الثمرة السادسة :
قد حکی عن الوحید البهبهانیّ قدس سره: «أنّ من ثمرات القول بالوجوب، اندراج
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 257 المسألة فی مسألة اجتماع الأمر والنهی؛ فیما إذا کانت المقدّمة محرّمة، ضرورة أنّ موضوع الوجوب عنوان غیر عنوان المحرّم، وتکون النسبة بینهما عموماً من وجه، سواء قلنا: بأنّ معروض الوجوب الغیریّ هو عنوان «المقدّمة» أو قلنا: إنّه عنوان «الموقوف علیه».
وتوهّم : أنّ معروضه ذات المنهیّ عنه، فإن کان عبادة یکون من النهی عن العبادة، وإن کان معاملة فمن النهی عنها، فی غیر محلّه؛ لما تقرّر منّا: أنّ معروض الوجوب هی الحیثیّة التقییدیّة فی الأحکام العقلیّة وفیما نحن فیه بالضرورة ولما أنّ دخولها فی تلک المسألة أیضاً، یعدّ من ثمرات القول بالوجوب الغیریّ، ونتیجة ذلک جواز ترک الواجب النفسیّ، أو وجوبه بناءً علی اقتضاء النهی حرمة المقدّمة.
وثالثاً : دخولها فی تلک المسألة، فرع کون عبادیّتها من الأمر الغیریّ منحصرة فیه. فما فی «الکفایة» خالٍ من التحصیل جدّاً.
فبالجملة : ربّما یشکل بأنّ النسبة بین المحرّم والواجب، عموم مطلق؛ لأنّ المحرّم هو عنوان ذاتیّ للفعل، کالتصرّف فی الأرض المغصوبة، وله الإطلاق، والواجبَ هو عنوان عرضیّ للفعل، فإن کان جمیع المقدّمات محرّمة، فالأمر الغیریّ المتعلّق بالموقوف علیه الواجب المزبور، لایتجاوز عن هذا العنوان، ولکنّه یکون بینه وبین المحرّم عموم وخصوص مطلق، فلاتندرج فی هذه المسألة.
وهذا الإشکال لایورث سقوط الثمرة؛ لأنّ المقصود من الثمرة، لیس أنّ کلّ أمر غیریّ له ثمرة کذائیّة، بل المقصود ترتّب الثمرة إجمالاً علی القول المزبور.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 258 هذا مع أنّ بعضاً من الأصحاب، التزموا بجریان نزاع الاجتماع فی هذه الصورة أیضاً، خلافاً لما تقرّر منّا فی محلّه.
إن قلت : کیف یتصوّر الثمرة علی الموصلة المحرّمة، فإنّه علی المطلقة إذا کانت إحدی المقدّمات محرّمة، تکون النسبة عموماً من وجه؛ لأنّ الأمر الغیریّ متعلّق بکلّ ما یتوقّف علیه الواجب ؛ محرّماً کان، أو مباحاً، والنهی متعلّق بالتصرّف فی مال الغیر؛ مقدّمة کانت، أو غیر مقدّمة، وأمّا علی الموصلة إذا کانت هی محرّمة، فلا یتصوّر العموم من وجه.
قلت : الجواب الجواب المذکور آنفاً فی صورة انحصار المقدّمة فی المحرّمة علی القول بوجوب المطلقة.
وهنا جواب آخر أهمّ: وهو ما اُشیر إلیه فی السابق؛ من أنّ الأمر الغیریّ فی الشریعة واحد، متعلّق بعنوان «ما یتوقّف علیه الواجب» ویکون المترشّح عن جمیع الواجبات الشرعیّة، أمراً واحداً ینحلّ، وإلاّ فلایکون یترشّح من کلّ واجب أمر واحد، حتّیٰ یلاحظ النسبة بینه وبین المحرّم، فعلیه تکون النسبة بین العنوانین دائماً عموماً من وجه، فتندرج المسألة تحت بحث اجتماع الأمر والنهی.
لایقال : من شرائط اندراج المسألة وجود المندوحة، وإذا کانت هی موجودة، فتکون هی الواجب الغیریّ، فلا وجه لعدّ ذلک ثمرة لهذه المسألة.
لأنّا نقول : بأنّ المندوحة لیست شرطاً، مع أنّ مقدّمة الحرام مورد الأمر الغیریّ؛ لأجل انطباق عنوان «الواجب الغیریّ» علیها.
وبعبارة اُخریٰ : قد عرفت دخول المحرّمات فی حریم النزاع، فما فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 259 «الکفایة» هنا خالٍ من التحصیل.
إن قیل : المقدّمة إمّا توصلیّة، أو تعبّدیة، فإن کان توصلیّة، فالغرض منها یحصل سواء کانت واجبة، أو لم تکن.
وإن کانت تعبّدیة کالطهارات الثلاث، فإن قلنا بامتناع الاجتماع، حکم ببطلانها إذا کانت محرّمة؛ سواء قلنا بوجوب المقدّمة، أو لم نقل.
وإن قلنا بجواز الاجتماع، صحّت علی القول بعدم الوجوب أیضاً؛ وذلک لأجل أنّ عبادیّتها لاتستند إلی الأمر الغیریّ. وقد یستظهر من العلاّمة النائینیّ الارتضاء بمثله، وهو من الإشکالات المذکورة فی «الکفایة».
قلنا : نعم، إلاّ أنّه یکفی لکون عبادیّتها قابلة للاستناد إلی الأمر الغیریّ، فلو اتفق فی المثال المزبور أن تعبّد العبد وتقرّب بالأمر الغیریّ فی مورد الاجتماع، صحّت المقدّمة وإن کانت هی قابلة لأن تکون عبادیّة لأجل الجهات الاُخر، إلاّ أنّها کانت مغفولاً عنها عنده.
نعم، یتوجّه إلیٰ هذه الثمرة: أنّ مجرّد الاندراج فی تلک المسألة لو کان کافیاً، للزم عدم اختصاصه بذلک؛ لإمکان الاندراج فی جمیع المسائل الاُصولیّة الباحثة عن خصوصیّات الأمر. مثلاً تندرج فی مسألة «أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه» وفی مسألة «الأمر عقیب الحظر» وهکذا فیما إذاکانت الملازمة عقلائیّة، وهذا لیس ثمرة للمسألة کما لایخفیٰ.
ولو کان الثمرة لأجل انتهائها إلی العمل، فهو لایتوقّف علی الاندراج المزبور؛
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 260 لما عرفت فی خلال الثمرات: من أنّ التوسعة فی التقرّب منها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 261