جوائز السلطان الجائر وعمّاله
الاُولی: جوائز السلطان الجائر وعمّاله، وصِلاتهم، بل مطلق المال المأخوذ منهم مجّاناً أو بعوض، لا یخلو عن صور تعرّض لمهماتها الشیخ الأعظم ـ قدّس سرّه ـ.
1 ـ فیما لا یعلم أنّ فی جملة أموال الجائر مالاً محرّماً
منها: أن لا یعلم أنّ فی جملة أموال الجائر مالاً محرّماً یصلح أن یکون المأخوذ منه، ولا یکون ما فی یده طرف العلم الإجمالی. وبعبارة اُخری: تکون الشبهة فی أمواله بدویة.
والأولی عنوان المسألة بما ذکرناه، أی جعل العنوان: السلطان الجائر وعمّاله، کما هو صریح نهایة الشیخ وظاهر المحقّق، ولهذا فسّر صاحب الجواهر الجائر فی عبارة الشرائع بالسلطان الجائر، وهو ظاهر العلاّمة فی التذکرة والقواعد، کما یظهر بالتأ مّل.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 335
وإنّما قلنا ذلک لأنّ مخالفة قواعد العلم الإجمالی فی المسائل الآتیة لابدّ لها من مستند معتمد معمول علیه. وما یمکن أن یقال باستثنائه منها نصّاً وفتویً هو نحو جوائز السلطان الجائر وعمّاله. وإلحاق مطلق الظالم به کالسارق، أو مطلق من لم یتورّع عن الحرام، أو مطلق المال المخلوط به محلّ إشکال وکلام، کما یأتی إن شاء اللّٰه.
وکیف کان إنّ فی جوائز السلطان وضِلاته وسائر ما یؤخذ منه بعوض أو بلا عوض شبهتین:
إحداهما: احتمال أن لا یکون المال منه وتکون یده علیه غاصبة، وهو مدفوع فی هذه الصورة بقاعدة الید وإطلاق أدلّتها، وببعض الروایات الآتیة ولو بالفحوی.
وثانیتهما: احتمال ممنوعیة أخذ الجائزة والصلة وغیرهما من خصوص السلاطین الجائرین سیّما مثل الغاصبین للخلافة، واحتمال عدم جواز أکل أموالهم والتصرّف فیها کاحتمال حرمة عشرتهم وصحابتهم والدخول علیهم، وهو مدفوع بأصالة البراءة والحلّ.
ولعلّ تمسّک الشیخ الأعظم بالأصل لدفع الشبهة الثانیة لا الاُولی. فوقوع بعضهم کالفاضل الإیروانی فی حیص وبیص من تمسّکه بالأصل أو حمل الأصل علی قاعدة الید لعلّه فی غیر محلّه.
ولعلّ ما ذکرناه ظاهر قوله: «فلا إشکال فی جواز أخذه وحلّیة التصرّف فیه للأصل...» ولو فرض عدم ظهوره فلا أقلّ أ نّه محتمله.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 336
مضافاً إلی عدم الإشکال فی الاحتیاج إلی الأصل لدفع تلک الشبهة، ولاتندفع بقاعدة الید، ولا بالعلم بکون المال ماله، إذ احتمال أن جوائزه وعطایاه محرّمة علینا ولو علمنا أ نّها أمواله ـ لاحتمال مبغوضیّة مطلق التماس معهم بشؤونه سیّما ما کان مظنّة لجلب الحبّ والوداد ـ غیر مدفوع إلاّ بالأصل.
فالحکم بالجواز الفعلی والحلّیة الفعلیّة یتوقّف علی قاعدة الید والأصل کلیهما.
نعم ، تندفع الشبهتان ببعضن الروایات الآتیة، فالتمسک بالأصل مع الغضّ عنها.
ثمّ قال الشیخ الأعظم: «ربّما یوهم بعض الأخبار أ نّه یشترط فی حلّ مال الجائر ثبوت مال حلال له، مثل ما عن الاحتجاج عن الحمیری أ نّه کتب إلی صاحب الزمان ـ علیه السّلام ـ یسأله عن الرجل من وکلاء الوقف مستحلّ لما فی یده لا یرع عن أخذ ماله، ربّما نزلت فی قریته وهو فیها، أو أدخل منزله وقد حضر طعامه، فیدعونی إلیه، فإن لم آکل من طعامه عادانی علیه، فهل یجوز لی أن آکل من طعامه وأتصدّق بصدقة، وکم مقدار الصدقة؟ وإن أهدی هذا الوکیل هدیة إلی رجل آخر، فیدعونی إلی أن أنال منها وأنا أعلم أنّ الوکیل لا یتورّع عن أخذ ما فی یده، فهل علیّ فیه شیء إن أنا نلت منه؟ «الجواب: إن کان لهذا الرجل مال أو معاش غیر ما فی یده فکل طعامه واقبل برّه، وإلاّ فلا». بناءً علی أنّ الشرط فی الحلّیة هو وجود مال آخر فإذا لم یعلم به لم یثبت الحلّ». انتهی.
وهو مبنی علی أن یکون السؤال فی الروایة عن شخص غیر مبال فی مال الوقف وغیر متورّع عن أکله، فیکون محطّ شبهته أنّ ید غیر المتورّع معتبرة کسائر
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 337
الأیادی ویعامل مع ما فی یده معاملة ملکه، أو أ نّها ساقطة لأجل عدم تورّعه وعدم مبالاته. وبعبارة اُخری: إنّ من لم یتورّع عن مال الوقف تسقط یده فیما کانت معتبرة لو لم یکن کذلک، ولا یکون السؤال عن حیث العلم الإجمالی أو التفصیلی بکون ما فی یده حراماً حتی تکون الروایة أجنبیة عن الصورة المفروضة.
والظاهر أنّ السؤال ناظر إلی الوجه الأوّل، والجواب بأ نّه إن کان له معاش... مناسب له، بل لعلّه لیس أمراً تعبّدیّاً، لکونه ظاهراً موافق بناء العقلاء أیضاً فی ترتیب الأثر علی الید، لأنّ من لم یکن له طریق معاش سوی السرقة أو غصب مال الغیرکالوقف ونحوه لا یعامل العقلاء مع ما فی یده معاملة ملکه ولو فی الشبهة البدویّة.
وعلی أیّ تقدیر إنّ المراد من الجواب بعد فرض کون السؤال عن الحیثیّة المتقدّمة أ نّه إذا لم یکن للرجل مال ومعاش غیر الوقف لا یؤخذ برّه ولو مع عدم العلم تفصیلاً أو إجمالاً بکونه من مال الوقف، وهو عبارة اُخری عن سقوط اعتبار یده فیما تعتبر ید غیره.
وعلی ما ذکرناه یسقط الإشکال علی الشیخ من هذه الجهة بأنّ الروایة أجنبیّة عن الصورة الاُولی.
نعم، هنا إشکال آخر علیه، وهو أنّ موضوع السؤال والجواب فیها وإن کان عن ید الشخص الذی لا یتورّع عن الحرام الذی فی یده، لکن المفروض وجودممرّ حرام معلوم بالتفصیل عنده وکان غیر متورّع عنه، فأجاب فی الفرض بما أجاب الذی قلنا إنّه موافق لبناء العقلاء ظاهراً، وهو غیر الصور المذکورة، أی صورة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 338
العلم الإجمالی بکون حرام فی یده أو عدمه. فمفروض السؤال والجواب حیثیّة غیر مربوطة بالصور المذکورة فی المقام.
ثمّ إنّ الظاهر من الروایة أ نّه إن کان له مال آخر یجوز أخذ برّه ، وأ مّا لزوم العلم الوجدانی بکون المال غیر الوقف وبکونه حلالاً فلا. فلو فرض إحراز کونه غیر الوقف بالبیّنة وإحراز کونه حلالاً بکونه فی یده یکون کافیاً لتحقّق موضوع الروایة وتکون أدلّة حجّیة البیّنة والید حاکمة علیها ومنقِّحة لموضوعها.
فما أفاده الشیخ من لزوم العلم بمال حلال له، غیر ظاهر إن أراد بالعلم هو الوجدانی منه.
نعم، ربّما یستشکل فی إحراز الید عنوان مال آخر الذی هو مذکور فی الروایة، لعدم الدلیل علی حجّیة مثل تلک الأمارات لمثل هذه اللوازم، وللکلام فیه محلّ آخر.
2 ـ فیما یعلم إجمالاً بأنّ فی أموال الظالم مالاً حراماً
ومنها: أن یعلم إجمالاً بأنّ فی أموال الظالم مالاً حراماً یمکن أن تکون الجائزة منه تماماً أو بعضاً مع عدم العلم ولو إجمالاً بأنّ الجائزة مشتملة علی الحرام. وبعبارة اُخری: تکون الجائزة طرف العلم الإجمالی. وفیها صورتان:
حکم صورة عدم تنجیز العلم الإجمالی
إحداهما: صورة عدم تنجیزالعلم الإجمالی لأجل الجهات المشترکة مع سائر
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 339
المباحث، ککون الأطراف غیر محصورة ونحوه.
ثانیتهما: صورة عدم المانع من تنجیزه من هذه الجهات مع قطع النظر عن خصوصیّة المورد.
وقبل الورود فی المطلب لابدّ من التنبیه بأمر ربما صار الخلط فیه موجباً للخطأ فی کثیر من مباحث العلم الإجمالی:
وهو أنّ العلم بالتکلیف بحسب الکبری الکلّیة قد یتعلّق بتکلیف فعلی یعلم بعدم رضا المولی بترکه کائناً ما کان لأجل أهمیّته عنده، نظیر قتل النبی صلی الله علیه و آله وسلم وقتل الولد فی الموالی العرفیة، ومعه یسقط جمیع الاُصول العقلیّة والشرعیّة وجمیع الأمارات العقلائیّة والشرعیّة، ویجب عقلاً الاحتیاط التامّ، حرجیّاً کان أم لا، ولاعذر إلاّ العجز العقلی.
وذلک لأ نّه مع هذا العلم الوجدانی بالتکلیف الفعلی الکذائی لا یحتمل جواز الترخیص فی العمل بالأمارات ولو فی الشبهات البدویّة وکذا فی العمل بالاُصول، لأنّ جواز الترخیص بها مساوق لاحتمال اجتماع النقیضین، ضرورة أنّ العلم الوجدانی بعدم رضا المولی بترک الواقع لا یجتمع مع احتمال الترخیص فی ترکه، فإنّ إجازة العمل بالأمارة أو الأصل ولو فی الشبهة البدویّة ملازمة للترخیص فی ترک الواقع علی فرض تخلّفها عنه.
بل العلم بهذه المرتبة من الأهمیّة بیان علی التکلیف الواقعی، وإن شئت قلت: کاشف عن إیجاب الاحتیاط، وهو بیان وارد علی قاعدة قبح العقاب بلابیان.
ففی هذه الصورة لا یمکن الترخیص فی الشبهات البدویّة فضلاً عن أطراف العلم أو بعضها، وفی مثله یصحّ أن یقال: إنّ الترخیص فی الأطراف ترخیص فی المعصیة وهو محال.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 340
لکن هذه الصورة قلیلة الاتّفاق فی الشرعیات، ویجب فیها علی المولی عقلاً إیجاب الاحتیاط فی الشبهات البدویّة مع عدم العلم بهذه المرتبة من الأهمیّة.
وقد یتعلّق العلم بالحجّة، کإطلاق دلیل أو عموم عامّ أو نحو ذلک من ظاهر الکتاب والسنّة، لا العلم بالتکلیف الواقعی الفعلی، فإطلاق الکتاب یقتضی حرمة المیتة والخمر، کانتا معلومتین تفصیلاً أو إجمالاً أم مجهولتین، ولکن العلم بالإطلاق لا یلازم العلم الوجدانی بالتکلیف الواقعی الفعلی، وإن یلازم العلم بقیام الحجة علی الواقع، لکن یحتمل وجداناً تخلّفها عن الواقع وإن لا عذر للعبد مع قیام الحجّة فی التخلّف عنها.
وفی هذه الصورة لا مانع عقلاً من الترخیص فی المخالفة القطعیّة فضلاً عن الاحتمالیة.
وهذه الصورة هی التی ینبغی أن یبنی علیها المباحث الآتیة ومباحث العلم الإجمالی فی باب الاشتغال، فمع عدم امتناع الترخیص فی الأطراف جمیعاً أو بعضاً یلاحظ مقتضی الأدلّة المرخّصة ویؤخذ بها، وإن اقتضت الترخیص فی جمیعها، فإنّ الترخیص فی الجمیع یلازم غمض العین عن التکلیف الواقعی لمصالح أهمّ منه ولو لم نعلم بها. فالترخیص فی جمیع الأطراف فی هذه الصورة کالترخیص فی الشبهة البدویّة والترخیص فی العمل بالأمارات فی إمکانه، کما أنّ الجمیع مشترکة فی الصورة الاُولی فی الامتناع.
فمباحث العلم الإجمالی فی باب القطع ینبغی أن تکون من قبیل الصورة الاُولی، کما أنّ مباحث العلم الإجمالی فی باب الاشتغال، کعدم تنجیزه فی الشبهة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 341
غیر المحصورة، أو فی صورة الاضطرار إلی بعض الأطراف، أو فی صورة عدم الابتلاء به، إلی غیر ذلک من مباحث التنجیز واللا تنجیز والانحلال التعبدیّ وغیر ذلک، ینبغی أن یبحث عنها فی فرض الصورة الثانیة، فإنّها ساقطة مع الصورة الاُولی کما لا یخفی علی اُولی النهی.
وبحثنا فی المقام من قبیل الصورة الثانیة، فمع فرض هذه الصورة لو کان العلم الإجمالی غیر منجّز کالشبهة غیر المحصورة أو کفرض الاضطرار إلی بعض الأطراف وغیرهما من موارد عدم التنجیز فحکمها حینئذ کالصورة الاُولی بعین ما ذکر فیها.
ما حکی من کراهة أخذ الجوائز ...
ثمّ إنّه حکی عن جماعة کراهة الأخذ. ونحن وإن بنینا علی عدم التعرّض إلاّ لمهمّات المسائل لکن لا بأس هنا بالإشارة الإجمالیّة:
فنقول: إنّ هاهنا عناوین کراهة کلّ منها علی فرض ثبوتها غیر مربوطة بالآخر، کما أنّ رفعها لایکون علی نسق واحد:
منها: عنوان الاستعطاء من السلطان وعمّاله.
ومنها: أخذ جوائزهم.
ومنها: التصرّف فی نفس المأخوذ استعطاء بما هو مأخوذ کذلک أو بنحو الجائزة بلا استعطاء بما هو مأخوذ کذلک.
ومنها: التصرّف فی المال المنسوب إلیهم وإن لم یکن بنحو الاستعطاء أو الجائزة وعلم کونه ماله وحلّیته.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 342
ومنها: التصرّف فی المال وأخذه بما أ نّه مال مشتبه حلّیته وحرمته.
والظاهر أنّ الصورة الاُولی خارجة عن محلّ البحث وإن کان الاستعطاء مکروهاً مطلقاً، ولعلّه من الجائر أشدّ، کما هو ظاهر بعض الروایات الآتیة.
وما استدلّوا لها فی المقام بعضها راجع إلی العنوان الأخیر، وبعضها إلی الثانی أو الثالث أیضاً، کما أنّ ما ذکر فی رفع الکراهة من إخبار ذی الید وإخراج الخمس علی فرض صحّته إنّما هو راجع إلی رفع الکراهة الحاصلة بالعنوان الأخیر دون غیره.
أقول: یمکن تعمیم مثل قوله: «دع ما یریبک»، وقوله: «من ترک الشبهات نجا من المحرّمات»، وکذا أخبار التثلیث والتوقّف إلی جمیع الصور المتقدّمة، بأن یقال: فی کلّ من تلک الصور شبهة الحرمة، فکما أنّ فی الأموال التی بیده ریباً وشبهة کذا فی الاستعطاء وأخذ الجائزة من السلطان وعمّاله والتصرّف فیها بل فی مطلق المال المنسوب إلیهم، فقوله: «دع ما یریبک» شامل لجمیعها.
لکنّ الظاهر عدم ثبوت الکراهة الشرعیّة التابعة لحزازة ذاتیّة من تلک الأخبار علی کثرتها، لأنّ لسانها لسان الإرشاد إلی عدم الابتلاء بالمحرّمات، کما یظهر من قوله: «فمن ترک الشبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشبهات
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 343
ارتکب المحرّمات وهلک من حیث لایعلم»، وقوله: «والمعاصی حمی اللّٰه، فمن یرتع حولها یوشک أن یدخلها».
مضافاً إلی أنّ الناظر فی الأخبار الواردة فی عدم جواز الفتیاء بغیر علم والقضاء کذلک، وما ورد من نحو قوله: «بیّن رشده، وبیّن غیّه»، وغیر ذلک ممّا وردت فی العلم یقطع بأنّ المراد منه فیها علی کثرتها کتاباً وسنّة لیس خصوص العلم الوجدانی بل الأعمّ منه وممّا حصل من ظاهر الکتاب والسنّة.
فمن أفتی بظاهر الکتاب والسنّة وقضی علی موازین القضاء أفتی وقضی بعلم.
وبیّن الرشد ما دلّ الدلیل الشرعی علی رشده لا خصوص ماعلم وجداناً، وکذا المراد من الریب والشکّ والجهل ونحوها المقابل له لیس الوجدانی منها.
فعلیه تکون أدلّة الید وسائر الأمارات حاکمة أو واردة علی مثل تلک الروایات ومعدمة لموضوعها تعبّداً وتحکیماً.
کما أنّ الریب من جهة الشبهة الحکمیّة مدفوع بمثل حدیث الرفع الحاکم علیها.
نعم، یبقی سؤال قلّة المورد أو فقدانه فی تلک الأدلّة، وللکلام فیه محلّ آخر . وکیف کان إثبات الکراهة الشرعیّة بها غیر وجیه.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 344
نعم، یمکن الاستدلال لها فی بعض تلک العناوین المتقدّمة أو جمیعها ببعض روایات خاصة:
کروایة حریز، ـ ولایبعدصحّتها، إذ لیس فی سندها ما یناقش فیه إلاّ سهل بن زیاد، وهو سهل، و فی طریق الکافی بدل حریز «حدید»، وهو ابن حکیم الثقة ـ قال سمعت أبا عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ یقول: «اتّقوا اللّٰه وصونوا دینکم بالورع، وقوّوه بالتقیّة والاستغناء باللّٰه ـ عزّوجلّ ـ عن طلب الحوائج إلی صاحب السلطان. إنّه من خضع لصاحب سلطان ولمن یخالفه علی دینه طلباً لما فی یدیه من دنیاه أخمله اللّٰه ـ عزّ وجلّ ـ ومقته علیه، ووکّله إلیه، فإن هو غلب علی شیء من دنیاه فصارإلیه منه شیء نزع اللّٰه ـ جلّ اسمه ـ البرکة منه ولم یأجره علی شیء منه ینفقه فی حجّ ولاعتق ولابرّ».
فإنّ الظاهر من صدرها استحباب الاستغناء عن طلب الحوائج من صاحب السلطان، بل لا یبعد استفادة کراهة طلبها منه أیضاً.
والفقرة الثانیة، أی قوله: «من خضع...» ظاهرة فی شدّة کراهة الخضوع له طلباً لما فی یده ولو بنحو الجائزة المترتّبة علی جلب قلبه.
