنوان کونها علی الذبیحة ولا تجزی التسمیة الاتّفاقیّة الصادرة لغرض آخر .
ثالثها : صدور حرکة منها بعد تمامیة الذبح کی تدلّ علیٰ وقوعه علی الحیّ ولو کانت جزئیّة ، مثل أن تطرف عینها أو تحرّک اُذنها أو ذنبها أو ترکض برجلها ونحوها ، ولا یحتاج مع ذلک إلیٰ خروج الدم المعتدل ، فلو تحرّک ولم یخرج الدم أو خرج متثاقلاً ومتقاطراً لا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 607 سائلاً معتدلاً کفیٰ فی التذکیة ، وفی الاکتفاء به أیضاً حتّیٰ یکون المعتبر أحد الأمرین من الحرکة أو خروج الدم المعتدل قول مشهور ، لکن عندی فیه تردّد وإشکال . هذا إذا لم یعلم حیاته ، وأمّا إذا علم حیاته بخروج مثل هذا الدم اکتفی به بلا إشکال .
(مسألة 12) : لایعتبر کیفیّة خاصّة فی وضع الذبیحة علی الأرض حال الذبح ، فلا فرق بین أن یضعها علی الجانب الأیمن کهیئة المیّت حال الدفن ، وأن یضعها علی الأیسر .
(مسألة 13) : لایعتبر فی التسمیة کیفیّة خاصّة وأن یکون فی ضمن البسملة ، بل المدار علیٰ صدق ذکر اسم اللّه علیها فیکفی أن یقول : «باسم اللّه » أو «اللّه أکبر» أو «الحمد للّه » أو «لا إله إلاّ اللّه » ونحو ذلک . وفی الاکتفاء بلفظ «اللّه » من دون أن یقرن بما یصیر به کلاماً تامّاً دالاًّ علیٰ صفة کمال أو ثناء أو تمجید إشکال ، کالتعدّی من لفظ «اللّه » إلیٰ سائر أسمائه الحسنیٰ کالرحمان والرحیم والخالق وغیرها ، وکذا التعدّی إلیٰ ما یرادف هذه اللفظة المبارکة فی لغة اُخریٰ کلفظة «یزدان» فی الفارسیّة وغیرها فی غیرها ، فإنّ فیه إشکالاً ، بل عدم الجواز قویّ جدّاً .
(مسألة 14) : ذهب جماعة من الفقهاء إلیٰ أنّه یشترط فی حلّیّة الذبیحة استقرار الحیاة لها قبل الذبح فلو کانت غیر مستقرّة الحیاة لم تحلّ بالذبح وکانت میتة . وفسّروا الاستقرار المزبور : بأن لا تکون مشرفة علی الموت ؛ بحیث لایمکن أن یعیش مثلها الیوم أو نصف یوم کالمشقوق بطنه ، والمخرج حشوته ، والمذبوح من قفاه الباقیة أوداجه ، والساقط عن شاهق تکسّرت عظامه ، وما أکل السبع بعض ما به حیاته وأمثال ذلک . والأقویٰ عدم اعتبار استقرار الحیاة بالمعنی المزبور ، بل المعتبر أصل الحیاة ولو کانت عند إشراف انقطاعها وخروجها ، فإن علم ذلک ، وإلاّ یکون الکاشف عنها الحرکة بعد الذبح ولو کانت جزئیّة یسیرة کما تقدّم .
(مسألة 15) : لایشترط فی حلّیّة أکل الذبیحة بعد وقوع الذبح علیها حیّاً أن یکون خروج
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 608 روحها بذلک الذبح ، فلو وقع علیها الذبح الشرعی ثمّ وقعت فی نار أو ماء أو سقطت من جبل ونحو ذلک فماتت بذلک حلّت علی الأقویٰ .
(مسألة 16) : یختصّ الإبل من بین البهائم بأنّ تذکیته بالنحر ، کما أنّ غیره یختصّ بالذبح ، فلو ذبح الإبل أو نحر غیره کان میتة ، نعم لو بقیت له الحیاة بعد ذلک أمکن التدارک بأن یذبح ما یجب ذبحه بعد ما نحر ، أو ینحر ما یجب نحره بعد ما ذبحه ووقعت علیه التذکیة .
