إشکال ودفع
لا إشکال فی عدم حصول الأثر المتوقّع من البیع بمجرّد الإیجاب قبل القبول، وهذا واضح، إلاّ أنّ الشیخ قدس سره ذکر : أنّ الأثر وإن کان مترتّباً علی الإیجاب والقبول معاً، لکنّ المکلّف باعتقاده یریٰ حصول الأثر بإیجابه المجرّد، وهذا من قبیل الإیجاب والوجوب، لا الکسر والانکسار؛ أی کما أنّ الإیجاب قد یتخلّف عن الوجوب، مثلما إذا لم یلتفت الآمر إلی عدم أهلیّته للأمر، فإنّه یحصل منه الإیجاب، ولا یتحقّق فی الخارج الوجوب، کذلک یتخلّف ما هو معتقد للموجِب فی المقام ـ وهو حصول الأثر بالإیجاب فقط ـ عمّا هو معتبر عند الشارع، وهو حصوله به وبالقبول معاً.
ولایخفیٰ عدم تمامیّة ما ذکره رحمه الله، فإنّه لو أراد من أنّ المکلّف یریٰ حصول الأثر بمجرّد الإیجاب؛ ذلک إذا لم یلتفت المکلّف إلی اشتراط القبول فی حصول الأثر، فهذا نادرٌ جدّاً.
ولو أراد منه مع الالتفات فلا واقعیّة لذلک، فإنّ الملتفت لعدم حصول الأثر إلاّ بالقبول، کیف یعتقد حصوله بمجرّد ایجابه؟! بل لا یعتقد إلاّ ما هو الواقع، وهو الحصول بالقبول.
وإذا کان الأمر کذلک یظهر إشکال : وهو أنّ المعتقد لعدم حصول الأثر بفعله، کیف یحصل الجدّ منه فی ذلک؟! أی کیف یُنشئ الموجب الملکیّة جدّاً مع علمه بتوقّفها علیٰ قبول الآخر؟! ونظیر ذلک فی تکلیف العصاة والکفّار مع العلم بعدم الامتثال؛ من أنّه کیف یأمر الشارع المذکورین جدّاً؟! وکیف یرید منهم الفعل کذلک
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 21 مع علمه بعدم حصول الداعی لهم للامتثال؟! ومآل هذا الإشکال عدم تحقّق الإرادة الجدّیّة من العالم بعدم حصول مراده فی الخارج، أو توقّفه علیٰ شیء غیر اختیاریّ له، وهذا الإشکال سارٍ فی جمیع أبواب العقود، وفی الفضولیّ، حتیٰ بالنسبة إلی القبول.
وأمّا الدفع : فإنّ الفعل فی المقام ـ وهو الإنشاء ـ لیس سبباً لتحقّق الأثر، وهو الملک فی الخارج، فإنّ الملکیّة أمر اعتباریّ لابدّ من أن یعتبرها العقلاء ولو بالارتکاز العقلائیّ؛ بحیث لو عرض علیهم الفعل لاعتبروا ذلک الأثر، ولا یمکن أن یکون فعل أحد سبباً لاعتبار العقلاء، فإنّ الاعتبار أمر تکوینیّ قائم بالنفس مسبوق بمبادئه الخاصّة؛ بلا دخل لفعل أحد فیه، کما أنّه لیس الفعل آلة لذلک؛ بحیث یکون الفاعل فاعلاً مباشریّاً لکن بالآلة بعین البیان المتقدّم، فإنّه لا یمکن أن یکون أحد فاعلاً لاعتبار العقلاء مباشرة، فإنّ الاعتبار ینشأ من مبادئه الخاصّة کما مرّ، بل الفعل موضوع للاعتبار، وأنّ العقلاء بعد تحقّق ذلک الفعل یعتبرون ذلک الأثر.
وعلیه یندفع الإشکال؛ فإنّ الموجب وإن کان معتقداً لعدم اعتبار العقلاء الأثر إلاّ بالقبول، لکن حیث إنّه یریٰ دَخْل فعله فی موضوع الاعتبار یحصل الجدّ منه، وینشئ المفهوم بالإرادة الجدّیّة، بل لو فرضنا أنّ الفعل سبب أو آلة لتحقّق الأثر، إلاّ أنّ الإیجاب لیس سبباً تامّاً أو آلة تامّة، بل هو جزء السبب أو جزء الآلة، والإرادة الجدّیة بهذا المقدار حاصلة یقیناً.
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 22