وهو اللبث فی المسجد بقصد التعبّد به ، ولایعتبر فیه ضمّ قصد عبادة اُخریٰ خارجة عنه وإن کان هو الأحوط . وهو مستحبّ بأصل الشرع وربّما یجب لعارض ؛ من نذر أو عهد أو یمین أو إجارة ونحوها . ویصحّ فی کلّ وقت یصحّ فیه الصوم ، وأفضل أوقاته شهر رمضان وأفضله العشر الاُخر منه والکلام فی شروطه وأحکامه .
القول فی شروطه
یشترط فی صحّته اُمور :
الأوّل : العقل ، فلایصحّ من المجنون ولو أدواراً فی دوره ، ولا من السکران وغیره من فاقدی العقل .
الثانی : النیّة ولا یعتبر فیها بعد التعیین أزید من الإخلاص وقصد القربة ، ولایعتبر فیها قصد الوجه ؛ من الوجوب أو الندب کغیره من العبادات وإن کان أحوط . وحینئذٍ یقصد الوجوب فی الواجب والندب فی المندوب وإن وجب فیه الثالث کما یأتی ، والأولیٰ ملاحظته فی ابتداء النیّة ، بل تجدید نیّة الوجوب للیوم الثالث . ووقت النیّة فی ابتداء الاعتکاف أوّل الفجر من الیوم الأوّل ؛ بمعنیٰ عدم جواز تأخیرها عنه . ویجوز أن یشرع فیه فی أوّل اللیل أو فی أثنائه ، فینویه حین الشروع ، بل الأحوط إدخال اللیلة الاُولیٰ أیضاً والنیّة من أوّلها .
الثالث : الصوم فلایصحّ بدونه . ولا یعتبر فیه کونه له ، فیکفی صوم غیره ؛ واجباً کان أو مستحبّاً ، مؤدّیاً عن نفسه أو متحمّلاً عن غیره ، من غیر فرق بین أقسام الاعتکاف وأنواع الصیام ، حتّیٰ أنّه یصحّ إیقاع الاعتکاف المنذور والإجاری فی شهر رمضان . بل لو نذر الاعتکاف فی أیّام معیّنة وکان علیه صوم منذور أجزأه الصوم فی أیّام الاعتکاف وفاءً عن النذر .
الرابع : أن لایکون أقلّ من ثلاثة أیّام بلیالیها المتوسّطة ، وأمّا الأزید فلابأس به . ولا حدّ لأکثره وإن وجب الثالث لکلّ اثنین ، فإذا اعتکف خمسة أیّام وجب السادس ، وإذا صار
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 258 ثمانیة وجب التاسع وهکذا . والیوم من طلوع الفجر إلیٰ زوال الحمرة المشرقیّة ، فلو اعتکف من طلوع الفجر إلی الغروب من الیوم الثالث کفیٰ . ولایشترط إدخال اللیلة الاُولیٰ ولا الرابعة وإن جاز کما عرفت ، وفی کفایة الثلاثة التلفیقیّة بأن یشرع من زوال یوم ـ مثلاً - إلیٰ زوال الیوم الرابع تأمّل وإشکال .
الخامس : أن یکون فی مسجد جامع فلا یکفی غیره کمسجد القبیلة أو السوق ، والأحوط - مع الإمکان - کونه فی أحد المساجد الأربعة : المسجد الحرام ومسجد النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم ومسجد الکوفة ومسجد البصرة .
السادس : إذن من یعتبر إذنه کالسیّد بالنسبة إلیٰ مملوکه مطلقاً ، نعم إذا کان مبعّضاً وهایاه المولیٰ - بأن جعل له أیّاماً وله أیّاماً - یجوز له إیقاعه فی أیّامه بدون إذن سیّده ، بل مع المنع أیضاً ، وکذا المستأجر بالنسبة إلیٰ أجیره الخاصّ ، والزوج بالنسبة إلی الزوجة إذا کان منافیاً لحقّه ، والوالدین بالنسبة إلیٰ ولدهما إذا کان مستلزماً لإیذائهما ، وأمّا مع عدم المنافاة وعدم الإیذاء فلایعتبر إذنهم وإن کان أحوط .
السابع : استدامة اللبث فی المسجد فلو خرج عمداً اختیاراً لغیر الأسباب المبیحه بطل ولو کان جاهلاً بالحکم ، نعم لو خرج ناسیاً أو مکرهاً لم یبطل ، وکذا لو خرج لضرورة عقلاً أو شرعاً أو عادة کقضاء الحاجة من بول أو غائط أو للاغتسال من الجنابة ونحو ذلک . ولایجب الاغتسال فی المسجد وإن أمکن من دون تلویث وإن کان أحوط .
(مسألة 1) : لایشترط فی صحّة الاعتکاف البلوغ فیصحّ من الصبیّ الممیّز علی الأقویٰ .
