المقام الأوّل : فی الضدّ الخاصّ :
ولابدّ لمدّعی الاستلزام فیه من إثبات مقدّمات:
الاُولیٰ : أنّ ترک أحد الضدّین مقدّمة لفعل الضدّ الآخر.
الثانیة : أنّ مقدّمة الواجب واجبة؛ لیکون ترک أحد الضدّین واجباً.
الثالثة : أنّ الأمر بالشیء یستلزم النهی عن ضدّه العامّ؛ لیصیر فعل الضدّ ـ الذی هو ضدّ ونقیض للمأمور به ـ منهیّاً عنه، والمراد بالضدّ هنا النقیض.
أمّا المقدّمة الاُولیٰ فتوضیح الکلام فیها: هو أنّ الشقوق والاحتمالات المتصوّرة فیها أربعة :
أحدها : أن یقال : إنّ کلّ واحد من عدم أحد الضدّین ووجوده مقدّمة لوجود الآخر وعدمه؛ بمعنیٰ أنّ ترک الصلاة مقدّمة للإزالة ـ مثلاً ـ والإزالة ـ أیضاً ـ مقدّمة لترک الصلاة.
وثانیها : أن یقال: لیس واحد منهما مقدّمة للآخر.
وثالثها : أن یقال : عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر دون العکس.
ورابعها : عکس ذلک.
ویظهر من الُمحقّق صاحب «الکفایة» : أنّه مضافاً إلی أنَّه لیس عدم الضدّ مقدّمة للآخر، أنَّهما مُتقارنان فی الوجود وفی مرتبة واحدة ـ مثلاً ـ فأنّ بین عدم أحد
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 105 الضدّین ووجود الآخر کمال الملاءمة، من دون أن یکون فی البین ما یقتضی تقدیم أحدهما علی الآخر.
أقول : من الواضح أنّ ذلک بمجرّده لا یثبت أنّهما فی مرتبة واحدة، فإنّ بین العلّة والمعلول کمال المُلاءمة، مع أنّها متقدّمة علیٰ المعلول بحسب الرتبة، فلابدّ من توجیه کلامه قدس سره بأنّ عنوان التقدّم والتقارن والتأخّر، کلّ واحد مع الآخر من الأضداد التی لا رابع لها؛ کی یثبت المقارنة بنفی التقدّم والتأخّر بینهما. فنقول :
قد یُقال فی إثبات أنّ أحد الضدّین فی مرتبة الضدّ الآخر: إنّ المصداق علیٰ قسمین: ذاتیّ حقیقیّ، وعرضیّ مجازیّ، والأوّل مثل مصداقیّة البیاض للأبیض، وزید للإنسان، والثانی مثل مصداقیّة الجسم الأبیض للأبیض، ومصداقیّة زید للضاحک، وحینئذٍ فالسواد الخاصّ ـ مثلاً ـ مصداق حقیقی للسواد وذاتیّ له، وهو ـ أیضاً ـ مصداق عرضیّ لمفهوم عدم البیاض، فإذا کان شیء مصداقاً لمفهومین ـ وإن کان أحدهما مصداقاً حقیقیّاً، والآخر عرضیّاً ـ فهذان المفهومان فی رتبة واحدة؛ لا تقدّم وتأخّر لأحدهما علیٰ الآخر، هذا غایة ما یُمکن أن یقال فی المقام.
ولکنّه فاسد؛ وذلک لأنّ وجود أحد الضدّین لیس مصداقاً عرضیّاً لعدم الآخر، ولو فرض إطلاق عدم البیاض علیٰ السواد فهو مسامحة فی الاستعمال؛ وذلک لأنّه یعتبر فی مصداقیّة شیء لمفهوم ـ وإن کانت عرضیّة ـ وجودُ خصوصیّة وحیثیّة فی المصداق کامنة فی المفهوم المنطبق علیه، وإلاّ لزم مصداقیّة کلّ شیء لکلّ مفهوم، ولا یعقل أن یکون السواد الخاصّ واجداً لحیثیّة کامنة فی مفهوم عدم البیاض، فإنّ الوجود نقیض العدم، فکیف یمکن أن یکون العدم واجداً لخصوصیّة موجودة فیه؟! فلا یصحّ أن یقال : السواد هو عدم البیاض بنحو الموجبة المعدولة، نعم یصحّ سلب البیاض عن السواد بنحو السالبة المحصّلة، فإنّه سلب للحمل والمصداقیّة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 106 وما یقال : إنّ لعدم الملکة والعدم المضاف حظَّاً من الوجود، غلطٌ فاحش؛ فإنّ الوجود إنّما هو للملکة، فإنّها عبارة عن الاستعداد، فلها نحوٌ من الوجود، وأمّا العدم فلا حظَّ له فی الوجود أصلاً، وکذا العدم المضاف.
