المقام الأوّل فی حال أدلّة الاستصحاب مع أدلّة الأمارات
وملخّص الکلام فیها: أ نّا قد ذکرنا فی مبحث استصحاب مؤدّی الأمارات أنَّ المُستفاد من الأدلّة ـ ولو بمناسبة الحکم والموضوع وبعض المُؤیّدات الخارجیّة والداخلیّة ـ أ نَّه لاخصوصیّة للیقین، ویکون المُراد منها أ نَّه لا تنتقض الحُجّة بغیر الحُجّة.
لا بمعنیٰ أنَّ عنوان «الیقین» و «الشکّ» استعملا فی الحُجّة وغیر الحُجّة؛ فإنَّه واضح البطلان، بل هما مُستعملان فی معناهما، لکنّ العرف لا یریٰ لخصوصیّة العنوان دخالة فی الحکم، کما أنَّ فی قوله: «رجل شکّ بین الثلاث والأربع» لا یکون الرجل مُستعملاً فی مُطلق المُکلّف، بل العرف یُلغی خصوصیّة الرجل، ویریٰ أنَّ ذکره من باب المثال.
فحینئذٍ: یکون تقدّم أدلّة حُجّیة خبر الثقة علیٰ أدلّة الاستصحاب ـ بناءً علیٰ أخذها من الأدلّة اللّفظیة مثل مفهوم آیة النبأ، ومثل قوله: (ما یؤدّی عنّی فعنّی یؤدّی) ـ علی نحو الحکومة علی إشکال، ونتیجتها الورود؛ لأنَّ مفاد أدلّة حُجّیة الخبر ولو التزاماً إلغاء الشکّ؛ فإنَّ مفهوم الآیة بناءً علی المفهوم أنَّ نبأ العادل لا یتبیّن لکونه مُتبیّناً، ولیس العمل به إصابة للقوم بجهالة، وهو رافع للشکّ.
وأمّا لوقلنا: بأنَّ دلیل حُجّیة خبر الثقة لیس إلاّ بناء العُقلاء وسیرتهم علی العمل به، والأدلّة اللّفظیة کلّها إرشادات إلیهاـ کما هو التحقیق ـ فتقدّمها علی الاستصحاب یکون بالتخصّص أو الورود.
بل هذا فی الحقیقة لیس تقدّماً؛ لأنَّ الخروج الموضوعیّ لیس من التقدّم، لأنَّ العُقلاء لا یرون العمل بخبر الثقة عملاً بغیر الحُجّة، فلا یکون العمل علیٰ طبق الأمارة نقضاً للیقین بالشکّ لدیهم.
وإن اشتهیت أن تُسمّی هذا النحو من التقدّم وروداً ببعض المُناسبات فلا مشاحّة فیه، وممّا ذکرنا یظهر حال سائر الأمارات.