(مسألة 17) : کیفیّة النحر ومحلّه : أن یدخل سکّیناً أو رمحاً ونحوهما من الآلات الحادّة الحدیدیة فی لبّته ، وهی المحلّ المنخفض الواقع بین أصل العنق والصدر . ویشترط فیه کلّ ما اشترط فی التذکیة الذبحیّة ، فیشترط فی الناحر ما اشترط فی الذابح ، وفی آلة النحر ما اشترط فی آلة الذبح ، وتجب التسمیة عند النحر کما تجب عند الذبح ، ویجب الاستقبال بالمنحور کما یجب بالذبیحة ، وفی اعتبار الحیاة أو استقرارها هنا ما مرّ فی الذبیحة .
(مسألة 18) : یجوز نحر الإبل قائمة وبارکة مقبلة إلی القبلة ، بل یجوز نحرها ساقطة علیٰ جنبها مع توجیه منحرها ومقادیم بدنها إلی القبلة ، وإن کان الأفضل کونها قائمة .
(مسألة 19) : کلّ ما یتعذّر ذبحه أو نحره من الحیوان - إمّا لاستعصائه أو لوقوعه فی موضع لایتمکّن الإنسان من الوصول إلیٰ موضع الذکاة لیذبحه أو ینحره ، کما لو تردّیٰ فی البئر أو وقع فی مکان ضیّق وخیف موته ـ جاز أن یعقره بسیف أو سکّین أو رمح أو غیرها ممّا یجرحه ویقتله ، ویحلّ أکله وإن لم یصادف العقر موضع التذکیة ، وسقطت شرطیّة الذبح والنحر وکذلک الاستقبال ، نعم سائر الشرائط من التسمیة وشرائط الذابح والناحر تجب مراعاتها . وأمّا الآلة فیعتبر فیها ما مرّ فی آلة الصید الجمادیّة فراجع . وفی الاجتزاء هنا بعقر الکلب وجهان ، أقواهما ذلک فی المستعصی دون غیره کالمتردّی .
(مسألة 20) : للذباحة والنحر آداب ووظائف بین مستحبّة ومکروهة :
أمّا المستحبّة :
فمنها : أن یربط یدی الغنم مع إحدیٰ رجلیه ویطلق الاُخریٰ ویمسک صوفه وشعره بیده حتّیٰ تبرد ، وفی البقر أن یعقل قوائمه الأربع ویطلق ذنبه ، وفی الإبل أن تکون قائمة
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 609 ویربط یدیها ما بین الخفّین إلی الرکبتین ، أو الإبطین ویطلق رجلیها ، وفی الطیر أن یرسله بعد الذبح حتّیٰ یرفرف .
ومنها : أن یکون الذابح أو الناحر مستقبل القبلة .
ومنها : أن یعرض علیه الماء قبل الذبح أو النحر .
ومنها : أن یعامل مع الحیوان فی الذبح أو النحر ومقدّماتهما ما هو الأسهل والأروح وأبعد من التعذیب والأذیّة له ؛ بأن یساق إلی الذبح أو النحر برفق ویضجعه للذبح برفق ، وأن یحدّد الشفرة وتواریٰ وتستر عنه حتّیٰ لا یراها ، وأن یسرع فی العمل ویمرّ السکین فی المذبح بقوّة ، فعن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم : «إنّ اللّه تعالیٰ شأنه کتب علیکم الإحسان فی کلّ شیء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ولیحدّ أحدکم شفرته ولیرح ذبیحته» ، وفی نبویّ آخر أنّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر أن تحدّ الشفار وأن تواریٰ عن البهائم .
وأمّا المکروهة :
فمنها : إبانة الرأس قبل خروج الروح منها عند الأکثر وحرّمها جماعة وهو الأحوط ، ولا تحرم الذبیحة بفعلها ولو قلنا بالحرمة علی الأقویٰ . هذا مع التعمّد ، وأمّا مع الغفلة أو سبق السکّین ، فلا حرمة ولا کراهة لا فی الأکل ولا فی الإبانة بلا إشکال .
