الثانی من الاُمور : أنّ هذه المسألة هل هی من المسائل الاُصولیّة، أو من المبادی الفقهیّة، أو من المسائل الکلامیّة أو غیرها؟
فإن قلنا: إنّ موضوع علم الاُصول هو عنوان الحجّة فی الفقه، کما عن بعض المعاصرین، وعلیه فالمسائل الاُصولیة هی ما یُبحث فیها عن العوارض الذاتیّة للموضوع؛ وهو عنوان الحجّة، وعلیه فهذه المسألة من المبادی الفقهیّة، لا من المسائل الاُصولیّة؛ لعدم رجوع البحث فیها إلیٰ ما ذکرناه.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 8 وإن قلنا : إنّه لا یلزم أن یکون لکلّ علمٍ موضوعٌ معیَّن یبحث فیه عن عوارضه الذاتیّة، مثل أفعال المُکلَّفین فی الفقه؛ لما عرفت فی أوّل الکتاب أنّ الوجوب والحرمة لیسا من الأعراض؛ کی یقال: إنّها من الأعراض الذاتیّة، أو من الأعراض الغریبة، مضافاً إلیٰ أنّ کثیراً من المسائل الفقهیّة لیست کذلک، مثل قولنا: «الماء الکرّ لا ینجّسه شیء» أو «أنّ القلیل ینجس بالملاقاة للنجس»، بل کلّ علم عبارة عن عدّة مسائل مرتبطة واحدة سنخاً.
وقلنا : إنّ علم الاُصول علم آلیّ یمکن أن تقع نتیجته کبریٰ فی مقام استنباط الأحکام الفقهیّة أو التی یُنتهیٰ إلیها فی مقام العمل.
فعلیه فهذا البحث من المسائل الاُصولیّة؛ لإمکان وقوع نتیجته فی مقام الاستنباط وإن لم یکن واقعاً بالفعل، نظیر القیاس. هذا کلّه بالنسبة إلیٰ ما ذکرناه من أنّ هذا البحث عقلیّ.
وأمّا بناء علیٰ ما ذکره صاحب المعالم قدس سره وتسلیم أنّ الدلالة الالتزامیّة من الدلالات اللفظیّة، فهو من المباحث اللفظیّة لعلم الاُصول.
لکن فیه إشکال ولومع فرض تسلیم أنّ الدلالة الالتزامیّة من الدلالات اللفظیّة؛ للفرق بین الدلالة الالتزامیة وبین الملازمة المبحوث عنها فی المقام؛ لأنّ المناط فی الدلالة الالتزامیّة دلالة اللفظ علیٰ معنیً مطابقیّ ملازم لمعنیً آخر بحیث یستکشف من اللفظ بما هو لفظ المعنیٰ اللازم بواسطة المعنیٰ الملزوم، مثل قولنا: «الشمس طالعة»، فإنّه یدلّ بالمطابقة علیٰ طلوع الشمس، فیدلّ علیٰ وجود النهار بالالتزام.
وبعبارة اُخریٰ : الدلالة الالتزامیّة هی دلالة المعنیٰ من حیث إنّه مدلول مطابقی للّفظ علیٰ معنیً خارجٍ لازمٍ له، وما نحن فیه لیس کذلک، فإنّ هیئة الأمر تدلّ علیٰ البعث إلیٰ المادة، والمادّة تدلّ علیٰ الطبیعة لا بشرط، وهذا المعنیٰ ـ أی البعث إلیٰ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 9 الطبیعة ـ وإن دلّ علیٰ وجود الإرادة لذی المقدّمة، وهی ـ أیضاً ـ مستلزمة لإرادة المقدّمة، لکن هذه الدلالة لیست بما أنّها لفظ؛ بأن یستکشف من اللفظ من حیث إنّه لفظ هذا المعنیٰ بواسطة، بل بما أنّه فعل من الأفعال الاختیاریة؛ لما ثبت فی محلّه: أنّ کلّ فعل اختیاریّ صادر عن عاقل فهو مسبوق بإرادته، فی قبال الأشاعرة القائلین بالجزاف، ولیس فیه مناط الدلالة الالتزامیّة؛ لما عرفت أنّ المناط فیها استکشاف المعنیٰ من اللفظ بما هو لفظ بالواسطة، لا بما هو فعل.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 10