الشبهة الخامسة :
من تبعات القول بانحلال الخطاب القانونیّ العمومیّ إلی الخطابات الشخصیّة الجزئیّة، تعدّد الإرادة التشریعیّة فی ذات الشارع الأقدس؛ ضرورة أنّ من اختار هذا الانحلال یرید أن یقول: بأنّ کلّ فرد من أفراد المخاطبین مورد الإرادة التی تخصّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 444 به، وتکون الإرادة کثیرة، وإلاّ فمع وحدة الإرادة التشریعیّة وحدةً مساوقة للوجود، لایعقل کثرة المراد کثرة واقعیّة؛ ضرورة أنّها من صفات ذات الإضافة، فکما لایعقل تعدّد المرید مع وحدة الإرادة، کذلک لایعقل تعدّد المراد مع وحدة الإرادة، ولاسیّما وأنّ تشخّص الإرادة بالمراد، فإذن تلزم الکثرة الواقعیّة فی الإرادة التشریعیّة.
وأیضاً : لیس المراد من «الإرادة التشریعیّة» إلاّ الإرادة التکوینیّة المتعلّقة بالبعث والتقنین، ولیس هذه الإرادة التشریعیّة من الاعتباریّات. کما أنّ مقتضیٰ ما تحرّر مراراً فی محلّه: أنّ المراد بتلک الإرادة لیس فعل المکلّف، بل المراد بها هو جعل القانون، وبعث الناس نحو المادّة، ولذلک لایتخلّف منها أیضاً هذا المراد، بخلاف ما إذا کان المراد بها فعلَهم، فإنّه یتخلّف.
وتوهّم اندفاع ذلک : بأنّ المراد هو صدور الفعل عن اختیار، فاسد؛ لأنّ مقتضیٰ ذلک وجوب صدوره عن اختیار، وإلاّ لو تخلّف فیلزم التخلّف عن تلک الإرادة. فلاتغترّ بما فی صحف الآخرین.
إذا عرفت ذلک کلّه، انتبهت إلیٰ ما أردنا توجیهه إلیهم: من لزوم الکثرة الواقعیّة فی إرادته تعالیٰ، وهو فی حقّه ممتنع. وفی المسألة بحث طویل محرّر منّا فی قواعدنا الحکمیّة، وأشرنا إلیه فی تنبیهات مباحث الطلب والإرادة.
هذا مع أنّ الوجدان أحسن شاهد علیٰ أنّ فی مورد توجیه الخطاب إلی الکثیر، لاتکون فی النفس إرادات کثیرة، بل هناک إرادة واحدة بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 445 وغیر خفیّ : أنّ مقتضیٰ هذا التقریب فی إرادته تعالیٰ، وحدة الإرادة فی جمیع القوانین التشریعیّة؛ لما تقرّر فی محلّه: من أنّ الإرادة التشریعیّة جزء من النظام الکیانی، التابع للنظام الربّانی، المستتبع للنظام الإلهیّ، المنقهر فی النظام الذاتیّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 446