تقریب المحقّق الشریف لبساطة المشتقّ وتزییفه
ثمّ إنّه یحکیٰ عن المحقّق الشریف : أنّه أقام برهاناً علی بساطة المشتقّ : بأنّه یمتنع أخذ الشیء والذات فی المشتقّ ؛ وذلک لأنّ المأخوذة فیه :
إمّا مفهوم الشیء ، وهو عرض عامّ ولازمه أخذ العرض العامّ فی الفصل فی قولک : «الإنسان ناطق» ، فیدخل مفهوم الشیء فی الناطق ، الذی هو فصل مقوّم للإنسان . ولا یعقل دخول العرضی فی الذاتی .
أو ما صدق علیه الشیء ؛ فیلزم انقلاب القضیة الممکنة إلی القضیة الضروریة فی قولک : «الإنسان ضاحک» ؛ فإنّ الشیء الذی به الضحک هو الإنسان ، وثبوت الشیء لنفسه ضروری ؛ وذلک لأنّ المصداق الذی ثبت له الضحک فی المثال لیس هو إلاّ الإنسان . فیرجع الأمر فی القضیة الحملیة إلی ثبوت الإنسان للإنسان ، ومن المعلوم
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 91 أنّ ثبوت الشیء لنفسه ضروری ، فینقلب القضیة من الإمکان إلی الضرورة .
وفیه أوّلاً : أنّه لو تمّ ما أفاده فإنّما یکون دلیلاً علیٰ عدم أخذ الذات فی المشتقّ ، لا علیٰ بساطته ؛ لأنّه من الممکن أن یقال : إنّ مفاد المشتقّ الحدث المنتسب إلی الذات ، کما ذهب إلیه المحقّق العراقی قدس سره ، کما تقدّم آنفاً .
وثانیاً : أنّه إن أراد بقوله : «ذلک» أنّه یلزم من ذلک دخول العرض العامّ فی الذاتی ، والانقلاب فی الواقع ونفس الأمر ، فواضح أنّ مجرّد أخذ الشیء فی معرّفیة شیء لا یلزم أن یکون المعرّف ـ بالفتح ـ کذلک ، ولا یکون ذلک ممتنعاً .
وبعبارة اُخـریٰ : لا یلزم مـن کـون المشتقّ موضـوعاً لـذات ثبت لـه المبدأ امتناع ذاتی ، والممتنع هو انقلاب الإمکان الواقعی إلی الضرورة ، ودخالة العرضی فی الذاتی کذلک .
وغایة ما یتوجّه علی القائل بأخذ الشیء فی مفهوم المشتقّ : هی عدم صحّة الحمل فی «زید ضاحک» مثلاً ، إلاّ بالتجرید ، فیکون مرجع ما ذکره إلی أنّ ما قاله المنطقیون والمتبادر عندهم هو عدم أخذ الذات فی المشتقّ .
فالأولیٰ فی تقریب استدلاله أن یقال : إنّه لو اُخذ مفهوم الشیء والذات فی المشتقّ یلزم عدم صحّة معرّفیة الناطق ، الذی یکون فصلاً ممیّزاً . وإن اُخذ ما صدق علیه الذات یلزم أن لا تکون القضیة موجّهة بالإمکان أصلاً ، بل بالضرورة دائماً .
فیرجـع حاصل الکـلام إلی التبادر ، وهـو : أنّه لـو کان مفهوم الشیء معتبراً فی المشتقّ یلزم أن لا یجعل المنطقی الناطق معرّفاً للإنسان . ولـو اعتبر فیه ما صـدق علیه الشیء یلزم أن لا یوجّه القضیة بالإمکان . والتبادر قاضٍ بصحّة کلیهما ، فلم تکن المسألة مبنیة علی الدلیل العقلی ، فتدبّر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 92 وثالثاً : أنّ غایة ما تقتضیه مقالته هی عدم أخذ الذات فی المشتقّ ، لا امتناع جعل المشتقّ معرّفاً ، مع أنّ المحذور الذی یلزم علیه یکون أشدّ من ترکّب المشتقّ . وذلک لأنّ الناطق ـ مثلاً ـ مشتقّ ، وله مبدأ ـ وهو الحدث أو ما بحکمه ـ فلو جعل معرّفاً لماهیة جوهریة بما لها من المعنیٰ یلزم أن یکون المعنی الحدثی من الجواهر ، وذلک لا یعقل .
وبالجملة : لو کان المشتقّ عبارة عن الحدث اللابشرط ـ وقد یظهر منه دخول الانتساب فیه ـ فالمحذور العقلی الذی توهّمه علیٰ تقدیر أخذ الذات فی المشتقّ یلزمه بنحو أشدّ ؛ لأنّ المبدأ اللابشرط من الأحداث ، فلازم جعله معرّفاً لماهیة جوهریة هو کون الجوهر حدثاً ، وکون المعنی الحدثی من مقولة الجوهر ، وکلاهما غیر معقولین .
والذی یسهّل الخطب : عدم لزوم محذور عقلی وانقلاب واقعی لو اُخذت الذات فی المشتقّ ، بل غایة ما هناک هی کونها خلاف التبادر .
