الأمر الثالث : قاعدة الاستلزام
وهی أنّ إتیان الصلاة مثلاً مستلزم للمحرّم، ومستلزم المحرّم محرّم، فالصلاة محرّمة. فهنا دعاوٍ ثلاث:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 319 الاُولیٰ : وهی صغری المسألة؛ أنّ الصلاة التی هی ضدّ المأمور به، تستلزم ترک المأمور به؛ ضرورة امتناع الامتثال بهما معاً.
والثانیة : أنّ ترک المأمور به وهی الإزالة حرام؛ لأنّه الضدّ العامّ، والأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه العامّ قطعاً.
والثالثة : أنّ مستلزم الحرام حرام؛ لأنّه من الأسباب، والسبب محرّم فی باب مقدّمة الحرام، أو لما مرّ: من أنّ المتلازمین متّفقان فی الحکم، وإلاّ یلزم خلوّ الواقعة من الحکم، وهو خلاف مذهب الخاصّة، فالصلاة ـ وهی ضدّ الإزالة ـ منهیّ عنها، وتکون محرّمة.
وغیر خفیّ : أنّ هذا التقریب یخالف التقریب السابق.
وأمّا توهّم : أنّ الاستلزام غیر صحیح؛ لأنّه فرع کون أحدهما فی الرتبة المتأخّرة عن الآخر، مع أنّ الصلاة فی رتبة ترک الواجب، ولیست تستلزم ذلک، بل هو ینطبق علیها قهراً.
فهو قابل للاندفاع: بأنّ البحث لیس فی مقتضیات مدلول الاستلزام لغةً، بل النظر إلیٰ أنّ الصلاة من الأسباب المنتهیة إلیٰ ترک الواجب، وحرمة مثل هذه المقدّمة بدیهیّة.
أقول : سیأتی البحث حول هذه المسألة فی الأمر الرابع مفصّلاً. وعلیٰ کلّ تقدیر یکفی لسقوط هذا الوجه، ما تحرّر منّا فی محلّه: من أنّ مستلزم المحرّم والمقدّمات التولیدیّة لیست محرّمة، وأنّ الأمر بالشیء لایقتضی النهی عن ضدّه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 320 العامّ بالضرورة.
بل عدم الاقتضاء هنا، أولیٰ من عدم الاقتضاء فی الضدّ الخاصّ؛ ضرورة أنّ ترک الواجب ممّا لایحتاج إلی النهی عنه، ویکون للعقل سبیل إلیٰ مبغوضیّته العرضیّة الترشّحیة، بخلاف الضدّ الخاصّ، فإنّه ربّما یکون للعقل سبیل إلی احتمال محبوبیّته فی الرتبة المتأخّرة، فلابدّ من النهی عنه؛ قضاءً لحقّ عدم الإهمال فی ناحیة فعل المحبوب والواجب علی الإطلاق؛ أی علی المولیٰ سدّ الموانع، وإیجاد المقتضی فی عالم التشریع؛ لأجل الوصول إلی المرام والمقصود، وعند ذلک ینهیٰ عن الأضداد؛ لأنّ فی ترک نهیه إخلالاً بغرضه، وهو خلاف الحکمة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 3)صفحه 321