الشبهة السادسة :
بناءً علی القول: بعدم انحفاظ الخطابات الکلّیة القانونیّة؛ بالنسبة إلیٰ حال الجهل والسهو والنسیان؛ وأنّه لایمکن تصویر الأحکام الفعلیّة بالنسبة إلیهم، یلزم لغویّة حدیث الرفع، وعدم الحاجة إلیه؛ ضرورة أنّ مع عدم وجود التکلیف ثبوتاً، لا معنیٰ لذلک قطعاً.
ومجرّد إمکان إیجاب الاحتیاط والتحفّظ لایکفی؛ لأنّه مع سکوت الشرع عنه، یحکم بعدم الوجوب عقلاً، فلا داعی إلی اعتبار الرفع، بل عدم الداعی إلیٰ جعل الاحتیاط کافٍ، کما هو الظاهر، فتأمّل.
وبعبارة اُخریٰ : ظاهر حدیث الرفع، أنّ ماهو المرفوع حال الجهل، ثابت مع قطع النظر عن حدیث الرفع؛ وأنّ الامتنان فی نفس رفع المجهول، لا فی الأمر الآخر؛ وهو عدم إیجاب الاحتیاط، والتحفّظ عن النسیان.
فإن قلنا : بأنّ الخطابات العامّة القانونیّة، تستتبع الأحکام الفعلیّة بالنسبة إلی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 446 الکلّ علیٰ حدّ سواء، فیکون المنّة فی نفس الرفع المستند إلیٰ «مالایعلمون».
ولکن کما أنّ مقتضیٰ سائر الفقرات أنّه رفع ادعائیّ؛ فإنّه لا معنیٰ لکونه رفعاً حقیقیّاً بالنسبة إلیٰ «ما اضطرّوا إلیه، وما استکرهوا علیه» کذلک بالنسبة إلی المجهول والمنسیّ فی الأحکام.
وکما أنّه رفع ادعائیّ بالنسبة إلی الموضوعات المجهولة والمنسیّة، کذلک رفع ادّعائی بالنسبة إلی الأحکام الثابتة فی موردهم حسب القانون الکلّی العامّ.
وأمّا علیٰ مذهبهم : من صرف تلک القوانین العامّة عن ظواهرها، فلابدّ من أن یکون الرفع بلحاظ الشمول الإنشائیّ، ویکون دفعاً حقیقة، وهذا واضح المنع؛ للزوم التفکیک فی الإسناد الواحد عرفاً.
ولعمری، إنّ الأصحاب لعدم تمکّنهم من تصویر الحکم الفعلیّ فی هذه الموارد، ارتکبوا ما ارتکبوا فقالوا: «إنّ الامتنان بلحاظ إمکان التضییق من ناحیة جعل التکلیف الآخر، أو الاحتیاط والتحفّظ» وأنت خبیر بما فیه من ظهور الغرابة؛ فإنّ الحدیث ناظر إلیٰ أنّ رفع ما لایعلمون منّة، لا الأمر الآخر الأجنبیّ.
وقالوا: «إنّ الرفع بلحاظ حال الإنشاء بالنسبة إلیٰ مثل الفقرة الاُولیٰ» مع أنّه لایمکن الرفع واقعاً ولو کان متعلّقه الإنشاء، فلابدّ وأن یکون مجازاً وادعائیّاً.
فعلیه، إذا أمکن تصویر التکلیف الفعلیّ بالنسبة إلی الفقرة الاُولیٰ وما شابهها، لکانوا یفرحون جدّاً؛ لحلّ هذه المعضلات المتوجّهة إلیهم الآتیة من قِبل عدم تمکّنهم من المحافظة علیٰ عموم القانون.
إن قلت : مقتضیٰ إطلاق حدیث الرفع رفع جمیع الآثار، وعندئذٍ تلزم اللغویّة فی جعل الأحکام الفعلیّة فی تلک الموارد.
قلت : هذا أیضاً من تبعات انحلال الخطاب؛ وحساب کلّ حال بخطاب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 447 واحد، وإلاّ فاللغویّة الآتیة من ناحیة الإطلاق والعموم، لایجب الفرار منها، کما تحرّر منّا مراراً، وما یجب الفرار منه من اللغویّة؛ هی لغویّة ذات الدلیل وتمام مفاده، فافهم واغتنم.
وبالجملة : لایلزم من الجمع بین حدیث الرفع والقوانین الکلّیة، اختصاص التکلیف بالعالمین والذاکرین، حتّیٰ نحتاج إلیٰ ضمّ الإجماع من الخارج لإثبات الاشتراک، کما لایخفیٰ علی الفطن العارف.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 448