التنبیه الثانی فی اعتبار الإنشاء فی الإجازة
هل یشترط فی الإجازة الإنشاء؛ حتّی یبحث عن اعتبار اللفظ وعدمه فیه، واعتبار الصراحة وعدمها فی اللفظ، أو لا؟ وعلی هذا هل یعتبر إبراز الرضا فی صحّة العقد، أو یکفی مجرّد الرضا الباطنی فیها؟
قد مرّ سابقاً البحث عن جمیع ذلک مستقصیً ، وقلنا: بأنّ مقتضی القواعد لزوم الوفاء بالعقد المرتبط بالمالک نحو ارتباط، کصدوره منه، أو مسبوقاً برضاه، أو مقارناً له، أو متأخّراً عنه، ولا دلیل علی اعتبار الإبراز، فضلاً عن الإنشاء، فضلاً عن اعتبار اللفظ فی الإنشاء، فضلاً عن اعتبار الصراحة فی اللفظ.
وفیبعض ما استدلّ به علی نفوذالعقد الفضولی ـ کصحیحة الحذّاء ـ وبعض ما ذکره الماتن فی المقام، توجد کلمة «الرضا» أیضاً، وهذه تدلّ علی عدم اعتبار أزید من الرضا فی تصحیح العقد، ومن ذلک الآیة الکریمة «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ».
ومن الغریب عدم استشهاد المصنّف قدس سره بصحیحة الحذّاء فی المقام، واستشهاده بروایات قابلة للمناقشة، مع أنّه قدس سره تمسّک بها فی تصحیح الفضولی والقول بالکشف فیه. وکیف کان، مقتضی القواعد والأدلّة الخاصّة، عدم اعتبار
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 545 أزید من الرضا الباطنی فی نفوذ العقد مقدّماً علیه أو مقارناً له أو متأخّراً عنه، بل لاینبغی الإشکال فیه. نعم، یمکن أن یقال بأنّ الإجماع قائم علی اعتبار الإبراز والإظهار فی الإجازة، لکن دون إثباته ـ کما ذکره المصنّف قدس سره ـ خرْط القتاد.
ومن اعتبر الإنشاء فی الإجازة : إمّا أن یقول به من جهة أنّه یری أنّ العقود مفاهیم إنشائیّة، والعقد الفضولی لایتمّ إلاّ بالإجازة، فالإجازة متمّمة للعقد، فتحتاج إلی الإنشاء نظیر القبول، فإنّ العقد لایتمّ إلاّ به، وبما أنّ العقد محتاج إلی الإنشاء، فلابدّ من اعتبار الإنشاء فی القبول.
والجواب عن ذلک ظاهر، فإنّا لا نری دَخْل القبول فی حقیقة العقد، فضلاً عن الإجازة، بل العقد لیس إلاّ نفس الإنشاء الحاصل بفعل الموجب خاصّة، واعتبار القبول شرطاً أو شطراً إنّما هو فی ترتّب الآثار، لا فی حقیقة العقد، ولو قلنا بدَخْله فی العقد فلا مجال للقول بدخل الإجازة فیه، فإنّ الإجازة إنفاذ العقد وإمضاؤه، فلابدّ من خروجه عن حقیقته، فهذا البیان لایثبت اعتبار الإنشاء فی الإجازة.
وإمّا أن یقول به من جهة اعتباره استناد العقد إلی الملاّک فی إنفاذ العقد؛ بحیث یکون العقد عقدهم ولو تسبیباً، وهذا المعنی لایمکن إلاّ بإنشاء الإجازة من المالک.
ففیه ما تقدّم أیضاً : من عدم اعتبار هذا النحو من الاستناد فی العقد، بل لایعقل، فإنّ العقد الصادر من الغیر ـ بالمعنی المصدری ـ والحاصل منه لا ینقلب عمّا وقع علیه، فکیف یُعقل استناده إلی المالک بحیث یکون عقده حقیقة؟! هذا مع أنّ عقد الوکیل والمأذون والولیّ والوصیّ مشمول لدلیل الوفاء جزماً، مع أنّه لیس عقداً للموکّل والآذن والمولّی علیه والموصی، وهذا ظاهر، بل لو قلنا باعتبار القبول فی حقیقة العقد، فالعقد الحاصل بین الأصیلین أیضاً غیر مشمول لدلیل الوفاء علی هذا المبنی، فإنّ العقد ـ وهو المجموع من الإیجاب والقبول ـ غیر مستند؛ لا إلی
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 546 الموجب، ولا إلی القابل؛ بحیث یکون العقد عقد الموجب أو القابل، والمستند إلی الأوّل حقیقة هو الإیجاب، وإلی الثانی القبول، ولو سُلّم الاستناد فی العقد الحاصل بین الأصیلین، لکن عدم صحّة الاستناد الحقیقی بالنسبة إلی ما مرّ من الأمثلة، لعلّه من الواضحات. ولو اُدّعی الاستناد المجازی فیها، فلازمه عدم إمکان التمسّک بالأدلّة العامة فی هذه الموارد، فإنّ أصالة الحقیقة فیها موجبة لعدم شمولها لموارد المجاز والادّعاء، مع أنّ الادّعاء فی المقام ممتنع، فإنّ حقیقة الإجازة إمضاء ما فعله غیر المجیز، فأین دعوی أنّ فعل الفضولی فعل المجیز؟! وأین هذا التنزیل؛ حتّی یقال بانطباق العموم علی موضوعه الادّعائی؟!
کتابالبیع: تقریر لما افاده الامام الخمینی (س)صفحه 547