(مسألة 2) : لایجوز العدول من اعتکاف إلی اعتکاف آخر وإن اتّحدا فی الوجوب والندب ، ولا عن نیابة شخص إلیٰ نیابة شخص آخر ، ولا عن نیابة غیره إلیٰ نفسه وبالعکس .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 259 (مسألة 3) : یجوز قطع الاعتکاف المندوب فی الیومین الأوّلین ، وبعد تمامهما یجب الثالث ، بل یجب الثالث لکلّ اثنین علی الأقویٰ کما تقدّم ، وأمّا المنذور فإن کان معیّناً فلایجوز قطعه مطلقاً وإلاّ فکالمندوب .
(مسألة 4) : لابدّ من کون الأیّام الثلاثة متّصلة ویدخل اللیلتان المتوسّطتان کما أشرنا إلیه ، فلو نذر اعتکاف ثلاثة أیّام منفصلة أو من دون اللیلتین لم ینعقد إذا کان المنذور الاعتکاف الشرعی ، وکذا لو نذر اعتکاف یوم أو یومین مقیّداً بعدم الزیادة ، نعم لو لم یقیّده به صحّ ووجب ضمّ یوم أو یومین .
(مسألة 5) : لو نذر اعتکاف شهر یجزیه ما بین الهلالین وإن کان ناقصاً ، لکن یضمّ إلیه حینئذٍ یوماً بناءً علیٰ وجوب کلّ ثالث ، کما هو الأقویٰ .
(مسألة 6) : یعتبر فی الاعتکاف الواحد وحدة المسجد ، فلا یجوز أن یجعله فی مسجدین ولو کانا متّصلین ، نعم لو کان اتّصالهما علیٰ نحو یعدّان مسجداً واحداً فلابأس به . ولو تعذّر إتمام الاعتکاف فی محلّ النیّة لخوف أو هدم ونحو ذلک بطل ولایجزیه إتمامه فی جامع آخر .
(مسألة 7) : سطوح المساجد وسرادیبها ومحاریبها من المساجد ، فحکمها حکمها ما لم یعلم خروجها ، بخلاف سنائدها ومضافاتها کالدهلیز ونحوه فإنّها لیس منها ما لم یعلم دخولها وجعلها جزءً منها ، ومن ذلک بقعتا مسلم بن عقیل وهانی فإنّ الظاهر أنّهما خارجان عن مسجد الکوفة .
(مسألة 8) : إذا عیّن موضعاً خاصّاً من المسجد محلاًّ لاعتکافه لم یتعیّن ویکون قصده وتعیینه لغواً ، حتّیٰ فیما لو عیّن السطح دون الأسفل أو العکس .
(مسألة 9) : من الضرورات المبیحة للخروج : إقامة الشهادة ، وحضور الجماعة ،
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 260 وعیادة المریض ، وتشییع الجنازة ، وتشییع المسافر ، واستقبال القادم ، وغیر ذلک وإن لم یتعیّن علیه شیء من ذلک . والضابط کلّ ما یلزم الخروج إلیه عقلاً أو شرعاً أو عادةً من الاُمور الواجبة أو الراجحة ؛ سواء کانت متعلّقة باُمور الدنیا أو الآخرة ، حصل ضرر بترک الخروج إلیها أو لا ، نعم الأحوط مراعاة أقرب الطرق والاقتصار علیٰ مقدار الحاجة والضرورة . ویجب أن لایجلس تحت الظلال مع الإمکان بل ولا یمشی تحته ، بل الأحوط عدم الجلوس مطلقاً إلاّ مع الضرورة .
(مسألة 10) : لو أجنب فی المسجد وجب علیه الخروج للاغتسال إذا لم یمکن إیقاعه فیه ولو ترک الخروج بطل اعتکافه من جهة حرمة لبثه .
(مسألة 11) : لو غصب مکاناً فی المسجد بأن دفع من سبق إلیه وجلس فیه بطل اعتکافه ، وکذا لو جلس علیٰ فراش مغصوب علیٰ تأمّل وإشکال فیهما ، نعم لو کان جاهلاً بالغصب أو ناسیاً له فلا إشکال فی الصحّة . ولو فرش المسجد بتراب أو آجر مغصوب فإن أمکن إزالته والتحرّز عنه یکون کالفراش المغصوب وإلاّ فلا مانع من الکون علیه علیٰ إشکال ، فالأحوط الاجتناب .
(مسألة 12) : لو طال الخروج فی مورد الضرورة بحیث انمحت صورة الاعتکاف بطل .
