الدعوی الثالثة :
أنّ الحرمة المزبورة الثابتة حسب الأدلّة الأوّلیة، مرفوعة بحدیث الرفع وما شابهه؛ لأنّها مورد الاضطرار، وقد «أحلّ الله کلّ شیء اضطرّ إلیه ابن آدم» و «رفع... ما اضطرّوا إلیه».
والمناقشة فیه أوّلاً: بأنّ حدیث الرفع لایقتضی ارتفاع التحریم الأوّلی إلاّ بلحاظ الآثار.
مدفوعة: بأنّه مضافاً إلیٰ أنّه خلاف الظاهر بالقیاس إلی «رفع... ما لایعلمون» فتأمّل، وإلیٰ أنّه خلاف قوله: «کلّ شیء یضطرّ إلیه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له» أنّ الرفع برفع الآثار ینافی اعتبار التحریم، ویکون هو من اللغو، ولا أثر له، فلیتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 275 وثانیاً: بأنّ المتوسّط فی الأرض المغصوبة مضطرّ إلی الجامع، وماهو المرفوع هو حکم الخروج أو البقاء.
مدفوعة: بأنّ المحرّم هنا هو الجامع وهو التصرّف، والمتوسّط یحرم علیه البقاء والخروج؛ لأجل أنّ کلّ واحد منهما تصرّف، فیکون فی الواقع التصرّف حرام، وهو مورد الاضطرار.
وثالثاً: بأنّ الاضطرار إذا کان بالغاً إلیٰ حدّ العجز لایکون معنی للرفع؛ لأنّ الحکم مرتفع بالعجز، واستناده إلیه أولیٰ من استناده إلی الحدیث، کما هو الواضح.
مدفوعة بما تحرّر: من أنّ القدرة لیست من شرائط التکلیف عقلاً، ولا من مقتضیات التکلیف عرفاً، والأولویّة المزبورة ممنوعة؛ لأنّ الرفع بلحاظ الإنشاء العامّ، فحدیث الرفع وحکم العقل علی السواء، فلا تخلط.
ورابعاً: بأنّ الاضطرار إذا کان بسوء الاختیار، خارج عن منصرف هذه الأدلّة الثانویّة.
ممنوع: بأنّه انصراف بلا وجه؛ لاحتمال وجود الملاک الأقوی الغالب وإن کان فیه تفویت أیضاً، کما لایخفیٰ.
نعم، ربّما یمکن استظهار اختصاص هذه الأدلّة بصورة الاضطرار لا بسوء الاختیار؛ لما ورد من التقیید فی الکتاب الإلهیّ فی سورة المائدة: «فَمَنِ اضْطُرَّ فی مَخْمَصَةٍ غَیْرَ مُتَجَانِفٍ لإِِثْمٍ» وفی سورة البقرة : «فَمَنِ اضْطُرَّ غَیْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَیْهِ» بناءً علیٰ شمول الآیة لما نحن فیه، وتمام الکلام فی مباحث البراءة والفقه إن شاء الله تعالیٰ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 4)صفحه 276