والفقرة الثالثة، أی قوله: «فإن هو غلب علی شیء...» إن کانت مربوطة بخصوص الخاضع لطلب الدنیا فلا دلالة فیها إلاّ علی عدم البرکة والخیر فی المال الذی یصیر إلیه بتلک الوسیلة ولو بنحو الجائزة، فتدلّ علی کراهة التصرّف المأخوذ جائزة فی هذا الفرض لا مطلقاً.
وإن کانت أعمّ من ذلک ویراد بها من صار إلیه شیء من أمواله مطلقاً
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 345
فلا برکة فیه تدلّ علی کراهة المأخوذ منهم عطیّة وجائزة ونحوهما. ولا یبعد علی هذا الفرض استفادة کراهة القبول أیضاً، تأ مّل.
والأظهر الاحتمال الأوّل، فلا دلالة فیها علی کراهة مطلق الجائزة.
نعم، تدل علی کراهة قسم منها. واحتمال رجوع الضمیر إلی طالب الحوائج، بعید.
وأ مّا سائر الروایات فلا دلالة فیها علی الکراهة الشرعیّة، لا فی المال ولا فی سائر العناوین المتقدّمة:
أ مّا قوله: «إن أحدکم لا یصیب من دنیاهم شیئاً...» فإنّه فی ذیل صحیحة أبی بصیر وبمنزلة التعلیل لحرمة الدخول فی أعمالهم. والظاهر أنّ المراد منه أ نّهم استعملوکم فی الحرام لا محالة، فلا یمکن استفادة الکراهة من التعلیل الوارد فی الدخول المحرّم.
وأ مّا المروی عن موسی بن جعفر ـ علیه السّلام ـ: «واللّٰه لولا أ نّی أری من أزوّجه بها من عزّاب...» فلأنّ وجه عدم قبوله غیر معلوم، ولعلّه للاحتراز عن المشتبه احتیاطاً، ومعه لا تدلّ علی الکراهة الشرعیّة.
وبمثلها یجاب عن روایة العلل مرسلة: «وکان الحسن ـ علیه السّلام ـ والحسین ـ علیه السّلام ـ یأخذان من معاویة الأموال فلا ینفقان من ذلک علی أنفسهما ولا علی عیالهما ما تحمله الذبابة بفیها».
نعم، قد تشعر بالکراهة صحیحة الولید بن صبیح، قال: دخلت علی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 346
أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ فاستقبلنی زرارة، إلی أن قال: «یا ولید، متی کا نت الشیعة تسأل عن أعمالهم؟ إنّما کانت الشیعة تقول: یؤکل من طعامهم ویشرب من شرابهم ویستظلّ بظلّهم».
إذ لا یبعد أن یکون ذلک تقریراً علی حزازة أکل طعامهم... ، ولولا قوله: «یستظلّ بظلّهم»، لکان من المحتمل أن یراد من السؤال عن الأکل والشرب دفع احتمال نجاستهم، فلا یخلو ما ذکر من الإشعار بالحزازة.
ولکن إثبات الکراهة بذلک مشکل، فلا دلیل علیها. بل لا یبعد دلالة بعض الروایات علی عدمها:
کقوله: «لا بأس بجوائز السلطان». وقوله: «جوائز العمّال لیس بها بأس».
بناءً علی أنّ البأس أعمّ من الحرمة أو استعماله غالباً فی الکراهة، وإن احتمل فی المقام بمناسبة غلبة شبهة الحرمة رجحان إرادة نفیها، لا نفی الکراهة أو الأعمّ منها.
وکقوله: «إنّ الحسن و الحسین ـ علیهما السلام ـ کانا یقبلان جوائز معاویة».
إذ کان بصدد بیان الحکم من حکایة عملهما، فلا یبعد ظهورها فی نفی البأس مطلقاً لولا روایة العلل المتقدّمة.
وکبعض الروایات الدالة علی إجازة الأخذ والحجّ بها، وأوضح منها روایة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 347
عمر أخی عذافر المشتملة علی حکایة ذهاب متاعه و وعد عامل المدینة إعطاء عوضه، وفیها: «فائت عامل المدینة فتنجز منه ما وعدک، فإنّما هو شیء دعاک اللّٰه إلیه لم تطلبه منه».
فإنّ الظاهر منها أ نّه مع عدم الطلب لا حزازة فی أخذه ولا فی المأخوذ، لأ نّه من دعوة اللّٰه ـ تعالی ـ وعطیّته، مضافاً إلی أنّ الطلب مکروه لا حرام، والظاهر منها رفع ما ثبت بالطلب.
وهذه الروایة رافعة لإجمال روایة حریز المتقدّمة لو کان فیها إجمال.
فتحصّل من ذلک أنّ فی المأخوذ مع الاستعطاء أو بالملق والخضوع حزازة وفی التصرّف فیه کراهة، وبدون ذلک لا دلیل علی کراهته الشرعیّة.
ثمّ إنّ الکراهة لو کانت من ناحیة الاستعطاء أو الملق والاستعطاف، أو لأجل کون الأخذ والاستفادة منه معرضاً لحصول المحبّة له، أو قلنا بکراهة نفس الأخذ فلا ترفع بإخبار ذی الید ولا بإخراج الخمس، وهو واضح. بل الظاهر عدم رفعها مطلقاً بإخباره بما هو ذو الید.
نعم، لو قلنا بأنّ المراد من مثل قوله: «دع ما یریبک» هو الریب الوجدانی وقلنا باستفادة الکراهة منه یمکن أن یقال: برفعها بإخبار من یوثق بصدقه کان بذی الید أم لا، لرفع الریب عرفاً.
وکذا لا یرفع بإخراج الخمس وإن قلنا باستحبابه، لعدم الملازمة بین استحبابه وعدم الکراهة فی التصرّف فی البقیّة . والأمر سهل .
حکم صورة عدم المانع من تنجیز العلم الإجمالی بالجهات العامّة
وأ مّا الصورة الثانیة، وهی صورة عدم المانع من تنجیز العلم الإجمالی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 348 حکم صورة عدم المانع من تنجیز العلم الإجمالی بالجهات العامّة ··· 349
بالجهات العامّة المذکورة فی محلّها، فمع الغضّ عن أخبار الباب وغیرها قد یقال: إنّ العلم الإجمالی حاصل بأنّ هذا المال الذی أجاز الجائر فی تصرّفه أو أعطاه جائزة لغیر الجائر أو غیره ممّا فی یده، ومقتضاه الاجتناب عن الجمیع.
ولو قلنا بأنّ الخروج من محلّ الابتلاء مؤثّر فی عدم تنجیزه فإنّ الأموال التی تحت ید الجائر غیر خارج عنه، ضرورة عدم استهجان الخطاب بالنسبة إلیها، وأنهّا مورد ابتلائه من حیث إمکان الابتیاع وإجازة التصرّف ونحو ذلک.
وبالجملة اعتبار عدم الخروج بهذا النحو عن محلّ الابتلاء خلاف الضرورة مع الغضّ عن فساد أصل المبنی، فالعلم الإجمالی موجب للتنجیز.
ویمکن المناقشة فیه بأنّ العلم الإجمالی بأنّ «هذا» لزید المغصوب منه أو «ذلک» غیر مفید، لأنّ مال زید مثلاً بما هو ماله و بهذا العنوان لیس موضوعاً للحکم، وما هو موضوع له هو مال الغیر بلا إذنه أو مال أخ مسلم بغیر طیب نفسه، ولم یتعلّق علم إجمالی بهذا العنوان، لأنّ ما فی ید الجائر غیر المأذون فیه من قبله کما هو مفروض المسألة معلوم تفصیلاً أ نّه للغیرولامرئ مسلم لا یطیب نفسه بالتصرّف فیه کما هو معلوم الحرمة تفصیلاً، فالحکم الشرعی وموضوعه معلومان تفصیلاً بالنسبة إلی ما فی ید الجائر وإن لم یعلم أ نّه له أو لغیره، وما أجاز فی التصرّف فیه مشتبه بدویّ بالنسبة إلی الموضوع ذی الحکم، وکذا بالنسبة إلی الحکم وإن علم إجمالاً أنّ هذا لزید أو ما فی ید الجائر.
وبالجملة ما علم إجمالاً لیس موضوعاً للحکم، ولا إجمال فیما هو موضوع له.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 349
وهذا بوجه نظیرما علم تفصیلاً بکون مائع خمراً، وعلم إجمالاً بأ نّها إمّا من هذا العنب أو ذاک، فإنّ العلم الإجمالی غیر متعلّق بموضوع ذی حکم فلا یکون منجّزاً فی عرض العلم التفصیلی، فالعلم الإجمالی المذکور لا یمنع عن أصالة الحلّ.
وقد یقال: «لا مسرح لإجراء أدلّة حلّ ما لم یعلم بحرمته فی المقام، یعنی فی باب إباحة التصرّف فی جوائز السلطان أصلاً، لأ نّه إن کان هناک أصل أو أمارة تقتضی جوازه کالید وأصالة صحّة تصرّف المسلم علی تقدیر جریانهما فالحلّ مستند إلیه، وإلاّ فأصالة عدم ملک المجیز لما أجازه، أو عدم سبب ملک المجاز له، بل أصالة عدم ملک المجاز حاکمة علی أصالة الحلّ». انتهی.
هل یمنع العلم الإجمالی والاُصول الموضوعیة عن جریان أصالة الحلّ أم لا؟
أقول: أ مّا الید وأصالة الصحّة فیأتی الکلام فیهما، وأ مّا الاُصول الموضوعیّة المذکورة ففی جریانها إشکال:
أ مّا أصالة عدم سبب الملک التی قرّرها المورد المحقّق ـ طاب ثراه ـ بأنّ ما فی ید الجائر صار ملکاً له بسبب حادث کالشراء والصلح و التوریث ونحوها، وکلّها مسبوق بالعدم، فأصالة عدم حدوث سبب الملک حاکمة علی أصالة الحلّ.
فیرد علیها بأنّ ما هو موضوع للحکم الشرعی، أی حرمة التصرّف أو عدم
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 350
حلّیته، هو ملک الغیر بغیر إذنه أو مال الأخ المسلم لا بطیب نفسه، وهذا الحکم ثابت معلوم مع قطع النظر عن بعض الروایات الواردة بهذا المضمون ویؤیّده الروایات.
فالاستصحاب إن أحرز موضوع هذا الحکم یصیر حاکماً علی أصالة الحلّ، فلا بدّ من النظر فی أنّ الأصل المذکور أو سائر الاُصول الموضوعیّة المذکورة هل یصلح لإحراز موضوع الدلیل الاجتهادی أو لا؟
فنقول: إنّ أصالة عدم حدوث سبب الملک لا تفید، سواء قلنا بأنّ السببیّة مجعولة استقلالاً، أو قلنا بأنّ المجعول هو المسبّب عقیب وجود السبب، لأ نّه علی الأوّل یکون ترتّب السبب علی المسبّب عقلیّاً وإن کانت السببیّة شرعیّة، فأصالة عدم وقوع السبب لا تثبت عدم ملکیّة ما بید الجائر وإن أغمض عن الإشکال المطّرد فی نحو تلک الاُصول العدمیّة بعد کون الجعل متعلّقاً بالجانب الوجودی.
وکذا علی الثانی، لأنّ السببیّة غیر مجعولة علی الفرض. فعدم حدوث السبب لا أثر له رأساً وأصالة عدم حدوث الملک له غیر أصالة عدم حدوث السبب، إلاّ أن یقال: إنّه علی هذا الفرض یکون السبب موضوعاً لترتّب المسبّب الشرعی علیه، فبنفیه ینفی، مع الغضّ عن الإشکال المطّرد.
ثمّ لو بنینا علی إثبات عدم ملکیّة الجائر بأصالة عدم السبب لکن عدم ملکیّته لیس موضوعاً لحرمة التصرّف وعدم الحلّ، بل الموضوع ملک الغیر بغیر إذنه فی التصرّف أو التصرّف فی ملک الغیر بغیر إذنه ومال الأخ المسلم بغیر طیب نفسه، والأصل المذکور لا یفید لإثبات الموضوع.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 351
ومن هنا یظهر الکلام فی أصالة عدم ملکیّة المجیز لهذا المال، وکذا أصالة عدم ملک المجاز.
إن قلت: إنّ احتمال الحلّ ناش من احتمال کونه مال الجائر، وأصالة عدم کونه ماله یدفع هذا الاحتمال تعبّداً.
قلت: إنّ الحلّ لازم أعمّ لکون المال مال الدافع ومال غیره مع إذنه، وکونه من المباحات، وکونه مال الآخذ المجاز واقعاً، لکن لما علم وجداناً أو بطریق معتبر عدم کونه إلاّ مال الدافع أو المغصوب منه لا محالة یکون احتمال الحلّ منحصراً بکونه مال الدافع، فتکون الملازمة بین عدم کونه مال الدافع وبین عدم الحلّ مطلقاً علمیّة، وفی مثله لا یثبت إلاّ بالأصل المثبت، فإنّ نفی اللازم الأعمّ بنفی أحد الملزومات للملازمة العلمیّة عقلی ومن الأصل المثبت.
الکلام فی جریان أصالة عدم وقوع الإذن من المالک
ثمّ هنا أصل آخر تمسک به المحقّق المتقدّم ـ طاب ثراه ـ ، وهو أصالة عدم وقوع الإذن من المالک فی مورد إذن الجائر.
وهو بهذا الظاهر مخدوش، لأ نّها من قبیل استصحاب الکلّی لإثبات حال الفرد، فإنّ استصحاب عدم وقوع الإذن من المالک لا یثبت أنّ هذا الموجود ملک لمالک لم یأذن فیه.
وإن أراد منها أصالة عدم کون الإذن المحقّق الصادر من الجائر من المالک علی أن یکون اللاّم فی الإذن للعهد.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 352
فیرد علیه، أنّ الإذن المحقّق لیست له حالة سابقة بالکون الناقص. واستصحاب عدم الکون المحمولی غیر مفید. وبالجملة یرد علیه ما یرد علی أصالة عدم القرشیّة، والتفصیل فی محلّه.
مضافاً إلی أ نّه مع تسلیم جریانه أیضاً غیر مفید، لأنّ استصحاب عدم کون الإذن المحقّق من مالکه لا یثبت عدم إذنه مطلقاً ولو بغیر هذا الفرد إلاّ بالملازمة العلمیّة نظیر ما تقدّمت الإشارة إلیه آنفاً.
نعم، یمکن تقریر الأصل بوجه آخر، بأن یقال: إنّ هذا المال کان سابقاً لمالک لم یأذن فی التصرّف فیه، لابنحو المعلوم بالإجمال أو الفرد المردّد حتی یقال: بأ نّه لا شکّ فی هذا المعنی الإجمالی أو الفرد المردّد حتی یستصحب، ولا تتّحد القضیة المتیقّنة والمشکوک فیها، لأنّ موضوع المتیقّنة مجمل أو مردّد، ولیس هذا المعنی المجمل أو المردّد مشکوکاً فیه.
بل یشار إلی الفرد الواقعی والمالک الحقیقی فیقال: إنّ هذا المال کان لمالک موجود مشخّص واقعاً لم یأذن فیه وإن لم أعرفه، وهو لا یضر بالعلم بالواقع، فیستصحب هذا العنوان، وهو عین العنوان المأخوذ فی الدلیل الاجتهادی، فینقح به الموضوع ویترتّب علیه الحرمة ویدفع به موضوع أصالة الحلّ.
إلاّ أن یقال: بورود نظیر شبهة الغروب والمغرب فی المقام، فکما یقال بعدم جریان استصحاب عدم الغروب هناک، لأ نّه إن کان عبارة عن سقوط القرص فهو معلوم التحقّق وإن کان زوال الحمرة فهو معلوم العدم، فلا شکّ فی البقاء، بل الشکّ فی انطباق مفهوم الغروب علی هذا أو ذاک، وهو أجنبیّ عن الاستصحاب، یقال هاهنا بأن لا شکّ فی الواقع، لأنّ الإجازة من الجائر متیقّنة، ومن الطرف
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 353
الآخر متیقّنة العدم، والشکّ فی انطباق المالک علی الجائر أو الطرف، فلیس فی البقاء.
لکنّ الظاهر عدم وقع للشبهة لا هناک ولا هاهنا، لتحقّق الشکّ وجداناً فی بقاء النهار هناک وإن کان منشأه فی الواقع الاشتباه فی المفهوم، فدوران الأمر بین الأمرین المعلوم کلّ منهما علی فرض محقّق الشکّ فی بقاء النهار.
فالشکّ فی بقائه تارة یکون لأجل الشکّ فی ذهاب الحمرة بعد إحراز المفهوم، واُخری لأجل الشبهة فی المفهوم، وهی محقّقة الشکّ وجداناً لامنافیته.
وکذلک فی المقام ؛ لأنّ الشکّ فی بقاء عدم إذن المالک الواقعی وجدانی وإن کان منشأه العلم الإجمالی بأنّ مالکه هو الجائر المجیز أو غیره. وبالجملة لا یمکن إنکار هذه الواقعة أی العلم بعدم إجازة المالک الواقعی لهذا المال والشکّ فی بقائه وتبدّله.
نعم، هنا شبهة اُخری هی أنّ المعتبر فی الاستصحاب وحدة القضیة المتیقّنة والمشکوک فیها. وبعبارة اُخری: یعتبرتعلّق الشکّ بعین ما تعلّق به الیقین، ولیس فی المقام کذلک، لأنّ العلم قدتعلّق بشیء والشکّ بالآخر.
ویتّضح ذلک بالتدبّر فی مورد استصحاب الکلی من القسم الثانی کالفرد المردّد بین طویل العمر وقصیره بعد مضی زمان احتمال بقاء القصیر، فإنّه قد یراد فیه استصحاب الکلّی بین الحیوانین منقطع الإضافة عن الخصوصیّات، فلا کلام فیه هاهنا، بل الظاهر وحدة القضیتین وعدم الإشکال من هذه الجهة.
وقد یراد استصحاب شخص الحیوان الموجود فی الخارج، بأن یقال: قد علم
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 354
تحقّق حیوان شخصی خارجی وجزئی حقیقی قبل مضی زمان العلم بزوال القصیر، وبعده شکّ فی بقاء ذلک الجزئی، فیستصحب.
وفیه: أنّ القضیّة المتیقّنة هاهنا غیر القضیّة المشکوک فیها، لأنّ الیقین تعلّق بحیوان مردّد بین القصیروالطویل، ضرورة عدم تعلّقه بخصوص الطویل أو القصیر، والشکّ فی البقاء لم یتعلّق بالحیوان المردّد بینهما، بل هنا احتمالان کلٌّ تعلّق بأحد طرفی التردید: احتمال بقاء الحیوان وهو متعلّق بالطویل، واحتمال عدمه وهو متعلّق بالقصیر.
وبعبارة اُخری: ما هو محتمل البقاء وهو الطویل محتمل التحقّق من أوّل الأمر، کما أنّ ما هو محتمل الزوال محتمل التحقّق، وما هو یقینیّ التحقّق ومحتمل البقاء هوالکلیّ الجامع بینهما.