ومن هنا یظهر فساد ما یقال : إنّ عدم العلّة علّة للعدم، فإنّه یستلزم إثبات نحو وجود وتقرّر للعدم، وإلاّ فلا تأثیر وتأثّر للعدم.
والحاصل : أنّ أحد الضدّین لیس مصداقاً لعدم الضدّ الآخر ولو عرضیّاً، ولا یکفی الإطلاق المسامحی، فإنّه یصدق أنّ عدم المعلول هو عدم علّته بهذا الإطلاق المسامحی، مع عدم تقارنهما واختلاف مرتبتهما.
وقال فی «الکفایة» : فکما أنّ قضیّة المنافاة بین المتناقضین لا تقتضی تقدّم ارتفاع أحدهما فی ثبوت الآخر، کذلک فی المتضادّین، انتهیٰ.
ولکن لم یعلم أنّه قدس سره فی هذه العبارة فی مقام إثبات أنّ النقیضین فی رتبة واحدة أو الضدّین، لکن قال بعض المحشّین من تلامذته ما یظهر منه: أنّ النقیضین فی رتبة واحدة؛ حیث إنّه مهّد لذلک مقدّمات :
إحداها : کما أنّه لابدّ فی المتناقضین من اتّحاد زمانهما لو کانا من الزمانیّات، کذلک لابدّ من اتّحاد الرتبة فیهما؛ وذلک لأنّه لو فرض وجود «زید» فی قطعة من الزمان، فنقیضه هو عدمه فی هذه القطعة لا قبلها ولا بعدها؛ لاجتماعهما؛ أی وجوده فی هذه القطعة وعدمه قبلها أو بعدها، وإلاّ لزم ارتفاع النقیضین، فإنّ عدمه متحقّق فی الزمان القبلیّ، وإلاّ فالمفروض أنّ ظرف وجوده لیس هو الزمان القبلیّ، فلو لم یکن عدمه ـ أیضاً ـ فی ذلک الزمان لزم ما ذکرنا من ارتفاع النقیضین، وکذلک إذا کان
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 107 لشیء مرتبة معیّنة کالمعلول، فإنّه فی رتبة متأخّرة عن العلّة، فنقیضه هو عدمه فی تلک المرتبة، لا عدمه فی مرتبة علّته؛ لاجتماعهما، وذلک لأنّ المفروض أنّه لیس فی مرتبة متقدّمة، وهی مرتبة العلّة، فعدمه متحقّق فی تلک المرتبة المتقدّمة، وإلاّ لزم ارتفاع النقیضین.
فثبت من جمیع ذلک : أنّ الشیء مع نقیضه فی مرتبة واحدة.
الثانیة : الضدّان ـ أیضاً ـ فی مرتبة واحدة، کما أنّ زمانیهما واحد؛ وذلک لأنّ السواد العارض علیٰ موضوع فی زمان، لا یعاند البیاض العارض علیٰ ذلک الموضوع فی زمان آخر قبله أو بعده؛ لاجتماعهما، فالسواد إنّما یعاند البیاض إذا فرض تواردهما علیٰ موضوع واحد فی زمان واحد، فکذلک إن کان للشیء مرتبة معیّنة من المراتب فضدّه هو ما یعانده فی تلک المرتبة.
