[ حول إرادیّـة الإرادة]
فمنها ـ وهی أصعبها ـ : أنّ ا لإرادة ا لإنسانیّـة إن کانت واردة من ا لخارج بأسباب وعلل منتهیـة إ لی ا لإرادة ا لقدیمـة کانت واجبـة ا لتحقّق من غیر دخا لـة ا لعبد فی ذلک فیکون مضطرّاً وملجأً فی إرادتـه ، ولازمـه ا لاضطرار فی فعلـه ؛ لأنّ ما یکون علّتـه ا لتامّـة اضطراریّـة یکون هو أیضاً کذلک . وإن کانت إرادتـه بإرادتـه ننقل ا لکلام إ لیٰ إرادة إرادتـه ، فإمّا أن یتسلسل أو یلزم ا لاضطرار وا لجبر .
ولقد أجاب عنها أساطین ا لفلسفـة وأئمّـة ا لفنّ بما لایخلو عن ا لتکلّف وا لإشکال ، فتصدّی ا لسیّد ا لمحقّق ا لداماد ـ نضّر الله تربتـه- لجوابها : «بأنّ ا لإرادة حا لة شوقیّة اجما لیّة متأکدّة بحیث ما إذا قیست إ لیٰ نفس ا لفعل وکان هو ا لملتفت إ لیـه با للحاظ با لذات کانت هی شوقاً وإرادة با لقیاس إ لیـه ، وإذا ما قیست إ لیٰ إرادتـه وا لشوق
کتابالطلب و الارادهصفحه 47 ا لإجماعی إ لیـه وکان ا لملتفت إ لیـه با للحاظ با لذات تلک ا لإرادة وا لشوق لانفس ا لفعل کانت هی شوقاً وإرادة با لقیاس إ لی ا لإرادة من غیر شوق آخر مستأنف وإرادة اُخریٰ جدیدة وکذلک ا لأمر فی إرادة ا لإرادة ، وإرادة إرادة ا لإرادة إ لیٰ سائر ا لمراتب . فإذن کلٌّ من تلک ا لإرادات ا لمفصّلـة یکون با لإرادة والاختیار وهی بأسرها مضمّنةٌ فی تلک ا لحا لة ا لشوقیة ا لإجماعیّة ا لمعبّر عنها بإرادة ا لفعل واختیاره» . انتهیٰ کلامـه رفع مقامـه .
ثمّ حاول مقایسـة ا لإرادة فی ذلک با لعلم با لشیء تارةً ، وبا لعلم بذواتنا اُخریٰ ، وبا لنـیّـة فی ا لعبادة ثا لثةً ، وبا للزوم ولزوم ا للزوم رابعةً ، وبا لإرادة ا لمتعلّقة با لمسافـة ا لقابلـة للانقسام إ لیٰ غیر ا لنهایـة خامسةً ، ولک قیاسها با لإمکان فی ا لممکنات وا لوجوب فی ا لواجب وضرورة ا لقضایا ا لضروریّـة إ لیٰ غیرذلک .
وأنت خبیر بما فیـه وفی مقایساتـه فإنّ ا لإرادة بما أ نّها صفةٌ موجودةٌ حقیقیّة تحتاج إ لیٰ علّـة موجدة ؛ إمّا إرادة اُخریٰ أو شیء من خارج ، فیتسلسل أو یلزم ا لاضطرار وا لجبر . ولایمکن أن یقال : إنّ
کتابالطلب و الارادهصفحه 48 علّـة تحقّق ا لإرادة نفس ذاتها ، با لضرورة کما أنّ ا لعلم با لغیر أو بذواتنا لیس معلولاً لنفسـه بل لأمر آخر . نعم ، إذا لاحظنا علمنا بصورة ، یکون معلوماً بواسطـة هذا ا للحاظ وتنقطع ا للحاظات بترکها ، وکذا فی ا للزومات فإنّ ا للزوم أمر اعتباری إذا لوحظ طرفاً یعتبر لزوم آخر بینـه وبین ا لموضوع وتنقطع بانقطاع ا لاعتبار ، وأمّا ا لإرادة ا لمتعلّقـة با لشیء فلاتکون اعتباریّـة وتابعـة للحاظ .
