أمّا أسماء الإشارة :
ففیها احتمالات، بل وأقوال :
أوّلها : أنّها موضوعات للإشارة الخارجیّة، کما أنّ لفظة «الرجل» و «زید» موضوعتان لأمرین فی الخارج، فلابدّ من تحقّق الإشارة خارجاً بأمر من الاُمور، کالإصبع ونحوه، ویکون لفظة «هذا» موضوعةً لتلک الإشارة الموجودة بالسبب الآخر. وهذا هو قول ظاهر من الفاضل المحشّی الأصفهانیّ، وبعض تلامذته.
وما فیه ظاهر؛ ضرورة أنّ الإشارة تتحقّق بدون الأسباب المورثة لتحقّقها الخارجیّ تحقّقاً اعتباریّاً، علیٰ نحو ما عرفت منّا. ومعنی «تحقّق الإشارة خارجاً» لیس إلاّ التحقّق الوهمیّ، لا التحقّق التکوینیّ.
فالإشارة قسمان : وهمیّ، واعتباریّ، فالوهمیّ ما یحصل من الإصبع، والاعتباریّ ما یحصل من اللفظة القائمة مقام الإصبع، من دون لزوم ذلک فی التحقّق الاعتباریّ.
ثانیها : أنّها موضوعة للإشارة المقیّدة بالمشار إلیه.
ثالثها : أنّها موضوعة للمشار إلیه، لا بعنوانه، بل بعنوان آخر، فتکون کلمة «هذا» موضوعةً للمفرد المذکّر، لا للمفرد المذکّر المشار إلیه.
رابعها : أنّها موضوعة له بعنوان المشار إلیه، ولکن لا من تلک الإشارة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 152 الاعتباریّة، بل من الإشارة الخارجیّة.
خامسها : أنّها موضوعة لإیجاد الإشارة الاعتباریّة. ولعلّه هو الظاهر من الوالد المحقّق ـ مدّظلّه .
سادسها : أنّها موضوعة للإشارة الاعتباریّة، وأمّا وجودها فهو یحصل من الاستعمال فی الجمل التصدیقیّة، فیدلّ الهیئة التصدیقیّة علی الإیجاد، دون الهیئة التصوّریة . وهذا هو الظاهر من بعض سادة أساتیذنا رحمه الله.
والذی یستظهر من أهل الأدب أنّها موضوعة للإشارة، وهی المسند إلیه.
وهذا هو التناقض غیر القابل للجمع؛ ضرورة أنّ ما هو الموضوع للإشارة بالحمل الشائع معنی حرفیّ، وهو لایکون مسنداً إلیه إجماعاً. ولذلک صرّح الوالد ـ مدّ ظلّه ـ : «بأنّ المسند إلیه هو المشار إلیه، لا الإشارة، کما یعلم ذلک من إشارة الأخرس».
والذی یتوجّه إلیهم : أنّ المشار إلیه لیس دخیلاً فی الموضوع له؛ لتحقّق الإشارة بدونه فیما إذا قال: «هذا زید» مع عدم وجود له؛ وأنّه توهّم وجوده للظلمة الشدیدة، فإنّ الإشارة قد تحقّقت هنا بلا شبهة، مع أنّ المشار إلیه لا تحقّق له، فجمیع الأقوال الآخذة فیه المشار إلیه فی الموضوع له فاسدة.
فیبقیٰ کونها موضوعة للإشارة الاعتباریّة، فیکون مدلولها تلک الإشارة، کما علیها تدلّ إصبع الأخرس دلالةً غیر وضعیّة أو وضعیّة غیر لفظیّة، وما تریٰ فی کلام
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 153 الوالد المحقّق ـ مدّظلّه : «من أنّها موضوعة لإیجاد الإشارة اعتباراً» غیر موافق للتحقیق؛ لعدم اعتبار الوجود فی الموضوع له فهی موضوعة لحیثیّة الإشارة الاعتباریّة.
نعم، اعتبار الوجود والإیجاد یجیء بالاستعمال فی الجملة التصدیقیّة، علیٰ نحو ما اُشیر إلیه آنفاً، وحیث قد تقرّر عدم إمکان الوضع العامّ والموضوع له الخاصّ، فالموضوع له هنا هو العامّ، من غیر لزوم التوصّل إلی الوضع بالاستعمال ـ کما عرفت فی الهیئات المرکّبةـ لأنّ ما هو الموضوع له هو عنوان «الإشارة» وهی تعتبر فی الخارج، فتکون مصادیقها معانی حرفیّة، والمفهوم الذهنیّ اسمیّاً، کما فی الحروف وأشباهها.
ولذلک تریٰ أنّه إذا قال : «هذا عالم» یصحّ الحکایة عنه: «بأنّه أشار إلیه بأنّه عالم» فیعلم أنّ ما صنعه فی الخارج مصداق الإشارة، فیکون مفهوم «الإشارة» کمفهوم «الإنسان» فی الخارج، فلا تغفل، ولا تختلط.
نعم فی الطبیعیّ الحقیقیّ هو موجود حقیقة بالوجود ـ إلاّ علیٰ بعض المذاهب الراقیة ـ وفی مفهوم «الربط» و «النسبة» و «الإشارة» هی موجودات فی الخارج اعتباراً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 154