الثالثة : هی نتیجة الأوّلتین، وهی أنّه قد ثبت أنّ الضدّین کالسواد والبیاض فی مرتبة واحدة، وثبت أنّ النقیضین ـ أیضاً ـ فی مرتبة واحدة کالسواد واللاسواد، فالأسود والأبیض والسواد والبیاض فی مرتبة واحدة بحکم قیاس المساواة، فثبت أنّ أحد الضدّین کالسواد فی مرتبة نقیض الآخر، وهو عدم البیاض، وبالعکس؛ لأنّ السواد مساوٍ فی الرتبة مع البیاض، والبیاض مساوٍ فیها مع عدم البیاض، فالسواد مساوٍ فیها مع عدم البیاض؛ لأنّ مساوی المساوی لشیء مساوٍ لذلک الشیء. انتهیٰ ملخّصه.
أقول : فی هذه المقدّمات مغالطة وقع فیها :
أمّا الاُولیٰ فبیانها أنّه قدس سره توهّم : أنّ نقیض الموجود الزمانی ـ کزید الموجود فی زمان معیّن ـ هو عدمه فی ذلک الزمان؛ بتقیید العدم بالزمان بنحو السالبة البسیطة المحصّلة، والعدم غیر قابل لأنْ یقیَّد بقید، فإنّه فرع تحقُّقه، والعدم لا تحقّق له، بل
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 108 نقیض الموجود المقیّد بالزمان هو عدم ذلک المقیّد؛ أی عدم زید الموجود فی ذلک الزمان، فقید الزمان إنّما هو لوجود زید المضاف إلیه للعدم، وکذا نقیض الموجود فی مرتبة هو عدم ذلک الموجود فی تلک المرتبة، فقید الزمان للوجود فیهما لا للعدم، فإنّه غیر قابلٍ للتقیید بالزمان أو بالرتبة، فإنّ التقیید فرع تحقُّق المقیّد، ولا تحقّق للعدم کما عرفت.
وأمّا المغالطة فی المقدّمة الثانیة : هو أنّه قدس سره قاس المرتبة بالزمان، فإنّ المحال هو اجتماع الضدّین فی الخارج، فلابدّ فی تحقُّق التضادّ بین الشیئین من فرضهما فی زمان واحد، فالسواد العارض علیٰ موضوع فی الخارج لا یُعاند البیاض العارض علیه فی غیر ذلک الزمان، بخلاف المرتبة التی هی فی الذهن، فإنّه لا مانع من اجتماع أمرین فی الذهن معاً مع اختلافهما فی الرتبة .
وأمّا المقدّمة الثالثة : فلم یقم علیها برهان، فإنّ قاعدة قیاس المساواة لیس قاعدة کلّیّة؛ ألا تریٰ أنّه یصحّ أن یقال: الواحد نصف الاثنین، والاثنان نصف الأربعة، ولا یصحّ أن یقال: الواحد نصف الأربعة، وإنّما تصحّ فی المقادیر، کالخطّ ونحوه کما لو قیل: «أ» مساوٍ لـ «ب»، و «ب» مساوٍ لـ «ج»؛ لأنّ مساوی المساوی مساوٍ، ولا یقال: «أ» مباین ل «ب»، و «ب» مباین ل «ج»، ف «أ» مباین ل «ج»؛ لأنّ مباین المباین لشیء لیس مُبایناً لذلک الشیء؛ ألا تریٰ أنّ المعلولَینِ لعلّة واحدة فی مرتبةٍ واحدةٍ، والمعلول لأحدهما متأخّر عنه، ولیس متأخّراً عن الآخر؛ لعدم وجود ملاک التأخّر بالعلّیّة والمعلولیّة، أو التقدّم التقوّمی کتقدّم أجزاء المرکّب علیه، أو التقدُّم الخارجی لانتفاء جمیعها، فالبرهان قائمٌ علیٰ خلاف تلک القاعدة فیما نحن فیه.
فهذه المقدّمات کلّها باطلة، مع کفایة بطلان إحداها فی بطلان دعویٰ کون أحد الضدّین فی مرتبة عدم الآخر، بل البرهان علیٰ خلافه؛ فإنّه لو قیل: إنّ عدم البیاض فی مرتبة السواد، فقد أثبت هذا القائل للأمر العدمی شیئاً وجودیّاً، وهو أنّه فی مرتبة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 109 واحدة مع غیره، وإثبات شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له، والأمر العدمی لا تحقّق له، فلا یمکن إثبات وصف ثبوتیّ له.