ومنها : أن تنخع الذبیحة ؛ بمعنیٰ إصابة السکّین إلیٰ نخاعها ، وهو الخیط الأبیض وسط الفقار الممتدّ من الرقبة إلیٰ عجز الذنب .
ومنها : أن یسلخ جلدها قبل خروج الروح منها ، وقیل فیه بالحرمة وإن لم تحرم الذبیحة وهی الأحوط .
ومنها : أن یقرب السکّین ویدخلها تحت الحلقوم ویقطع إلیٰ فوق .
ومنها : أن یذبح حیوان وحیوان آخر ینظر إلیه .
ومنها : أن یذبح لیلاً ، وبالنهار قبل الزوال یوم الجمعة إلاّ مع الضرورة .
ومنها : أن یذبح بیده ما ربّاه من النعم .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 610 (مسألة 21) : إذا خرج الجنین أو اُخرج من بطن اُمّه ، فمع حیاة الاُمّ أو موتها بدون التذکیة لم یحل أکله إلاّ إذا کان حیّاً ووقعت علیه التذکیة ، وکذا إن خرج أو اُخرج حیّاً من بطن اُمّه المذکّاة فإنّه لم یحلّ إلاّ بالتذکیة ، فلو لم یذکّ لم یحلّ وإن کان عدم التذکیة من جهة عدم اتّساع الزمان لها علی الأقویٰ . وأمّا لو خرج أو اُخرج میّتاً من بطن اُمّه المذکّاة حلّ أکله وکانت تذکیته بتذکیة اُمّه ، لکن بشرط کونه تامّ الخلقة وقد أشعر أو أوبر ، فإن لم تتمّ خلقته ولم یشعر ولا أوبر کان میتة وحراماً . ولا فرق فی حلّیّته مع الشرط المزبور بین ما لم تلجه الروح بعد ، وبین ما ولجته فمات فی بطن اُمّه علی الأقویٰ .
(مسألة 22) : لو کان الجنین حیّاً حال إیقاع الذبح أو النحر علیٰ اُمّه ومات بعده قبل أن یشقّوا بطنها ویستخرج منها ، حلّ علی الأقویٰ لو بادر علیٰ شقّ بطنها ولم یدرک حیاته ، بل ولو لم یبادر ولم یؤخّر زائداً علی القدر المتعارف فی شقّ بطون الذبائح بعد الذبح ، وإن کان الأحوط المبادرة وعدم التأخیر حتّیٰ بالمقدار المتعارف . وأمّا لو أخّر زائداً عن المقدار المتعارف ومات قبل أن یشقّ البطن فالظاهر عدم حلّیّته .
(مسألة 23) : لا إشکال فی وقوع التذکیة علیٰ کلّ حیوان حلّ أکله ذاتاً - وإن حرم بالعارض کالجلاّل والموطوء - بحریّاً کان أو برّیّاً ، وحشیّاً کان أو إنسیّاً ، طیراً کان أو غیره ، وإن اختلف فی کیفیّة التذکیة علیٰ ما سبق تفصیلها . وأثر التذکیة فیها : طهارة لحمها وجلدها وحلّیّة أکل لحمها لو لم یحرم بالعارض . وأمّا غیر المأکول من الحیوان ، فما لیس له نفس سائلة لا أثر للتذکیة فیه ؛ لا من حیث الطهارة ولا من حیث الحلّیة ؛ لأنّه طاهر ومحرّم أکله علیٰ کلّ حال ، وأمّا ما کان له نفس سائلة ، فما کان نجس العین کالکلب والخنزیر لیس قابلاً للتذکیة وکذا المسوخ غیر السباع کالفیل والدبّ والقرد ونحوها والحشرات ؛ وهی الدوابّ الصغار التی تسکن باطن الأرض کالفأرة وابن عرس والضبّ ونحوها علی الأحوط - لو لم یکن الأقویٰ - فیهما . وأمّا السباع - وهی ما تفترس الحیوان وتأکل اللحم - سواء کانت من الوحوش کالأسد والنمر والفهد والثعلب وابن آویٰ وغیرها
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 611 أو من الطیور کالصقر والبازی والباشق وغیرها ، فالأقویٰ قبولها التذکیة ، وبها یطهر لحومها وجلودها ، فیحلّ الانتفاع بها ؛ بأن تلبس فی غیر الصلاة ویفترش بها ، بل بأن تجعل وعاء للمائعات کأن تجعل قربة ماء أو عکّة سمن أو دبّة دهن ونحوها وإن لم تدبغ علی الأقویٰ ، وإن کان الأحوط أن لا تستعمل ما لم تکن مدبوغة .
