التعرض لحدیث المیسور
وأمّا حدیث: «المیسور لا یسقط بالمعسور» فکما یحتمل أن یکون المراد میسور المأمور به، أو میسور الطبیعة، أو میسور الملاک والمصلحة، أو المیسور علی الإطلاق؛ حسب موارد المعسور بحسب عسر الأفراد، أو المرتبة الکاملة، أو المرکّب التامّ، یحتمل أن یکون کلمة «لا» إخباریّة بداعی الإنشاء، أو النهی، أو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 179 الجحد؛ أی المیسور فی الأزمنة والمستقبلة لا یسقط بالمعسور فی الزمان الماضی.
وکما یحتمل أن یکون تأسیساً بالنسبة إلی المیسور، فلا یشمل موارد لا نحتاج إلیه؛ لحکم العقل، کما فی مثل الأفراد والکلّی المعسور بعض أفراده، یحتمل أن یکون المنظور أنّ المیسور من موارد الأوامر الإلهیّة، لا یسقط بموارد العجز عن الطبیعة الاُخریٰ، فالقادر علی الصلاة دون الحجّ، لا یصحّ أن یحتجّ بعجزه عن الحجّ لترک الصلاة. ویحتمل أن یکون الفعل مجهولاً.
وعلیٰ کلّ تقدیر: لا وجه لاحتمال کونه إخباراً محضاً کما توهّم؛ ضرورة سقوط الأمر الأوّل بطروّ العجز، لأنّه متشخّص بمتعلّقه، وإلاّ فلا حاجة عندهم إلی الدلیل الثانویّ.
نعم، هو إخبار عن المطلوب الثانی الفانی فی المطلوب الأوّل، أو یقال: بأنّه إخبار وکاشف عن انحلال الأدلّة الأوّلیة عند العجز، کما أسّسناه، أو إخبار عن صحّة مقالة التقیّ النقیّ الشیرازیّ رحمه الله إلاّ أنّها باطلة عندنا قطعاً کما مرّ.
والأظهر: أنّها روایة صادرة بصدد إفادة أمر جدید فی الشریعة، فتکون تشریعاً وتأسیساً علیٰ خلاف متعارف العرف والعقلاء. والأشبه أنّها نفی بداعی النهی، وهو کنایة عن إفادة الأمر الثانی، أو أنّ المرتبة الناقصة مطلوبة، والمناقشات المذکورة فی الحدیث الأوّل تندفع بما ذکرناه.
ثمّ إنّها أولیٰ بالدلالة علیٰ أنّ میسور السبب فی باب الأسباب والمسبّبات، لا یسقط عن السببیّة بالمعسور، ومیسورَ الموضوع لا یسقط عن الموضوعیّة وهکذا، ومیسور المکلّف به والمطلوب لا یسقط عن المطلوبیّة والموضوعیّة للحکم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 180 التکلیفیّ الجدید، وهذا لا ینافی کونه متکفّلاً لإحداث الأمر الجدید، أو لاعتبار بقاء الأمر الأوّل فی الادعاء؛ نظراً إلیٰ أثره: وهو إتیان المکلّف وترتیب آثاره علیه، فحصر هذا فی الکلّی أو الأقلّ والأکثر الاستقلالیّین خلاف ظاهره، بل الأقلّ والأکثر الارتباطی هو القدر المتیقّن منه، ومقتضیٰ إطلاقه الأعمّ، فافهم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 181