الفصل الثانی فی الفرق بین الإطلاق وأقسام الماهیة
ثمّ إنّ الإطلاق والتقیید وصفان إضافیّان، فیمکن أن تکون الماهیّة مطلقة بالنسبة إلیٰ قید لم تُقیَّد به ، وبالإضافة الیٰ قید آخر قُیِّدت به مقیّدة، مثل «الرقبة» فی الأوّل و «الرقبة المؤمنة» فی الثانی، فالتقابل بینهما أشبه بتقابل العدم والملکة، وإن لم تکونا کذلک حقیقةً؛ لأنّه یعتبر فی الموضوع فی تقابل العدم والملکة قابلیّتُهُ للتقیید، کالعمیٰ والبصر، فإنّ الأعمیٰ قابل للبصر، ومن شأنه ذلک، وبعد أن صار بصیراً تزول عنه القابلیّة، ویصیر فعلیّاً، بخلاف المطلق، فإنّه لیس له حالة منتظرة؛ لیصیر بعد التقیّد فعلیّاً.
ثمّ لا فرق فی أنّ معنیٰ الإطلاق عبارة عن اللاقیدیّة بین موارده؛ سواء کان فی الماهیّات المجرّدة کالرقبة، أم فی الأعلام الشخصیّة، کالبیت العتیق فی قوله تعالیٰ: «وَلْیَطَّوَّفُوا بِالْبَیْتِ الْعَتِیقِ»، فإنّه مطلق بالإضافة إلی القیود والحالات المتصوّرة فیه، کالمسقّفیّة وعدمها ونحو ذلک، وکذلک الجواهر والأعراض من الماهیّات
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 415 المتأصّلة، والعرضیّات من الماهیّات الغیر المتأصّلة؛ سواء اُخذ فی متعلَّق الأمر والحکم، أم فی موضوعه، وکذلک الإطلاق فی نفس الحکم والماهیّة فی عالم التصوّر وفی مقام الثبوت؛ لما عرفت من أنّ الإطلاق والتقیید لا ینحصران فی مقام الإثبات والدلالة فقط، بل یُتصوّران فی مقام الثبوت أیضاً، لکن نظرهم إنّما هو الإطلاق والتقیید فی مقام الإثبات والدلالة؛ لأنّه محلّ ظهور الثمرة.
وهذا الّذی ذکرناه فی معنیٰ الإطلاق لا ارتباط له بتقسیم الماهیّة إلیٰ الماهیّة اللابشرط والبشرط لا والبشرط شیء؛ لأنّ هذه الأقسام إنّما هی للماهیّات المتأصّلة، ولا اختصاص للإطلاق والتقیید بها، بل الماهیّات الاعتباریّة قد تتّصف بالإطلاق والتقیید ـ أیضاً ـ کالبیع والنکاح ونحوهما.
لکن لا بأس ببسط الکلام فی بیان هذه الأقسام تبعاً للقوم، فنقول :
الماهیّة ـ کرجل ـ قد تلاحظ فی الذهن، وهی ـ حینئذٍ ـ من الموجودات الذهنیّة، وحیث إنّ وجودها الذهنی ـ ولحاظها الذی وُجدت به فیه ـ مغفولٌ عنه للاّحظ، وأنّه یتصوّر نفس الماهیّة المجرّدة عن جمیع القیود، یمکن أن یوضع لفظ «الرجل» لها بدون تقییده بقید من القیود، حتّیٰ قید وجودها الذهنی، فأسماء الأجناس موضوعة لنفس الطبیعة المجرّدة بلحاظها کذلک.
فما یظهر من بعض الُمحشّین علیٰ «الکفایة» ـ المحقّق الاصفهانی قدس سرهـ : من أنّ الواضع یتصوّر الماهیّة بقید الإرسال، فیضع اللفظ لنفسها، ولحاظ الإرسال إنّما هو لأجل السریان فی جمیع أفرادها.
فیه : أنّ الوضع لنفس الماهیّة بتصوُّرها کذلک، کافٍ فی السریان بدون الاحتیاج إلیٰ لحاظ الإرسال، مع أنّ مجرّد لحاظ الإرسال لا یُفید ما لم یوضع اللفظ
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 416 بإزائها مقیّداً به.