وأمّا إشکال الدور فقال فی «الکفایة» ما حاصله: أنّه لو توقّف وجود أحد الضدّین علیٰ عدم الآخر ـ توقُّفَ الشیء علیٰ عدم مانعه ـ ، اقتضیٰ ذلک توقُّفَ عدمِ الضدّ علیٰ وجود الشیء توقُّفَ عدمِ الشیء علیٰ مانعه، وهو دور محال.
إن قلت : توقّف العدم علیٰ وجود الضدّ شأنیّ لا فعلیّ؛ فإنّه إنّما یتوقّف لو کان المقتضی مع جمیع الشرائط موجوداً سویٰ عدم مانعه، فإنّه ـ حینئذٍ ـ یتوقّف عدم الضدّ علیٰ وجود الضدّ الآخر، وإلاّ فیمکن استناد العدم إلیٰ عدم المقتضی وعدم تعلّق الإرادة الأزلیّة به أبداً، وحینئذٍ فلا یلزم محال.
لا یقال : هذا إنّما یصحّ فیما إذا لوحظا مُنتهیین إلیٰ إرادة شخص واحد، وأمّا إذا لم یکن کذلک؛ بأن أراد شخص حرکة شیء، وأراد الآخر سکونه، فالمقتضی لکلّ واحدٍ منهما موجود، فالعدم ـ لا محالة ـ مستند فعلاً إلیٰ وجود الآخر المانع.
لأنّا نقول : العدم هاهنا ـ أیضاً ـ مستند إلیٰ عدم قدرة المغلوب فی إرادته، وهی جزء المُقتضی، وممّا لابدّ منه فی وجود المراد، فالعدم فیه مستند إلیٰ عدم المقتضی والقدرة، لا إلیٰ وجود الضدّ لمسبوقیّته بعدم القدرة.
قلت : هذا وإن یرفع غائلة الدور، لکن لا یرفع غائلة توقّف الشیء علیٰ ما یصلح أن یتوقّف علیه، والمنعُ من صلوح العدم لأنْ یتوقّف الوجود علیه ـ بدعویٰ أنّ استنادَ العدم إلیٰ وجود الضدّ مع وجود المقتضی للضدّ صحیحٌ؛ أی لو کان المقتضی للوجود موجوداً فالعدم مستند إلیٰ وجود الضدّ، فإنّ هذه القضیّة صادقة، لکن صدق الشرطیّة لا یقتضی صدق طرفیها ـ مساوقٌ لمنع مانعیّة الضدّ، وهو یوجب رفع التوقّف رأساً.
ثمّ قال : إن قلت : التمانع بین الضدّین کالنار علیٰ المنار والشمس فی رائعة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 110 النهار، وکذا کون عدم المانع ممّا یتوقّف علیه وجود الشیء ممّا لا یقبل الإنکار، فلیس ما ذکر إلاّ شبهة فی مقابلة البدیهة.
قلت : التمانع بمعنیٰ استحالة اجتماعهما ممّا لا ریب فیه، إلاّ أنّه لا یقتضی مقدّمیة عدم أحدهما للآخر، والمانع الذی یکون موقوفاً علیٰ عدمه الوجود هو ما ینافی ویزحم المقتضی فی تأثیره، لا ما یعاند الشیء ویزاحمه فی وجوده. نعم العلّة التامّة لأحد الضدّین ربّما تکون مانعةً عن الآخر ومزاحمة لمقتضیه فی تأثیره، مثلاً: شدّة الشفقة علیٰ الولد الغریق وکثرة المحبّة له تمنعان من أن تؤثر محبّة الأخ الغریق والشفقة علیه فی إرادة إنقاذه مع المزاحمة، فینقذ الولد دونه. انتهیٰ ملخّصاً.