وإن شئت قلت: إنّ المتیقّن هو المعلوم بالإجمال إذا لوحظ الموجود الخارجی بخصوصیّته، فإنّ الحیوان فی الخارج وإن کان جزئیّاً حقیقیّاً لکن العالم مردّد بین کونه طویل العمر أو قصیره، وهذا عبارة اُخری عن العلم الإجمالی والفرد المردّد بحسب وجدان العالم، والشکّ فی البقاء لم یتعلّق بهذا المعلوم بالإجمال، لأنّ معنی تعلّقه به أن یشکّ فی بقاء هذا المعلوم المجمل المردّد، فإذا علم بوجود حیوان مردّد بین الفرس والحمار وشکّ فی موت ما هو المردّد المجمل بأن احتمل موته سواء کان فرساً أو حماراً کان الشکّ متعلّقاً بعین ما تعلّق به الیقین وتکون القضیتان متّحدتین.
وأ مّا فی المقام فلیس کذلک، لأ نّه لا یحتمل زوال الحیوان المردّد بین الطویل والقصیر کما هو واضح.
وما نحن فیه کذلک، لأنّ المال الذی لم یتعلّق به إذن المالک معلوم بالإجمال ومردّد بین کونه للجائر أو غیره، وبعد إذن الجائر علم بتبدّل عدم إذنه بالوجود،
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 355
وعلم ببقاء عدم إذن الطرف لو کان مالکاً، لکنّ الشکّ فی بقاء عدم إذن المالک لأجل احتمال کون المالک غیر الجائر لا لاحتمال عدم التبدّل سواء کان المالک جائراً أم غیره، فمحتمل البقاء محتمل التحقّق لا متیقّنه.
وبالجملة المتیقّن معلوم بالإجمال، ومحتمل البقاء أحد المحتملین دون الآخر، فاستصحاب عدم وقوع الإذن من المالک کاستصحاب عدم التملیک منه غیر جار، فتدبّر، فإنّه حقیق به.
وأ مّا استصحاب الکلّی فلا مسرح له فی المقام، لأنّ أحد طرفی التردید مالک والآخر غیر مالک، ولا یعقل أن یکون الجامع بینهما القابل للصدق علیهما المالک غیر الآذن، مع أنّ فی استصحاب الجامع فی المقام إشکالاً نغمض عنه.
صحّة التمسّک بالأصل الحکمی
ثمّ إنّ الظاهر جریان الأصل الحکمی، وهو أصالة بقاء حرمة التصرّف فی المجاز فیه من قبل الجائر، لأنّ عدم جوازه قبل إجازته کان معلوماً بالتفصیل وإن کان منشأه معلوماً إجمالاً، وهو نظیر العلم بنجاسة مائع تفصیلاً مع التردّد فی أنّ نجاسته من وقوع قطرة من دم زید فیه أو عمرو، فالتردّد فی المنشأ لا فی المعلول.
فالعلم التفصیلی متعلّق بحرمة التصرّف فی المال المأخوذ، والشکّ فی بقائها عیناً.
ففرق بین المقام وما تقدّم کما یظهر بالتأ مّل.
کما أنّ استصحاب عدم النقل بعد تملیک الجائر لا مانع منه.
فی اعتبار ید الجائر وعدمه
ثمّ إنّه ربما یتوهّم أنّ الید معتبرة فی المأخوذ بعد العلم التفصیلی بحرمة ما
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 356
فی ید الجائر.
وفیه: أنّ ما قلنا فی عدم تأثیر العلم الإجمالی وعدم منجّزیّته فی حرمة التصرّف، لا قبل الإجازة ولا بعدها، للعلم التفصیلی بحرمة الجمیع قبلها وحرمة ما فی ید الجائر بعدها. وأنّ العلم بأنّ هذا مال زید أو مال الجائر لا یؤثّر فی حرمة التصرّف.
غیر جار هاهنا، لأنّ الید أمارة عقلائیّة أنفذها الشارع، وهی کاشفة عن مالکیّة ذی الید، ویترتّب علی ما فی یده جمیع آثار الملکیّة الواقعیّة من البیع والشراء والصلح والإجارة ونحوها، بل یجوز الشهادة علی ملکیّة ذی الید، ومع العلم الإجمالی بأنّ بعض ما فی یده لیس منه تسقط یده عن الأماریّة والحجّیة، سواء کان مستندها الدلیل الشرعی، کقوله: «من استولی علی شیء منه فهو له»، أو بناء العقلاء، لعدم البناء جزماً علی ترتیب آثار ملکیّة ذی الید علی مالین یعلم بأنّ أحدهما مغصوب ولا علی أحدهما المعیّن، فلا محالة تسقط عن الاعتبار وذلک من غیرفرق بین کون المالین تحت یده أو نقلهما أو نقل واحداً منهما إلی غیره، ومن غیر فرق بین ما إذا أجاز فی تصرّفهما أو تصرّف واحد منهما أو لا. فالعلم التفصیلی بحرمة التصرّف أجنبی عن المقام، مع أنّ اعتبار إجازة التصرّف فیه ونفوذ تملیکه مستنداً إلی الید موقوف علی اعتبارها قبلهما، فلا یعقل توقّف حجّیتها علی أحدهما. نعم، لو قلنا بأنّ المستند لها هو الدلیل التعبّدی، أی قوله: «من استولی علی شیء...»، بناء علی عدم وروده إمضاءً لما فی ید العقلاء، یمکن أن یقال: إنّ إطلاقه
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 357
یقتضی حجّیتها ولو فی موارد لم یحرز بناء العقلاء علی العمل أو أحرز عدم بنائهم علیه، فیصح أن یقال: إنّه مع خروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء مطلقاً، بناء علی سقوط أثر العلم به أو مع سقوط العلم بوجه آخر، تکون الید حجّة بالنسبة إلی سائر الأطراف، فیفصّل بین کون المستند فی اعتبار الید بناء العقلاء، فیقال بعدم اعتبارها مطلقاً، وبین کونه الدلیل الشرعی، فیفصّل بین سقوط العلم عن التنجیز وعدمه.
هذا بناء علی إطلاق أدلّة اعتبار الید بالنحو المشار إلیه لکنّه لا یخلو من تأ مّل.
ویمکن دعوی بناء العقلاء علی ترتیب آثار الید فی بعض الأطراف المبتلی به مع کثرة الأطراف وإن لم تبلغ حدّ غیر المحصورة، والمسألة محتاجة إلی الفحص والتأمل.
اختصاص أصالة الصحّة بالوضعیات والعلم الإجمالی مانع عن جریانها
وأ مّا أصالة الصحّة المتشبّث بها للمقصود فإن کان المراد منها أصالة الحمل علی المباح فی دوران الأمر بین حرمة العمل وحلّیته فیقال: إنّ تصرّف الجائر فی الجائزة بنحو الإجازة فی التصرّف فیها أو الإعطاء لها محمول علی الإباحة الواقعیّة، ولازمها ملکیّته ونفوذ إجارته وتملیکه فیدفع بها احتمال حرمة تصرّف المجاز، واحتمال عدم النقل إلیه والاُصول الحکمیّة محکومة لأصالة الصحّة ولو قیل بعدم حکومتها علی الاُصول الموضوعیّة لما عرفت من عدم جریانها فلیس فی المقام إلاّ أصالة حرمة التصرّف وأصالة عدم الانتقال.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 358
فیمکن أن یناقش فیها بأنّ المحرز من بناء العقلاء علی اعتبار أصالة الصحّة، وکذا الأدلّة الشرعیّة التی یظهر منها مفروغیّة اعتبارها فی الأبواب المتفرّقة الکثیرة کجواز الاکتفاء بتجهیز المیّت الصادر من المسلم مع احتمال فساده، والأدلّة المرغّبة إلی الجماعة مع احتمال بطلان صلاة الإمام والمأمومین الحائلین فی الصفوف، وأدلّة تنفیذ الوکالة وجواز ترتیب الآثار علی فعل الوکیل وکذا الوصی، إلی غیر ذلک من الأدلّة الظاهرة فی جواز الاتّکال علی فعل الغیر من أوّل الفقه إلی آخره، وقلّما کان فی الفقه موضوع نحو أصالة الصحّة فی وفور الأدلّة علی اعتباره وإن لم یکن شیء منها بعنوانها لکن یعلم منها مفروغیّتها.
هو حمل الفعل الذی له جهة صحّة وجهة فساد علی الصحّة الواقعیّة مع الشرائط المقرّرة فی محلّه.
فبناء العقلاء علی ترتیب آثار الصحّة علی أفعال تقع تارة صحیحة واُخری فاسدة کالعقود والإیقاعات، وکانوا یشهدون علی ما ملکه الغیر ببیع وصلح ونحوهما، ویتزوّجون المطلّقات ولا یعتدّون باحتمال الفساد.
ولم یحرز بناؤهم علی حمل فعل مردّد بین الحرمة والحلّیة التکلیفیّة علی الحلّیة الواقعیّة فیحلفون علی کون فعله حلالاً ویشهدون علیه مع احتمال الحرمة، بل خلافه محرز.
إذ الدوران بین الحرمة والحلّیة لیس من دورانه بین الصحّة والفساد بالمعنی المتقدّم الذی هو موافق للعرف والاعتبار . وهذا العنوان وإن لم یکن موضوع دلیل لفظی، بل هو عنوان مأخوذ فی کلام الفقهاء، لکن یمکن الاستیناس به
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 359
لاختصاص حجّیتها بالمورد المتقدّم.
وکیف کان نحن لا نحتاج إلی الدلیل علی العدم، بل یکفی عدم الدلیل علی اعتبارها فی المورد.
وإن اُرید منها الصحّة الوضعیّة أی نفوذ إجازته وصحّة هبته وجائزته لیستکشف منها ملکیّة الجائر ویترتّب علیها آثارها.
ففیه: أنّ المسلّم من بناء العقلاء والأدلّة الشرعیّة غیر مورد العلم الإجمالی سواء کان منجّزاً أم لا، مضافاً إلی أ نّه لا یثبت بأصالة الصحّة إلاّ صحّة العقد ونحوه، وکون المال لغیره لاینافیها کما قرّر فی محلّه.
مضافاً إلی إمکان الاستدلال بعدم جواز ترتیب تلک اللوازم أی کشف الملکیّة ونحوها علیها بقوله فی روایة حفص بن غیاث الواردة فی اعتبار الید: «ولو لم یجز هذا لم یقم للمسلمین سوق».
فإنّ الظاهر منها أنّ سلب اعتبار الید موجب لاختلال نظم السوق، مع أ نّه لو ترتّبت علی أصالة الصحّة تلک اللوازم وثبتت بها الملکیّة وغیرها من الآثار لما اختلّ نظام السوق بواسطة عدم اعتبارها، بل لما احتاج المسلمون إلی اعتبارها فی قیام سوقهم، ولو فرض فی بعض الموارد النادرة الاحتیاج إلیه لما کان موجباً لاختلاله مع عدم اعتبارها مطلقاً.
فتحصّل من جمیع ما مرّ أنّ فی بعض الموارد علی بعض المبانی تکون الید حجّة ویصحّ الاستناد إلیها ویدفع بها استصحاب حرمة التصرّف وعدم الانتقال، وفی سائر الموارد تکون أصالة حرمة التصرّف وعدم الانتقال محکّمة وتقدّم علی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 360
أصالة الحلّ تحکیماً.
هذا کلّه فیما علم إجمالاً بأنّ هذا المال المأخوذ مثلاً من الغیر، أو ذلک فیما هوفی معدود، وأ مّا إذا علم أنّ فیأموال فلان مالاً محرماً وکان له طرق معاش محلّلة وبعض طرق محرّمة فالظاهر قیام بناء العقلاء والسیرة المتشرعة علی اعتبار یده، وهذه الصورة خارجة من مفروض مسألتنا هذه وسیأتی الکلام فیها.
صورة تنجیز العلم الإجمالی فی جمیع الأطراف
ثمّ إنّ الشیخ الأنصاری تعرّض لمسألة اُخری فی ذیل المسألة الثانیة تکون من شقوقها أو مسألة مستقلّة، وهی صورة تنجیز العلم الإجمالی جمیع الأطراف. وتفصیل القول فیه بوجه یتّضح الحال فیمطلق العلم الإجمالی أ نّه تارة یکون العلم الإجمالی من قبیل المقام، وهو ما کان الأطراف مسبوقة بالعلم التفصیلی مع عدم إیجاب جریان الأصل فیها للمخالفة العملیّة، فاستصحاب حرمة التصرّف فی کلّ من الأطراف جار وحاکم علی أصالة الحلّ، بناء علی جریانه فی الأطراف فی هذا الفرض، وبناء علی عموم أدلّة الحلّ للأطراف المعلوم بالإجمال.
وأ مّا فی سائر الصور وفی مطلقها بناء علی سقوط الاُصول فی الأطراف بالمعارضة أو عدم جریانها فربّما یقال: مقتضی إطلاق أدلّة الحلّ وخصوص صحیحة عبد اللّٰه بن سنان عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، قال: «کلّ شیء فیه حلال وحرام فهو لک حلال أبداً حتّی تعرف الحرام منه بعینه فتدعه»، حلّیة جمیع الأطراف وسقوط العلم الإجمالی رأساً، وقد تقدّم عدم محظور عقلی فیه.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 361
معنی قوله: «کلّ شیء فیه حلال وحرام ...»
وفیه أنّ فی الصحیحة احتمالات:
أحدها: أنّ المراد بالشیء هو الموجود المتشخّص کما هو ظاهره، والضمائر راجعة إلیه. فیکون المعنی: کلّ موجود شخصی فی الخارج فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتّی یتمیّز الحلال والحرام ویعرف الحرام بعینه. فیختصّ بمورد اختلاط الحلال والحرام وحصول موجود شخصی عرفی، کاختلاط الخلّ والخمر . وهذا بعید جدّاً سیّما مع عدم تحقّق الغایة مطلقاً أو نوعاً.
ثانیها: هذا الاحتمال، لکن مع إرجاع ضمیر فیه إلی جنس الشیء المتشخّص استخداماً. فالمعنی: کلّ متشخّص فی جنسه نوع حلال ونوع حرام مع الجهل بانطباق أحد العنوانین علیه فهو حلال حتّی تعرف أ نّه حرام بعینه باندراجه تحت النوع الحرام. فیختصّ بالشبهة البدویّة، أو یعمّ أطراف العلم الإجمالی بإطلاقه.
ثالثها: أن یراد بالشیء الطبیعة، فالمعنی: کلّ طبیعة قسم منها حلال وقسم حرام فهی حلال حتّی تعرف القسم الحرام فتدعه. وهذا کالثانی فی الاختصاص بالشبهة البدویّة أو الإطلاق.
رابعها: أن یراد بالشیء مجموع شیئین فصاعداً مع اعتبار الوحدة. فیراد: کلّ مجموع فیه حلال وحرام أی بعضه حلال وبعضه حرام فذلک المجموع حلال أبداً حتّی تعرف الحرام فتدعه.
وأ مّا احتمال أن یکون المراد من قوله: «فیه حلال وحرام» احتمالهما: فبعید غایته.
فعلی الاحتمال الأوّل والرابع تکون واردة فی خصوص المعلوم بالإجمال أو
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 362
المختلط بنحو ما مرّ، لکن الاحتمالین ضعیفان مخالفان لفهم العرف، أ مّا الأوّل فظاهر. وأ مّا الرابع فلأنّ حمل کلّ شیء علی کلّ مجموع واحد بالاعتبار فی غایة البعد.
فالأظهر هو الاحتمال الثالث.
ویؤیّده ورود نظیرها فی ذیل روایات الجبن: کروایة عبد اللّٰه بن سلیمان، قال: سألت أباجعفر ـ علیه السّلام ـ عن الجبن؟ فقال لی: «لقد سألتنی عن طعام یعجبنی» إلی أن قال: قلت: ما تقول فی الجبن؟ قال: «أو لم ترنی آکله؟» قلت: بلی ولکنّی أحبّ أن أسمعه منک، فقال: «سأخبرک عن الجبن وغیره: کلّ ما کان فیه حلال وحرام فهو لک حلال حتّی تعرف الحرام بعینه فتدعه».
فإنّ السؤال عن الطبیعة ولو بلحاظ وجودها، لا عن خصوص مصداق أو مصادیق منضمّة بعضها ببعض. ولعلّ منشأ سؤاله علمه بأن یجعل فی بعض الأمکنة فیه المیتة، کما ربّما تشهد به روایة أبی الجارود، قال: سألت أباجعفر ـ علیه السلام ـ عن الجبن؟ فقلت له: أخبرنی من رأی أ نّه یجعل فیه المیتة؟ فقال: «أمِنْ أجل مکان واحد یجعل فیه المیتة حرّم فی جمیع الأرضین ؟ ! ...».
فعلیه لا یراد بها خصوص المعلوم بالإجمال، بل إمّا یراد بها خصوص المشتبه بدواً، أو مقتضی إطلاقها التعمیم، لکنّ الأخذ بهذا الإطلاق مشکل أو ممنوع.
أ مّا أوّلاً فلإعراض الأصحاب عنه، فإنّه لم ینقل جواز ارتکاب الجمیع إلاّ عن شرذمة من المتأخّرین، والکلام هاهنا فی مطلق المعلوم بالإجمال، لاخصوص الجوائز، وسیأتی الکلام فیها.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 363
وأ مّا ثانیاً فلأنّ العقل وإن لا یأبی عن تجویز ارتکاب جمیع الأطراف لماتقدّم لکنّ العرف والعقلاء یأبون عنه بعد ما لا یحتمل تخصیص الواقع، لأنّ الحکم الظاهری لا یخصّص الأحکام الواقعیّة حتّی یحتمل فی مورد التخصیص عدم الاقتضاء فی الموضوع.
ولا یحتمل أن یکون عروض الشبهة موجباً لتغییرمفسدته، فلا محالة یکون الموضوع باقیاً علی مفسدته، لکن فی الشبهة البدویّة یکون التحلیل الظاهری لمصلحة فی التوسعة أو مفسدة فی التضییق تکون فی نظر الشارع الأقدس مراعاتها أهمّ من المفسدة المبتلی بها فی بعض الأحیان، بخلاف أطراف العلم الإجمالی، فإنّ ترک العقول بحالها من إلزام الاجتناب لا یوجب مفسدة غالبة علی مفسدة الواقع ولا یکون فی ترک الأطراف مضیقة وحرج.
وإن شئت قلت: إنّ ما ذکرناه سابقاً من عدم کون الترخیص فی جمیع الأطراف ترخیصاً فی المعصیة إنّما هو بنظر العقل الدقیق المخالف لنظر العرف، وأ مّا بهذا النظر فیکون الترخیص فی جمیع الأطراف مستبعداً أو قبیحاً، فتکون مثل تلک الروایة قاصره عن إثباته.
فلو صحّ ذلک فلابدّ من الالتزام بجواز إیقاع المکلّف نفسه فی الشبهة فیخلط الحرام بالحلال عمداً فیرتکب الجمیع، وهو کما تری.
وتوهّم أنّ الروایة متعرّضة لحال ما کان مشتبهاً بطبعه وبلا اختیار تحکّم.
وبالجملة أنّ الروایة فی محیط العرف مخصّصة أو منصرفة عن أطراف العلم الإجمالی.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 364
معنی قوله: «کلّ شیء هو لک حلال ...»
وأ مّا موثّقة مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، قال سمعته یقول: «کلّ شیء هو لک حلال حتّی تعلم أ نّه حرام بعینه فتدعه من قبل نفسک، وذلک مثل الثوب یکون علیک قد اشتریته وهو سرقة، والمملوک عندک لعلّه حرّ قد باع نفسه أو خدع فبیع قهراً، أو امرأة تحتک وهی اُختک أو رضیعتک. والأشیاء کلّها علی هذا حتّی یستبین لک غیر ذلک أو تقوم به البیّنة».
