العلامة الثالثة : الاطراد
ومنها : الاطراد، ولعلّ المراد منه ما أشرنا إلیه: وهو أنّ المتعلّم إذا راجع أهل المحاورة، ولاحظ اللفظ مستعملاً فی الموارد المختلفة؛ من الاستعمالات
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 196 السلبیّة والإیجابیّة، وکان المستعملون یریدون منه المعنی الخاصّ، فإنّه عندئذٍ یحصل له کشف الموضوع له، وإذا کان ذلک کثیر الدور فی الکلمات ـ بحیث یریٰ عدم تقییدهم بالقیود الخاصّة؛ من العلائق الکلّیة، أو حسن الاستعمال ـ یجد المعنیٰ من الاطراد وشیوع الاستعمال. وهذا أحد الطریقین لفهم المعنی الموضوع له الذی مرّ الإیماء إلیه سابقاً، فالمقصود من «الاطراد» حسب الظاهر ذلک، فیکون من اللواحق للاستعمال، ولیس من قبیل التبادر، أو درک جواز الحمل، حتّیٰ یلزم الإشکال.
فهو بعد الغور فی الاُمم والأقوام، یحصل له بالقرائن غیر الکلامیّة أصل المعنیٰ، ثمّ بعد ما یجد شیوعه وعدم تقییدهم بأمر فی الاستعمال، یحصل له العلم بالموضوع له. وهذا هو الاجتهاد الذی صنعه أرباب اللغات؛ بالتقلّب فی القریٰ والقصبات.
وعلیه یعلم : أنّ عدم الاطراد دلیل عدم الوضع؛ لأنّه لو کان موضوعاً لکان مطرداً؛ للزوم الخلف. اللهمّ إلاّ أن یحتمل الاشتراک، فلایکون أمارة علیٰ عدم الوضع، کما لایخفیٰ.
فعلیٰ ما تقرّر یظهر : أنّ التقاریر الاُخر حوله لاتخلو من تأسّف، وکأنّهم ظنّوا أنّ الاطراد هو الشیوع بحسب استعمال المستعلم، أو تکرار اللغة فی الموارد المختلفة فرضاً، فهجموا علیه من کلّ جانب، ومنهم: الوالد المحقّق ـ مدّظلّه فقال:
«إنّ الاستعمال إن کان فی المصداق والفرد بخصوصیّته، فهو مجاز أو غلط.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 197 وإن کان بنحو التطبیق؛ وإطلاق الکلّی علی الفرد، فهو راجع إلیٰ علامیّة الحمل» انتهیٰ.
وأنت خبیر بما فیه؛ ضرورة أنّه راجع إلی العلم بالوضع قبله، فیلزم الدور، ولا یأتی جوابه، وقد عرفت معنی «الاطراد» فلا یتأتّیٰ إلیه الإشکال إلاّ لأجل القصور فی التقریر، مع أنّ الاستعمال أعمّ من الحمل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 198