فالحقّ ما عرفت : من أنّ أسماء الأجناس موضوعة لنفس الماهیّة بلحاظها کذلک، ومعنیٰ صدقها علیٰ الأفراد هو اتّحادها مع کلّ واحد منها، لا انطباقها علیها وحکایتها عنها.
ثمّ إنّ تقسیم الماهیّة إلی المطلقة والمخلوطة والمجرّدة، هل هو تقسیم لنفس الماهیّة، أو أنّه تقسیم لها مقیسة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة، وهی البشرط شیئیّة والبشرط لائیّة واللاّبشرطیّة، فالمَقْسم ـ حینئذٍ ـ هو الماهیّة المقیسة إلیها، لا نفس الماهیّة، وحینئذٍ فالماهیّة المقیسة إلیٰ جمیع اللواحق العارضة لها ـ کالبیاض والسواد مثلاً ـ هو اللابشرط القسمی، أو أنّه تقسیم للحاظ الماهیّة، لا لنفس الماهیّة، ولا الماهیّة المقیسة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة ؟
فنقول : لابدّ من ملاحظة أنّ هذا التقسیم من الفلاسفة العظام، هل هو مجرّد فرض واعتبار؛ بحیث یمکن أن یُفرض شیء واحد لا بشرط وبشرط شیء وبشرط لا، أو أنّ الأقسام المذکورة إنعکاسات عن الخارج وصور له وحاکیة عن الحقائق الواقعیّة، وإنّما ذکروها فی مقام التعلیم والتعلُّم، کما أنّ مراتب الفصول والأجناس من العالی والسافل منهما والمتوسّطات صور للعالَم؛ حیث إنّ الهیولیٰ الاُولیٰ التی هی مادّة الموادّ، لمّا تحرّکتْ قَبِلت الصورة الجسمیّة أوّلاً، فمنها ما وقفت علیها وتعصّت عن الترقّی إلیٰ ما فوقها؛ أی الصورة المعدنیّة کالحجر والمدر، ومنها ما تحرّکت إلیٰ ما فوقها، وقبلت الصورة المعدنیّة، والمعدنیّات ـ أیضاً ـ ما وقفت علیٰ صورتها متعصّیة عن التحرّک إلیٰ ما فوقها؛ أی الصورة النباتیّة کالشجر وسایر النباتات، ومنها ما تحرّکت عنها إلیٰ ما فوقها، وقبلت الصورة الحیوانیّة، والحیوانات ـ أیضاً ـ کذلک منها ما وقفت علیٰ صورتها، ومنها ما تحرّکت إلیٰ ما فوقها، وهی الصورة الإنسانیّة.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 417 وهذه الحرکة من الهیولیٰ الاُولیٰ فی هذه المراتب، منها ما یحتاج إلیٰ فصل زمانٍ، وفی بعضها بدون فاصلة من الزمان، فالمعدن الذی هو فی الذهب غیر المعدن الذی هو فی الإنسان، والحیوانیّة التی فی البقر ـ مثلاً ـ غیر الحیوانیّة التی فی الإنسان، فمراتب الأجناس والفصول لیست مجرّد فرض واعتبار، بل هی صور عالَم الکون.
وأمّا تقسیم الماهیّة إلیٰ الأقسام الثلاثة، فیظهر من بعضهم : أنّها مجرّد فرض واعتبار، وأنّها قد تعتبر لا بشرط، وقد تعتبر بشرط لا، وقد تعتبر بشرط شیء.
وأجابوا عن الإشکال فی هذا التقسیم ـ بأنّه تقسیم للشیء إلیٰ نفسه وإلیٰ غیره، واتّحاد المَقْسم مع بعض الأقسام ـ بالفرق بین اللابشرط القسمی واللابشرط المَقْسمی، وأنّ اللا بشرط القسمی هو ما لوحظ فیه اللابشرطیّة، وقُیّدت الماهیّة بها، بخلاف المقسمی، فإنّه لم یلاحظ فیه مع الماهیّة شیء حتّیٰ اللابشرطیّة.
ونظیر ذلک الفرق بین المادّة والجنس والنوع، فقالوا: إنّ الماهیّة إن اعتُبرت بشرط شیء فهی النوع، وإن اعتُبرت بشرط لا فهی المادّة، وإن اعتبرت لا بشرط فهی الجنس، فالفرق بینهما إنّما هو بالاعتبار، وأنّها إذا اعتبرت لا بشرط أمکن حملها، وإن اعتبرت بشرط لا امتنع حملها.