ففی کونها من أدلّة أصالة الحلّ إشکال منشأه عدم انطباق شیء من الأمثلة المذکورة فیها علی أصالة الحلّ، لأنّ احتمال السرقة فی المال الذی اشتراه من الغیر مدفوع بالید الحاکمة علیها، وکذا الحال فی المملوک. واحتمال اُختیة امرأة تحته وکذا احتمال کونها رضیعته مدفوع ببناء العقلاء علی عدم الاعتناء بتلک الاحتمالات فیما بأید یهم.
ولعلّ منشأه قاعدة الید، فإنّها لا تنحصر علی مورد الشکّ فی ملکیّة الأعیان، بل الاستیلاء والید علی کلّ شیء أمارة عقلائیّة علی ملکیّته له بالمعنی الأعم.
فمن استولی علی موقوفة بعنوان التولیة علیها ویعمل عملها معها یبنی العقلاء علی ولایته وأنّ یده واستیلاءه أمارة علیها. ومن استولی علی امرأة استیلاء زواج یحکم العقلاء بکونها زوجته ویعمل معها معاملة زوجیّته الواقعیّة من غیر اعتناء باحتمال أ نّها اُخته أو رضیعته.
هذا بالنسبة إلی استیلاء الغیر واضح.
والظاهر أ نّه کذلک لو شکّ المستولی بعد استیلائه، سیّما مع معاملته مع
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 365
المستولی علیه معاملة الملکیّة أو الزوجیّة، فمن کانت تحته امرأة یعامل معها معاملة الزواج ثمّ شکّ فی أ نّها اُخته أو رضیعته لا یعتنی به، لأنّ الاستیلاء الزواجی کاشف عن زوجیّته، ولو اعتنی بشکّه یعدّ مخالفاً لطریقة العقلاء، کما أنّ الأمر کذلک فیما استولی علیه من الأموال.
ولعلّ قوله: «من استولی علی شیء منه فهو له»، یعمّ مطلق الاستیلاء، فیعمّ کونه له لمطلق الاختصاص الأعمّ من الاختصاص الملکی، ولو استشکل فیه فلا ینبغی الإشکال فی بناء العرف.
مع أنّ مقتضی الاستصحاب عدم کونها رضیعته. وأ مّا استصحاب عدم کونها اُخته النسبیّة فجریانه مبنیّ علی جریان الأصل فی الأعدام الأزلیّة.
وکیف کان لیس شیء من الأمثلة مورد جریان أصالة الحلّ.
فلابدّ من دفع الإشکال إمّا بأن یقال: إنّ الأمثلة المذکورة لم تذکر مثالاً لقوله: «کلّ شیء هو لک...»، بل ذکرت علی سبیل التنظیرباُمور عقلائیّة للتشابه بینها وبین أصالة الحلّ بوجه، فکأ نّه قال: کما أنّ فی الموارد المذکورة یبنی علی الحلّ کذلک یبنی علیه فی مطلق ما شکّ فیه من غیرنظرإلی وجه البناء علیه، فتکون الروایة بصدد بیان أصالة الحلّ والأمثلة تقریب بالأذهان بوجه.
أو یقال: إنّ قوله: «هو لک» جملة وصفیة لقوله: «کلّ شیء» و«حلال» خبره، فکأ نّه قال: کلّ شیء استولیت علیه حلال حتّی تعلم خلافه. بدعوی أنّ الأمثلة قرینة علیه، وفی ضمیر الفصل إشعار به، فتکون الروایة بصدد بیان جواز ترتیب آثار الحلّیة علی ما استولی علیه تأسیساً أو إرشاداً إن قلنا بموافقته لبناء العقلاء.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 366
أو یقال: إنّ المراد بقوله: «کلّ شیء هو لک حلال» لیس أصالة الحلّ بقرینة الأمثلة بل المراد بیان الحلیّة المنکشفة بتلک الأمارات تأسیساً أو إرشاداً، والمراد بالمعرفة هی الوجدانیّة، أو الأعمّ منها ومن البیّنة المقدّمة علیها، کما جعل فی ذیلها الاستبانة وقیام البیّنة غایة للحلّ.
أو یقال: إنّ المراد بالحلال معنی عام بنحو الجمع فی التعبیر یشمل مورد الأصل والأمارة لا خصوص واحد منهما.
فقد ظهر أ نّها من أدلّة أصالة الحلّ علی بعض الاحتمالات.
والإنصاف أنّ الاتّکال علیها لأصالة الحلّ وإجراءها فی أطراف العلم مشکل فی مشکل، ولو سلّم ذاک وذلک یأتی فیها ما قلناه فی صحیحة ابن سنان.
ما تمسّک به السیّد الطباطبائی من الروایات لعدم لحوق حکم الشبهة المحصورة فی المقام
ثمّ إنّ السیّد الطباطبائی تمسّک بروایات لعدم لحوق حکم الشبهة المحصورة فی المقام بل مطلقاً، أی فی غیر الجوائز وغیر السلطان وعامله فی الجملة و فی جمیع الأطراف:
منها: ما وردت فی شراء السرقة والخیانة، کصحیحة أبی بصیر، قال: سألت أحدهما عن شراء الخیانة والسرقة؟ قال: «لا، إلاّ أن یکون قد اختلط معه غیره، فأ مّا السرقة بعینها فلا، إلاّ أن یکون من متاع السلطان فلا بأس بذلک».
وروایة الجرّاح المدائنی عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ،قال: «لایصلح شراء
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 367
السرقة والخیانة إذا عرفت».
وموثّقة سماعة، قال: سألته عن شراء الخیانة والسرقة؟ فقال: «إذا عرفت أ نّه کذلک فلا، إلاّ أن یکون شیئاً اشتریته من العامل».
أقول: أ مّا الکلام فی السلطان وعامله فسیأتی إن شاء اللّٰه.
وأ مّا فی غیرهما فمحصّل الکلام فیه أنّ الروایتین الأخیرتین مساقهما کمساق سائر ما وردت فی شراء السرقة والخیانة، کقوله فی حدیث المناهی: «ومن اشتری خیانة وهو یعلم فهو کالذی خانها».
وقوله: «من اشتری سرقة وهو یعلم فقد شرک فی عارها وإثمها».
وقوله فی بیع الجاریة المسروقة: «إذا أنبأهم أ نّها سرقة فلا یحلّ، وإن لم یعلم فلا بأس».
هو التفصیل بین العلم والجهل، لا العلم الإجمالی والتفصیلی، فلا دلالة فیها علی مطلوبه.
مع أنّ توهّم نفی البأس عن بعض الأطراف بالخصوص بلامرجّح کما تری، تأ مّل. وعن کلیهما دفعة أو تدریجاً مخالف للروایات المذکورة، ضرورة أنّ من اشتری مجموع أمرین یعلم کون أحدهما سرقة، أواشتری مخلوطاً من المسروق وغیره فقد اشتری السرقة وهو یعلم وصدق أ نّه اشتری السرقة مع معرفته بأ نّها سرقة.
مضافاً إلی أنّ الظاهر من مرسلة ابن أبی نجران عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ،
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 368
قال: «من اشتری سرقة وهو یعلم فقد شرک فی عارها وإثمها» أنّ الشرکة فی العار أمر عقلائی لا تعبدی. ومن الواضح أنّ شراء أطراف ما علم کون بعضها سرقة دفعةً أو تدریجاً عار وعیب لدی العقلاء ویعدّ مشتریها آکل مال السرقة. والظاهر أنّ شراء بعض الأطراف أیضاً لا یخلو من عار وعیب، بخلاف مورد الشکّ البدوی مع قیام الطرق العقلائیّة علی ملک البائع.
وبالجملة إنّ الظاهر من تلک الروایات هو تجویز المجهول لا المعلوم بالإجمال.
وتوهّم الإطلاق غیر وجیه، وعلی فرض التسلیم فلا شبهة فی الانصراف.
وأ مّا صحیحة أبی بصیر فیمکن أن یقال فیها: إنّ الاختلاط مع غیره فی مقابل السرقة بعینها هو الاشتباه بغیره ، فإنّ قوله: «بعینها» تأکید للسرقة، کأ نّه قال: السرقة نفس السرقة، ولا شبهة فی أنّ المختلط بمعنی الامتزاج إذا اشتری یقع الاشتراء بالسرقة بعینها ونفسها، وکذا إذا اشتری المعلوم بالإجمال بأطرافه یصدق أ نّه اشتری السرقة بعینها.
فتلک الجملة قرینة علی أنّ الاختلاط لیس هو الامتزاج لیلزم التناقض بین الجملتین، بل یراد به الاشتباه شبهة بدویة.
ولو سلّم دلالتها علی جواز شراء المختلط بالحرام فالظاهر أنّ السؤال عن الحکم الوضعی، أی صحّة الشراء، کما هو کذلک فی جمیع الأسئلة الواردة فی الأسباب الشرعیّة والعقلائیّة. فالمراد أنّ شراء السرقة غیر جائز، وأ مّا إذا اختلط بغیره فیصحّ شراؤه، لأ نّه مال یمکن تطهیره بإخراج خمسه أو التصالح أو الصدقة،
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 369
فلا ربط لها بعدم اعتبار العلم الإجمالی.
وبالجملة إنّ تصحیح شراء المختلط لا یدل علی جواز أکل المشتری إیّاه، لعدم کونها فی مقام بیان غیر صحّته، ولو فرض إطلاقه فلا محالة وجب إخراج خمسه بأدلّة ثبوته فی المال المختلط بالحرام.
ولو أغمض عن ذلک فلابدّ وأن یقال: إنّ الاختلاط موجب للتحلیل واقعاً وخروج الملک عن ملکیّة صاحبه ودخوله فی ملک الغاصب لیصحّ الشراء، وهو ـ بعد الغضّ عن مخالفته للقواعد المحکمة وعدم إمکان ترکها إلاّ بأدلّة قاطعة صریحة معمول علیها، وهذه الروایة مع الاحتمال المتقدّم لا تصلح لذلک ـ موجب لوقوع التعارض بینها وبین سائر الروایات المتقدّمة، لأنّ سلب العلم ولو إجمالاً عن الطریقیّة والحجّیة غیر ممکن، فلابدّ من التصرّف فی المعلوم. فلابدّ وأن یقال: إنّ موضوع الحکم فی الصحیحة هو المال المختلط، علم به أم لا. فشراء المال المختلط بالسرقة صحیح واقعاً، علم بها أم لا.
ومضمون تلک الروایات أنّ شراء المعلوم باطل، إجمالاً کان العلم أم تفصیلاً، مختلطاً کان المعلوم أم لا.
فتتعارض الطائفتان تعارض العموم من وجه، والترجیح مع سائر الروایات بوجوه لو قلنا بعمل العلاج فی تعارض العامین من وجه، ومع القول بالتساقط فمقتضی القواعد العامّة عدم الجواز .
ومنها: ما وردت فی باب الربا:
کصحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، قال: «أتی رجل أبی فقال: إنّی ورثت مالاً، وقد علمت أنّ صاحبه الذی ورثته منه قد کان یربی، وقد أعرف أنّ فیه رباً وأستیقن ذلک ولیس یطیب لی حلاله لحال علمی فیه، وقد سألت فقهاء أهل العراق وأهل الحجاز فقالوا: لا یحلّ أکله. فقال أبوجعفر ـ علیه السّلام ـ:
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 370
«إن کنت تعلم بأنّ فیه مالاً معروفاً رباً وتعرف أهله فخذ رأس مالک وردّ ما سوی ذلک، وإن کان مختلطاً فکلْه هنیئاً، فإنّ المال مالک، واجتنب ما کان یصنع صاحبه، فإنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم قد وضع ما مضی من الربا وحرّم علیهم ما بقی، فمن جهل وسع له جهله حتّی یعرفه، فإذا عرف تحریمه حرم علیه ووجب علیه فیه العقوبة إذا رکبه کما یجب علی من یأکل الربا».
وقریب منها صحیحته الاُخری، وروایة أبی الربیع الشامی قال: سألت أباعبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ عن رجل أربی بجهالة ثمّ أراد أن یترکه؟ قال: «أ مّا ما مضی فله، ولیترکه فیما یستقبل». ثمّ قال: «إنّ رجلاً أتی أباجعفر ـ علیه السّلام ـ» وذکر الحدیث المتقدّم.
وأنت خبیر بأنّ مورد بحثنا بعد الفراغ عن الحکم الواقعی، وعدم الفرق بحسب إطلاق الأدلّة والطرق الاجتهادیة بین المعلوم والمجهول، أی کان الحکم متعلّقاً بنفس الطبیعة من غیر قید وإنّما العلم کان طریقاً محضاً إلی الواقع.
وأ مّا إذا اختلف الحکم الواقعی بحسب حال العلم والجهل فهو خارج عن محطّ البحث.
ونحن وإن لم نکن بصدد تنقیح المسألة المعنونة عند الفقهاء فی باب الربا لکن من الواضح للمراجع أنّ المبحوث عنه عندهم فی المال الربوی الحاصل بجهالة والمال المورّث ممّن کان یربی هو الحکم الواقعی، فذهب ابن الجنید إلی التفصیل بین المختلط والمعزول فی الربا بجهالة وفی المورّث ممّن یربی، وقوّاه بعض المتأخّرین استناداً إلی تلک الروایات، فیظهر أنّ مورد کلامهم غیر ما نحن
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 371
بصدده.
وأ مّا صحیحة الحلبی المتقدّمة فالظاهر من قوله فیها: «فإنّ المال مالک» أنّ المختلط ماله واقعاً، ولمّا کان احتمال کون الاختلاط من النواقل بعیداً جداً لایبعد أن یقال: إنّ الأمر بردّ الربا المعروف إلی صاحبه إن کان معروفاً محمول علی الأستحباب .
بل یمکن أن یقال: إنّ الأمر بالردّ لمّا تعلّق بصورة واحدة، وهی معروفیّة المال وصاحبه، تکون سائر الصور، أی صورة اختلاطه مع معروفیّة الصاحب وعدمها، وصورة کون الصاحب غیر معلوم مع معروفیّة المال وعدمها، داخلة فی عدم لزوم الردّ، وذکر أحد مصادیق المفهوم غیر عزیز، ویکون التعلیل للجمیع، لا لخصوص صورة الاختلاط، فیکون الحمل علی الاستحباب حینئذ أقرب.
وعلیه یمکن أن یکون المفروض فی السؤال والجواب صورة جهالة المورّث بحکم الربا، بالقرینة المذکورة وبمحفوفیّة الروایة بما لا یبعد أن تکون قرینة علیه زائدة علی ما ذکرناه وهو قوله: «فإنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم قد وضع ما مضی...». فإنّ الظاهر أنّ التناسب بینه وما تقدّم هو مفروضیّة جهالة المورّث.
ویؤیّده أیضاً روایة أبی الربیع المتقدّمة عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، حیث استشهد ـ علیه السّلام ـ بعد بیان حکم الربا بجهالة بقول أبیه ـ علیه السّلام ـ ، وهو ما فی روایة الحلبی بعینها، وهو شاهد علی أنّ مورد قول أبی جعفر ـ علیه السّلام ـ أیضاً هو الربا بجهالة.
ویحتمل أن یکون مورد السؤال فیها هو الربا مع عدم العلم بکونه بجهالة أو لا، فحینئذ لا یبعد القول بأماریة ید المورّث لما فی یده، لإطلاق قوله: «من
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 372
استولی علی شیء منه فهوله»، ولبناء العقلاء، فحینئذیکون قوله: «فإنّ المال مالک» لأجل انتقاله إلیه ممّن یکون ماله بأمارة شرعیّة فیحمل الأمر بردّ الربا المعروف علی الاستحباب، بل لو قلنا فی تلک المسألة بالتفصیل کما قال به ابن الجنید یکون ذلک فی الحکم الواقعی کما أشرنا إلیه.
وقریب ممّا ذکرناه یقع الکلام فی صحیحة الحلبی الاُخری.
وکیف کان إثبات ما رامه السیّد ـ رحمه اللّٰه ـ بهذه الروایات مشکل بل ممنوع. هذا کلّه فی غیر روایات الباب.
التمسّک بالروایات الواردة فی جوائز السلطان وعمّاله
وأ مّا الروایات الخاصّة بجوائز السلطان وعمّاله:
فمنها: صحیحة أبی ولاّد، قال: قلت لأبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ: ما تری فی رجل یلی أعمال السلطان لیس له مکسب إلاّ من أعمالهم، وأنا أمرّ به فأنزل علیه فیضیّفنی ویحسن إلیّ وربّما أمر لی بالدراهم والکسوة، وقد ضاق صدری من ذلک؟ فقال لی: «کل وخذ منه، فلک المهنأ (الحظ ـ خ ل) وعلیه الوزر».
والظاهر أنّ الرجل المسؤول عنه من هو داخل فی دیوان السلطان نحو الوزیر والمستوفی والوالی. وبالجملة المراد منه أهل الدیوان لا من یعمل للسلطان شخصه کالخیّاط ونحوه، ولا غیر الدیوانی کمن یعمل للسلطان کالسرّاج
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 373
والصیقل.
ویظهر من الجواب أنّ المراد منه غیر الشیعی المجاز من قبل الأئمّة ـ علیهم السلام ـ فی الدخول فی أعمالهم، وهو واضح.
ویراد بقوله: «لیس له مکسب»، أن لا معیشة له إلاّ من أعمالهم، ولیس المراد الکسب المساوق للتجارة ظاهراً حتی یقال: إنّ المراد منه الأجیر للسلطان فی عمل.
والظاهر أنّ تقیید مورد السؤال بما ذکر لیس لمجرّد بیان الواقعة من غیر نظر إلی احتمال دخالته فی الحکم، بل هو لأمر ارتکازی عقلائی، وهو أنّ من لامکسب له ولا طریق لمعیشته إلاّ الحرام لا یعتنی العقلاء بیده و لا یعملون مع ما فی یده معاملة ملکه، نظیر ما مرّ فی روایة الاحتجاج فی قضیة وکیل الوقف، حیث قیّد فیها جواز أخذ برّه بکون معاش ومال له غیر الوقف، وقد قلنا: إنّ الجواب موافق ظاهراً لبناء العقلاء فی اعتبار الید.
وعلی ذلک یکون التقیید لاحتمال دخالته فی الحکم، فکأ نّه قال: من لامعاش له إلاّ من عمل السلطان یجوز أخذ جائزته والأکل من طعامه؟ لا للعلم التفصیلی بحرمة ما فی یده، فإنّ العلم به ممنوع نوعاً، لاحتمال کون ما أعطاه من غیر الحرام کإرث أو هدیة ونحوهما، وقلّما یتّفق للوارد علی الوالی والعامل العلم التفصیلی بحرمة عطیّته ونحوها، مضافاً إلی أنّ السؤال معه بعید جدّاً.
وقوله: «ولک المهنأ وعلیه الوزر» لا یراد به ظاهراً أنّ الوزر فی ذلک المال محقّق معلوم حتّی نحتاج فی توجیهه إلی أنّ المفروض فی السؤال معلومیّة حرمته
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 374
علی العامل، سواء کان من الخراج ونحوه أو من صلب مال السلطان أو من الظلم علی العباد، وکان قوله: «لا مکسب له غیر أعمالهم» لإفادة ذلک، وإن احتمل الحلّیة للآخذ، لاحتمال جواز بعضها للشیعة.
