أقوال الأعلام فی المسألة
وقد اختلفت کلمات الأعلام :
فمنهم : من یظهر منه امتناعه، مریداً به الامتناع الوقوعیّ ـ لعدم امتناعه الذاتیّ قطعاً ـ ظنّاً أنّ الوضع لیس مجرّد جعل اللفظ علامة علی المعنیٰ، بل هو عبارة عن جعل اللفظ مرآةَ تصوّرِ المعنی، ویکون حاکیاً عنه، وفانیاً فیه، وهذا ممّا لایمکن تحقّقه للّفظ الواحد مرّتین.
ومنهم : من ظنّ استحالته؛ بمعنی تقبیح العقل تعدّدَ المعنیٰ للفظ واحد، من غیر استحالته الاصطلاحیّة؛ لا ذاتاً، ولا وقوعاً؛ وهماً أنّ الغرض من الوضع لیس إلاّ تفهیم المعنیٰ بتوسّطه ودلالته علیه بنفسه، لا بمؤونة أمر آخر، وهذا لایمکن مع الاشتراک؛ للزوم الاتکال علی القرائن الحالیّة أو المقالیّة، فلو کان الواضع هو الله تعالیٰ، یلزم الامتناع الغیریّ والوقوعیّ، ولو کان حکیماً آخر یلزم قبحه العقلیّ الذی یجتنب عنه واضع اللغات. وما تعارف فی العصر المتأخّر؛ من إبطال هذه المقالة نقضاً ـ لوقوعه فی اللغات ـ غیر مرضیّ عندی، کما سیأتی.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 307 ومنهم : من یظهر منه وجوب وقوعه مریداً به الوجوب الغیریّ، لا الذاتیّ، مستدلاًّ: بأنّ المعانی غیر متناهیة، بخلاف الألفاظ، فنحتاج فی التفهیم إلیها مراراً.
ویمکن أن یقال : بأنّ المراد من «الوجوب» هو حسنه العقلیّ، لا الوجوب الذی هو أحد الموادّ الثلاث، وفی تقریره یقال: بأنّ الألفاظ مختلفة من جهة سهولة المخرج وصعوبته، ومتفاوتة ـ حسب الهیئة ـ فی الحسن والقبح، وفی الفصاحة وعدمها، فلو سدّ باب الاشتراک یلزم التراکیب المستهجنة والمقبحة، ولا داعی إلیها بعد إمکان التوسّل بالقرائن إلی المرادات من الألفاظ فی الاستعمالات.
ومنهم : وهم الأکثر، من اختاروا إمکانه بالمعنیین؛ أی إمکانه الوقوعیّ، وحسنه؛ لعدم تمامیّة الأدلّة المشار إلیها فی تعیین أحد الطرفین.
والذی هو الحقّ : أنّ إنکار الاشتراک مع تعدّد اللسان، غیر صحیح قطعاً؛ لأنّ اللغة الواحدة فی الألسنة المختلفة، ذات معانٍ کثیرة. ولایلزم ما قیل هنا.
وهکذا مع تعدّد الواضع، کما فی الأعلام الشخصیّة. ومثله الوضع العامّ، والموضوع له الخاصّ.
وهکذا إذا کان أحد المعنیین بالوضع التعیینیّ، والآخر بالوضع التعیّنی؛ ضرورة أنّ حصوله أمر قهریّ خارج عن الاختیار.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 308