(مسألة 13) : یجوز للمعتکف أن یشترط حین النیّة الرجوع عن اعتکافه متیٰ شاء حتّی الیوم الثالث ؛ سواء علّقه علیٰ عروض عارض أم لا ، فهو علیٰ حسب ما شرط إن عامّاً
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 261 فعامّ وإن خاصّاً فخاصّ ، کما یصحّ للناذر اشتراط ذلک فی نذره کأن یقول : للّه علیّ أن أعتکف بشرط أن یکون لی الرجوع عند عروض کذا - مثلاً - فیجوز له الرجوع ، ولا یترتّب علیه إثم ولا حنث ولا قضاء ، وإن لم یشترط ذلک حین الشروع فی الاعتکاف ، وإن کان الأحوط ذکر الشرط فی حال الشروع أیضاً . ولا اعتبار بالشرط المذکور قبل عقد نیّة الاعتکاف ولا بعده . ولو شرط حین النیّة ثمّ أسقط حکم شرطه فالظاهر عدم سقوطه .
القول فی أحکام الاعتکاف
یحرم علی المعتکف اُمور :
منها : مباشرة النساء بالجماع بل وباللمس والتقبیل بشهوة ، بل هی مبطلة للاعتکاف . ولا فرق بین الرجل والمرأة فیحرم ذلک علی المعتکفة أیضاً .
ومنها : الاستمناء علی الأحوط .
ومنها : شمّ الطیب والریحان متلذّذاً ، ففاقد حاسّة الشمّ خارج .
ومنها : البیع والشراء ، والأحوط ترک غیرهما أیضاً من أنواع التجارة کالصلح والإجارة وغیرهما . ولو وقعت المعاملة صحّت وترتّب علیها الأثر علی الأقویٰ . ولابأس بالاشتغال بالاُمور الدنیویّة من أصناف المعایش حتّی الخیاطة والنساجة ونحوهما وإن کان الأحوط الاجتناب ، نعم لابأس بها مع الاضطرار ، بل لابأس بالبیع والشراء إذا مسّت الحاجة إلیهما للأکل والشرب ، حتّیٰ مع إمکان توکیل الغیر والنقل بغیر البیع وإن کان الأحوط الاقتصار علیٰ صورة تعذّرهما .
ومنها : المجادلة علیٰ أمر دنیوی أو دینی إذا کانت لأجل الغلبة وإظهار الفضیلة ، فإن کانت بقصد إظهار الحقّ وردّ الخصم عن الخطأ فلابأس بها ، بل هی حینئذٍ من أفضل الطاعات . والأحوط للمعتکف اجتناب ما یجتنبه المحرم ، لکنّ الأقویٰ خلافه ، خصوصاً لبس المخیط وإزالة الشعر وأکل الصید وعقد النکاح ، فإنّ جمیع ذلک جائز له .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 262 (مسألة 1) : لافرق فی حرمة ما سمعته علی المعتکف بین اللیل والنهار عدا الإفطار .
(مسألة 2) : یفسد الاعتکاف کلّما یفسد الصوم من حیث اشتراطه به فبطلانه یوجب بطلانه ، وکذا یفسده الجماع ولو وقع فی اللیل وکذا اللمس والتقبیل بشهوة ، بل الأحوط بطلانه بسائر ما ذکر من المحرّمات أیضاً ، نعم بطلانه بها مختصّ بحال العمد والاختیار بخلاف الجماع فإنّه یفسده ولو وقع سهواً . وإذا فسد بأحد المفسدات فإن کان واجباً معیّناً وجب قضاؤه ولایجب الفور فیه وإن کان أحوط ، وإن کان غیر معیّن وجب استئنافه ، وکذا یجب قضاؤه إذا کان مندوباً وأفسده بعد الیومین ، وأمّا إذا کان قبلهما فلا شیء علیه ، بل فی مشروعیّة قضائه إشکال . وإنّما یجب القضاء أو الاستئناف فی الاعتکاف الواجب إذا لم یشترط فیه الرجوع وإلاّ فلا قضاء ولا استئناف .
(مسألة 3) : إذا أفسد الاعتکاف الواجب بالجماع ولو لیلاً وجبت الکفّارة ولاتجب فی سائر المحرّمات وإن کان أحوط . وکفّارته ککفّارة شهر رمضان وإن کان الأحوط کونها مرتّبة ککفّارة الظهار .
(مسألة 4) : إذا أفسد الاعتکاف الواجب بالجماع فی نهار شهر رمضان فعلیه کفّارتان وکذا فی قضاء شهر رمضان إذا کان بعد الزوال . وإذا أکره زوجته الصائمة فی شهر رمضان فإن لم تکن معتکفة فعلیه کفّارات ثلاث ؛ إحداها عن نفسه لاعتکافه ، والثانیة عن نفسه لصومه ، والثالثة عن زوجته لصومها . وإن کانت معتکفة فکذلک علی الأقویٰ وإن کان الأحوط أربع کفّارات بزیادة کفّارة اُخریٰ عن زوجته لاعتکافها . ولو کانت الزوجة مطاوعة فعلیٰ کلّ منهما کفّارة واحدة إن کان فی اللیل وکفّارتان إذا کان فی النهار .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 263