بل الظاهر أنّ ذلک تعبیر عرفی یقال فی مورد المشتبه عند السائل، فیقال لمن یأکل من طعام المضیف: إنّ حظّه لک و وزره علیه، أی إن کان فیه وزر. فالتعبیر جار علی ما تعارف عند الناس، ولیس له ظهور فی فرض الوزر الفعلی المحقّق.
وبالجملة لیس ذیل الروایة قرینة علی فرض العلم التفصیلی، بل الصدر قرینة علی الذیل لو سلّم ظهور ماله.
نعم، الظاهر فی مفروض السؤال هو مورد العلم الإجمالی مع خصوصیّة زائدة هی قوّة احتمال کون الجائزة من الحاصل فی أعمالهم، إذ لا مکسب له غیره.
ومن ترک الاستفصال یستفاد أنّ الحکم جار فیما إذا علم إجمالاً باشتمال أموال العامل علی محرم غیر نحو الخراج والزکاة، سیّما مع کثرة الظلم فی دیوانهم وأخذهم مال الناس زائداً علی الأموال المفروضة فی الإسلام.
ثمّ الظاهر أنّ مورد الروایة هو کون الجائزة والضیافة من أطراف المعلوم بالإجمال، وسائرالصور خارجة عنه حتّی مورد العلم الإجمالی باشتمالهما علی محرم، لغایة بعد حصول العلم لمن ورد علی العامل وصار ضیفاً له بغتة علی اشتمال ضیافته أوجائزته علی العین المحرّمة.
فمورد السؤال والجواب هو الصورة التی قلنا فیها بحرمة التصرّف بحکم الاستصحاب، أی ما إذا کان بعض الأطراف مجازاً أو جائزة دون سائر ما فی ید المجیز، فالصورة التی فرضها الشیخ الأنصاری فی ذیل الصورة الثانیةخارجة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 375
عن مورد الروایة، وإنّما موردها هو الصورة الثانیة. وقد عرفت حال الید وأصالة الصحّة والخروج عن محلّ الابتلاء.
فصحیحة أبی ولاّد مخالفة لاستصحاب حرمة التصرّف فی المال، وللعلم الإجمالی الموجب لسقوط الید عن الاعتبار، لما عرفت من سقوطها ولو لم تکن الأطراف أو بعضها جائزة التصرّف له.
إلاّ أن یقال: إنّ جریان الاستصحاب وسقوط الید عن الاعتبار إنّما هو فی موردٍ عُلِمَ إجمالاً أنّ هذا المجاز أو الجائزة من مال الغیر أو ذاک الذی تحت ید المجیز، ویلحق به ما إذا لم یکن للمجیز معیشة إلاّ من الحرام کالسرقة وقطّاع الطریق وغیرهما ممّن کان طریق معاشه منحصراً فی غیر المشروع. وأ مّا من کان له طرق مشروعة لمعاشه فیده معتبرة ولو علم إجمالاً بأنّ فی أمواله مغصوباً أو محرّماً، لما مرّ أنّ بناء العقلاء وسیرة المتشرعة علی معاملة الملکیّة مع ما فی ید التاجر وغیره ولو مع العلم بأنّ فی أمواله محرّماً، وتدلّ علیه الروایة المتقدّمة فی متولّی مال الوقف.
فیمکن أن یقال فی المقام: إنّ مورد السؤال هو جائزة من یلی عمل السلطان ولا مکسب له غیره. والظاهر أنّ ضیق صدره لأجل اعتقاده بأنّ ما فی ید العامل حرام نوعاً ولو کان من قبیل الخراج والمقاسمة والزکاة، لعدم أهلیتهم لأخذها، ولعلّه الظاهر من تقییده بأن لا مکسب له غیر أعمالهم، وقد قلنا بسقوط الید لدی العقلاء إذا کان ذو الید ممّن لا شغل له إلاّ الحرام.
والجواب بالحلّ لعلّه لأجل کون نوع ما فی ید العمّال من الخراج والمقاسمة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 376
والزکاة، ممّا أخذها السلطان بدعوی ولایته الشرعیّة حلالاً أخذه وشراؤه وکان الزارع المأخوذ منه فارغ الذمّة منها شرعاً کما یأتی الکلام فیه.
فحینئذٍ یکون ید العامل الذی لا شغل له إلاّ عمل السلطان علی الجوائز والأموال الاُخر کید التاجر الذی لا شغل له إلاّ التجارة وإن علم أنّ فی تجارة هذا وما فی ید ذاک محرّماً، فکما أنّ ید التاجر کاشفة عن ملکیّته ومعتبرة لدی العقلاء والمتشرعة کذلک ید العامل علی الأموال التی تحت استیلائه کاشفة عن کونها مأخوذة خراجاً ومقاسمة ونحوهما لا ظلماً وعدواناً، فهذه الید معتبرة لدی العقلاء والمتشرعة بعد حلّیة ما ذکر وإن علم إجمالاً أنّ فی جملة الأموال التی تحت یدهم مالاً مغصوباً.
فلا یبعد أن تکون الروایات الواردة فی حلّ الجوائز موافقة للقاعدة بعد البناء علی حلّیة الخراج ونحوه وجواز أخذها وشرائها من السلاطین وعمّالهم.
ولو نوقش فیکاشفیّتها عن کون المأخوذ خراجاً ونحوه فلا أقلّ من اعتبارها لدی العقلاء وعدم الاعتناء بکونه مأخوذاً ظلماً وعدواناً.
وإن شئت قلت: کما أنّ ما فی ید عامل الصدقات من قبل السلطان العادل یعامل معه معاملة ملکیّته الأعم من الملکیّة الشخصیّة والسلطنة علی جهة الولایة فیشتری العقلاء والمتشرّعة منه ما فی یده وإن علم أنّ ما فی جملة الأموال التی تحت یده حراماً ولا یعتنی باحتمال کون المحرم هذا المبیع، کذلک فی المقام بعد الفرض المتقدّم.
وبعبارة اُخری: إنّ وجه التوقّف عن الأخذ والمعاملة معه إمّا احتمال کونه من مال الصدقة فالمفروض أ نّه أجاز ولیّ الأمر الحقیقی لذلک، أو العلم الإجمالی باشتمال ما فی یده علی المظلمة فقد عرفت عدم اعتناء العقلاء بذلک فی الأشباه والنظائر.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 377
وإن أبیت عن کلّ ما ذکر فلا ینبغی الإشکال فی أنّ الروایات الواردة فی الباب علی کثرتها لاتدلّ علی الحلّ فی غیرالمورد المتقدّم، أی مورد العلم الإجمالی بأنّ فی أموال العامل محرّماً واحتمل کون المأخوذ منه.
وأ مّا سائر الصور الأربع وکذا الصورة التی تعرّض لها الشیخ الأنصاری فی ذیل الصورة الثانیة فلا دلالة لها علیه.
لأنّ قوله: «جوائز السلطان لا بأس به»، وقوله: أمرّ بالعامل فیجیزنی بالدراهم آخذها؟ قال: «نعم»، قلت: وأحجّ بها؟ قال: «نعم»، ونحوهما، منصرفة إلی ما هو المعمول المتعارف المعهود من جائزة السلاطین وعمّالهم من غیر علمهم بأ نّها محرّمة أو فیها محرّم، بل من غیر العلم بأنّ هذا أو ذاک محرّم.
وبالجملة لیست الروایات بصدد تحلیل مال الغیر علی الآخذ بمجرّد کون المأخوذ منه سلطاناً أو عاملاً له.
وإن شئت قلت: إنّ الروایات بصدد بیان جواز أخذ جائزتهم، لا تحلیل المحرّم المعلوم بالتفصیل أو الإجمال، فلا إطلاق لها من هذه الجهة.
نعم، لمّا کانت الصورة الثانیة کالملازم لجوائزهم، بمعنی أنّ العلم بکون بعض أموالهم محرّماً حاصل لنوع الناس، فلا محالة تکون هذه الصورة مشمولة للحکم.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 378
وتشهد لما ذکرناه روایات:
منها: صحیحة معاویة بن وهب، قال: قلت لأبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ أشتری من العامل الشیء وأنا أعلم أ نّه یظلم؟ قال: «اشتر منه».
وقریب منها روایة عبد الرحمان بن أبی عبد اللّٰه عنه ـ علیه السّلام ـ.
ومنها: موثّقة إسحاق بن عمّار، قال: سألته عن الرجل یشتری من العامل وهو یظلم؟ قال: «یشتری منه ما لم یعلم أ نّه ظلم فیه أحداً».
وهی کالنصّ فیما ذکرناه، فإنّه استثنی فیها صورة العلم تفصیلاً أو إجمالاً بأن فیه الحرام.
ومنها: صحیحة أبی عبیدة عن أبی جعفر ـ علیه السّلام ـ ، قال: سألته عن الرجل منّا یشتری من السلطان من إبل الصدقة وغنم الصدقة وهو یعلم أ نّهم یأخذون منهم أکثر من الحقّ الذی یجب علیهم؟ قال: فقال: «ما الإبل إلاّ مثل الحنطة والشعیر وغیر ذلک ؛ لا بأس به حتّی تعرف الحرام بعینه».
ولیس المراد بقوله ذلک العلم التفصیلی وتجویز شراء ما علم إجمالاً أنّ فیه حراماً، بل المراد به ما هو المتعارف من شراء الصدقات، حیث لا یعلم بأنّ فی مورد الشراء محرّماً وإن علم بأنّ فی أموال العامل محرّماً. ویمکن أن یکون «بعینه» تأکیداً للحرام فیعمّ العلم الإجمالی أیضاً.
وبالجملة لیس المراد تجویز شراء أموال المظلوم إلاّ إذا علم تفصیلاً وهو واضح.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 379
منافاة بعض روایات اُخر لما ذکرناه بحسب الظاهر
نعم، هنا روایات ربّما یتوهّم تنافیها لما ذکرناه ومعارضتها لتلک الروایات:
منها: صحیحة أبی بصیر، قال: سألت أحدهما عن شراء الخیانة والسرقة؟ قال: لا، إلاّ أن یکون قد اختلط معه غیره، فأ مّا السرقة بعینها فلا، إلاّ أن یکون من متاع السلطان فلا بأس بذلک».
ومنها: موثّقة سماعة، قال: سألته عن شراء الخیانة والسرقة؟ فقال: «إذا عرفت أ نّه کذلک فلا، إلاّ أن یکون شیئاً اشتریته من العامل».
وقریب منها روایة أحمد بن محمّد بن عیسی فی نوادره، عن أبیه، عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، حیث دلّت علی جواز شراء الخیانة والسرقة المعروفة بعینها من السلطان وعمّاله.
وأنت خبیر بأنّ فی الصحیحة احتمالات:
أحدها: أن یراد بالمسروق من متاع السلطان ما کان لشخصه، ولعلّ نفی البأس لکونه ناصباً، وقد ورد فیه: خذ ماله أینما وجدت.
وعلی هذا الاحتمال لا تنافی بینها وبین ما تقدّمت، لکنّه بعید عن مذاق الشارع، سیّما بالنسبة إلی السلطان الذی تقتضی التقیّة المداراة معه للمصالح العامّة ویکون فی ترکها مظنّة الفتن العظیمة. والظاهر أنّ سیرة الأئمّة ـ علیهم السلام ـ
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 380
المعاملة معهم فی أملاکهم وأموالهم معاملة الملاّک.
ولا ینافی ذلک أن یکون الحکم الأَوّلی هدر دمهم ومالهم، کما أنّ الزواج معهم أیضاً صحیح واقعاً فی دار التقیّة لأنّ أحکامها واقع ثانویّ.
ثانیها: أن یراد به ما سرق من السلطان بما هو سلطان، أی یجوز شراء ما سرق من بیت المال، باعتبار أنّ بیت المال من المسلمین ولیس للسلطان الجائر ولایة علیه.
وهو أیضاً بعید، لما تقدّم فی الوجه الأوّل.
ثالثها: أن یراد به متاع السلطان المسروق من الناس والمأخوذ منهم خیانة، فیراد تجویز شراء المسروق إذا کان السلطان وعمّاله سارقاً، فیراد به التفصیل بین السلطان الجائر وغیره فأجاز شراء مال المظلوم سرقة من السلطان لا من غیره.
وهو أبعد الوجوه، بل ینبغی القطع بفساده، لمخالفته للقواعد المحکمة. العقلیّة والشرعیّة وللأخبار المتقدّمة ولظاهر الروایة.
رابعها: أن یراد بمتاع السلطان ما أخذه بعنوان السلطنة الشرعیّة من الخراج وغیره خیانة علی الإسلام وعلی أئمّة الحقّ الولاة للأمر، ولابأس بتسمیة هذا سرقة. وهو أقرب الاحتمالات من حیث موافقته للعقل ولسائر الروایات ولسیرة الأئمّة وأصحابهم، فلابدّ من حملها علیه وإن لا یخلو من مخالفة ظاهر.
ولو نوقش فیه فلا أقلّ من عدم ظهورها فی الاحتمال الثالث حتّی یتوهّم مخالفتها لما تقدّم.
وعلیه تحمل الروایتان الاُخریان، فیراد من شیء اشتریته من العامل هو ما یکون العامل بما هو عامل کفیلاً لبیعه.
وأ مّا احتمال تجویز شراء المال المسروق من الناس إن کان السارق عاملاً
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 381
فینبغی القطع بفساده، فلا یراد بتلک الروایات إثبات مزیّة للسلطان أو العامل زائدةً علی تجویز الشراء من بیت المال منهم.
بل لا أظنّ ممّا وردت فی الروایات السابقة من تحلیل جوائز السلطان وعمّاله وإن علم أ نّهم یظلمون الناس ویأخذون منهم زائداً عن الحقّ المقرّر علیهم إرادة إثبات مزیّة لهم علی ولاة الحقّ. بل الظاهر أ نّه اُرید بها تجویز الأخذ منهم علی نحو الأخذ من الوالی العادل، لا إثبات الجواز فیما لا یجوز لو کان المعطی السلطان العادل وعمّاله.
ولهذا قلنا: إنّ تلک الروایات موافقة للقواعد بعد جواز شراء الصدقات والخرائج. وعلیه یلحق به کلّ مورد یکون من قبیل المقام، لا لإلغاء الخصوصیّة من الروایات، فإنّه ممنوع، بل لاقتضاء القواعد ذلک.
ثمّ بما ذکرناه فی مفاد الروایات یتّضح عدم معارضتها لروایة الاحتجاج المتقدّمة الواردة فی بعض وکلاء الوقف المستحلّ لما فی یده وفیها: «الجواب: إن کان لهذا الرجل مال أو معاش غیر ما فی یده فکل طعامه وأقبل برّه وإلاّ فلا». فإنّ موردها وهو عدم ممرّ یحل لنا الأخذ منه غیر مورد الروایات، حیث کان فی أیدیهم من الصدقات والخرائج وهی حلال لنا.
3 ـ فیما یعلم تفصیلاً بحرمة ما یأخذه
ومنها: أن یعلم تفصیلاً حرمة ما یأخذه. فحینئذٍ تارة یعلم بإمکان ردّه إلی مالکه أو من بحکمه، واُخری یعلم بعدم إمکانه، وثالثة یشکّ فی ذلک. وعلی التقادیر قد یعلم برضا مالکه بأخذه،وقد یعلم بعدم رضاه، وقد یشکّ فیه. وعلی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 382
التقادیر قد یحصل العلم بالحرمة قبل وقوعه فی یده، وقد یحصل بعده.
الإشارة إلی مفاد الأدلّة الاجتهادیة وحدود دلالتها
وقبل التعرّض لحال الصور لا بأس بالإشارة إلی مفاد الأدلّة الاجتهادیة وحدود دلالتها:
فنقول: منها: موثقة سماعة عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ فی حدیث أنّ رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم قال: «من کانت عنده أمانة فلیؤدّها إلی من ائتمنه علیها، فإنّه لایحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطیبة نفس منه».
والظاهر من نفی الحلّیة فی مقابل الحلّیة بطیب نفسه هی الواقعیّة، لا الأعم منها ومن الظاهریّة حتّی یقال باستفادة حکمین منها: أحدهما: نفی الحلّ الواقعی وإثباته لدی طیب نفسه، وثانیهما: نفی الحلّیة الظاهریّة الذی بمنزلة جعل الاحتیاط عند الشکّ فی طیب نفسه، فکأ نّه قال: لا یحلّ ماله مطلقاً واقعاً وظاهراً إلاّ مع طیب نفسه فیحلّ معه واقعاً، فیکون الاستثناء من قسم من المستثنی منه.
فإنّ هذا الاحتمال مخالف للظاهر وموجب للتفکیک بین الصدر والذیل وأن لا یمتنع الجمع بینهما بجعل واحد.
وعلی ما استظهرناه ربّما یقال بجواز التصرّف فی أموال المسلم مع الشکّ فی رضاه لو لم یحرز عدم رضاه بالأصل، وهو مخالف فتوی العلماء وسیرة العرف علی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 383
ما حکی وادعی وهو غیر بعید. ویمکن الاستشهاد له بموثقة أبی بصیر فی باب حرمة سبّ المؤمن عن أبی جعفر ـ علیه السّلام ـ ، قال: «قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم: سباب المؤمن فسوق، وقتاله کفر، وأکل لحمه معصیة، وحرمة ماله کحرمة دمه».
بدعوی کونه بصدد بیان الکیفیّة فی حرمة المال لا أصل الحرمة، بدلیل تغییر اُسلوب البیان فیها، ومقتضیٰ إطلاق التشبیه وجوب الاحتیاط لدی الشکّ کما وجب فی الدم، ولذا اشتهر بینهم وجوبه فیه کما یجب فی الدم .
وربما یقال: إنّ الظاهر عرفاً فی مثل المورد الذی جعل الطیب سبباً لجواز التصرّف هو عدم جوازه إلاّ بإحراز السبب وقیام الحجّة.
وفیه: أنّ الظاهر أ نّه بصدد بیان الحکم الواقعی فی المستثنی والمستثنی منه.
فإن اُرید بما ذکر أنّ الإحراز غایة للحکم الواقعی فمع کونه خلاف ظاهر استثناء عنوان الطیب الظاهر فی الواقعی منه لا إحرازه کما فی جمیع العناوین المأخوذة فی الأحکام، یلزم الالتزام بحرمة التصرّف واقعاً مع طیب نفس صاحب المال واقعاً ما لم یحرز، وهو کما تری، ولا أظنّ التزامهم به.
وإن جعل إحراز الطیب استثناء من الحکم الظاهری فلا حکم ظاهری مجعول إلاّ أن یجعل نفی الحلّ أعمّ من الظاهریّ والواقعیّ والاستثناء لخصوص الظاهری.
أو قیل بعموم المستثنی والمستثنی منه، فیراد منه لا یحلّ المال واقعاً وظاهراً إلاّ مع طیب نفسه واقعاً فیحلّ واقعاً، وإلاّ مع إحرازه فیحلّ ظاهراً.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 384
وکلّ ذلک تعسّفات لا ینبغی التقوّل بها.
ثمّ الظاهر أنّ انتساب عدم الحلّ إلی ذات المال مبنی علی ادعاء وتنزیل، کما فی الأشباه والنظائر علی ما هو التحقیق، لا علی حذف المضاف کما قیل، فیکون مقتضی إطلاق التنزیل ونفی حلّیة الذات نفی حلّیة مطلق التصرّفات.