أقول : لابدّ من ملاحظة أنّه هل یصدق القول بأنّ العدم موقوف؛ أی هذه القضیّة الموجبة، أو یقال: العدم موقوف علیه، أو أنّ العدم یؤثّر، أو متأثّر، أو غیر ذلک من القضایا الموجبة التی جعل فیها العدم موضوعاً لها؟
لا إشکال فی عدم صحّة هذه القضایا، فإنّه لابدّ فی القضایا الموجبة من وجود الموضوع؛ لأنّ ثبوت شیء لشیء فرع ثبوت المثبت له، ولیس للعدم ثبوت وتحقّق کی یحکم علیه بنحو الإیجاب التحصیلی أو العدولی، ففی الموارد التی ظاهرها إثبات شیء ثبوتیّ للعدم أو عدمیّ بنحو الموجبة المعدولة المحمول، لابدّ وأن یرجع إلیٰ السلب المحصّل بانتفاء الموضوع، کما فی قولنا : «شریک الباری ممتنع» فإنّه معناه أنّه لیس بموجود البتّة والسالبة تصدق بانتفاء الموضوع أیضاً، وإلاّ فالقضیّة کاذبة. وهذا فی غایة الوضوح.
وممّا ذکرنا یظهر : أنّ ما ذکره فی «الکفایة» ـ من أنّ العدم الموقوف علیه هو العدم المزاحم للمقتضی فی تأثیره، لا ما یعاند الشیء ویزاحمه ـ غیر صحیح، فإنّ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 111 العدم ـ کما عرفت ـ غیر قابلٍ لأنْ یتوقّف علیه الشیء أبداً فلا یمکن شرطیّة العدم لشیء أو تأثیره فی شیء وما یتراءیٰ من قولهم : ـ إنّ عدم العلّة علّة العدم أو أنّ عدم المانع شرط ـ فهو مسامحة فی مقام تعلیم المتعلّم المبتدئ وتقریب المعنیٰ إلیٰ ذهنه، وإلاّ فالعدم لیس بشرط، بل الوجود مانع، کما أنّ شدّة فرط المحبّة للولد الغریق مانعة عن تأثیر المحبّة بالنسبة إلیٰ الأخ الغریق فی إنقاذه.
ولا فرق فیما ذکرناه بین العدم المطلق وعدم الملکة والعدم المضاف، فإنّه لیس للعدم حظٌّ من الوجود أصلاً، نعم للملکة نحو من الوجود؛ لما عرفت من أنّها عبارة عن الاستعداد والقابلیّة.
وممّا ذکرنا یظهر ما فی کلام بعض المحقّقین من المحشّین قدس سره حیث إنّه ذکر بعد بیان أقسام السبق والتقدّم : وأنَّ السبق قد یکون بالتجوهر، کتقدّم أجزاء العلّة المرکّبة والماهیّة علیٰ أنفسهما، وقد یکون بالرتبة، کتقدّم العلّة علیٰ معلولها وغیر ذلک: من أن العدم لا یمکن توقّفه علیٰ الوجود؛ لاستحالة تأثیر الموجود فی العدم، فإنّه لیس بشیء، لکن یمکن أن یتوقّف الموجود علیه، فإنَّ العدم قد یکون مُصحِّحاً لفاعلیّة الفاعل أو القابلیّة القابل، فإنّ عدم الرطوبة مُصحِّحة لقابلیّة المحلّ للتأثیر فی إحراق النار، فیمکن توقّف بیاض المحلّ علیٰ عدم السواد، فإنّه مُصحِّح لقابلیّة المحلّ للابیضاض. انتهیٰ مُحصّله.
بیان الإشکال : ما عرفت من أنّ العدم عبارة عن اللاشیء، فلا یمکن أن یتوقّف علیه الوجود، وهو قدس سره معترف بأنّه لیس بشیء ولا تأثیر وتأثّر له، فکیف یقول بأنّه یمکن أن یتوقّف الوجود علیه؟! ولا فرق فی ذلک بین توقّفه علیٰ الوجود وتوقّف الموجود علیه، والمصحّح لقابلیّة المحلّ للإحراق بالنار لیس هو عدم الرطوبة،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 112 بل الرطوبة مانعة عن تأثیر النار.
فظهر : أنّ المقدّمة الاُولیٰ غیر تامّة.
وأمّا المقدّمة الثانیة من المقدّمات : وهی أنّ مقدّمة الواجب واجبة، فقد عرفت ما فیها مفصّلاً فی مسألة وجوب المقدّمة.
وأمّا المقدّمة الثالثة : وهی أنّ الأمر بالشیء مستلزم للنهی عن ضدّه العامّ،
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 113