بل یمکن أن یقال ـ مـع الغضّ عمّا ذکرنا ـ إنّ ما ذهبنا إلیه ـ مـن کـون المتبادر مـن المشتقّ المعنی المبهم القابل للانحلال ـ أولـیٰ مـن کونه الحـدث اللابشرط ؛ لأنّ الحـدّ ینبغی أن یکون تامّاً ، وذلک إنّما یکـون إذا عرفت الهیئة علـیٰ ما هی علیه فی نفس الأمـر . فإن تخلّف المعـرّف ـ بالکسر ـ عـن إراءة الواقـع فـی حیثیة مـن الحیثیات ، وعـدم معرّفیة الماهیة ـ بالفتح ـ علی ما هـی علیها فـی الواقـع ، یکون حدّاً ناقصاً ، هذا .
وقد ثبت فی محلّه : أنّ ترکّب الجنس والفصل اتّحادی لا انضمامی ؛ لأنّ الهیولی الاُولی ـ کما أشرنا آنفاً ـ إذا انسلکت وتوجّهت إلیٰ کمالاتها تتوارد علیها صور طولیة ـ من الصور العنصریة والجمادیة والنباتیة والإنسانیة ـ تکون فی کلّ مرتبة عین صورتها ، لا أنّها شیءٌ انضمّ إلیها الصورة .
وبعبارة أوضح : تتبدّل القوّة إلی الفعلیة ، لا أنّها قوّة انضمّت إلیها الفعلیة .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 93 وبالجملة : المادّة الاُولی هی الحصّة المتبدّلة إلی فعلیة وصورة ، ومنها إلیٰ فعلیة وصورة اُخریٰ ، إلی أن تصل إلی صورة وفعلیة لا تکون فوقها صورة ، وهی جامعة لجمیع فعلیات المراتب الأوّلیة علیٰ نعت الجمعیة والبساطة . فالإنسان هو الموجود الفعلی الذی تبدّل إلیه الهیولی الاُولیٰ . فحکایة الإنسان علیٰ ما هو علیه إنّما یکون بحکایة الهیولی المتبدّلة إلی الصورة الإنسانیة . والحاکیة عن هذه هو الفصل التامّ ـ الذی عبارة عن الناطق ـ فإنّه الذی یحکی عن اتّحاد المادّة المبهمة مع الصورة والهیولی المتحصّلة بصورة الناطقیة . فالذات المبهمة اُخذت علیٰ نحو الوحدة مع العنوان فی المشتقّ ، وواضح أنّ هذا إنّما یکون إذا کان المشتقّ هو المعنی المبهم القابل للانحلال ، لا الماهیة اللابشرط ؛ فإنّها لا تحکی الواقع علیٰ ما هو علیه ؛ بداهة عدم حکایتها عن اتّحاد الهیولیٰ مع الصورة ، تدبّر جیّداً .
ثمّ إنّه أضف إلیٰ ما ذکرنا کلّه : أنّ الحقّ ـ کما علیه المحقّقون وثبت فی محلّه ـ أنّ الناطق ـ سواء اُرید منه المتکلّم أو المدرک للکلّیات ـ لا یصحّ أن یکون حدّاً وفصلاً ممیّزاً للإنسان .
هذا کلّه بالنسبة إلی الشقّ الأوّل من کلامه ؛ وهو لزوم أخذ العرض العامّ فی الفصل علیٰ تقدیر أخذ مفهوم الشیء فی المشتقّ .
وأمّا بالنسبة إلی الشقّ الثانی من کلامه ؛ من انقلاب القضیة الممکنة إلی الضروریة علیٰ تقدیر أخذ ما صدق علیه الشیء فی المشتقّ .
ففیه أوّلاً : کما أشرنا أنّه لا یلزم من ذلک انقلاب مادّة الإمکان إلی الضرورة فی الواقع ونفس الأمر ، بل غایته کونه خلاف المتبادر منه .
وثانیاً : أنّه لا یکون ذلک علی تقدیره إشکالاً عقلیاً فی المسألة کما هو المدّعی بل خلاف التبادر .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 94 وثالثاً : ـ وهو العمدة ـ أنّ الانقلاب إنّما یلزم لو کانت الذات مأخوذة فی المشتقّ تفصیلاً ؛ بحیث یکون قولنا : «زید ضارب» مثلاً إخبارین : أحدهما الإخبار عن کون زید زیداً ، وثانیهما الإخبار عن کونه ضارباً . وقد أشرنا أنّ الترکیب فی المشتقّ انحلالی ؛ فلا یلزم ذلک ؛ لأنّ الضارب ـ مثلاً ـ اسم فاعل حاکٍ عن الفاعل بما أنّه فاعل ، ولا یشکّ أنّ حیثیة الفاعلیة لا تکون ضروریة للإنسان .
ورابعاً : لو سلّم أخذ الذات فی المشتقّ تفصیلاً فإنّما یلزم ذلک لو کان ذلک إخبارین وقضیتین :
أحداهما ممکنة ، والاُخری ضروریة . وأمّا إذا کان إخباراً عن الذات التی له المبدأ ـ کما هو الظاهر ـ فلا تنحلّ إلی قضیتین خبریتین ، بل قضیة واحدة ؛ ضرورة أنّ القائل بأنّ زیداً شیء له القیام ما أخبر إلاّ عن ثبوت القیام له ، لا عن شیئیته .
وخامساً : لو فرض أنّ ذلک إخباران وقضیتان : إحداهما ضروریة والاُخریٰ ممکنة فأین الانقلاب ، فتدبّر جیّداً .
کتابجواهر الاصول (ج. ۲): تقریر ابحاث روح الله موسوی الامام الخمینی (س)صفحه 95