ودعوی الانصراف إلی التصرّفات الراجعة إلی نفع المتصرّف لا ما یرجع إلی نفع صاحب المال، غیر وجیهة، بل الظاهر منه تحدید حمی المالکیّة وتثبیت سلطنة المالک والمنع عن دخالة الغیر فی سلطانه، فلا وجه لدعوی الانصراف عن التصرّف النافع له برغم أنفه المخالف لسلطنته، من غیر فرق بین کون منعه لذلک لغرض عقلائی أو لا.
وأبعد منها دعوی کونه القدر المتیقّن منه، خصوصاً مع عدم عموم لفظی إلاّ باعتبار حذف المتعلّق الراجع فی تشخیصه إلی العرف.
فإنّ القدر المتیقّن لا یضرّ بالإطلاق، وإلاّ لما سلم إطلاق فی الفقه، وحذف المتعلّق ممنوع کما أشرنا إلیه.
وبالجملة دعوی عدم حلّیة الذات إنّما تحسن إذا کان جمیع التصرّفات غیر حلال، أو نزل حلالها منزلة العدم، وهو یحتاج إلی دلالة.
نعم، یمکن دعوی الانصراف عن مورد لم یکن فی نفس المالک رضاً ولاکراهة فعلاً ولو ارتکازاً إذا کان التصرّف لمجرد الإیصال إلیه.
بل یمکن الاستیناس للحکم فی هذه الصورة بل وصورة الشکّ فی الرضا بأخبار اللقطة، إذ إطلاقها یقتضی جواز الالتقاط مع الشکّ فی رضا صاحبه ومع العلم بخلوّ نفسه من الطرفین.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 385
نعم، الظاهر عدم إطلاقها لحال العلم بعدم الرضا.
فأدلّة حرمة التصرّف وکذا دلیل جعل الاحتیاط فی الأموال مع الشکّ علی فرض وجوده منصرفة عن مثل المقام، فعلیه یجوز أخذ المال للردّ إلی صاحبه مع العلم بخلوّ ذهنه ومع الشکّ فی رضاه.
ثمّ الظاهر من طیب نفسه هو الفعلی منه ولو بنحو الارتکاز والاختزان فی النفس وإن کان غافلاً عنه، فلا یعتبر الالتفات إلی طیب نفسه، بل یکفی ما هو لمخزون فیها.
کما لا یکفی التقدیری منه مع عدم تحقّقه فعلاً، وإلاّ لزم الالتزام بجواز التصرّف مع کراهته الفعلیّة إذا أحرز أ نّه علی تقدیر التفاته بجهة کعلمه وورعه یصیر راضیاً وتطیب نفسه به، وهوکماتری.
ثمّ إنّ الکلام فی هذه الروایة جار فی سائر ما بمضمونها أو قریب منها.
حکم الصور المتصورة من العلم برضا صاحبه أو العلم بعدمه أو الشکّ فیه
إذا عرفت ذلک فلنرجع إلی حال الصور المتقدّمة من حیث الحکم التکلیفیّ والوضعیّ.
فنقول: أ مّا لو علم برضا صاحب المال فلا إشکال فی جوازه فی جمیع الموارد.
کما لو علم عدم رضاه ولو بأخذه وردّه إلیه فلا ینبغی أیضاً التأ مّل فی حرمته، لإطلاق الأدلّة،سواء کان عدم الرضا أو المنع بجهة عقلائی أم لا. ودعوی الانصراف وعدم الإطلاق قد عرفت ما فیهما.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 386
وقد یقال بتعارض الروایة مع نحو قوله عون الضعیف صدقة، کموثقة السکونی عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ: «عونک الضعیف من أفضل الصدقات». بدعوی أنّ أخذ المال من الغاصب والردّ إلی صاحبه من العون علیه.
ومع نحو قوله: «کلّ معروف صدقة»، کما فی صحیحة معاویة بن وهب. فإنّ ذلک معروف فیکون مستحباً کالصدقة.
بل مع نحو قوله: «مـٰا عَلیَ المُحسِنِینَ مِنْ سَبِیلٍ». فإنّ ما ذکر إحسان علی صاحبه.
فمع عدم رضاه أو منعه یمکن أن یقال بسقوطهما بالتعارض والرجوع إلی أصالة الحلّ، بل یمکن أن یقال بحکومتها علیها. نعم، لو کان المنع لغرض عقلائی فالظاهر عدم جوازه، لعدم صدق الإحسان و نحوه، أو مع صدقه یکون مشوباً بالإساءة فیقدّم جانب الحرمة.
وفیه ـ مضافاً إلی أنّ سنخ تلک الروایات الواردة فی المستحبّات لا إطلاق لها حتّی یزاحم المحرّمات ـ أنّ التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه أو مع منعه ظلم علیه لا إعانة وإحسان، ومنکر لا معروف، فیکون خارجاً عن مفادها موضوعاً. ولو سلّم فلا شبهة فی انصرافها عن مثل المورد، فلا وجه للتعارض بینها وبین ما تقدّم. بل لقائل أن یقول: إنّ تنزیل العون والمعروف منزلة الصدقة یستشعر منه عدم جواز التصرّف بغیرإذن صاحبه، کما أنّ الصدقة لا تصحّ ولا تجوز بجهة
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 387
محرّمة. فکما لا تجوز الصدقة بمال الغیر أو بماله إذا تعلّق به حقّ الغیرکذلک لایجوز العون والإحسان مع کون مورده التصرّف فی مال الغیر بلا إذنه أو مع منعه. نعم، قد عرفت جواز الأخذ لمجرد الإیصال إلی صاحبه فی مورد خلوّ ذهنه عن الرضا والکراهة ولو ارتکازاً، وإن لا یجوز سائر التصرّفات لتعلیقها علی طیب نفسه الظاهر فی الفعلیة. وکذا یجوز فی مورد الشکّ فی طیب نفسه، لکونه من الشبهة المصداقیّة للأدلة،ولانصراف دلیل جعل الاحتیاط فی مورد الشکّ عنه علی فرض وجود دلیل لفظی کما أشرنا إلیه. ولو کان الحکم إجماعیّاً یکون المتیقّن منه غیر المورد.
بیان حال استصحاب الحکم التکلیفی إذا شکّ فی رضاه
هذا إذا لم یلحق مورد الشکّ فی عدم الرضا بالعلم به بالأصل، فلابدّ من بیان حال الاستصحاب ومورد جریانه ولا جریانه.
فنقول مقدّمة: إنّ المحتمل فی قوله: «لا یحلّ مال امرئ مسلم إلاّ بطیبة نفس منه» أن یکون بصدد بیان حکم المستثنی، أی الحلّیة مع الطیب، فیکون المراد من قوله: «لا یحلّ ماله إلاّ بالطیب» أ نّه لایتحقّق الحلّ إلاّ بالطیب الذی سببه، ومع فقده ینتفی المسبّب، لا بصدد جعل عدم الحلّ علی موضوعه. فحاصل المراد أنّ الحلّ مسبّب عن الطیب وینتفی بانتفائه، وهو أمر عقلی لامجعول شرعی.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 388
وأن یکون بصدد بیان حکم المستثنی منه، أی جعل عدم الحلّ مع فقد الطیب.
وأن یکون بصدد بیان حکمهما فیکون المجعول عدم الحلّ مع فقد طیب نفسه والحلّ مع تحقّقه. وتظهر الثمرة عند الشکّ فی بعض الموارد.
ثمّ إنّ قوله: «لا یحلّ» یمکن أن یکون بصدد بیان مجعولیّة هذا الأمر العدمی بنفسه وإن فرض استلزامه للحرمة. ویمکن أن یکون کنایة عن مجعولیّة الحرمة، نظیر قوله: «إنّ الخبر الکذائی لا یوافق القرآن»، أو «إنّ فلاناً لا یوافق الفلان فی کذا»، حیث یراد به المخالفة،وقوله: «فلان لا یرضی بذلک»، ویراد به کراهته لانفی رضاه، وهو الأظهر .
والأظهر أ نّها بصدد بیان حکم المستثنی منه، کما یظهر من صدرها، أی قوله: «فإنّ دماءکم وأموالکم علیکم حرام کحرمة یومکم...» ، أو بصدد بیان الجملتین لا بیان خصوص المستثنی.
ثمّ إنّه علی القول بجعل السببیّة فی مثل المقام، أی جعل سببیّة الطیب للحلّ، أو عدمه لعدمه، لا یفید الاستصحاب علی جمیع الاحتمالات، لأنّ نفی المسبّب بنفی سببه عقلی وإن کان جعل السببیّة شرعیّاً، کما أنّ ترتّب المسبب علی سببه عقلی لا شرعی.
فلو قلنا بجعل سببیّة الطیب للحلّ فاستصحاب عدم الطیب لنفی الحلّ عقلی، بل نفی الحلّ علی الفرض الأوّل ممّا تقدّم عبارة عن سلب الحکم الشرعی، لا إثبات الحکم أی عدم الحلّ. فإثباته بهذا السلب أیضاً عقلی، ولو أغمض عنه
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 389
فإثبات الحرمة بسلب الحلّ أیضاً عقلی.
وأ مّا علی القول بجعل المسبّب عقیب السبب فی مثل المقام، فإثبات المسبّب باستصحاب سببه لا مانع منه، وأ مّا نفیه بنفیه لا یخلو من کلام.
هذا علی الاحتمال الأوّل، وأ مّا علی غیره فإن قلنا بجعل المسبّب عقیب السبّب فلا إشکال فی أنّ استصحاب عدم الطیب لعدم الحلّ غیر مثبت وإن کان إثبات الحرمة به مثبت، إلاّ أن یکون المجعول حرمة التصرّف.
فالأصل إنّما یجری إن کان المجعول المسبّب عقیب السبب وقلنا بأ نّه الحرمة عقیب عدم طیب نفسه.
ثمّ إنّ جریان الاستصحاب موقوف علی إحراز موضوع الدلیل الاجتهادی به، وهو إنّما یحرز وینقّح إذا کان الموضوع بقیوده مجری الأصل.
ففی المقام موضوع عدم الحلّ أی الحرمة مال امرئ مسلم بلا طیب نفسه، فلابدّ من تنقیحه بالأصل حتّی یترتّب علیه الحکم، فإن کان ذلک بقیوده مسبوقاً بالتحقّق یجری الأصل.
فلو علم أنّ صاحب المال الکذائی کان لا یطیب بالتصرّف فیه وشکّ فی تبدیله یستصحب ویحکم بالحرمة من غیر فرق بین اعتبار طیبه سابقاً أو لا.
کما لو کان صاحب المال غیر بالغ واحتمل عند بلوغه حصول طیب نفسه، فاستصحاب عدم طیب نفسه قبل البلوغ کافٍ لإثبات الحرمة حال البلوغ، لکفایة کون الموضوع ذا أثر حال الشکّ.
إلاّ أن یناقش فی المثال بأنّ موضوع الحکم هو امرؤ کذا وهو رجل بالغ، وبإلغاء الخصوصیّة تدخل المرأة فیه، لا غیر البالغ، فیأتی فیه الإشکال الذی فی الفرض الآتی. فتدبّر.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 390
وأ مّا إن علم بعدم طیب نفسه قبل انتقال المال إلیه فاستصحاب عدم طیب نفس صاحب المال الذی هو موضوع الحکم لا یجری، لعدم الحالة السابقة الیقینیة للمستصحب، وما هو مسبوق بالتیقن هو عدم طیب نفسه بهذا المال لابما هو مضاف إلیه، وهو مع قطع الإضافة لیس موضوعاً للحکم، وإثبات الإضافة بعد الجرّ إلی زمان الملکیّة عقلیّ ولیس الموضوع مرکّباً بل بسیط مقیّد.
وبهذا یظهر عدم جریان استصحاب عدم الطیب بعدم المغصوب منه أو بعدم لمغصوب، فتدبّر.
بیان حال استصحاب الحکم الوضعی إذا شکّ فی رضاه
هذا حال الحکم التکلیفی، وأ مّا الوضعی منه فنقول: إنّ الأخذ إمّا أن یکون بعد العلم بالحرمة أو قبله، وعلی التقدیرین قد یکون مع العلم برضاه، وقد یکون مع العلم بعدمه، أو مع العلم بخلوّ ذهنه منهما، أو مع الشکّ فی رضاه وعدمه، أو خلوّ ذهنه وعدمه.
وعلی أیّ تقدیرتارة یکون الأخذ بإکراه واضطرار تقیّة، وتارة یکون باختیار.
فإذا کان بعد العلم به ومع الاختیار فالضمان وإن لم یثبت ظاهراً لکن ثبوته واقعاً تابع لعدم رضاه واقعاً، کما أنّ عدمه تابع لرضاه واقعاً، ولا دخل للعلم والجهل فیهما، فمع العلم برضاه جاز الأخذ ظاهراً لکنّه موجب لضمان الید، ومع العلم بعدمه لا یجوز ظاهراً ومتجرّ فیه وإن لم یضمن واقعاً، وفی صورة الشکّ أیضاً یکون الضمان الواقعی تابعاً لعدم رضاه.
نعم، مع إحراز عدم طیب نفسه بالأصل کما فی بعض الصور یحکم بضمانه، ومع عدم جریانه فالحکم به تابع لمقدار دلالة دلیل الاحتیاط فی الأموال، فإن دلّ علی لزومه فی الحکم الوضعی أیضاً یحکم بالضمان احتیاطاً، وإن قلنا
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 391
باختصاص دلیله بالتکلیف وعدم دلیل علی الوضعی کما لا یبعد فلا یحکم به، لکون الشبهة مصداقیّة لأدلّته.
ومع العلم بعدم کراهته ورضاه فعلاً لو أخذه بقصد الردّ إلیه یکون محسناً ولا ضمان علیه.
نعم، هنا کلام وهو أنّ نفی السبیل عن المحسن هل یختص بمن کان محسناً فعلاً وفاعلاً، أو بمن کان محسناً فعلاً، أو بمن کان محسناً فاعلاً وإن لم یکن کذلک واقعاً؟
فمن أخذ ضالّة لیردّها إلی شخص بتخیّل أ نّه صاحبها وکان غیره لم یضمن علی الأخیر دون غیره، ومن أخذها لیردها إلی شخص بتخیّل أ نّه غیر صاحبها وکان صاحبها فتلف قبل الرد لم یضمن علی الثانی.
مقتضی الاشتقاق وإن کان الاختصاص بالثانی لکن مقتضی المناسبة بین الحکم والموضوع الاختصاص بالثالث.
حکم ما إذا کان الآخذ مکرهاً أو مضطراً
ولو کان مکرهاً أو مضطرّاً لأجل التقیّة فی أخذه فمع رضاه لا إشکال فیه، ومع عدمه یمکن أن یقال: إنّ الأخذ الإکراهی والاضطراری کلا أخذ بمقتضی دلیل الرفع، الرافع لذات ما أکرهوا علیه وما اضطرّوا إلیه، ومقتضی رفع الذات رفع جمیع آثاره وضعاً وتکلیفاً، وهو حاکم علی دلیل ضمان الید والإتلاف، لأنّ موضوعهما الأخذ والاستیلاء والإتلاف، ودلیل الرفع یرفعهما ویجعلهما بمنزلة العدم.
نعم، لابدّ للآخذ من ارتکاب ما هو أقلّ محذوراً، فیقصد الردّ إلی صاحبه، ومع قصد التملّک یضمن، وکذا مع عدم قصد ردّه إلیه، لإطلاق دلیل الید.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 392
ودعوی عدم إطلاقه غیر وجیهة، کدعوی أنّ الأخذ بمنزلة عدمه مطلقاً، فإنّه لا یضطرّ إلی أخذه بلا قصد ردّه ولا یکره علیه کذلک، بل هو مضطرّ إلی مهملة الأخذ لا مطلقه ولا قسم خاصّ منه.
إن قلت: إنّ دلیل الرفع ینفی ما یضطرّ إلیه وهو لا یضطرّ إلی الأخذ بلاضمان، ومقتضاه نفی الحکم التکلیفی لا الوضعی.
قلت: لا یعقل تقیید الموضوع بحکمه، فالرفع إنّما یتعلّق بالأخذ الذی هو موضوع ضمان الید لا بالأخذ الضمانی. وبعبارة اُخری: إنّ موضوع الضمان هو الأخذ والاستیلاء ولا یعقل أن یکون الأخذ الضمانی، ودلیل الرفع یرفع الموضوع.
إن قلت: لازم ذلک عدم الضمان فی الأکل فی المخمصة وهم لا یلتزمون به. قلت: فرق بین المقامین، فإنّ فی المخمصة لا یضطرّ إلاّ إلی سدّ الرمق وهو یحصل بنفس المال، لا بمال الغیر، ولا بالمال المجّان. وفی المقام یضطرّ إلی أخذ مال الغیر، لا أخذ ذات المال وهو مرفوع، تأ مّل. مع أنّ مقتضی امتنانیّة دلیل الرفع عدم المجانیّة فی الأکل، وأ مّا فی المقام فلمّا کان الضمان علی الجائر لا یکون نفی الضمان عن الآخذ منافیاً للامتنان.
هذا کلّه إذا کان الاخذ بعد العلم بالحرمة، وأ مّا إذا کان قبله فلا یخلو إمّا أن یکون شاکّاً ملتفتاً أو غافلاً، أو قاطعاً بأ نّه مال الجائر .
فعلی الأوّل إمّا أن یکون ید الجائر معتبرة عنده وأمارة علی ملکیّته أو لا.
فعلی الثانی یستصحب عدم طیب نفس صاحب المال إن کان المال مسبوقاً بکونه للغیر مع عدم طیب نفسه، بأن یکون هذا المعنی الموضوع للحکم بجمیع قیوده مسبوقاً بالیقین، وأ مّا إذا کان بعض قیوده مسبوقاً به وبعض آخر حاصلاً
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 393
بالوجدان فلا یجری الأصل ولا یحرز به الربط، لکونه مثبتاً.
وهذا نظیر ما لو کان موضوع جواز التقلید الفقیه إذا کان عادلاً أو الفقیه العادل، فإنّه إذا کان الموضوع مسبوقاً بالیقین بقیوده یجری الاستصحاب، بخلاف ما لو کان فقاهته مسبوقة بالتحقّق دون عدالته وکانت عدالته محرزة بالوجدان حال الشکّ فی فقاهته، فإنّ إجراء استصحاب کونه فقیهاً لإحراز موضوع الدلیل بالأصل والوجدان غیر صحیح، لعدم إثبات الکون الرابط أو التوصیف به إلاّ بالأصل المثبت.
نعم، لو کان الموضوع مرکباً، کأن دلّ الدلیل علی أنّ التقلید یصحّ من رجل عالم وعادل، یمکن إحرازه بالأصل والوجدان وإن لا یخلو من کلام.
والمقام من قبیل الأوّل، فلا یجری الأصل، وفی صورة عدم جریانه لا یجوز الأخذ مع الاختیار إلاّ للإیصال إلی صاحبه مع الإمکان ولإجراء حکم مجهول المالک مع عدمه. ومع الاضطرار والإکراه یأتی فیه الکلام المتقدّم.
وأ مّا مع القطع بکونه مال الجائر، أو الغفلة أو الالتفات وبنائه علی اعتبار یده وأخذه بعنوان التملّک فیقع الکلام فیه فی مقامین:
أحدهما: فی أ نّه هل یکون الأخذ بنیّة التملّک مع الجهل بکونه للغیر موجباً للضمان أو لا؟
الثانی: بناء علی الضمان هل یبقی حکمه مع نیّة الحفظ بعد العلم بالحال أو لا؟
هل الأخذ بنیّة التملّک مع الجهل موجب للضمان أم لا ؟
أ مّا الأوّل فعن الشهید والطباطبائی عدم الضمان مع الجهل.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 394
واستدلّ الأوّل بأنّ یده ید أمانة فیستصحب.
