العلامة الثانیة : صحّة الحمل
ومنها : صحّة الحمل المعبّر عنها : بـ «عدم صحّة السلب» أی نجد جواز الحمل. ولایشترط فی ذلک الحمل الشائع.
فإمکان الحمل، وعدم إمکان السلب، کافٍ فی ذلک؛ أی فی کونها علامة تشخیص الموضوع له، فإذن یسقط کونها علامة؛ للزوم استکشاف المعنی الموضوع له بدونها؛ حتّیٰ یمکن الحکم بإمکانه وعدم إمکانه.
وإن شئت قلت : بعد عدم إمکان دفع الدور فی التبادر، فلایمکن دفعه هنا، فلا علامة إلاّ إخبار المطلعین، أو الغور فی المحاورات والاستعمالات؛ واستکشاف معانی اللغات ابتداءً بالقرائن الخاصّة، کما لایخفیٰ.
هذا، وقد استشکل الوالد ـ مدّظلّه فی هذه العلامة وغیرها إلاّ التبادر: باستباق التبادر علیها، فلا تصل النوبة إلیها؛ وذلک لأنّ المعانی التصوّریة تخطر بالبال تفصیلاً، وهو معنیٰ «التبادر» فلا معنیٰ لإعمال الهیئة التصدیقیّة لکشف حال المحمول المشکوک. وتوهّم الغفلة والذهول عن التبادر، فی غیر محلّه؛ لأنّ من یرید استعلام حال الوضع لایکون غافلاً وذاهلاً. فما قیل: من الإجمال والتفصیل فی مسألة التبادر، لایأتی هنا؛ لأنّه إذا کان بصدد إقامة البرهان علی المعنی الموضوع له، فقهراً یتبادر من الموضوع إلیٰ ذهنه ما یتبادر من المحمول، ویکون عالماً بأنّ المحمول أعمّ من الموضوع، أو هو أخصّ، أو هو مساوٍ، أو یکون الحمل أوّلیاً، أو ثانویّاً، أو غیر ذلک.
أقول : إن کان ما هی العلامة والدلیل هو الحمل الشائع، نحو «الإنسان بشر»
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 194 أو «زید إنسان» حتّیٰ یستکشف منه المعنی الموضوع له تصدیقاً، بعد مسبوقیّة ذهنه بذلک إجمالاً وارتکازاً، فللغفلة عن خصوص ما به یستکشف الوضع ـ وهو التبادر ـ وجه ممکن؛ لأنّه وإن کان بصدد استعلام المعنی الموضوع له، ولکنّه یغفل عن خصوص الطریق؛ وهو التبادر، لا عن أصل الطریق وهو الحمل، وما هو غیر ممکن هو الغفلة عن جمیع الطرق، لا بعضٍ منها.
وإن کان ماهو الدلیل والعلامة إمکان الحمل، کما هو الظاهر، فلایعقل انکشاف المعنی بالحمل، بل ذلک یستکشف بالتبادر، وحیث إنّ التبادر أیضاً لیس علامة کما مرّ، فلایعقل إدراک صحّة الحمل وعدم صحّة السلب إلاّ بعد الاطلاع التامّ علیٰ خصوصیّات اللغات والمعانی، فافهم ولاتغفل.
ثمّ إنّ التحقیق یظهر فی علامیّة عدم صحّة الحمل وجواز السلب للمجازیّة؛ أی عدم کون المعنی المشکوک فیه هو الموضوع له، أو هو الداخل فی حدود الموضوع له؛ ضرورة أنّ الحکم بذلک لایمکن إلاّ باستکشاف المعنیٰ من غیر هذه الطریقة، فلاتصل النوبة إلیها. مع لزوم الدور أیضاً هنا وعدم جریان جوابه أیضاً، کما لایخفیٰ.
هذا، وأمّا إطالة البحث حول أقسام الحمل وتقسیماته الذاتیّة، ثمّ أقسام الحمل الشائع، وتفصیل البحث حول ما هو الدلیل، وما لیس بدلیل، فغیر صحیحة جدّاً؛ ضرورة أنّ الجهة المبحوث عنها کونه علامة بنحو الإجمال وفی موردٍ ما، أو کون الحمل الأوّلی الذاتیّ، علامةَ کشف أصل المعنی الموضوع له، والشائع الصناعیّ علامة حدوده وبسطه وضیقه، وأمّا سائر الموارد فهی خارجة، وإذا کان کاشفیّته الإجمالیّة ممنوعة، فلا تصل النوبة إلیٰ هذه الأقسام المسطورة فی الکتب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 195 المفصّلة، فلاحظ وتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 196