لکن هذا کلّه خلاف مراد الفلاسفة والحکماء؛ لأنّ الفرق بین المادّة والجنس والنوع لیس بمجرّد الفرض والاعتبار الذهنیّ، بل الفرق بینها أمر واقعیّ تکوینیّ؛ لأنّ الهیولیٰ بعدما قبلت صورةً من الصور النوعیّة کالجوزة ـ مثلاً ـ صارت المادّة فعلیّة، ثمّ ان کان فیها استعداد کونها شجرة، فهی مادّة للشجرة ، فالمادّة الاُولیٰ للصورة
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 418 النوعیّة للجوزة بشرط شیء عند صیرورتها جوزة، وترکیبها مع صورة الجوزة اتّحادیّ؛ بمعنیٰ أنّ المادّة صارت فعلیّة، والمادّة الثانیة التی فی الجوزة ـ أی الاستعداد للشجریّة وقبولها لصورة الشجریّة ـ هی اللابشرط بالنسبة إلیٰ صورة الجوزة، وترکیبهما انضمامیّ؛ بمعنیٰ أنّ لها الاستعداد لقبول صورة الشجریّة، وهو موجود مع صورة الجوزة، لا أنّها شیء التصق بها، فالأوّل هو النوع، والثانی هو المادّة.
وکذلک فیما نحن فیه، فإنّ تقسیم الماهیّة إلیٰ الاعتبارات الثلاثة بمجرّد الفرض والاعتبار، بل کلّ ماهیّة إذا قیست بحسب ذاتها أو وجودها الخارجیّ إلیٰ شیء آخر من لوازمها ولواحقها، فهی بالإضافة إلیه : إمّا بشرط شیء أو بشرط لا أو لا بشرط، مثلاً: إذا قیست الماهیّة فی وجودها الخارجی ـ کالجسم ـ بالنسبة إلیٰ التحیُّز، فهی بشرط شیء بالنسبة إلیه؛ لعدم انفکاکه عنه فی وجوده، وإذا قیست إلیٰ التجرُّد فهی بشرط لا بالنسبة إلیه؛ لاستحالة اتّصافها به، وإذا قیست إلیٰ مثل البیاض والسواد فهی لا بشرط؛ لإمکان اتّصافها بهما وعدمه.
وهکذا الماهیّة بحسب ذاتها إذا قیست إلیٰ شیء آخر فلا تخلو عن أحد الاُمور الثلاثة: فإنّها بالنسبة إلیٰ ما لا یمکن انفکاکها عنه کلوازمها بشرط شیء، وبالنسبة إلیٰ ما لا یمکن اتّصافها به بشرط لا، وبالنسبة إلیٰ ما أمکن فیه الأمران، ولیست آبیة عنه وعن عدمه، فهی لا بشرط، فالفرق بین الأقسام المذکورة لیس مجرّد الفرض والاعتبار الذهنّی؛ بحیث إذا لوحظت بشرط لا عن شیء واحد فهی بشرط لا، وإذا اعتُبرت بشرط ذلک الشیء فهی بشرط شیء، وإذا اعتُبرت لا بشرط عن ذلک الشیء فهی اللابشرط، وأنّها إذا اعتُبرت لا بشرط شیء أمکن حملها، وإن اعتُبرت بشرط للا عن هذا الشیء امتنع حملها.
بل الفرق بینها واقعیٌّ کما عرفت، وحینئذٍ فالمَقْسم فی الأقسام المذکورة، هی نفس الماهیّة المطلقة المتّحدة مع کلّ واحد من الأقسام، ولا یرد علیه إشکال لزوم
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 419 تقسیم الشیء إلیٰ نفسه وغیره.