ولعلّ مراده أ نّه بحکم الأمانة فی عدم الضمان، ولعلّ موضوع کلامه هو القسم الشائع من المأخوذ، وهو مورد جهله بأ نّه مال الغیر مع الالتفات والاتّکال علی یده، لا مطلق الجهل.
ولعلّ وجهه أ نّه مع الاتّکال بالأمارة الشرعیّة فی الأخذ بعنوان التملّک یرفع الضمان، ویکون حاله حال الأمانة، بتخیّل أنّ الأمر بالعمل بالأمارة أو الإذن به ینافی التضمین. وهو کما تری.
ولعلّ موضوع کلامه مطلق الجهل، ووجه عدم الضمان أنّ «رفع ما لایعلمون» أعمّ من الوضعی کسائر فقراته.
وفیه: أنّ دلیل جعل الاحتیاط حاکم علی «ما لا یعلمون»، تأ مّل. مع أنّ شموله لمورد قیام الأمارة علی الخلاف ومورد القطع به غیر ظاهر، مضافاً إلی عدم التزام الأصحاب بذلک.
وقد یقال: إنّ دلیل الید لا یشمل مورد الجهل، لأنّ ظاهره الاختصاص بما إذا أخذ المال قهراً علی المالک.
وفیه ما لا یخفی، ضرورة إطلاقه لجمیع أنحاء الأخذ، فالأوفق بالقواعد هو الضمان.
هل یبقی حکم الضمان مع نیّة الحفظ بعد العلم أم لا ؟
المقام الثانی وینبغی تعمیم البحث إلی کلّ ما کان أخذه موجباً للضمان
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 395
سواء علم بالواقعة حال الأخذأم لا.
قد یقال: إنّه إذا نوی الحفظ والردّ إلی صاحبه زال الضمان، وذلک لدخوله تحت عنوان الإحسان الموجب لعدم الضمان المخصص لعموم علی الید فی الابتداء والأثناء.
والحاصل أ نّه إذا انقلبت الید من العدوان والخیانة إلی الإحسان والأمانة ینقلب الحکم.
وربّما یردّ ذلک بأنّ ید الإحسان غیر مقتضٍ للضمان وهو لا یزاحم الید المقتضی للضمان.
وفیه: أنّ مدّعاه تخصیص دلیل الید بدلیل الإحسان، ولیس المقام من قبیل تزاحم المقتضی مع اللامقتضی، إذ لازمه الضمان حتی إذا کان محسناً من أوّل الأمر، وهو کما تری.
فالجواب عن القائل بالانقلاب أنّ مقتضی دلیل الإحسان هو نفی السبیل عن المحسن بما هو محسن، لا نفیه ولو عمّا یقتضی إساءته أو غیر إحسانه، ومقتضی دلیل الید أنّ حدوثها علی الشیء موجب للضمان مستمرّاً إلی زمان التعدیة، فموجب الضمان حدوث الید غیر الإحسانی فقط، ولیس للاستیلاء الإحسانی أثر فی الضمان حتّی یرفع بدلیل الإحسان.
وبعبارة اُخری: إنّ الموجب للضمان الید العدوانی، وهی غیر مرفوعة بدلیل الإحسان، وما صدر عنه إحساناً لیست موجبة للضمان حتّی یرفع.
فتحصّل منه أنّ مقتضی القواعد عدم الانقلاب، ولهذا لا یلتزمون به فی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 396
ید الغاصب.
یجب علی الآخذ ردّ المأخوذ إلی صاحبه
وعلی أیّ تقدیر یجب علی الآخذ ردّ المأخوذ إلی صاحبه بعد العلم بالقضیة مع العلم بعدم رضا صاحبه بقاءه عنده، بل مع الشکّ أیضاً، بدلیل الاستصحاب فیما جری فیه والاحتیاط فی الأموال.
ودلیله فی صورة عدم رضاه ـ مضافاً إلی حکم العقل وإلی أ نّه ظلم وعدوان ـ طلاق الأدلّة، فإنّ إطلاق قوله فی مثل صحیحة الشحّام: «لا یحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطیبة نفسه» عدم حلّ حفظه وحبسه وغیرهما وإن فرض عدم صدق التصرّف علیها، لأنّ مفادها أعمّ منه. و دعوی تقدیر التصرّف قد مرّ بطلانها.
ولازم عدم الحلّ التخلّص عنه بأقرب ما یمکن التخلّص کالمتوسط فی الأرض المغصوبة وذلک بحکم العقل.
وأ مّا التشبّث بأدلّة وجوب ردّ الأمانات فغیر سدید، لأنّ المورد لیس من قبیل الأمانات، بل من الغصب أو نظیره، إلاّ أن یدّعی الأولویّة وهی غیر ظاهرة، فالدلیل علیه ما عرفت.
ویدلّ علیه فی الغاصب صحیحة الحذّاء عن أبی جعفر ـ علیه السّلام ـ ، قال: «قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم: من اقتطع مال مؤمن غصباً بغیرحقّه لم یزل اللّٰه معرضاً عنه، ماقتاً لأعماله التی یعملها من البرّ والخیر، لا یثبتها فی حسناته حتّی یردّ المال الذی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 397
أخذه إلی صاحبه». ونحوها مرسلةً روا یة اُخری.
وعن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلم «من أخذ عصا أخیه فلیردّها».
والصحیحة تدلّ علی وجوب الردّ فوراً ولو کان وجوباً عقلیّاً للتخلّص عن غضب اللّٰه. والظاهر من الردّ الإیصال إلی صاحبه وإیقاعه تحت سلطانه ویده، و لا یکفی مجرّد التخلیة بینه وبین صاحبه، وهو موافق لحکم العرف والعقلاء، بخلاف باب الودیعة، حیث إنّ ارتکاز العقلاء والمناسبات تقتضی صرف ظواهر الأدلّة لو دلّت علی وجوب الردّ، کما علیه الفقهاء أیضاً. وما ذکرناه مناسب لأخذ الغاصب بأشقّ الأحوال، بل الظاهر لزوم الردّ والإیصال وإن کان ضرریّاً أو حرجیّاً، لما ذکر من أخذه بالأشقّ، ولانصراف دلیلهما عنه.
وهل المأخوذ بغیر عدوان وغصب وإن کان علی وجه الضمان کالأخذ مع الجهل، أو الجبر یلحق بالغصب، أو بالودیعة فلا یجب إلاّ التخلیة؟
الأقرب إلحاقه بالغصب فی وجوب إیصاله إلی صاحبه والتخلّص عنه بأقرب الطرق، لعدم حلّ الأموال إلاّ بطیب نفسر صاحبها. نعم، لو کان الإیصال حرجیّاً یمکن رفعه بدلیله.
هل یجب الفحص عن المالک لو کان مجهولاً أم لا؟
ثمّ، لو کان المالک مجهولاً فهل یجب الفحص عنه أو لا؟
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 398
اختار الشیخ الأعظم الثانی، تمسّکاً بإطلاق جملة من الروایات:
کروایة علیّ بن أبی حمزة، قال: کان لی صدیق من کُتّاب بنی اُمّیة، فقال لی: استأذن لی علی أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، فاستأذنت له، فأذن له، فلمّا أن دخل سلّم وجلس، ثمّ قال: جعلت فداک إنّی کنت فی دیوان هؤلاء القوم فأصبت من دنیاهم مالاً کثیراً وأغمضت فی مطالبه، إلی أن قال: فقال الفتی: جعلت فداک فهل لی مخرج منه؟ قال: «إن قلت لک تفعل؟» قال: أفعل. قال له: «فاخرج من جمیع ما کسبت فی دیوانهم، فمن عرفتَ منهم رددت علیه ماله، ومن لم تعرف تصدّقت به». الحدیث.
فإنّ مقتضی إطلاقها جواز التصدّق بلا فحص. والحمل علی مورد الیأس عن معرفة صاحبه کالحمل علی عدم معرفته بعد الفحص خلاف الظاهر.
نعم، لا یبعد انصرافه عن مورد یعلم بالعثور علیه بالفحص، سیّما إذا علم بمعرفته بالفحص قلیلاً.
وبالجملة إنّ ترک الاستفصال دلیل العموم، بل ذیلها دالّ علی عدم لزوم الفحص، إذ من البعید بل غیر الممکن أ نّه کان تفحّص عن صاحب الأموال الکثیرة والأشخاص المتفرّقة ویئس عن معرفتهم فی أشهر قلائل، مع أنّ عدم ذکره الفحص دلیل العدم.
والعمدة هی ترک الاستفصال والإطلاق، وإلاّ فمن الممکن المناقشة فی حجّیة قول الراوی فی بقائه أشهراً قلائل. والإنصاف تمامیّة دلالتها لولا ضعف سندها.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 399
إلاّ أن یقال: لا معنی للإطلاق وترک الاستفصال فی المقام، لأ نّه قضیة شخصیة یحتمل علم الإمام ـ علیه السّلام ـ بالواقعة، وأنّ المورد لا یجب فیه الفحص فتدبّر.
وأ مّا سائر الروایات ففی إطلاقها إشکال:
کصحیحة محمّد بن مسلم عن أبی عبداللّٰه ـ علیه السّلام ـ فیرجل ترک غلاماً له فی کرم له یبیعه عنباً أو عصیراً، فانطلق الغلام فعصر خمراً ثمّ باعه؟ قال: «لایصلح ثمنه» إلی أن قال: ثمّ قال أبوعبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ: «إنّ أفضل خصال هذه التی باعها الغلام أن یتصدّق بثمنها».
فإنّ الظاهر أ نّه بصدد بیان أفضلیّة هذه الخصلة من غیرها، فکأنّ له خصالاً معهودة هی أفضلها، لا بصدد بیان وجوب التصدّق. وکیف کان لا إطلاق فیها کما لا یخفی.
ومنه یظهر الکلام فی روایة أبی أیّوب.
وکروایة أبی علیّ بن راشد، قال: سألت أبا الحسن ـ علیه السّلام ـ قلت: جعلت فداک اشتریت أرضاً إلی جنب ضیعتی بألفی درهم، فلمّا وفیت المال خبّرت أنّ الأرض وقف؟ فقال: «لا یجوز شراء الوقف، ولا تدخل الغلّة فی مالک، وادفعها إلی من وقفت علیه». قلت: لا أعرف لها ربّاً؟ قال: «تصدّق بغلّتها».
فإنّ الظاهر من قوله: «لا أعرف لها ربّاً» أنّ من المحتمل عنده أن لا یکون
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 400
له ربّ رأساً وأن وقفت الأرض لمطلق الخیرات، وإلاّ کان حقّ التعبیر فی مجهول المالک أن یقول: لا أعرف ربّه.
والحاصل أنّ الظاهر أنّ الوقف کان مجهول المصرف لا مجهول المالک، مع أنّ فی متنها أیضاً کلاماً.
وکروایة علیّ بن میمون الصائغ، قال سألت أبا عبداللّٰه ـ علیه السّلام ـ عمّا یکنس من التراب فأبیعه، فما أصنع به؟ قال: «تصدّق به؟ فإمّا لک وإمّا لأهله».
فإنّ الظاهر من قوله: «إمّا لک وإمّا لأهله» أنّ کون الذرّات للغیر غیر معلوم، وکان نظره التخلّص من المحتمل. ویحتمل أن تکون الذرّات معرضاً عنها، ویراد بما ذکر التخییر بین التملّک و التصدّق لنفسه أوالتصدّق عن أهله، تأ مّل.
وأ مّا روایته الاُخری ففی معلوم المالک، فلا یمکن العمل بظاهرها.
وکیف کان لیس فی الروایات ما یمکن الاستناد إلیها لترک الفحص الواجب عقلاً والمؤیّد بما دلّت علی وجوب الفحص فی عدّة موارد. فالأقوی وجوبه عقلاً.
وقد یقال: «إنّ من بیده المال المجهول مالکه إن علم بعثوره علی مالکه بالفحص یجب علیه.
ولو شکّ فیه فإمّا أن یکون التردّد بین من یقدر علی إیصال المال إلیه ومن لایقدر، أو بین من یقدر علی الإیصال إلی کلّ منهم. وعلی الأوّل یجب الفحص إذاکان تردّده بعد العلم بکونه محصوراً بین المقدورین، وبدونه لا یجب الفحص، لأنّ خروج بعض الأطراف المعیّن من العلم الإجمالی عن مورد التکلیف یوجب
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 401
عدم وجوب الاحتیاط بالنسبة إلی البعض الآخر، بل یرجع فیها إلی أصالة البراءة، ومع سقوط التکلیف فلا مقتضی للفحص». انتهی.
لازم ما ذکره إجراء البراءة فی الشکّ فی القدرة علی الإیصال ابتداء، ومبناه علی ما یظهر من کلامه أنّ القدرة من القیود الشرعیّة المستکشفة بالعقل.
ویرد علیه ـ بعد الإشکال فی مبناه بما قرّر فی محلّه من أنّ القدرة ونحوها من الأعذار العقلیّة لامتثال التکالیف، لا قیودها شرعاً أو عقلاً، وأنّ التکالیف الکلّیة القانونیّة فعلیات علی موضوعاتها من غیر تقیید بالعلم والقدرة والالتفات وغیرها، فحینئذ یجب الاحتیاط عقلاً مع الشکّ فی القدرة، ویجب الفحص ـ أنّ ما ذکر إنّما یتمّ لو قلنا بأنّ الواجب علی الغاصب ونحوه الإیصال إلی صاحب المال وجوباً شرعیّاً، وأ مّا إن قلنا بعدم وجوبه شرعاً، بل لیس فی المال المغصوب ونحوه إلاّ حرمة الاستیلاء علی أموال الناس عدواناً وبلا حقّ وحرمة التصرّف فیها ونحوه کالحفظ والحبس، وإنّما یجب الإیصال تخلّصاً عن المحرّم المعلوم عقلاً، فلاشبهة فی وجوب الفحص عقلاً ولو عند الشکّ فی القدرة. ونحوه ما إذا قلنا بتکلیفین: وجوب الإیصال وحرمة التصرّف والاستیلاء ونحوهما.
والإنصاف أ نّه لا یمکن مساعدة القائل المدقق التقیّ فی المبنی ولا البناء.
هل یتعیّن علی الغاصب الفحص أم لا؟
ثمّ إنّه هل یتعیّن علیه الفحص، أو یتعیّن الردّ إلی الحاکم، فإنّه ولیّ الغائب، والردّ إلیه بمنزلة الردّ إلی صاحبه، أو یتخیّر بینهما، بأن یقال: یجب علیه
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 402
التخلّص من الحرام وهو یحصل بأحدهما؟
الظاهر عدم تعیّن الردّ إلی الحاکم،وعدم التخییر، لأنّ ولایة الحاکم علی الغائب لیس علی نحو الإطلاق، إذ لا دلیل علیه، وإنّما هی ثابتة فیما إذا لم یمکن الردّ إلی صاحبه الغائب أو المفقود حسبة، ولیس للغاصب ومن بحکمه ترک الفحص والردّ إلی الحاکم، بل ولیس للحاکم القبول إلاّ فی بعض الموارد حفظاً للتضییع. و مؤمنة الحفظ وغیره علی الغاصب.
نعم، یمکن نفی وجوبها علی غیر الغاصب ولو کانت یده ید ضمان، لنفی الحرج والضرر بناء علی ثبوت نفی الضررکنفی الحرج کما هو المعروف عند المتأخرین.
فالأقوی وجوب الفحص وتعیّنه علیه، إلاّ أن یقال بدلالة حسنة داود بن أبی یزید أو صحیحته علی تعیّن الردّ إلی الحاکم:
روی عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ ، قال: قال رجل: إنّی قد أصبت مالاً، وإنّی قد خفت فیه علی نفسی، ولو أصبت صاحبه دفعته إلیه وتخلّصت منه. قال: فقال له أبو عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ: «واللّٰه إن لو أصبته کنت تدفعه إلیه؟» قال إی واللّٰه. قال: «فأنا واللّٰه، ماله صاحب غیری». قال: فاستحلفه أن یدفعه إلیٰ من یأمره. قال: فحلف. فقال: «فاذهب فاقسمه فی إخوانک، ولک الأمن ممّا خفت منه». قال: فقسّمته بین إخوانی.
بدعوی إطلاقها لکلّ مال مجهول، غصباً کان أو غیره، وأنّ المراد بکون المال له ـ علیه السّلام ـ أ نّه ولیّ أمره، لا مالکه الخاصّ کما فی الأشباه والنظائر حتّی فی سهم
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 403
الإمام ـ علیه السّلام ـ علی احتمال غیر بعید، فیکون الفقیه قائماً مقامه، فإطلاقها یقتضی وجوب إرجاع کلّ مجهول مالکه إلی الحاکم إلاّ ما خرج کاللّقطة.
وفیه: منع إطلاقها، لقوّة احتمال أن یکون المراد به اللّقطة، بل لا یبعد ظهور قوله: «أصبت مالاً» فی الإصابة والعثور علیه فجأة ومن باب الاتّفاق کاللقطة دون المأخوذ جائزة أو غصباً.
مضافاً إلی احتمال أن یکون السؤال بعد الفحص والیأس، أو الفحص سنة کما عن الصدوق، وربّما یشعر به قوله: «ولو أصبت صاحبه...» مضافاً إلی أنّ الأمر بالتصدّق مع عدم الیأس عن صاحبه وإمکان العثور علیه بعید جداً، بل مقطوع الخلاف.
مع أ نّها قضیة شخصیّة یشکل فهم الحکم الکلّی منها. فتحصّل من ذلک تعیّن الفحص علیه.
تعیین مقدار الفحص
ثمّ إنّ مقتضی القواعد لزوم الفحص إلی أن حصل الیأس، سواء حصل قبل تمام السنة أم لا. ولو لم یحصل إلی الزائد عن السنة یجب، إلاّ أن یقال: مقتضی إطلاق أدلّة اللقطة ثبوت أحکامها ولو أخذها غصباً وعدواناً أو ضماناً.
ففی صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ فی حدیث قال: واللقطة یجدها الرجل ویأخذها؟ قال: «یعرّفها سنة فإن جاء لها طالب، وإلاّ فهی کسبیل ماله». ونحوها غیرها.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 404
ولا ینبغی الإشکال فی إطلاقها للأخذ الإحسانی والغصبی وغیرهما.
وتوهّم أنّ الحکم بأ نّه کسبیل ماله بعد تعریف السنة حکم إرفاقی لایناسب الغاصب، مدفوع بأنّ الحکم الإرفاقی یناسب أیضاً الغاصب التائب الذی أراد إیصال المال إلی صاحبه بتعریف السنة، فإذا کان مقتضی الإطلاق إسراء الحکم إلی الغاصب ومن بحکمه لا مانع من إسرائه إلی مطلق المأخوذ غصباً أو ضماناً.
إلاّ أن یقال ـ مضافاً إلی أنّ الالتزام بالحکم فی الملتقط غصباً وعدواناً مشکل، ولعلّ الفقهاء لا یلتزمون به ـ إنّه لو فرض جواز الأخذ بالإطلاق لکن لایصحّ إسراء الحکم من اللقطة إلی غیرها. ودعوی إلغاء الخصوصیّة باطلة، لعدم مساعدة العرف معه.
