الجهة الاُولیٰ : فی حجّیتها
وقد مرّ وجه الإشکال من ناحیة سند الشیخ فی نسخة «التهذیبین» إلی الحسین بن سعید الأهوازیّ، وإذا ضمّ إلیه الإضمار، وخلوّ مثل «الکافی» و«الفقیه» منه، مع ما یأتی من بعض المناقضات فی متنه، یشکل الاعتماد، بعد عدم وجود الإطلاق لأدلّة حجّیة الخبر؛ حتّیٰ یجوز التفکیک فی الحجّیة والروایة، وبعد عدم تمسّک القدماء بمثلها لحجّیة الاستصحاب. ومجرّد کونه فی «العلل» مع أنّه لیس من الکتب المتواترة غیر کافٍ، وإلاّ فسند «العلل» فی أعلیٰ درجة عندنا وإن کان فیه إبراهیم بن هاشم، فتدبّر.
ثمّ إنّ أصحابنا الاُصولیّین خلطوا بین إشکالات ترد علیٰ تقریبها لحجّیة الاستصحاب، وبین بعض إشکالات ترد علیها موجبة لوهنها، ومستلزمة لسقوطها عن الاعتبار، أو الشکّ فیه الراجع إلیه أیضاً.
وینبغی أن یذکر بعض ما یتوجّه إلیها بحسب متنها من غیر ارتباطها بمسألة الاستصحاب، ثمّ البحث عمّا یرتبط بتقاریب الاستصحاب، وبعض المعضلات حول تلک التقاریب، وحول الروایة من هذه الجهة:
فنقول: إنّ هناک إشکالاً ومناقضةً؛ وهی أنّ مقتضیٰ قوله: «قلت: إن رأیته فی ثوبی وأنا فی الصلاة» إمّا المناقضة مع ما مرّ فی الصدر، أو المناقضة مع ما فی الشقّ المقارن له؛ لأنّه إن اُرید منه أنّه کان بعد ما رأیٰ فی ثوبه علیٰ علم من وقوعه فی الأجزاء السابقة، فلازمه جریان الاستصحاب إلیٰ حین الالتفات، ووجوب الغسل
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 340 فقط، دون الإعادة.
وإن کان علیٰ علم بوقوعه حین کونه فی الصلاة، فهو مثل الشقّ المقارن المحکوم بالغسل فقط، دونها.
وبتقریب ثانٍ: مقتضیٰ إیجاب الإعادة فی الفرض الأوّل دون ما مرّ فی الصدر، بطلان الصلاة إذا وقع بعض جزءٍ منها مع النجاسة، وصحّتها إذا کان مجموعها معها.
وبتقریب ثالث: مقتضیٰ إیجاب الإعادة عدم حجّیة الاستصحاب؛ بناءً علیٰ کون الصدر ظاهراً فیها علیٰ ما یأتی تفصیله فی الجهة الثانیة إن شاء الله تعالیٰ.
وإن کان لا یدری أنّ ما رآه من النجاسة فی الأثناء هو حادث حین الصلاة أو قبلها، فلا یتلائم وجوب الإعادة مع عدم إیجابه السابق والعلاج اللاحق.
فهذه الجملة إمّا منافیة للفقرة السابقة؛ ولحجّیة الاستصحاب الراجعة إلیٰ بطلان المأتیّ به من الأجزاء، أو للفقرة اللاحقة الملاصقة المشتملة علیٰ کیفیّة العلاج، کما ذکره الأصحاب فی کتبهم الفقهیّة والاُصولیّة.
وبتقریب رابع: إنّ جملة «لعلّه شیء اُوقع علیک» تسری إلی الفقرة الوسطی المذکورة فی صورة احتمال وقوعها فی الأثناء، ثمّ رؤیتها. فالروایة مضطربة ذیلاً، وهو موجب لاضطراب الصدر، الموجب لإجمالها، المنتهی إلیٰ ردّ علمها إلیٰ أهلها، من غیر جواز طرح الذیل کما فی کلام بعضهم؛ لأنّ بناء العقلاء قاصر، ولا إطلاق لأدلّة اعتبار الخبر الواحد رأساً بعد وجود الضمائم الاُخر الموهنة، فإنّ کلّ واحد منها ولو کان قابلاً للدفع، إلاّ أنّ المجموع یعضد بعضه بعضاً.
وبتقریب خامس: إنّ الغسل فی أثناء الصلاة علی الإطلاق غیر جائز
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 341 بالضرورة؛ لما یحتاج إلی المؤونة الزائدة المضرّة بها عرفاً واغتراساً، بل وفتویً. وحمل الروایة علی الغسل غیر المنافی حمل علی الفرد النادر؛ بدیهة أنّ فرض النجاسة، وفرضَ وجود الماء، مع فرض عدم لزوم الزیادة العمدیّة، کالقعود فی أثناء القراءة، مع عدم احتیاج النجاسة إلیٰ الدلک ـ وغیر ذلک من اللوازم لإزالة النجاسة ـ فرض نادر جدّاً.
وبتقریب سادس: إنّ جملة «رأیته رطباً» مقیّدةً بکلمة «رطباً» ـ بعد کون المفروض دم رعاف، أو منیّاً، أو دم غیر رعاف، کما هو الظاهر ـ اُخذت أمارة، بل هو الموجب للوثوق الشخصیّ غالباً بأنّه لیس حال الصلاة، ویکون حادثاً اُوقع علیه، وعندئذٍ لا معنیٰ لکلمة «لعلّه» ضرورة أنّ الرعاف من المصلّی غیر مغفول عنه، وهکذا المنیّ. مع أنّه یوجب الخلل فی الطهارة الحدثیّة علی فرض کونه منه.
وبالجملة: مقتضی الضمائر فی الروایة أنّه هو دم رعاف، ولا معنیٰ عندئذٍ لکلمة «لعلّه» بل وقوعه علیه معلوم أنّه من الخارج الحادث، ومن غیره حسب المتعارف، کما لا یخفیٰ. ولو کان من غیره فهو أیضاً أمر بعید خلاف المتعارف.
وبتقریب سابع: إنّ هذه الروایة غیر سالمة من جهة المعارضة للأخبار الاُخر فی کتاب الطهارة؛ وذلک من جهتین:
الجهة الاُولیٰ: من جهة ظهورها فی شرطیّة الطهارة المعلومة فی قبال ما یدلّ علیٰ خلافها، وقد تشبّث هناک الأعلام وهنا بعضهم لحلّ المشکلة بما لا یرجع
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 342 إلیٰ محصّل.
والجهة الثانیة: من جهة ذیلها، والأمر بمعالجة المشکلة المبتلیٰ بها المصلّی فی أثناء الصلاة، فإنّ فی الأخبار ـ کموثّقة ابن سرحان، وخبر عبدالله بن سِنانـ ما یدلّ علی الإتمام من غیر حاجة إلی الغسل، وموردهما الدم أیضاً، ومثلهما حسنة ابن مسلم فلیراجع، فالمسألة غیر نقیّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 343