بیان:
أقول: عبّر صلّی الله علیه وآله عن الحقیقة العقلیّة الّتی لکل شیء فی عالم العقل وعقل الکلّ بالاسم، وهو الاسم الإلهی الذی یدبّر کلّ موجود یکون تحت حیطته، وعن تطوّرها بکسوة الحقائق الّتی تحتها حین تنزّلها بالستر، وعن ظهور المادّة العقلیّه الّتی هی النفس النطقیّة من حیث بَدو ظهورها عقلاً هیولانیّاً بالکشف حین التولّد، وعن البلوغ إلی العقل بالملکة بالبلوغ الذی للرجال وهو الخروج عن المُنی ـ بالضّم ـ کما أنَّ بلوغ الصبیان بخروج المَنی ـ بالفتح ـ وعن إدراک الحقائق واستفادتها من الجوهر العقلی المفیض وهو مرتبة العقل المُستفاد بوقوع النور فی القلب، وعن مرتبة العقل بالفعل وصیرورة النفس عقلاً محضاً بقوله: فیفهم الفریضة والسُّنة وغیرهما.
ویمکن أن یکون کشف الستر أوان البلوغ إشارة إلی ما ذهب بعضٌ من أنَّ النفس الناطقة إنّما تفیض للمُستعدّ لها حینما بلغ مبلغ الرّجال لا لکل أحد.
وبالجملة: فی هذا الخبر من حُسن التعبیر من وحدة العقل مع تکثّر أطواره، واشتماله علی جمیع الحقائق الوجودیّة اشتمالاً جملیّاً عقلیاً خارجاً عن فهم الجماهیر ومن التعبیر بالوجه والرأس وکتابة الاسم ووجود الستر ما یبهر العقول ویعجز الفحول.
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 93
ولنعرض صفحاً عن ذکر ما فیه من الأسرار، ونجعلها تحت الأستار، عسی الله أن یکشفها للبلّغ الأحرار.
وأمّا العقلی: فلما تقرّر عندنا بفضل الله ، وعند أفاضل القدماء وشرذمة من المُتأخّرین وقلیل من الآخرین من أکابر أهل الله المُحقّقین، بالبراهین القاطعة الّتی لا یحوم حول حریمها شبهة، أنَّ العقل بل کلّ بسیط عقلی فهو مع وحدته البسیطة وبساطته الحقیقیّة کلّ الأشیاء العقلیّة الّتی دونه بنحو جُملی واشتمال عقلیّ لا یعرفه إلاّ الراسخون، وسیجیء البرهان الذی هدانا الله إلیه فی محلّه. وفی کلام العرفاء إیماءات إلی ذلک وإشارات، سیّما مُعلّم الحکمة تصریحات إلیه وتلویحات.
منها: ما قال المیمر العاشر من کتاب «اثولوجیا فی معرفة الربوبیّة» بهذه العبارة: ونقول: إنَّ فی العقل الأوّل جمیع الأشیاء وذلک لأنّ الفاعل الأوّل أوّل فعل فعله هو العقل، فعله ذا صور کثیرة، وجعل فی کل صورة منها جمیع الأشیاء الّتی تلائم تلک الصورة، وإنما فعل تلک الصورة وحالاتها معاً لا شیئاً بعد شیء، بل کلّها معاً دفعة واحدة انتهی.
أقول: وهذا الکلام ممّا یلیق به أن یکون شرحاً لبعض ما فی حدیث خیر الأنام.
ومنها: ما قال فی المیمر الثامن من هذا الکتاب بعد کلام فی ذکر أنَّ الشیء لکون واحداً ولا واحداً، إلی أن قال: وکذلک العقل واحد وهو کثیر، ولیس هو کثیراً کالجثة، بل هو کثیر بأنَّ فیه کلمة تقوی علی أن
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 94
تفعل أشیاء کثیرة وهو ذو شکل واحد، غیر أنَّ شکله شکل عقلی، والعقل إنَّما یکون محدوداً بشکله، ومن ذلک الشکل تنبعث جمیع الأشکال الباطنة والظاهرة.
ومنها: ما قال فی المیمر الثانی: وإنَّما صار العقل إذا ألقی بصره علی ذاته وعلی الأشیاء لایتحرک ؛ لأنَّ فیه جمیع الأشیاء وهو شیء واحد کما قلنا مراراً انتهت کلماته الشریفة.
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 95
کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 96