کما أنّ إسراء الحکم إلی المقام من النصّ الوارد فی إیداع اللصّ غیر ممکن:
فعن حفص بن غیاث، قال: سألت أباعبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ عن رجل من المسلمین أودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعاً، واللصّ مسلم، هل یردّ علیه؟ فقال: «لا یردّه، فإن أمکنه أن یردّه علی أصحابه فعل، وإلاّ کان فی یده بمنزلة اللقطة یصیبها...».
فإنّ إسراء الحکم إلی غیر الودیعة لا یصحّ وإن لا یبعد الإسراء إلی مطلق الغاصب کما عن الفقهاء.
ثمّ إنّ الظاهر من صدر الروایة أ نّه سأل عن حکم ما فی ید اللصّ مع الشکّ فی کونه منه، سیّما بلحاظ قوله: «واللصّ مسلم» الظاهر أو المشعر بانّ
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 405
السؤال عن اعتبار ید اللصّ المسلم، وإن کان الجواب ظاهراً فی مفروغیّة کون ما أودعه للغیر، فیمکن أن یجعل الحکم قرینة علی أنّ الموضوع المال المسروق.
إلاّ أن یقال بإمکان أن تکون ید اللصّ لدی الشارع الأقدس أمارة علی کون ما فی یده للغیر، فیجب ترتیب آثار ملکیّة غیره، فیؤخذ بظاهر الصدر ویحمل الحکم علی مفروغیّة کونه للغیر، لقیام الأمارة علیه وهی ید اللصّ الذی شغله ذلک، لحصول الغلبة التی یمکن أن تکون مبنی حجّیة الید.
لکن الإنصاف أنّ ذلک بعید عن فهم العرف من الروایة. وکیف کان لایمکن فهم حکم المقام منها.
تکلیفه بعد الفحص والیأس علی حسب القواعد
ثمّ بعد الفحص والیأس یقع الکلام فی تکلیفه علی حسب القواعد.
قال السیّد الطباطبائی: مع قطع النظر عن النصوص الاحتمالات عدیدة: وجوب التصدّق، ووجوب الإمساک والوصیّة به حین الموت، و وجوب الدفع إلی الحاکم، والتخییر بین اثنین منها أو الثلاثة. ثمّ قال: «وجه الثالث: أنّ الحاکم ولی الغائب، فیجب الدفع إلیه، لأ نّه بمنزلة الدفع إلیه، ولا بأس به وإن کان فی تعیّنه نظر، إلاّ أن یقال: إذا جاز وجب، لأ نّه القدر المتیقّن حینئذ، لکنّه مشکل لإمکان تعیّن الأوّلین أیضاً.
نعم، الوجه الأوّل یمکن دفعه بما ذکره المصنّف من أ نّه مع الشکّ یکون الأصل الفساد. لکن یمکن أن یقال: إنّ الأصل المذکور لا یقتضی حرمة التصدّق حتّی یتعیّن الآخر، لأنّ المفروض احتمال وجوبه کما یحتمل وجوب غیره، والعقل حاکم بالتخییر فی مثل ذلک، فیجوز التصدّق بمعنی الدفع إلی الفقیر، وإن کان
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 406
لا یجوز له أخذه ولا للمتصدّق ترتیب آثار الملک، والثمر هو جواز الدفع بدون الإعلام، فیجوزله التصرّف حینئذ». انتهی.
وفیه: أنّ مقتضی عدم حلّیة مال امرئ مسلم إلاّ بطیبة نفسه وحرمة إبقاء التسلّط والاستیلاء علیه عدواناً وبلا حقّ، حرمة التصرّف فیه بالتصدّق وحرمة الإمساک، فیندفع احتمالهما تعییناً أو تخییراً، فیبقی احتمال وجوب الردّ إلی الحاکم، ولا یدفع بما ذکر، بل مقتضی ولایة الحاکم وکونه بمنزلة صاحبه وجوب الردّ إلیه تخلّصاً عن الإمساک المحرّم أو توسّلاً إلی الواجب ـ إن قلنا بوجوب الردّ والإیصال شرعاً ـ ، لحکومة دلیل ولایته علی دلیل عدم حلّ مال المسلم ودلیل وجوب ردّ المغصوب.
فتحصّل منه أنّ غیر احتمال الردّ إلی الحاکم مدفوع بالدلیل.
مضافاً إلی أ نّه مع فرض جریان أصالة فساد الصدقة وأصالة عدم وقوعه صدقة لا یبقی مجال للردّ إلی الفقیر بغیر جهة الصدقة، لعدم احتمال جواز إتلاف مال الغیر وإعطائه بالفقیر بغیر وجه الصدقة فضلاً عن احتمال وجوبه. فالمحتمل مدفوع بالأصل، وغیر الصدقة لا یحتمل.
فمقتضی القواعد مع الغضّ عن النصوص الخاصّة وجوب الإرجاع إلی الحاکم.
تکلیفه بحسب الأخبار والأدلّة
وأ مّا الأخبار فمنها المطلقات المتقدّمة. وفی دلالتها علی وجوب التصدّق
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 407
تعییناً أو تخییراً إشکال.
أ مّا روایة علیّ بن أبی حمزة فی قضیة بعض کتّاب بنی اُمیّة ـ لعنهم اللّٰه ـ فلاحتمال أن یکون أمر أبی عبد اللّٰه ـ علیه السّلام ـ إذناً له فی التصدّق، وکان أمر المجهول بید الإمام ـ علیه السّلام ـ ، ولا إطلاق فیها یدفع هذا الاحتمال.
وأ مّا صحیحة محمّد بن مسلم وروایة أبی أیوب فلاحتمال أن یکون قوله: «یتصدّق بثمنه» علی صیغة المجهول. فعلیه لا یکون بصدد بیان فاعل الصدقة، وإن کان المظنون کونه علی صیغة المعلوم لکن الظنّ غیر حجّة.
وتوهّم أنّ السائل سأل عن وظیفته فلابدّ من کون الجواب عنها مدفوع بأنّ جوابه فی الصحیحة قوله: «لا یصلح ثمنه». و أ مّا قوله: «إنّ أفضل خصال...» فکلام مستأنف.
نعم، لا یبعد ذلک فی روایة أبی أیّوب، وإن احتمل مع قراءة أن یتصدّق بصیغة المجهول أنّ الصدقة أحبّ، ففهم الراوی عدم جواز أکل ثمنه، تأ مّل. مضافاً إلی ما تقدّم من عدم إطلاق فیها، نظیر قوله: «أحبّ الأشیاء عندی صلاة اللیل»، حیث لا إطلاق فیه یدفع الشکّ فی شرط أو مانع.
وأ مّا روایة أبی علیّ بن راشد فموردها غیر المورد، لما تقدّم أنّ ظاهرها عدم معرفة ربّ للموقوفة رأساً، وهو غیر مجهول المالک المعلوم ملکیّته لشخص،
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 408
کما أنّ روایة میمون الصائغ أیضاً غیر موردنا.
وأ مّا موثقة إسحاق بن عمّار، قال: سألت أبا إبراهیم ـ علیه السّلام ـ عن رجل نزل فی بعض بیوت مکّه فوجد فیه نحواً من سبعین درهماً مدفونة، فلم تزل معه ولم یذکرها حتّی قدم الکوفة، کیف یصنع؟ قال: «یسأل عنها أهل المنزل لعلّهم یعرفونها». قلت: فإن لم یعرفوها؟ قال: «یتصدّق بها».
فلایبعد دلالتها علی المقصود بأن یقال: إنّ موردها ید ضمان بل عدوان وغصب، فإنّ إخراج المال من مکّة إلی الکوفة بغیر حقّ ولا فحص عن صاحبه یوجب الضمان ویکون عدواناً،ومقتضی إطلاق الذیل وجوب الصدقة علیه عند الیأس عن صاحبه.
وتوهّم أنّ الأمر بالصدقة بعد التعریف عند صاحب البیت دلیل علی وجوب الصدقة قبل الفحص مدفوع بأنّ الفحص إنّما یجب توصّلاً ومقدّمة، لاتعبّداً ونفساً، ولا شبهة فی أنّ وجدان دراهم مدفونة فی بیوت مکّة التی هی محلّ ورود الحجّاج من البلاد المتفرّقة النائیة فی سنین کثیرة یوجب الیأس عن معرفة صاحبها کما هو واضح، فالأمر بالتصدّق فی مورد الید الغاصبة والضامنة مع إلغاء الخصوصیّة عن المورد موجب لفهم عموم الحکم إلی کلّ ید غصب وضمان، ولا یحتمل عرفاً خصوصیّة الدفن ولا بیوت مکّة ولا الدراهم.
إلاّ أن یقال: إنّ فی مورد الروایة خصوصیّة لا یمکن إلغاؤها، وهی احتمال کون الدراهم المدفونة لا ربّ لها، لاحتمال أ نّها من السنین القدیمة التی انقرض أربابها، فلایکون من مجهول المالک المعلوم أنّ له مالکاً. ولو فرض وجود مورد فی
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 409
المقام کذلک یمکن التفصیل بینه وبین غیره لهذه الروایة وللروایة الواردة فی الوقف کما تقدّمت.
والتمسّک باستصحاب بقاء مالکها، أو أنّ لها ربّاً لإلحاق غیرها بها محلّ إشکال من وجوه. مع أنّ احتمال خصوصیّة الدفن حاصل ولا یصحّ إلغاؤها، کما نری اختلاف الأحکام مع اختلاف خصوصیّة فی الموضوع نظیر المقام، کالدار یوجد فیها الورق، والدابّة یوجد فی جوفها الشیء، والسمکة یوجد فی جوفها المال.
وأ مّا صحیحة یونس بن عبد الرحمان، قال سئل أبوالحسن الرضا ـ علیه السّلام ـ وأنا حاضر، إلی أن قال: فقال: رفیق کان لنا بمکّة فرحل منها إلی منزله ورحلنا إلی منازلنا، فلمّا أن صرنا فی الطریق أصبنا بعض متاعه معنا، فأی شیء نصنع به؟ قال: «تحملونه حتی تحملوه إلی الکوفة». قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولانعرف کیف نصنع؟ قال: «إذا کان کذا فبعه وتصدّق بثمنه». قال له: علی مَن جعلت فداک؟ قال: «علی أهل الولایة».
فغیر مربوطة بالمقام، لأنّ وجود المتاع من الرفقة عند بعضهم کان برضا صاحبه وإذنه، ثمّ نسی فبقی عنده، فلا تکون یده غاصبة أو ضامنة. مضافاً إلی احتمال أن یکون أمره بالتصدّق إذناً منه ـ علیه السّلام ـ. فاستفادة حکم المورد منها فی غیر محلّها.
ومنه یظهرالکلام فی موثقة هشام بن سالم الراجعة إلی أجیر یقوم فی الرحی،
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 410
ففیها الأمر بالدفع إلی المساکین. ونحوها احتمالاً صحیحة منه أیضاً. ویعلم الحال أیضاً فی روایة نصر صاحب الخان، وروایة حفص بن غیاث.
وبالجملة یشکل استفادة حکم المورد من الروایات الآمرة بالتصدّق.
وأ مّا مرسلة الحلّی فی السرائر فغیر حجّة. ودعوی جبرها بالشهرة المحقّقة غیر ظاهرة، لعدم معلومیّة استناد المشهور علی فرض ثبوت الشهرة بها. ونفس الشهرة علی فرضها غیر حجّة فی المقام، لقرب استنادهم بالأخبار الکثیرة المتقدّمة وغیرها وتخلّل الاجتهاد فیها.
ثمّ إنّ جملة من الروایات الدالّة علی لزوم حفظه والوصیة به کصحیحة هشام بن سالم، وذیل موثقته، وصحیحة معاویة بن وهب، وروایة الهیثم فموردها عدم الیأس عن معرفة صاحبه، ضرورة أنّ الأمر بالطلب لا یحسن إلاّ فی مورد الاحتمال العقلائی بالمعرفة، إذ الطلب بدونه لغو، فالأمر فیها محمول علی مورد الرجاء وعدم الیأس، مع أنّ فی نفسها شواهد علی ذلک. ولو فرض الإطلاق فی بعضها یجب تقییده بمثل صحیحة یونس بن عبدالرحمان المتقدّمة. فالقول بالتخییر بین التصدّق والحفظ فی غیر محلّه، بعد کون الحکمین فی موردین ورتبتین، إذ
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 411
مع الرجاء یجب الفحص ولا یجوز التصدّق، ومع الیأس مورد التصدّق لو قلنا به. فتحصّل من جمیع ذلک أنّ مقتضی الأدلّة والقواعد وجوب الفحص، ومع الیأس الرجوع إلی الحاکم، ولکن مؤمنة الحفظ وغیره علی الآخذ کمؤمنة الفحص.
هذا کلّه لو لم نقل بإطلاق حسنة داود بن أبی یزید أو صحیحته وقلنا باختصاصها باللقطة، وإلاّ فالأمر أوضح، لحکومتها علی الأدلّة الآمرة بالتصدّق، فیکشف منها أنّ الأمر به من قبیل الإذن.
نعم، لو قیل بدلالة الروایات علی الإذن الکلّی لا یبقی مجال للبحث ولاثمرة له، لعدم لزوم الرجوع إلی النوّاب بعد إذنهم العامّ.
إلاّ أن یقال: إذن کلّ إمام معتبر حال حیاته کإذن النوّاب، لکنّه غیر وجیه، بل لعلّه خلاف اُصول المذهب. فالأحوط بل الأقوی وجوب الرجوع إلی الحاکم، للإشکال فی روایة ابن أبی یزید کما تقدّم وعدم إطلاق فی الباب، ولا اعتماد علی الشهرة المحکیة بما مرّ .
لکن مع ذلک لا یبعد عدم لزوم الإرجاع إلی الحاکم، لکثرة موارد الأمر بالتصدّق فی مجهول المالک مع السکوت عن الإرجاع إلی الحاکم، وقوّة احتمال الإطلاق فی بعض الروایات، کصحیحة ابن مسلم وأوضح منها روایة أبی أیوب، مؤیّدة بالشهرة المنقولة، لکن الأحوط التصدّق بإذن الحاکم وتوکیله.
ولا ینبغی الریب فی أنّ مصرف المال التصدّق بعد الیأس، کما هو مفاد
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 412
الأدلّة ومقتضی قاعدة لزوم إیصال المال إلی صاحبه حتّی الإمکان،فإنّ الحفظ مع الیأس یعدّ لغواً، وتؤیّده الروایات الواردة فی مجهول المالک وإن اختلفت مواردها.
هل یضمن المتصدّق إذا لم یرض به صاحبه أم لا؟
ثمّ لو قلنا بتعیّن التصدّق علیه فتصدّق فجاء صاحبه ولم یرض به فهل یضمن مطلقاً أو لا کذلک، أو یفصل بین ید الضمان وغیره؟
اختار الشیخ الأعظم الضمان بعد الإشکال فی أدلّة الضمان و فی إطلاق ما دلّت علی وجوب التصدّق، بدعوی تحکیم استصحاب الضمان فیما تقتضی الید الضمان علی البراءة فی الید غیرالمقتضیة له بعد عدم القول بالفصل و ردّ ذلک بأنّ التحقیق جریان استصحاب عدم الشغل بالبدل حتی فی مورد ید الضمان، لأنّ معنی ضمان الید أ نّه إذا تلف یضمن فما لم یتلف لاضمان فیستصحب.
وفیه ـ مضافاً إلی أنّ مقتضی ظاهر دلیل ضمان الید أنّ الاشتغال بالعین تنجیزی لا تعلیقی ویأتی فی محلّه تحقیقه ـ أ نّه لو بنینا علی التعلیق یجری الاستصحاب التعلیقی فإنّ الإتلاف ولو بالتصدق قبل الفحص موجب للضمان ویکون التعلیق شرعیّاً فرضاً، والاستصحاب التعلیقی حاکم علی الاستصحاب التنجیزی کما قرّر فی محلّه، فلا إشکال من هذه الجهة، وإنّما الإشکال من جهة تحکیمه الاستصحاب علی البراءة فی المقام، لأنّ الإجماع علی عدم الفصل غایته إثبات التلازم بین الحکمین الواقعیین، وإثبات أحد المتلازمین باستصحاب الآخر مثبت ولو کان التلازم شرعیّاً، فإنّ تحقّق الملازم بتحقّق ملازمه عقلی.
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 413
هذا إن ادّعی عدم الفصل بین الحکمین الواقعیین کما هو ظاهره من دعوی التحکیم، وإن ادعی التلازم بین الحکمین الظاهریین فلا وجه للتحکیم بل الوجه التعارض.
هذا مضافاً إلی جریان استصحاب عدم الضمان فی الطرف الآخر أیضاً، فمع عدم القول بالفصل وإجدائه یتعارض الأصلان. فالأقوی بحسب الأصل التفصیل.
کما أنّ الأقوی بحسب قاعدة الید والإتلاف الضمان مطلقاً، ودعوی انصراف دلیله إلی ما کان الإتلاف علیه لا له فی غیر محلّها. کدعوی ظهور الإتلاف فی العلّیة التامّة وهی فی المقام مفقودة، لأنّ الضمان موقوف علی عدم إجازة المالک بما ذکره الشیخ من ضمانه أوّلاً ورفعه بالرضا بالصدقة، وإن أمر بالتأ مّل لکنّه أوجه، لأنّ التصدّق بعد فرض عدم جواز الرجوع إلی الفقیر وقد ادّعی الشیخ الأعظم عدم القول بجوازه إتلاف لماله عرفاً ومقتضٍ للضمان، فلاوجه لکونه مراعی بأمر متأخّر غیر دخیل فی الإتلاف.
وربّما یقال: لا دلیل علی ضمان الإتلاف یؤخذ بإطلاقه، وما اشتهر أنّ «من أتلف مال الغیر فهو ضامن» مستنقذ من الموارد الجزئیّة.
وفیه: أنّ دلیله موثّقة أبی بصیر فی باب حرمة سباب المؤمن عن أبی جعفر ـ علیه السّلام ـ ، قال: «قال رسول اللّٰه صلی الله علیه و آله وسلم: سباب المؤمن فسوق» إلی قوله: «وحرمة ماله کحرمة دمه». فإنّه فی قوّة قوله: «من أتلف مال الغیر فهو ضامن»، لأنّ معنی حرمة ماله أ نّه لا یذهب هدراً بل هو محترم لابدّ من جبره، کدمه فإنّه لا یطل دم
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 414
رجل مسلم أی لا یهدر .
وبالجملة التصدّق بمال الغیر موجباً للضمان ولو کان یده ید أمانة وإحسان. وتوهّم أنّ التصدّق إحسان فی غیر محلّه.
هذا مع الغضّ عن أخبار وجوب التصدّق، وأ مّا بالنظر إلیها فالظاهر استفادة عدم الضمان منها، للملازمة العرفیّة بین الزامه علی التصدّق والإتلاف وعدم الضمان. وأ مّا فی باب اللقطة فلم یکن التصدّق متعیّناً علیه، بل هو مختار بین الأخذ لنفسه، والحفظ لصاحبه، والتصدّق بالضمان.
مضافاً إلی دلالة روایة داود بن أبی یزید علیه، بناء علی أنّ المراد بالإصابة أعمّ من اللقطة. وکذا روایة علیّ بن أبی حمزة. هذا حال الصورة الثالثة.
وأ مّا الصورة الرابعة فقد أحال الشیخ الأعظم تحقیقها علی کتاب الخمس، ونحن نقفوا أثره .
المکاسب المحرمةج. 2صفحه 415