إذا عرفت هذا فاعلم : أنّ أسماء الأجناس موضوعة لنفس الطبیعة المطلقة اللابشرط المَقْسمی، وتعرف ما فی کلام المیرزا المحقّق النائینی قدس سره علیٰ ما فی التقریرات، فإنّه قال ما حاصله: إنّ الماهیّة قد تعتبر بشرط لا؛ بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ نحوٍ لا تتّحد مع ما هو معها، فهی بهذا الاعتبار مغایرة لما هی تتّحد معه باعتبار آخر، والماهیّة المعتبرة علیٰ هذا النحو، تقابلها الماهیّة المعتبرة لا بشرط بالإضافة إلیٰ الاتّحاد، وهذا کما فی المشتقّات بالإضافة إلیٰ مبادئها، وکما فی الجنس والفصل بالإضافة إلیٰ المادّة والصورة، فهی ـ أی المبادئ ـ آبیة عن حمل بعضها علیٰ بعض وعلیٰ الذوات المعروضة لها؛ لأنّها اُخذت بشرط لا، وأمّا المشتقّات فهی قابلة لحمل بعضها علیٰ بعض آخر، لا بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من الخصوصیّات، واللابشرط بهذا المعنیٰ خارج عمّا هو محلّ الکلام.
وقد تعتبر الماهیة بشرط لا؛ بمعنیٰ أنّها تعتبر علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من الخصوصیّات اللاحقة لها، ویُعبَّر عنها بالماهیّة المجرّدة، فهی بهذا الاعتبار من الکلّیّات العقلیّة التی یمتنع صدقها علیٰ الموجودات الخارجیّة، والماهیّة المأخوذة بشرط لا بهذا المعنیٰ یقابلها أمران:
الأوّل : الماهیّة المعتبرة بشرط شیء؛ أی الماهیّة الملحوظ معها اقترانها بخصوصیّة من الخصوصیّات اللاحقة لها؛ سواء کانت تلک الخصوصیّة وجودیّة أو عدمیّة، ویعبّر عنها بالماهیّة المخلوطة، والماهیّة بهذا الاعتبار تنحصر صدقها علیٰ الأفراد الواجدة لتلک الخصوصیّة، ویمتنع صدقها علیٰ الفاقدة لها.
الثانی : الماهیّة المعتبرة لا بشرط؛ أعنی بها ما لا یعتبر فیه شیء من الخصوصیّتین المعتبرتین فی الماهیّة المجرّدة والمخلوطة، ویُعبّر عنها بالماهیّة المطلقة والماهیّة المأخوذة بنحو اللابشرط القسمی، وهو المراد بلفظ المطلق حیثما اُطلق فی
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 420 المباحث، والماهیّة بهذا الاعتبار قابلة للصدق علیٰ جمیع الأفراد المعتبرة کلٌّ منها بخصوصیّة تغایر خصوصیّة الفرد الآخر.
فظهر بذلک : أنّ الکلی الطبیعی الصادق علیٰ کثیرین إنّما هو اللابشرط القسمی، دون المقسمی؛ لأنّ اللابشرط المقسمی أی نفس الطبیعة من حیث هی جامعة بین الکلی المعبّر عنه باللابشرط القسمی الممکن صدقه علیٰ کثیرین، والکلی المعبّر عنه بالماهیّة المأخوذة بشرط شیء، الذی لا یصدق إلاّ علیٰ الأفراد الواجدة لما اعتبر فیه من الخصوصیّة، ومن الواضح أنّه یستحیل أن یکون الجامع بین هذه الأقسام هو الکلی الطبیعی؛ لأنّ الکلی الطبیعی هو الکلی الجامع بین الأفراد الخارجیّة الممکن صدقه علیها، فهو ـ حینئذٍ ـ قسیم للکلی العقلی الممتنع صدقه علیٰ الأفراد الخارجیّة، ولا یعقل أن یکون قسیم الشیء مَقْسماً له ولنفسه؛ لأنّ المقسم لابدّ أن یکون متحقّقاً فی جمیع أقسامه، فالمقسم هو الجامع القابل للصدق علیٰ الخارج وعلیٰ الکلی العقلی، ولا یُعقل أن یکون الکلی الطبیعی هو الجامع بین الماهیّة المجرّدة والأفراد الخارجیّة، بل هو المتمحِّض فی کونه جهة جامعة بین جمیع الأفراد الخارجیّة المعبَّر عنها باللابشرط القسمی، والجامع بین جمیع هذه الأقسام هی الماهیّة المأخوذة علیٰ نحو اللابشرط المقسمی.