وبا لجملـة : فقیاساتـه مع ا لفارق خصوصاً با لإرادة ا لمتعلّقـة با لمسافـة کما لایخفیٰ . وأمّا ا لقیاس با لنـیّـة فی ا لعبادة فغیر معلوم ا لوجـه ؛ فإنّ ا لنـیّـة فیها لاتلزم أن تکون منویّـة وإلاّ فیرد عین ا لإشکال فیها أیضاً ، ولایدفع بما ذکر . واتّضح بطلان قیاسنا با لإمکان وا لوجوب وا لضرورات أیضاً .
وبا لجملـة : ما أفاده لایغنی من ا لجواب عن ا لشبهـة .
وأشکل علیـه تلمیذه ا لأکبر رحمه الله بأنّ لنا أن نأخذ جمیع ا لإرادات بحیث لایشذّ عنها شیء ونطلب أنّ علّتها أیّ شیء هی فإن کانت إرادة اُخری لزم ا لجبر فی ا لإرادة .
أقول : هذا نظیر ما یقال فی ا لاستدلال علیٰ وجود غنیّ با لذات
کتابالطلب و الارادهصفحه 49 إنّـه لو فرض سلسلـة غیر متناهیـة فی ا لوجود یکون کلّ فرد فرد فیها فقیراً ممکناً لنا أن نحیط بعقلنا علی ا لسلسلـة إجمالاً ، فنقول : ا لسلسلـة ا لغیر ا لمتناهیـة من ا لفقراء لایمکن أن تدخل ولا فرد منها فی ا لوجود إلاّ بإفاضـة غنیّ با لذات ، وإلاّ فا لفقیر ا لفاقد للشیء لایمکن أن یکون معطیاً ومغنیاً ، فکلّ موجود دلّ علی ا لغنیّ با لذات ، فسدّ فقر ا لفقیر لایمکن إلاّ با لغنیِّ. وا لعجب أنّ ا لمحقّق ا لداماد کان متنـبّهاً علیٰ هذا ا لإشکال فی تقریره أصل ا لشبهـة ومع ذلک أجاب بما عرفت .
وأجاب ا لمحقّق ا لخراسانی رحمه الله عن أصل ا لشبهـة بأنّ ا لاختیار وإن لم یکن با لاختیار إلاّ أنّ بعض مبادیـه غا لباً یکون با لاختیار للتمکّن من عدمـه با لتأمّل فیما یترتّب علیٰ ما عزم علیـه من تبعـة ا لعقوبـة وا للوم وا لمذمّـة .
وفیـه : أنّ ا لفعل ا لاختیاری علی ا لفرض ما کان مبادیـه با لاختیار ، فحینئذٍ ننقل ا لکلام إ لیٰ تلک ا لمبادی ا لتی ادّعی أ نّها با لاختیار هل تکون ا لإرادة ا لمتعلّقـة بها با لإرادة واختیارها با لاختیار فیتسلسل أو یلزم ا لمحذور .
کتابالطلب و الارادهصفحه 50 وبما ذکرنا یظهر ا لجواب عمّا ذکره شیخنا ا لعلاّمـة ـ أعلی الله مقامـه من أنّ ا لإرادة قد تـتحقّق لمصلحـة فی نفسها ؛ لأ نّا نریٰ با لوجدان إمکان أن یقصد ا لإنسان ا لبقاء فی مکان عشرة أیّام ویکون ا لأثر مترتّباً علی ا لقصد لا علی ا لبقاء ، فإنّـه بذلک لاتنحسم مادّة ا لإشکال ، فإنّا ننقل ا لکلام إ لیٰ إرادة ا لإرادة هل هی إرادیّـة أو لا ، فیتسلسل أو عاد ا لمحذور ، مضافاً إ لیٰ امتناع تعلّق ا لإرادة با لبقاء من غیر مصلحـة فیـه ، وفی ا لمثال لامحیص إلاّ من تعلّق رجحان ولو با لعرض وا لواسطـة با لبقاء وإلاّ فتعلّق ا لإرادة بـه بلاترجیح واصطفاء ممّا لایعقل .