(مسألة 24) : الظاهر أنّ جمیع أنواع الحیوان المحرّم الأکل ممّا کانت له نفس سائلة ـ غیر ما ذکر من أنواع الوحوش والطیور المحرّمة - تقع علیها التذکیة ، فتطهر بها لحومها وجلودها .
(مسألة 25) : تذکیة جمیع ما یقبل التذکیة من الحیوان المحرّم الأکل إنّما یکون بالذبح مع الشرائط المعتبرة فی ذبح الحیوان المحلّل ، وکذا بالاصطیاد بالآلة الجمادیّة فی خصوص الممتنع منها کالمحلّل . وفی تذکیتها بالاصطیاد بالکلب المعلّم تردّد وإشکال .
(مسألة 26) : ما کان بید المسلم من اللحوم والشحوم والجلود إذا لم یعلم کونها من غیر الذکیّ یؤخذ منه ویعامل معه معاملة المذکّیٰ ، فیجوز بیعه وشراؤه وأکله واستصحابه فی الصلاة وسائر الاستعمالات المتوقّفة علی التذکیة . ولایجب علیه الفحص والسؤال ، بل ولا یستحبّ بل نهی عنه . وکذلک ما یباع منها فی سوق المسلمین ؛ سواء کان بید المسلم أو مجهول الحال ، بل وکذا ما کان مطروحاً فی أرضهم إذا کان فیه أثر الاستعمال ، کما إذا کان اللحم مطبوخاً أو الجلد مخیطاً أو مدبوغاً ، وبالجملة : کانت فیه أمارة تدلّ علیٰ وقوع الید علیه ، بل وکذا إذا اُخذ من الکافر وعلم کونه مسبوقاً بید المسلم علی الأقویٰ . وأمّا ما یؤخذ من ید الکافر ولو فی بلاد المسلمین ولم یعلم کونه مسبوقاً بید المسلم ، وما کان بید مجهول الحال فی بلاد الکفّار ، أو کان مطروحاً فی أرضهم یعامل معه معاملة غیر المذکّیٰ ، وهو بحکم المیتة . والمدار فی کون البلد أو الأرض منسوباً إلی المسلمین : غلبة السکّان والقاطنین بحیث ینسب عرفاً إلیهم ولو کانوا تحت سلطنة الکفّار ، کما أنّ هذا هو المدار فی بلد الکفّار . ولو تساوت النسبة من جهة عدم الغلبة فحکمه حکم بلد الکفّار .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 612 (مسألة 27) : لا فرق فی إباحة ما یؤخذ من ید المسلم بین کونه مؤمناً أو مخالفاً یعتقد طهارة جلد المیتة بالدبغ ویستحلّ ذبائح أهل الکتاب ولا یراعی الشروط التی اعتبرناها فی التذکیة ، وکذا لا فرق بین کون الآخذ موافقاً مع المأخوذ منه فی شرائط التذکیة اجتهاداً أو تقلیداً ، أو مخالفاً معه فیها إذا احتمل تذکیته علیٰ وفق مذهب الآخذ ، کما إذا کان المأخوذ منه یعتقد کفایة قطع الحلقوم فی الذبح ویعتقد الآخذ لزوم قطع الأوداج الأربعة ، إذا احتمل أنّ ما بیده قد روعی فیه ذلک وإن لم یلزم رعایته عنده ، واللّه العالم .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 613