واتّضح بذلک : أنّ الفرق بین اللابشرط القسمی وبین المقسمی: هو أنّ اللابشرط المقسمی قد اُخذ لا بشرط بالإضافة إلیٰ خصوصیّات الأقسام الثلاثة، الممتاز کلُّ واحدٍ منها عن الآخر باللحاظ، واللابشرط القسمی قد اُخذ لا بشرط بالإضافة إلیٰ الخصوصیّات والأوصاف اللاحقة لها باعتبار اتّصاف أفرادها بها، کالعلم والجهل بالنسبة إلیٰ الإنسان.
ومن ذلک یظهر أنّه یمکن تقسم الماهیّة إلیٰ أقسامها الثلاثة بوجه آخر: وهو أن یقال : إنّ الماهیّة إمّا أن تلاحظ علیٰ نحو الموضوعیّة وغیرَ فانیةٍ فی مصادیقها
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 421 الخارجیّة، فهی الماهیّة المجرّدة المأخوذة بشرط لا، وإمّا أن تلاحظ علیٰ نحو الطریقیّة وفانیةً فی جمیع المصادیق؛ بحیث یکون المحمول الثابت لها ثابتاً لجمیعها، فهی الماهیّة المطلقة المأخوذة علیٰ نحو اللابشرط القسمی، وإن لوحظت فانیةً فی قسم خاصّ من الأقسام دون غیره، فهی الماهیّة المأخوذة بشرط شیء.
ثمّ قال : إنّا مهما شککنا فی شیء لا نشکّ فی أنّ الإطلاق مساوق لأخذ الماهیّة علیٰ نحوٍ یسری الحکم الثابت لها إلیٰ جمیع أفرادها، فیکون مفادُ «أعتق رقبةً» مثلاً ـ بعد فرض تمامیّة مقدّمات الإطلاق فی الکلام ـ مساوقاً لمفاد «أعتق أیّة رقبة»، وهذا المعنیٰ لا یتحقّق فی فرض کون اللابشرط القِسمی مَقْسماً. انتهیٰ ملخّص کلامه علیٰ ما فی تقریرات درسه.
أقول : فی کلامه قدس سره مواقع للنظر والإشکال والتناقض الغیر القابل للجمع، ولنذکر بعضها :
أمّا أوّلاً : فلأنّ ما ذکره من التقسیم أوّلاً: بأنّ البشرط لا: عبارة عن أخذ الماهیّة واعتبارها علیٰ نحوٍ لا یکون معها شیء من الخصوصیّات، وبشرط شیء: عبارة عن أخذها واعتبارها مع خصوصیّةٍ من الخصوصیّات، ولا بشرط: عبارة عن أخذها واعتبارها علیٰ نحوٍ لا یعتبر فیها شیء من الخصوصیّتین.
فیه : أنّه إن أراد من الأخیر ـ أی اللابشرط القسمی ـ أنّه ما لوحظ واعتبر فیه عدم اعتبار شیءٍ من الخصوصیّات ـ کما هو الظاهر ـ فاللابشرط بهذا المعنیٰ کلّیّ عقلیّ، لا موطن له إلاّ العقل والذهن، ویمتنع صدقه علیٰ الخارج؛ لتقوّمه بالاعتبار واللحاظ الذی هو أمر ذهنیّ، ولا یمکن صدقه علیٰ الخارج.
فإن قلت : إنّ ذلک مُسلّم لو اُخذ لحاظ عدم الاعتبار بالمعنیٰ الاسمیّ، وأمّا لو اُخذ بالمعنیٰ الحرفیّ فلا یمتنع صدقه علیٰ الخارج وحمله علیه، کما ذکره صاحب الدُّرر
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 422 ردّاً علیٰ «الکفایة»؛ حیث قال: وفیما أفاده ـ أی صاحب الکفایة من امتناع الصدق علیٰ الخارج ـ نظر؛ لإمکان دخل الوجود الذهنی علیٰ نحو المرآتیّة فی نظر اللاحظ، کما أنّه تنتزع الکلّیّة عن المفاهیم الموجودة فی الذهن، لکن لا علیٰ نحوٍ یکون الوجود الذهنی ملحوظاً للمتصوِّر بالمعنیٰ الاسمی؛ إذ هی بهذه الملاحظة مباینة مع الخارج، ولا تنطبق علیٰ شیء، ولا معنیٰ لکلّیّة شیءٍ لا ینطبق علیٰ الخارج أصلاً. انتهیٰ ما فی «الدُّرر».