وقد یقال : إنّ إرادیّـة ا لفعل با لإرادة لکن إرادیّـة ا لإرادة بنفسها لا بإرادة اُخریٰ کموجودیّـة ا لوجود ومنوّریّـة ا لنور ، وفیـه : أنّ ذلک خلط بین ا لجهات ا لتقیـیدیّـة وا لتعلیلیّـة ؛ فإنّ معنیٰ موجودیّـة ا لوجود بذاتـه أ نّـه لایحتاج فی صدق ا لمشتقّ علیـه إ لیٰ حیثیّـة تقیـیدیّـة وإن احتاج إ لیٰ حیثیّـة تعلیلیّـة إذا کان ممکناً ، وبهذا ا لمعنیٰ لوفرض کونها مرادة بذاتها لاتستغنی عن ا لعلّـة ،
کتابالطلب و الارادهصفحه 51 وا لإشکال فی أنّ علّتها هل هی إرادة اُخریٰ منـه أو أمر من خارج؟ وأسدّ ما قیل فی ا لمقام هو ما أجاب عنـه بعض ا لأکابر وإنّی کنت معتمداً علیـه سابقاً ، وبیانـه بتوضیح منّا : أنّ ا لإرادة بما هی من ا لصفات ا لحقیقیّـة ذات ا لإضافـة ، وزانها وزان سائر ا لصفات ا لکذائیـة ، فکما أنّ ا لمعلوم ما تعلّق بـه ا لعلم لا ما تعلّق بعلمـه ا لعلم ، وا لمحبوب ما تعلّق بـه ا لحبّ لا ما تعلّق بحبّـه ا لحبّ وهکذا ، کذلک ا لمراد ما تعلّق بـه ا لإرادة لا ما تعلّق بإرادتـه ا لإرادة ، وا لمختار من یکون فعلـه بإرادتـه واختیاره لا إرادتُـه واختیارُه ، وا لقادر من یکون بحیث إذا أراد ا لفعل صدر عنـه وإلاّ فلا ، لا من یکون إذا أراد إرادة ا لفعل فعل ، ولو توقّف ا لفعل ا لإرادی علیٰ کون ا لإرادة ا لمتعلّقـة بـه متعلّقـة للإرادة لزم أن لایوجد فعل إرادی قطّ حتّیٰ ما صدر عن ا لواجب .
إن قلت : هذا مجرّد اصطلاح لایدفع بـه ا لإشکال من عدم صحّـة ا لعقوبـة علی ا لفعل ا لإلجائی الاضطراری ، فإنّ مبدأ ا لفعل وهو ا لإرادة إذا لم یکن إرادیّاً اختیاریّاً یکون ا لفعل اضطراریّاً ومعـه لاتصحّ ا لعقوبـة .
قلت : هاهنا مقامان ؛ أحدهما : تشخیص ا لفعل ا لإرادی من
کتابالطلب و الارادهصفحه 52 الاضطراری وثانیهما : تشخیص مناط صحّـة ا لعقوبـة عند ا لعقلاء .
أمّا ا لمقام ا لأوّل ، فلا إشکال فی أنّ مناط إرادیّـة ا لفعل فی جمیع ا لأفعال ا لإرادیّـة ا لصادرة من ا لفاعل واجباً کان أو ممکناً فی مقابل الاضطراری ا لإلجائی هو تعلّق ا لإرادة بـه لا بإرادتـه ، والاضطراری کحرکـة ا لمرتعش ما لاتـتعلّق بـه ا لإرادة ، فهذا تمام مناط ا لإرادیّـة لا غیر ، کما أنّ تمام مناط ا لمعلومیّـة هو کون ا لشیء متعلّقاً للعلم لا مبادیـه ولا ا لعلم ا لمتعلّق بـه .
وأمّا ا لمقام ا لثانی ، فلاریب فی أنّ ا لعقلاء من کلّ ملّـة یفرّقون بین ا لحرکـة ا لارتعاشیّـة وا لإرادیّـة فی صحّـة ا لعقوبـة علی ا لثانیـة دون الاُولیٰ ولیس ذلک إلاّ لحکمهم کافّـة علی أنّ ا لفعل ا لاختیاری صادر عن إرادتـه واختیاره من دون إ لجاء واضطرار وإجبار ، وهذه ا لشبهات فی نظر ا لعقلاء سوفسطائیـة وفی مقابل ا لبدیهـة .
کتابالطلب و الارادهصفحه 53