الأمر الأوّل : فیما هو مادّة المشتقّات
اعلم : أنّه قد اختلفت کلمات النحاة فی هذه المسألة ؛ فالمعروف عن الکوفیّین أنّها المصدر، والمنسوب إلی البصریّین أنّها الفعل، والمحکیّ عن الشارح الرضیّ نجم الأئمّة رحمه الله أنّ النزاع فی الحقیقة راجع إلیٰ ماهو المتقدّم فی الوضع، لا فی الأصلیّة والفرعیّة، وعن بعض الأعلام: أنّها اسم المصدر.
والذی هو التحقیق : أنّ المادّة المذکورة، لابدّ وأن تکون مطلقة من حیث الهیئة والمعنیٰ، وإلاّ فلا یعقل کونها مادّة ومبدأً فی المشتقّات:
أمّا اشتراط کونها مطلقة من حیث الهیئة، فهو واضح؛ ضرورة أنّ مع تقوّمها بالهیئة الخاصّة، لایعقل انحفاظ تلک الهیئة فی سائر الهیئات؛ لتباینها، فلو کانت
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 378 المادّة مثلاً «ضربْ» بالتسکین الموازن لـ «فعل» فلایحفظ تلک الهیئة فی «ضارب» و«مضروب» بالضرورة.
وأمّا اشتراط کونها مطلقة من حیث المعنیٰ؛ فلبداهة أنّ لکلّ واحد من المشتقّات معنی خاصّاً، ضرورة أنّ طبیعة الضرب کلّما تحقّقت فی الخارج فلها ـ زائداً علیٰ ذاتها ـ خصوصیّة، هی محکیّة بتلک الهیئة الطارئة علیها، فلابدّ من إطلاقها من تلک الخصوصیّة؛ حتّیٰ تکون منحفظة فی جمیع الأطوار والأشکال.
فما هی المادّة هی نفس الطبیعة من غیر النظر إلیٰ وجودها السِعیّ؛ فإنّها فی هذه النظرة هی اسم المصدر، ومن غیر النظر إلیٰ صدورها؛ فإنّها فی هذه اللحظة هی المصدر، ومن غیر النظر إلیٰ ذات أصدرتها؛ فإنّها فی هذه اللحظة اسم الفاعل، وهکذا فی سائر المشتقّات.
والسرّ کلّ السرّ : أنّ کلّ طبیعة لابدّ فی تحقّقها الخارجیّ، من الخصوصیّات المختلفة الملتحقة بها، والمتّحدة معها، وتکون مادّة المشتقّات هی أصل الطبیعة، والخصوصیّات زائدة علیها، ولیست محکیّة بها، بل حاکیها هی الهیئات العارضة علیها، المتّحدة معها فی وجودها اللفظیّ، فبذلک انقدح سقوط الأقوال.
ومن العجیب ما أفاده نجم الأئمّة!! فإنّ البحث فی مادّة المشتقّات، غیر البحث فی کیفیّة وضعها؛ فإنّ الخلط بین المسألتین غیر جائز، کما لایخفیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 379