قلت : المراد من المعنیٰ الحرفیّ هو عدم لحاظ عدم اعتبار مقارنتها مع احدی الخصوصیّات، فی قِبال المعنیٰ الاسمی الذی هو عبارة عن لحاظ ذلک، وحینئذٍ فإذا قُسِّمت الماهیّة إلیٰ الأقسام الثلاثة: فإمّا أن یجعل اللابشرط القسمی نفس الماهیّة، أو الماهیّة الملحوظة عدم مقارنتها مع إحدی الخصوصیّات:
فعلیٰ الأوّل : یلزم اتّحاد القسم والمَقْسم، کما ذکرنا أوّلاً.
وعلیٰ الثانی : فهو من الکلّیّات العقلیّة؛ لتقوُّمه بالاعتبار العقلی، ویمتنع صدقه علیٰ الخارج؛ لأنّه یلزم أن لا یکون الموجود فی الخارج نفس الإنسان وماهیّته، بل الإنسان مع قید الاعتبار، وهو محال، فإنّ الموجود فی الخارج هو نفس ماهیّة الإنسان، ویمتنع حمل الإنسان مع قید لحاظ عدم اعتبار خصوصیّة معه علیٰ الإنسان الموجود فی الخارج.
مضافاً إلیٰ أنّه لا معنیٰ لأخذ اللحاظ فی مقام التقسیم بالمعنی الاسمی.
وإن أراد أنّ اللابشرط القسمی هو ما لم یعتبر فیه لحاظ عدم الاعتبار، بل لوحظ فیه نفس الماهیّة فقط، یتوجّه علیه إشکال لزوم الاتّحاد بین المقسم وبعض
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 423 الأقسام، لکن الظاهر أنّ مراده هو الأوّل.
وثانیاً : أنّه قدس سره ذکر فی صدر کلامه عدم اعتبار شیء من الخصوصیّتین فی اللابشرط القسمی، وهو مناقض لما ذکره من الفرق بین المقسم والأقسام: من أنّ اللابشرط القسمی عبارة عمّا اُخذ لا بشرط بالإضافة إلیٰ الخصوصیّات والأوصاف اللاحقة لها باعتبار اتّصاف أفرادها بها، کالعلم والجهل بالنسبة إلیٰ الإنسان.
وثالثاً : ما ذکره قدس سره فی التقسیم الأخیر من معنیٰ اللابشرط القسمی مناقض لما ذکره أوّلاً لمعناه؛ لتقوُّمه فیما ذکره أخیراً بالفناء فی الأفراد، واعتبار ذلک فیه دون الأوّل.
اللهمّ إلاّ أن یکون تقسیماً آخر وهو کما تریٰ، مضافاً إلیٰ أنّه غیر مستقیم فی نفسه؛ لامتناع صدقه ـ حینئذٍ ـ علیٰ الخارج؛ لتقوّمه باعتبار الفناء الذی هو أمر ذهنیّ.
ورابعاً : ما ذکره أخیراً فی مقام الفرق بین المَقسم والأقسام ـ أیضاً ـ مناقض لما ذکره أوّلاً؛ فإنّ المقسم ـ بناءً علیٰ ما ذکره أوّلاً ـ هو نفس الماهیّة والطبیعة، وجعله هنا الماهیّة التی اُخذت لا بشرط بالإضافة إلیٰ خصوصیّات الأقسام الثلاثة بلحاظ الماهیّة، وتصوّرها فی کلّ واحد منها علیٰ نحوٍ یُغایر لحاظها فی الآخر، وحینئذٍ فلا محیص إمّا عن الالتزام بأنّ الفرق بین الأقسام والمقسم بمجرّد الاعتبار والفرض، کما یظهر من المحقّق السبزواری فی المنظومة؛ حیث قال:
مخلوطة مطلقة مُجرَّدة
عند اعتباراتٍ علیها مُوْرَدة
أو عن ما ذکرناه وحقّقناه مفصّلاً.
کتابتنقیح الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله الموسوی الامام الخمینی (س)صفحه 424