حلّ الشبهات الثلاثة السابقة
إذا تبیّن ذلک ومواقف المناقشة، فیمکن حلّها: بأنّ البحث فی العبادات والمعاملات، وفی خصوص النهی، وفی خصوص الصحّة والفساد، یغنی عن سائر الموضوعات الاُخر التی یمکن أن یکون للنهی هناک استتباع الوضع وعدم الإجزاء، ویلتحق بالجهة المبحوث عنها غیرها ممّا یسانخها.
وبعبارة اُخریٰ : البحث هنا ـ بعد الفراغ عن أنّ النهی حسب الأصل المحرّر الأوّلی، لیس إلاّ للزجر عن الطبیعة الملازم عرفاً للتحریم التکلیفیّ فی أنّه هل یکون هناک أصل آخر علیٰ أنّ النهی یستتبع أمراً وضعیّاً وجهة وضعیّة؛ وهی الفساد وعدم الإجزاء ، أم لا؟
أو أنّ النهی یقتضی أو یدلّ علیٰ أنّ المنهیّ عنه غیر کافٍ ، أم لا؟
أو هل یستکشف به عدم صحّة الاکتفاء والاجتزاء بالمنهیّ عنه عن الموضوع الذی لم یتعلّق به النهی عبادةً کانت أو معاملة أو غیرهما ممّا یمکن أن یستتبع النهی هناک جهة وضعیّة کما فی الأمثلة المزبورة، أم لا؟
فبالجملة : تبیّن ماهو المقصود بالذات فی البحث عن دلالة النهی علی الفساد.
فعلیه نقول : إنّ الأولیٰ جعل عنوان البحث «أنّ النهی هل یستتبع الحکم الوضعیّ کالفساد وعدم الإجزاء، أم لا؟» وحذف عنوان «الشیء» لأجل إفادة أنّ النظر یکون إلیٰ ذات النهی، ولا خصوصیّة لأمر آخر وراءه. ولو کان النهی ـ لأجل تعلّقه بموضوع من الموضوعات ـ مستتبعاً للحکم الوضعیّ، فهو لیس من دلالة النهی، ولا من اقتضائه الذاتیّ بالوضع؛ ضرورة أنّه لا وضع للمرکّبات، بل هو أمر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 290 یستند إلیه لأجل جهة خارجیّة؛ من کثرة الاستعمال ونحوها فی الهیئات الخاصّة.
وإن شئت قلت: بناءً علیٰ هذا لا خلاف فی عدم دلالة النهی بما هو علی الفساد، ولایستتبع الحکم الوضعیّ؛ ضرورة أنّ النواهی المتعلّقة بالأکل والشرب لاتدلّ إلاّ علیٰ جهة تکلیفیّة مثلاً، فعلیه لابدّ وأن یکون العنوان من هذه الجهة أخصّ فیقال: «إنّ النهی إذا تعلّق بالعبادة أو المعاملة أو ما یکون مثلها، هل یستتبع الحکم الوضعیّ کالفساد وعدم الإجزاء، أم لا؟» والأمر سهل.
وغیر خفی : أنّ عنوان «العبادة» أخصّ من عنوان «العمل القربیّ» لأنّ مثل الأخماس والزکوات أو الکفّارات المالیّة، لاتعدّ عبادة حسب النظر البدویّ؛ وإن کانت تطلق «العبادة» علی المعنی الأعمّ من ذلک کلّه فی بعض الأخبار، ومنها: «ما عبد الله تعالیٰ بشیء مثل البداء» فراجع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 291