الأمر الأوّل: الاحتمالات التی فی الباب
إنَّه یُحتمل ـ بحسب التصوّر ومقام الثبوت ـ أن یکون الاستصحاب أصلاً عملیّاً کأصالة الحلّ والطهارة.
ویُحتمل أن یکون أصلاً شرعیّاً للتحفّظ علی الواقع، ویکون حُجّة علیه.
ویُحتمل أن یکون أمارة شرعیّة، کخبر الثقة بناءً علیٰ أن یکون اعتباره من قِبَل الشرع.
ویُحتمل أن یکون أمارة عُقلائیة، کخبر الثقة بناءً علیٰ کون اعتباره من جهة بناء العقلاء.
ویُحتمل أن یکون أصلاً عُقلائیّاً یکون بناء العُقلاء علی العمل به لا لأجل طریقیّته إلی الواقع، بل لحِکْمة دفع الحرج، کأصالة الصحّة بناءً علیٰ کونها من الاُصول العُقلائیّة التی شُرّعت عندهم لأجل حِکْمة دفع الحرج، لا لأجل الطریقیّة العُقلائیّة.
ویُحتمل أن یکون دلیلاً عقلیّاً من العقلیّات الغیر المُستقلّة؛ أی التی تنتهی إلی الحکم الشرعیّ لا بالاستقلال، بل بضمِّ مُقدِّمة شرعیّة، کالحکم بالمُلازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدّمته.
وأمّا احتمال کونه من العقلیّات المُستقلَّة فممنوع؛ لأ نّها هی القضایا العقلیة المُنتهیة إلی الحکم الشرعیّ بلا توسّط شیءٍ آخر وراء الحکم العقلیّ، کالحکم بأنَّ الظلم قبیح، وتجویزه علی الشارع قبیح، والقبیح محال علیه، فینتج: أنَّ الظلم حرام بحسب حکم الشرع.
ولا یخفیٰ: أنَّ الاستصحاب ـ بناءً علیٰ أخذه من العقل ـ لا یکون من العقلیّات المُستقلّة؛ لاحتیاجه إلیٰ خطاب شرعیّ یُجعل صغریٰ للکبری العقلیّة.
ثمّ اعلم: أنَّ القائل بأنَّ الاستصحاب أصلٌ عملیّ یمکن أن یأخذه من الأخبار وهو واضح، ویمکن أن یأخذه من بناء العُقلاء؛ لإمکان أن یکون اصلاً عُقلائیّاً بنیٰ
العُقلاء علی العمل به لمصالح، کدفع الحرج ورَغَد العیش.
اللهمَّ إلاّ أن نُنکر الأصل العُقلائیّ مُطلقاً ونقول: ما عند العُقلاء لا یکون إلاّ الطرق کما هو المعروف ولکنَّه غیر مُسلَّم.
والقائل بأ نَّه دلیل اجتهادیّ یمکن أن یأخذه من بناء العقلاء أو حُکم العقل ، ویمکن أن یأخذه من الأخبار؛ بادّعاء أنَّ مفادها هو اعتباره من حیث طریقیّته وکاشفیّته عن الواقع.
ومن بعض ما ذکرنا یظهر النظرُ فی بعض ما أفاده الشیخ الأنصاریّ فی هذا المقام فراجع.