مقتضی القواعد فی المسألة
إذا عرفت ذلک فلابدّ من الـنظر إلـیٰ قضیّـة الـقواعد أوّلاً، ثمّ الـنظر إلـیٰ مقتضی الآثار ثانیاً، ولاشبهـة فی أنّ صوم شهر رمضان فی مقام الـجعل والـتشریع، ملوّن بلون، قبال صوم الـکفّارة، والـنذر،وغیرهما، وإلاّ فلایعقل تأسیس الإیجاب الآخر، کما عرفت مراراً.
وأیضاً: لاشبهـة فی أنّ الـقیود الـمأخوذة سواء کانت من الـقیود الـذهنیّـة، أو الـخارجیّـة، لابدّ من تحصیلها، إلاّ إذا اُحرز أنّها لـیست دخیلـة فی الـمصلحـة، بل أخذت لأجل امتناع تعلّق الإرادة بمطلقها کما تحرّر؛ وذلک لأنّ قضیّـة مقام الإثبات کونها دخیلـة فی الـملاک، فلابدّ من إتیانها، فلا وجـه للتمسّک بالـبراءة عن قیدیّتها.
فعلیٰ هذا، لـیس الـواجب حسب الـقواعد فی شهر رمضان، مطلق الـصوم مع الـقربـة، حتّیٰ یتحقّق امتثال أمره بامتثال أمر سائر أقسام الـصیام الـمتنوّعـة بالـفصول الـخاصّـة، کصوم الـنذر، والـکفّارة، وهکذا صوم الـندب والـنافلـة، بل لابدّ من تحصیل الـقید الـمزبور بلحاظـه ذهناً، مثل قید الـصومیّـة. اللهمَّ إلاّ أن یدّعیٰ: أنّ الأدلّـة الـخاصّـة تورث عدم دخالـة
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 88 الـقید الـمزبور، وسنشیر إلـیها.
إذا تبیّن ذلک فإن قلنا: بأنّ صوم غیر رمضان یصحّ فی رمضان، ویقع لا عن رمضان، فلاتنتهی الـنوبـة إلـی الـبحث عن وقوعـه عن رمضان وعدمـه، إلاّ بدعوی اقتضاء الأدلّـة ذلک خلافاً للقاعدة.
وإن قلنا: بأنّ الـصوم فی رمضان یقع عن رمضان؛ مستحبّاً کان، أو واجباً، فلاتصل الـنوبـة إلـی الـبحث عن اعتبار الـنیّـة؛ لأنّـه لا معنیٰ لاعتبارها بعد وقوع کلّ صوم فی رمضان عن صوم رمضان، ویجزئ عنـه.
نعم إن قلنا: بأنّ نیّـة الـغیر منهیّ عنها تکلیفاً ومحرّمـة، ولکنّها لاتضرّ بصحّـة الـصوم، بل هی تؤکّد صحّتـه، فعند ذلک لابدّ من الـبحث عن دلیل هذه الـحرمـة. وممّا ذکرناه فی هذا الـمقام یظهر مواضع الـنظر فی کلمات الأصحاب، مع تأبّیهم عن الـورود فی حقیقـة الـبحث بأطرافـه وجهاتـه، فلیتدبّر جدّاً.
کتابتحریرات فی الفقه: کتاب الصومصفحه 89