مشاکل الاستصحاب التعلیقی
إذا تبیّنت هذه الاُمور یظهر لک: أنّه کما لا یصیر الوجوب المشروط بتحقّق شرطه فعلیّاً، لا یعتبر فی المستصحب أن یکون حکماً فعلیّاً، أو موضوعاً ذا حکم، کما ذکرنا ذلک مراراً، فالمستصحب قضیّة شرطیّة یتعبّد بها حال الشکّ؛ بمقتضیٰ أدلّة الاستصحاب وإطلاقها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 548 وما فی کلام الشیخ وغیره من جرّ البحث إلیٰ جعل السببیّة وأمثال ذلک، خروج عن البحث؛ لما عرفت فی بعض المقدّمات: من أنّ للشرع اعتبار أمر عدمیّ شرطاً فی القضیّة الشرطیّة، مع أنّه لا معنیٰ لسببیّته وتأثیره.
ولعمری، إنّ کثیراً من المقالات هنا ینقدح فسادها بالتدبّر فی الاُمور المذکورة.
ویظهر أیضاً: أنّ «الکفایة» وإن وصلت إلیٰ أصل المشکلة، ولکنّ جوابها بکفایة التعبّد بالحکم الإنشائیّ، فی غیر محلّه.
کما ظهر عدم اشتراط کون المستصحب حکماً فعلیّاً، أو قضیّة فعلیّة؛ لما عرفت: من أنّ الوجوب المشروط دائماً مشروط حتّیٰ فی صورة العلم بتحقّق الاستطاعة.
وقد ظهر: أنّ الحکم المشروط لیس له الفعلیّة، فقضیّة المراتب للحکم فاسدة من جهات کثیرة، ومنها هذه الجهة.
وما فی تقریرات العلاّمة النائینیّ یکشف عن عدم وصوله إلیٰ مغزی المسألة؛ لما عرفت فی بعض الاُمور: من أنّ منشأ الشکّ لیس احتمال النسخ هنا، کی یعارض بمقالة النراقیّ رحمه الله وقد مرّ فسادها بما لا مزید علیه، وما هو المنشأ اُمور اُخر إمّا خارجیّة، أو غیرها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 549 فتوهّم مثل ذلک من مشکلات جریان التعلیقیّ غلط، کما عرفت فی بعض الاُمور السابقة؛ لأنّه بحث آخر: وهو رجوع القیود إلی الموضوع وعدمه، فإنّه مضافاً إلیٰ فساده ـ وإن قال الشیخ رحمه الله بامتناع تقیید الهیئة کما تحرّر فی محلّهـ غیر صحیح أن یعدّ من مشکلات هذه المسألة المفروض تعلیقیّة الحکم فیها.
فالذی تحرّر: أنّ هذه المسألة لا تدور حول حدیث الموضوع والحکم، أو فعلیّة الحکم وعدمها، کی یناقش فیها.
المشکلة الثالثة : هی أنّه وإن کانت أرکان الاستصحاب محفوظة فی التعلیقیّ، وإنّما یطرأ الشکّ بعد الیقین بالخیار للبیّعین؛ لأجل تصرّف أحدهما مثلاً فیما انتقل إلیه، ولکنّ الاستصحاب مثبت؛ لأنّ مقتضی التعبّد بالقضیّة المعلّقة الاجتهادیّة ـ حسب الخبر الواصل ـ هو التعبّد بالحکم بعد تحقّق الشرط بالنسبة إلی الموضوع، وهذا ممّا لا بأس به بالنسبة إلی الأحکام الکلّیة.
وأمّا قضیّة أدلّة الاستصحاب المنطبقة علی الخارج، فهی التعبّد بالحکم علیٰ تقدیر الشرط المتعبّد به، فیلزم الوساطة بعد کون الموضوع محفوظاً فی حالتی الیقین والشکّ وجداناً. والتشبث بخفاء الواسطة غیر واقع فی محلّه.
وبعبارة اُخریٰ: القضیّة الشرطیّة ترجع إلیٰ أنّه علیٰ تقدیر الغلیان یکون ماء العنب حراماً، وما هو المجعول شرعاً لیست السببیّة کی یرجع التقدیریّ إلی التنجیزیّ، ولا الملازمة، بل هو الحرمة أو الوجوب علی التقدیر. والتعبد بالقضیّة الشرطیّة فی ظرف الشکّ، لا ینتهی إلی الأثر إلاّ بعد إحراز الشرط، فإذا اُحرز الشرط فیحکم بالحرمة أو الوجوب حسب الاستصحاب، فیکون ذلک من الأصل المثبت.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 550 وبعبارة اُخریٰ: ما هو محطّ جعل المولیٰ هو أمر کلّی، وما هو محطّ جریان الاستصحاب خارج عن جعله، وتابع للاستصحاب.
وفیه: أنّ الأصل المثبت حقیقته هی الحکم أو نفیه عن موضوع لأجل التعبّد بما تعلّق به الیقین، وهو غیر ذلک الموضوع، إلاّ أنّ التعبّد بوجود البیاض فی الجسم ینافی السواد فیه، فعندئذٍ یرفع حکم السواد أو یثبت حکم عدم السواد بإجراء التعبّد بالبیاض. وأمّا فی مثل المقام فما یتعبّد به هی القضیّة الشرطیّة التی هی شرطیّة دائماً، إلاّ أنّه دائماً یتنجّز الجزاء بإحراز الشرط؛ وهو الاستطاعة مثلاً أو غیرها، فلا واسطة فی البین.
مثلاً: کان زید إذا باع شیئاً لا یجب علیه الوفاء، فإذا شکّ فی ذلک ـ لأجل خصوصیّة طرأت علیه ـ یتعبّد بتلک القضیّة، إلاّ أنّ بیعه خارجاً یحرز وجداناً، ویحکم بعدم الوجوب حسب التعبّد بتلک القضیّة، لا باستصحاب خاصّ فی ناحیة الشرط أو الجزاء.
وهذا بعینه فی الاستصحابات المنجّزة؛ أی غیر المعلّقة، والفعلیّة، فإنّه باستصحاب بقاء الموضوع یحکم بوجوب الإکرام، إلاّ أنّه لا یجری بالنسبة إلی الحکم استصحاب خاصّ به، فافهم واغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 551