فذلکة الکلام فی المقام
الأوّل : أنّ النواهی المتعلّقة بذوات المعاملات وأجزائها وشرائطها والنواهی المتعلّقة بذوات العبادات وأجزائها وشرائطها کلّها محمولة علی الإرشاد.
الثانی : أنّ ما توهّمه القوم من تعلّق النهی تارة: بذات العبادة، واُخریٰ: بخصوصیّاتها، لایرجع إلیٰ محصّل.
الثالث : أنّ الأوامر مثلها فی أنّها إرشاد إلی الجزئیّة والشرطیّة، سواء تعلّق بذوات المعاملة، أو خصوصیّاتها. نعم، إذا تعلّق بذوات العبادات کالصلاة ونحوها یکون نفسیّاً مولویّاً غیر إرشادیّ وأمّا بالنسبة إلی الخصوصیّات فهی أیضاً إرشادیّة حسب البناءات العقلائیّة وبناء الفقهاء قدیماً وحدیثاً.
الرابع : أنّ منشأ ذلک لیس احتمال الوضع الآخر لصیغة النهی تعییناً أو تعیّناً،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 306 ولا احتمال کون الجملة والمرکّب ذات وضع علیٰ حِدة تعییناً أو تعیّناً، ولا احتمال کون الشرع مخصوصاً بذلک دون العرف؛ فیکون فی الشرع قرینة خاصّة به، بل هذا الحمل عامّ ومشترک فیه الشرع والعرف، والمنشأ أمر واحد اُشیر إلیه، مع اختصاص المعاملات بجهة اُخریٰ: وهی أنّ مبنی المعاملات علی السبب والمسبّب، وما کان أمره ذلک یکون علّة لصرف الهیئات إلیٰ إسقاط سببیّة السبب عن التأثیر، أو عن الموضوعیّة لحکم العقلاء بالنقل والانتقال.
الخامس : لافرق بین أن یتعلّق النهی بالسبب بما هو سبب، أو المسبّب العقلائیّ؛ وهو الحکم بالنقل والانتقال، أو مسبّب المسبّب الذی هو حکم العقلاء والشرع بجواز التصرّف فیما ملکه بالسبب المزبور، أو التسبّب، کالتوصّل إلی الظهار لإحداث الفراق، أو التسبّب بالسبب العقلائیّ لأجل حلّیة التصرّف فیما یملکه حسب بناء العقلاء.
مثلاً تارة : یتعلّق النهی بالعقد الربویّ بما أنّه سبب النقل والانتقال.
واُخریٰ : یتعلّق بالحکم المتأخّر عنه، وهو الحکم بحصول النقل والانتقال. وکیفیّة تعلّقه به یحتاج إلیٰ مؤونة، کما هو المعلوم.
وثالثة : یتعلّق بالتصرّف فیما انتقل إلیه بالربا.
ورابعة : یتعلّق بالتوصّل إلی الربا لحلّیة الزیادة وتملّکها.
وخامسة : یتعلّق بالتوصّل إلیٰ حکم العقلاء بالنقل والانتقال بإیجاد سببه؛ وهو البیع الإنشائیّ، أو موضوع الحکم العقلائیّ.
فإنّه فی الکلّ بما أنّه یرجع إلی المعاملة بجهة من الجهات، یکون ظاهراً فی الإرشاد إلیٰ قطع السببیّة شرعاً؛ وإن کان سبباً فی محیط العقلاء والعرف.
وهناک نهی یتعلّق بذات السبب؛ وهو التلفّظ بألفاظ الإیجاب والقبول، فإنّه لا
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 307 منع من حمله علی التکلیفیّ والتحریمیّ المولویّ؛ لأنّه فی الحقیقة خارج عن حدود المعاملة، ویکون مثل النهی المتعلّق بالکذب والسبّ.
ونهی آخر یتعلّق بالتصرّف فیما انتقل إلیه من غیر النظر إلی المعاملة مثلاً، کما ربّما یقال: إنّ ما قومر علیه مورد النهی من غیر النظر إلی المعاملة، بل یکون عنوان «ما قومر علیه» مشیراً إلی ما فی الخارج ، ویکون فی موقف تحریمه کتحریم الخمر، فإنّه أیضاً غیر محمول علی الإرشاد، وغیر متعلّق بالمعاملة، فلایکون تخصیصاً فی الأصل الثانویّ کما هو الظاهر.
السادس : ومن هنا تبیّن أنّ التقسیم الثنائیّ المحکیّ عن الشیخ، والثلاثیَّ الموجود فی «الکفایة» غیر محصور، بل ازدادت الأقسام والتصوّرات إلی الخمسة فی اعتبار، وإلی السبعة فی اعتبار آخر کما عرفت.
السابع : قد تبیّن أنّ المنع المبرز من ناحیة الشرع فی هذه المواقف، محمول علی المنع الوضعیّ، من غیر فرق بین أن یقال: «لاتبع غرریّاً» أو یقال: «أنهاکم عن البیع الغرریّ» أو یقال: «اُحرّم علیکم البیع الغرریّ» أو یقال بصیغة الماضی وغیرها؛ فإنّ وجه حمل الصیغة علی الإرشاد، لیس إلاّ لأجل اقتضاء الموضوع.
وعلیه لا فرق بین الأنحاء المذکورة وإن کان فی بعض الصور بعض المناقشات، کما إذا تعلّق النهی بشکل تحریم التصرّف فیما انتقل إلیه، کما إذا ورد : «إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرّم ثمنه» أو یقال: «اُجرة الزانیّة سحت» و «ثمن
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 308 العذرة والکلب سحت»، فإنّ الظاهر منه هوالتحریم الزائد علیٰ تحریم التصرّف فیمال الغیر، فیکون هناک تحریم نفسیّ، ولا یکون إرشاداً إلیٰ فساد البیع والإجارة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 309